واحد زهقان
22 - 12 - 2005, 04:03 AM
أقلامي والسبورة
أتذكر أني دخلت مدرستي يوماً من الأيام متسلحاً بأربعة أسلحة مختلفة الألوان لأقاتل السبورة وأبين للتلاميذ أني شجاع لكن نسيت قول الشاعر :
وأرضُ الله واسعة ولكن ******* إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حينٍ ******* فما يغني عن الموت الدواء
للأسف هزمت في معركتي مع السبورة لأني كنت أظن انه ليس لها حلفاء كثير ، وفي بداية اليوم الدراسي بعد الطابور العادي الممل الذي صار عندنا مبرمج على شيءٍ واحد قف واسمع .......... واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربع . دخلت غرفة المعلمين لأرتب إستراتيجية الخطة للمعركة التي سوف تكون في الحصة الثانية ، وأرتب الصفوف والأسلحة وأعطي كل سلاح مهمته ، وخلال التفكير في إستراتيجية المعركة مر بي أستاذ قال: يا أستاذ ممكن قلم سبورة لأني نسيت أقلامي في المنزل إلى آخر اليوم وأرجعه لك ، قلت له : تفضل ، قال : شكرا .... قلت له : عفواً ... ، ورجعت إلى وضع المعركة مع السبورة ، السلاح قل ولم يبقى معك إلا ثلاثة أقلام وشعرت أن عزيمتي ضعفت ، رنّ الجرس ونودي للجهاد وارتفعت الأصوت وطارت الرؤوس وطاشت الدماء وترامت الأشلاء وارتبكت الصفوف واحتار القادة ، ودخلتُ معركتي وأنا أقول في نفسي :
إذا اعتاد المرء خوض المنايا ******* فأهون ما يمر به الوحول
وابتسمت للتلاميذ :D افتحوا عدتكم وتجهزوا ..... والتفت إلى السبورة لفتت برقٍ وقلت لها :
سأضرب في طول البلاد وعرضها ******* لأنال مرادي أو أموت غريبا
فـــــــــإن تلفت نفســــــي فلله درها ******* وإن سَلُمت كان الرجوع قريباً
ونزعت أسلحتي الثلاثة وبدأت أضرب بقلمي الأول صفوف السبورة حتى وصلت للتاريخ لأكتب التاريخ الذي سيروي هذه المعكرة وسلاحيّ الآخرين في يدي الأخرى ، وما إن انتهيت من كتابة التاريخ إلا بالباب يطرق ، أوقفت الصفوف التي أقودها وقلت: لا تتقدموا أتانا رسولٌ لعله يريد السلام ، قال :السلام عليكم قلت : وعليكم السلام ، تبسم قال ممكن قلم سبورة يا أستاذ ،قلت له بكل غيظٍ وغضب :mad: : تفضل وقلت له في نفسي :
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ******* ولا ينال العلى من طبعه الغضبوقبل أن يخرج وإذا بالصريخ من آخر المدرسة ينادي للرسول الذي في حصتي يقول وآآآآستاذاااااه بالله إئتني بقلم سبورة يا ابن الكرام فقال له الرسول :
يجود علينا الخيرون بمالهم****** ونحن بمال الخيرين نجود
وقال لي أستاذ فلان يبي قلم بعد إذنك يا أستاذ قلت عندي معركة مهمة واحتاج سلاحين على الأقل قال لي قال الله تعالى
( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) وأخذ القلم الثاني وخرج به والقلم ينظر إليه وهو يقول :
صديق ليس ينفع يوم بؤس ******* قريب من عدو في القياس
فقلت له :
تغرب عن الأوطان في طلب العلى ****** وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتسابٌ في معيشة ****** وعلم وآداب وصحبة ماجد
وللأسف لم يخبر الأستاذ أن القلم قلمي . ونظرت إلى السبورة وشعرت بالهزيمة النكراء وهي تقول لي :
