نبع الوفاء
10 - 6 - 2005, 04:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم :.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إحساس
سوف أنحني منحنىً جميلاً ، وأتحدث حديثًا لطيفًا ، يختلف نوعًا ما عن بعض الأحاديث التي تعوَّد الناس الخوض فيها ، حيث سيكون الحديث عن الوجدان والأحاسيس والمشاعر ، وعن مراعاة وتطييب الخواطر .
وهذا الحديث حديث دافىء ، ذو شجون وشؤون ، حديث مُلِحٌّ دائمًا ، لا غنى عنه أبدًا لدى أصحاب القلوب الرقيقة الحسَّاسة والمشاعر الصادقة المتأثِّرة ، ولكن لعله في نفس الوقت لا يعدو أن يكون عند البعض حديث العاطفة التي لا مكان لها في دوَّامة الحياة المتسارعة ، ولعلَّه أيضًا عبارة عن حديث فارغ ؛ يخصُّ المشاعر التي ينبغي على صنف من الرجال بالذَّات تجاوزها والإعراض عنها !
ومع كل الاحترام والتقدير لأصحاب هذا الرأي ، إلا أنَّني أجد نفسي تميل كل الميل ، وتتوجَّه كل التوجُّه مع الذين يقيمون للمشاعر وزنًا وأي وزن! وللأحاسيس ثقلاً وأي ثقل! بل يجعلون لها بُعدًا لا يعرف مداه إلاَّ هُم ، ولا يقدر قدره إلاَّ قلوبهم الكبيرة ومشاعرهم المرهفة!
وانطلاقًا من هذه المعاني الراقية ، والتي توشكُ أن تكون مفقودة في هجير زماننا الصعب ، أحبُّ أن ألفت النظر إلى هذا السموق الأخلاقي القويم ؛ لنتبادل حوله أطايب الكلام ، وروائع القصص ، وليتنا ولعلنا وعسانا أن نرطِّب أجواء حياتنا ؛ التي تحوَّلت إلى جفاف يشبه جفاف الصحاري القاحلة بهذه المعاني الخالدة .
ولا شكَّ أن الذي يتمتَّع بأعلى درجة من الإحساس والتأثُّر والتفاعل هو المؤمن الحق ، صاحب القلب الحي ، والإحساس المرهف ، والشعور الرقيق ، إنه الإنسان الذي يتفاعل مع كل ما يجري حوله ، ويتجاوب معه ، يبكي لبكاء الآخرين ، ويفرح لفرحهم ، يسعى دون هوادة من أجلهم ، ويسعى وقلبه مفعم بالمحبة ، ولسانه يقطر أدبًا وذوقًا ومراعاة ، ويده مبسوطة بالخير والود *****ألة .
ولا شك أيضًا أن المطالبة بمراعاة مشاعر الآخرين والإحساس بأحاسيسهم ليس بدعًا من القول ، ولا جُزَافًا من المنطق ، بل هو الدِّين والأدب والخُلق ، أوَ ليس المؤمن هو الذي يغضب إذا انتُهكت الحرمات؟ ويتمعَّر وجهُه ويتأثر قلبُه؟ كيف تملَّكه إذًا هذا الغضب والتأثُّر؟ أليس لأن مشاعره وأحاسيسه القلبية تحركت وتفاعلت فأدَّت إلى هذا الشعور؟
إن هذا الشعور وهذا التفاعل هو نفسه الذي يجب أن يحدُث في نفس كل مسلم حين يتعلَّق الأمر بأخيه المسلم ، ذلك الذي يحمل في قلبه حبًّا لله جلَّ وعلا ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، كيف يا ترى يتفنَّن المسلم الصادق في مراعاة مشاعر أخيه والاهتمام بأحاسيسه وعواطفه؟ كيف يتفاعل مع أفراحه وأحزانه؟ كيف يستطيع أن يُقدِّم له معروفًا؟
كيف.. وكيف؟ أسئلة لا بدَّ أن نهتم بها ، وأن نجد الإجابة عليها ، وأن نراعيها ، وإلا فنحن – للأسف – ممن قست قلوبهم وجمدت مشاعرهم ، وخمدت أحاسيسهم ؛ نتلقى كل ما يجري حولنا بفتور ولا مبالاة ، وببرودة لا مجال فيها لحركة أو إحساس ، إلا إذا جرى ما يمسُّ مصالحنا الشخصية ، أو مشاعرنا المرهفة ، فنحن حينئذ لن يقوم لغضبنا قائم ، ولن يبقى لوعيدنا باق!
وقد تكون كل انفعالاتنا هذه على حساب الآخرين ، الذين يبدو من سلوكنا أنَّهم لا قيمة لهم عندنا تُذكر! وهنا تكمُن مشكلة أخرى ، وتتعمق النظرة الخاطئة التي لا نريد ، ولعلَّ المثال التالي يدلنا على التعرف على كيف يكون الإحساس وتكون المراعاة .
والمثال هو :
مرَّ أبو سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه في الحديبية على سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم ، فأحبوا أن يُسمعوه ما يغيظه ، فقالوا : والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها ، فسمعهم أبو بكر ؛ فاستنكر عليهم ما قالوه ، وقال لهم : أتقولون هذا ل*** قريش وسيِّدهم؟!
وذهب أبو بكر وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( يا أبا بكر : لعلَّك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربَّك)) !!
فعاد أبو بكر على الفور إليهم كي يسترضيهم ويستعطفهم ؛ قائلاً : يا إخوتاه ، أأغضبتكم؟ قالوا : لا ، يغفر الله لك يا أخي!!