لاتحقرن شأن العدو وكيده ****** ولربما صرع الأسودَ الثعلبُ لكن تذكرت قول الله تعالى : (الآن خَفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مئة صابرةُ يغلبوا مائتين وان يكن منكم ألف ٌ يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين)
ولم أستسلم ومازلت أقاوم الحال وبدأت أشق صفوف السبورة بكتابة بطولاتي المثالية وإذا بالداخل بين صفوفنا متعجلاً وكأن الفوارس خلفه منهك وسريع النفس ، أستاذ أستاذ أمنتك الله ألا أنقذتني قلم سبورة أنا عندي اختبار وأريد أن اكتب أسئلة الامتحان على السبورة قلت له مستغرباً :أنت لا تكتب أسئلتك على ورقة مطبوعة في حاسب آلي ،قال لي أنت طيب جداً يا أستاذ الورق بدارهم والحبر بدارهم ، وقال أنت يا أستاذ محتاج لقلمك سألتك بالله عشر دقائق – وهو يعلم أني والله محتاج له – راجع مادتك للطلاب حتى آتيك بقلمك ، واختنقت عبرتي وذبل لساني وحار عقلي وطاف بي قول الشاعر:
شر العواقب يأس قبله أمل ****** وأعضل الداء نَكْسٌ بعد إبلال
و أخذ السلاح الأخير مني .
وتراجع القائد وانسحب الجنود وطلب السلام وتذكرت بعدها قول الله عز وجل :
(إنما استزلهم الشيطان ببعض ماكسبوا )
والتفتُ إلى التلاميذ والدماء مني تنزف وقلت لهم ماهو عدوكم اليوم قالوا فعل الأمر قلت لهم قال الله تعالى ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) اصبر فعل أمر يدل على الطلب والله عز وجل طلب منا الصبر وقلت لهم بصوت مدوي فـــــــــــــــــــاهـــــــــمـــــــــــــين :mad: فخافوا وارتعبوا وقالوا : ( سمعنا واطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) وانتهت المعركة بالحصار إلى أن يأتي الله بأمره
ونفخ في الصور انتهت الحصة وقام التلاميذ من أمكنتهم وكأنهم كانوا في محكمة حكم القاضي عليهم بالإعدام وفي الدقيقة الأولى بعد الحكم تراجع القاضي وأفرج عنهم .
خرجت من المعركة أحمل أعباء الهزيمة ؛ ولأستيرح استراحة مقاتل وأعود للقتال مرة أخرى ، وإذا بمدرس الاختبار يلتقي بي في خارج ساحات القتال ، والوجل بين عينيه ، وإذا به يحمل سيفي الأخير في يده وقال لي : أعتذر إليك يا أستاذ والله احتجت للسلاح أكثر لأني شعرت بالخوف الكبير لو أرجعته لك وأنت أفضل مني وتجيد فنون القتال بدون سلاح ، وما استطعت أن اخرج عن التلاميذ واتركهم بدون مراقب قلت له كيف السلاح ؟ قال : نعم السلاح ، وقلت له :
حسامي في الهيجاء طبيباً **** يداوي رأس من يشكو الصداع
ولو أرسلت رمحي مع جبان ٍ **** لكان بهيبتي يلقى السباعا
!!! ودخلنا في حديث المعارك وفتحت غطاء القلم صدفةً وإذا برأس القلم ليس هو كأنه مضروب بمنجنيق هَتَكَ رأسه وعرضه !!! قلت له مستغربا ما الشجاعة التي جعلت منك يا أستاذ أن تفعل هذه بالقلم ؟ قال : لا لا لا يا أستاذ لكن كلمة كتبتها بدون نقطة أو نقطتين وقال لي التلاميذ يا أستاذ نقطة كملة كذا ليست مكتوبة قلت لهم أبـــــــــــشــــــــــروا وهذه النقطة طق :eek: - وكاد أن يقسم السبورة إلى قسمين من قوة ضربته - وقال أذكر أني كررتها أكثر من مرة - وأظن أنه فعلها بأقصى ما يستطيع : -
رام نفعا فضر من غير قصد ******* ومن البر ما يكون عقوقاً
ثم قال لي : المشاكل والله يا أستاذ نستنا وضع النقاط فوق الحروف ، وحتى نستنا نشتري أسلحة هـههههههههههه لا أبدا يا أستاذ لا بأس عليك .
ليس من مات فاستراح بميتٍ **** إنما الميت ميت الأحياء
وذهبت إلى غرفة المدرسين أقلب رأسي وأقول في نفسي عندك معركة وتحتاج إلى أكثر من سلاح وقلت في نفسي لما لا تذهب إلى فلان لعله يمددك بما يستطيع من سلاح وتحركت نحوه ولما قربت منه تذكرت قول الشاعر:
همتي همت الملوك ونفسي ******** نفس حر ترى المذلة كفرا
وإذا ما قنعت بالقلم حصتي ******** فلماذا أزور زيداً وعمراً وما شعرت إلا وأنا بجانبه ، وقال لي هلا يا أستاذ أي خدمة قلت – وأردت تغير الموضوع بسرعة وقلت – أبداً سلامتك أردت أن أسالك عن أسهم القلم الزراعية ، قال لي : ماذا تقول ؟!!! آسف قصدي أسهم القصيم الزراعية ،لا لا أبشرك زاد خيرها وكسبنا منها الكثير الحمد لله .
وأتتِ الحصة الثالثة ودخلت الفصل متجهزاً وما إن كتبت بالقلم وإلا بالقلم يلفظ أنفاسها الأخيرة وخاطبته وهو في الرمق الأخير قائلاً :
ناداك قلب صاحبك وهو متأسفٌ ******* قلمي حبيبي هل أصابك من ضرر؟
فدريتُ فضيعة خيانة لم يأتها ******** معلم سوايَ منذ تاريخ البشــــــر
وارتديت نحو القلم أغسله بمــــــا ******* فاضت به عينايه من سيل العبـــــر
واستليت خَنْجَري لأطعن صـدري ******** حنقا وأبقى عبرة لمن اعتبــــــــــر
نـــــاداني قـــلمي قف حبـــيبي ولا ******** ولا تقتل فؤادي مرتين على الأثر
وخرجت من الفصل حزيناً أبكي بكاء الزير سالم على أخيه كليب وأقول :
لقد مات أحبائي الصادقون ******** فما لي حبيب ولا لي عماد
إذا أقبل الصبح ولّى السرور******* وإذا أقبل الليل ولّى الرقاد
وبدأت أستنجد ممن حولي من العرب والقبائل الذين في قراهم قلما ؛ لأرد الثأر لقلمي ، فمنهم من قال لي ما أستطيع ومنهم من قال لي اذهب لغيري ، ومنهم ما استطعت أن اطرق بابه للقتال المرير الذي أراه داخل قريته . وصدفة دخلت أحد الصفوف وإذا بفارس واقف أمام الجنود ويخطب فيهم ويرفع يديه ويخفضها ويرفع هممهم وعلامات النصر على وجههِ المتوقد ، وإذا بالسلاح الذي يحمله سلاحي الثاني الذي أخذه مني الرسول لمعلم آخر، لكن لم يخبره أن السلاحي سلاحي وقلت ممكن قلم : فقال : محتاج له وآسف جداً وخفت أن أقول هذه والله قلمي فيقول في نفسه وأمام الزملاء بخيل ولئيم وإذا بسمعتي تسيء بسبب قلم أف وتف له من قلم من أجله أحط من قدري :
يهون علينا أن تصاب جسومنا ****** وتسلم أعراضٌ لنا وعقول
وجلست أنظر إلى القلم وهو ممددٌ بين أصابعه كأنه أسير محمول على كتف عدوِّي وكأنه يقول :
أضحى التنائي بديلا من تدانينا ******* وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحكم ******* شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
تكاد حين تناجكم ضمائرنا ******* يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حالت لفقدكم أيامنا فغدت ****** سودا وكانت بكم بيضا ليالينا
لاتحسبوا نأيكم عنا يغيرنا؛ ******* إن طالما غير النأي المحبين
أتذكر أني دخلت مدرستي يوماً من الأيام متسلحاً بأربعة أسلحة مختلفة الألوان لأقاتل السبورة وأبين للتلاميذ أني شجاع لكن نسيت قول الشاعر :
وأرضُ الله واسعة ولكن ******* إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حينٍ ******* فما يغني عن الموت الدواء