انظروا إلى هذا النموذج السامي الذي يحتذى في العلاقات بين أبناء المجتمع الإسلامي ،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إحساس
سوف أنحني منحنىً جميلاً ، وأتحدث حديثًا لطيفًا ، يختلف نوعًا ما عن بعض الأحاديث التي تعوَّد الناس الخوض فيها ، حيث سيكون الحديث عن الوجدان والأحاسيس والمشاعر ، وعن مراعاة وتطييب الخواطر .
وهذا الحديث حديث دافىء ، ذو شجون وشؤون ، حديث مُلِحٌّ دائمًا ، لا غنى عنه أبدًا لدى أصحاب القلوب الرقيقة الحسَّاسة والمشاعر الصادقة المتأثِّرة ، ولكن لعله في نفس الوقت لا يعدو أن يكون عند البعض حديث العاطفة التي لا مكان لها في دوَّامة الحياة المتسارعة ، ولعلَّه أيضًا عبارة عن حديث فارغ ؛ يخصُّ المشاعر التي ينبغي على صنف من الرجال بالذَّات تجاوزها والإعراض عنها !
ومع كل الاحترام والتقدير لأصحاب هذا الرأي ، إلا أنَّني أجد نفسي تميل كل الميل ، وتتوجَّه كل التوجُّه مع الذين يقيمون للمشاعر وزنًا وأي وزن! وللأحاسيس ثقلاً وأي ثقل! بل يجعلون لها بُعدًا لا يعرف مداه إلاَّ هُم ، ولا يقدر قدره إلاَّ قلوبهم الكبيرة ومشاعرهم المرهفة!
وانطلاقًا من هذه المعاني الراقية ، والتي توشكُ أن تكون مفقودة في هجير زماننا الصعب ، أحبُّ أن ألفت النظر إلى هذا السموق الأخلاقي القويم ؛ لنتبادل حوله أطايب الكلام ، وروائع القصص ، وليتنا ولعلنا وعسانا أن نرطِّب أجواء حياتنا ؛ التي تحوَّلت إلى جفاف يشبه جفاف الصحاري القاحلة بهذه المعاني الخالدة .
ولا شكَّ أن الذي يتمتَّع بأعلى درجة من الإحساس والتأثُّر والتفاعل هو المؤمن الحق ، صاحب القلب الحي ، والإحساس المرهف ، والشعور الرقيق ، إنه الإنسان الذي يتفاعل مع كل ما يجري حوله ، ويتجاوب معه ، يبكي لبكاء الآخرين ، ويفرح لفرحهم ، يسعى دون هوادة من أجلهم ، ويسعى وقلبه مفعم بالمحبة ، ولسانه يقطر أدبًا وذوقًا ومراعاة ، ويده مبسوطة بالخير والود *****ألة .
ولا شك أيضًا أن المطالبة بمراعاة مشاعر الآخرين والإحساس بأحاسيسهم ليس بدعًا من القول ، ولا جُزَافًا من المنطق ، بل هو الدِّين والأدب والخُلق ، أوَ ليس المؤمن هو الذي يغضب إذا انتُهكت الحرمات؟ ويتمعَّر وجهُه ويتأثر قلبُه؟ كيف تملَّكه إذًا هذا الغضب والتأثُّر؟ أليس لأن مشاعره وأحاسيسه القلبية تحركت وتفاعلت فأدَّت إلى هذا الشعور؟
إن هذا الشعور وهذا التفاعل هو نفسه الذي يجب أن يحدُث في نفس كل مسلم حين يتعلَّق الأمر بأخيه المسلم ، ذلك الذي يحمل في قلبه حبًّا لله جلَّ وعلا ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، كيف يا ترى يتفنَّن المسلم الصادق في مراعاة مشاعر أخيه والاهتمام بأحاسيسه وعواطفه؟ كيف يتفاعل مع أفراحه وأحزانه؟ كيف يستطيع أن يُقدِّم له معروفًا؟
كيف.. وكيف؟ أسئلة لا بدَّ أن نهتم بها ، وأن نجد الإجابة عليها ، وأن نراعيها ، وإلا فنحن – للأسف – ممن قست قلوبهم وجمدت مشاعرهم ، وخمدت أحاسيسهم ؛ نتلقى كل ما يجري حولنا بفتور ولا مبالاة ، وببرودة لا مجال فيها لحركة أو إحساس ، إلا إذا جرى ما يمسُّ مصالحنا الشخصية ، أو مشاعرنا المرهفة ، فنحن حينئذ لن يقوم لغضبنا قائم ، ولن يبقى لوعيدنا باق!
وقد تكون كل انفعالاتنا هذه على حساب الآخرين ، الذين يبدو من سلوكنا أنَّهم لا قيمة لهم عندنا تُذكر! وهنا تكمُن مشكلة أخرى ، وتتعمق النظرة الخاطئة التي لا نريد ، ولعلَّ المثال التالي يدلنا على التعرف على كيف يكون الإحساس وتكون المراعاة .
والمثال هو :
مرَّ أبو سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه في الحديبية على سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم ، فأحبوا أن يُسمعوه ما يغيظه ، فقالوا : والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها ، فسمعهم أبو بكر ؛ فاستنكر عليهم ما قالوه ، وقال لهم : أتقولون هذا ل*** قريش وسيِّدهم؟!
وذهب أبو بكر وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( يا أبا بكر : لعلَّك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربَّك)) !!
فعاد أبو بكر على الفور إليهم كي يسترضيهم ويستعطفهم ؛ قائلاً : يا إخوتاه ، أأغضبتكم؟ قالوا : لا ، يغفر الله لك يا أخي!!
انظروا إلى هذا النموذج السامي الذي يحتذى في العلاقات بين أبناء المجتمع الإسلامي ،