للأسف هزمت في معركتي مع السبورة لأني كنت أظن انه ليس لها حلفاء كثير ، وفي بداية اليوم الدراسي بعد الطابور العادي الممل الذي صار عندنا مبرمج على شيءٍ واحد قف واسمع .......... واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربع . دخلت غرفة المعلمين لأرتب إستراتيجية الخطة للمعركة التي سوف تكون في الحصة الثانية ، وأرتب الصفوف والأسلحة وأعطي كل سلاح مهمته ، وخلال التفكير في إستراتيجية المعركة مر بي أستاذ قال: يا أستاذ ممكن قلم سبورة لأني نسيت أقلامي في المنزل إلى آخر اليوم وأرجعه لك ، قلت له : تفضل ، قال : شكرا .... قلت له : عفواً ... ، ورجعت إلى وضع المعركة مع السبورة ، السلاح قل ولم يبقى معك إلا ثلاثة أقلام وشعرت أن عزيمتي ضعفت ، رنّ الجرس ونودي للجهاد وارتفعت الأصوت وطارت الرؤوس وطاشت الدماء وترامت الأشلاء وارتبكت الصفوف واحتار القادة ، ودخلتُ معركتي وأنا أقول في نفسي :
إذا اعتاد المرء خوض المنايا ******* فأهون ما يمر به الوحول
وابتسمت للتلاميذ :D افتحوا عدتكم وتجهزوا ..... والتفت إلى السبورة لفتت برقٍ وقلت لها :
سأضرب في طول البلاد وعرضها ******* لأنال مرادي أو أموت غريبا
فـــــــــإن تلفت نفســــــي فلله درها ******* وإن سَلُمت كان الرجوع قريباً
ونزعت أسلحتي الثلاثة وبدأت أضرب بقلمي الأول صفوف السبورة حتى وصلت للتاريخ لأكتب التاريخ الذي سيروي هذه المعكرة وسلاحيّ الآخرين في يدي الأخرى ، وما إن انتهيت من كتابة التاريخ إلا بالباب يطرق ، أوقفت الصفوف التي أقودها وقلت: لا تتقدموا أتانا رسولٌ لعله يريد السلام ، قال :السلام عليكم قلت : وعليكم السلام ، تبسم قال ممكن قلم سبورة يا أستاذ ،قلت له بكل غيظٍ وغضب :mad: : تفضل وقلت له في نفسي :
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ******* ولا ينال العلى من طبعه الغضبوقبل أن يخرج وإذا بالصريخ من آخر المدرسة ينادي للرسول الذي في حصتي يقول وآآآآستاذاااااه بالله إئتني بقلم سبورة يا ابن الكرام فقال له الرسول :
يجود علينا الخيرون بمالهم****** ونحن بمال الخيرين نجود
وقال لي أستاذ فلان يبي قلم بعد إذنك يا أستاذ قلت عندي معركة مهمة واحتاج سلاحين على الأقل قال لي قال الله تعالى
( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) وأخذ القلم الثاني وخرج به والقلم ينظر إليه وهو يقول :
صديق ليس ينفع يوم بؤس ******* قريب من عدو في القياس
فقلت له :
تغرب عن الأوطان في طلب العلى ****** وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتسابٌ في معيشة ****** وعلم وآداب وصحبة ماجد
وللأسف لم يخبر الأستاذ أن القلم قلمي . ونظرت إلى السبورة وشعرت بالهزيمة النكراء وهي تقول لي :
لاتحقرن شأن العدو وكيده ****** ولربما صرع الأسودَ الثعلبُ لكن تذكرت قول الله تعالى : (الآن خَفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مئة صابرةُ يغلبوا مائتين وان يكن منكم ألف ٌ يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين)
ولم أستسلم ومازلت أقاوم الحال وبدأت أشق صفوف السبورة بكتابة بطولاتي المثالية وإذا بالداخل بين صفوفنا متعجلاً وكأن الفوارس خلفه منهك وسريع النفس ، أستاذ أستاذ أمنتك الله ألا أنقذتني قلم سبورة أنا عندي اختبار وأريد أن اكتب أسئلة الامتحان على السبورة قلت له مستغرباً :أنت لا تكتب أسئلتك على ورقة مطبوعة في حاسب آلي ،قال لي أنت طيب جداً يا أستاذ الورق بدارهم والحبر بدارهم ، وقال أنت يا أستاذ محتاج لقلمك سألتك بالله عشر دقائق – وهو يعلم أني والله محتاج له – راجع مادتك للطلاب حتى آتيك بقلمك ، واختنقت عبرتي وذبل لساني وحار عقلي وطاف بي قول الشاعر:
شر العواقب يأس قبله أمل ****** وأعضل الداء نَكْسٌ بعد إبلال
و أخذ السلاح الأخير مني .
وتراجع القائد وانسحب الجنود وطلب السلام وتذكرت بعدها قول الله عز وجل :
(إنما استزلهم الشيطان ببعض ماكسبوا )
والتفتُ إلى التلاميذ والدماء مني تنزف وقلت لهم ماهو عدوكم اليوم قالوا فعل الأمر قلت لهم قال الله تعالى ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) اصبر فعل أمر يدل على الطلب والله عز وجل طلب منا الصبر وقلت لهم بصوت مدوي فـــــــــــــــــــاهـــــــــمـــــــــــــين :mad: فخافوا وارتعبوا وقالوا : ( سمعنا واطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) وانتهت المعركة بالحصار إلى أن يأتي الله بأمره
ونفخ في الصور انتهت الحصة وقام التلاميذ من أمكنتهم وكأنهم كانوا في محكمة حكم القاضي عليهم بالإعدام وفي الدقيقة الأولى بعد الحكم تراجع القاضي وأفرج عنهم .
خرجت من المعركة أحمل أعباء الهزيمة ؛ ولأستيرح استراحة مقاتل وأعود للقتال مرة أخرى ، وإذا بمدرس الاختبار يلتقي بي في خارج ساحات القتال ، والوجل بين عينيه ، وإذا به يحمل سيفي الأخير في يده وقال لي : أعتذر إليك يا أستاذ والله احتجت للسلاح أكثر لأني شعرت بالخوف الكبير لو أرجعته لك وأنت أفضل مني وتجيد فنون القتال بدون سلاح ، وما استطعت أن اخرج عن التلاميذ واتركهم بدون مراقب قلت له كيف السلاح ؟ قال : نعم السلاح ، وقلت له :
حسامي في الهيجاء طبيباً **** يداوي رأس من يشكو الصداع
ولو أرسلت رمحي مع جبان ٍ **** لكان بهيبتي يلقى السباعا
!!! ودخلنا في حديث المعارك وفتحت غطاء القلم صدفةً وإذا برأس القلم ليس هو كأنه مضروب بمنجنيق هَتَكَ رأسه وعرضه !!! قلت له مستغربا ما الشجاعة التي جعلت منك يا أستاذ أن تفعل هذه بالقلم ؟ قال : لا لا لا يا أستاذ لكن كلمة كتبتها بدون نقطة أو نقطتين وقال لي التلاميذ يا أستاذ نقطة كملة كذا ليست مكتوبة قلت لهم أبـــــــــــشــــــــــروا وهذه النقطة طق :eek: - وكاد أن يقسم السبورة إلى قسمين من قوة ضربته - وقال أذكر أني كررتها أكثر من مرة - وأظن أنه فعلها بأقصى ما يستطيع : -
رام نفعا فضر من غير قصد ******* ومن البر ما يكون عقوقاً
ثم قال لي : المشاكل والله يا أستاذ نستنا وضع النقاط فوق الحروف ، وحتى نستنا نشتري أسلحة هـههههههههههه لا أبدا يا أستاذ لا بأس عليك .
ليس من مات فاستراح بميتٍ **** إنما الميت ميت الأحياء
وذهبت إلى غرفة المدرسين أقلب رأسي وأقول في نفسي عندك معركة وتحتاج إلى أكثر من سلاح وقلت في نفسي لما لا تذهب إلى فلان لعله يمددك بما يستطيع من سلاح وتحركت نحوه ولما قربت منه تذكرت قول الشاعر:
همتي همت الملوك ونفسي ******** نفس حر ترى المذلة كفرا
وإذا ما قنعت بالقلم حصتي ******** فلماذا أزور زيداً وعمراً وما شعرت إلا وأنا بجانبه ، وقال لي هلا يا أستاذ أي خدمة قلت – وأردت تغير الموضوع بسرعة وقلت – أبداً سلامتك أردت أن أسالك عن أسهم القلم الزراعية ، قال لي : ماذا تقول ؟!!! آسف قصدي أسهم القصيم الزراعية ،لا لا أبشرك زاد خيرها وكسبنا منها الكثير الحمد لله .
وأتتِ الحصة الثالثة ودخلت الفصل متجهزاً وما إن كتبت بالقلم وإلا بالقلم يلفظ أنفاسها الأخيرة وخاطبته وهو في الرمق الأخير قائلاً :
ناداك قلب صاحبك وهو متأسفٌ ******* قلمي حبيبي هل أصابك من ضرر؟
فدريتُ فضيعة خيانة لم يأتها ******** معلم سوايَ منذ تاريخ البشــــــر
وارتديت نحو القلم أغسله بمــــــا ******* فاضت به عينايه من سيل العبـــــر
واستليت خَنْجَري لأطعن صـدري ******** حنقا وأبقى عبرة لمن اعتبــــــــــر
نـــــاداني قـــلمي قف حبـــيبي ولا ******** ولا تقتل فؤادي مرتين على الأثر
وخرجت من الفصل حزيناً أبكي بكاء الزير سالم على أخيه كليب وأقول :
لقد مات أحبائي الصادقون ******** فما لي حبيب ولا لي عماد
إذا أقبل الصبح ولّى السرور******* وإذا أقبل الليل ولّى الرقاد
وبدأت أستنجد ممن حولي من العرب والقبائل الذين في قراهم قلما ؛ لأرد الثأر لقلمي ، فمنهم من قال لي ما أستطيع ومنهم من قال لي اذهب لغيري ، ومنهم ما استطعت أن اطرق بابه للقتال المرير الذي أراه داخل قريته . وصدفة دخلت أحد الصفوف وإذا بفارس واقف أمام الجنود ويخطب فيهم ويرفع يديه ويخفضها ويرفع هممهم وعلامات النصر على وجههِ المتوقد ، وإذا بالسلاح الذي يحمله سلاحي الثاني الذي أخذه مني الرسول لمعلم آخر، لكن لم يخبره أن السلاحي سلاحي وقلت ممكن قلم : فقال : محتاج له وآسف جداً وخفت أن أقول هذه والله قلمي فيقول في نفسه وأمام الزملاء بخيل ولئيم وإذا بسمعتي تسيء بسبب قلم أف وتف له من قلم من أجله أحط من قدري :
يهون علينا أن تصاب جسومنا ****** وتسلم أعراضٌ لنا وعقول
وجلست أنظر إلى القلم وهو ممددٌ بين أصابعه كأنه أسير محمول على كتف عدوِّي وكأنه يقول :
أضحى التنائي بديلا من تدانينا ******* وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحكم ******* شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
تكاد حين تناجكم ضمائرنا ******* يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حالت لفقدكم أيامنا فغدت ****** سودا وكانت بكم بيضا ليالينا
لاتحسبوا نأيكم عنا يغيرنا؛ ******* إن طالما غير النأي المحبين