عائض الغامدي
27 - 1 - 2006, 03:30 PM
اخواني واخواتي الكرام
استوقفني هذا المقال وانا اتصفح بعض الصحف من خلال مواقعها الالكترونيه
كم هو جد خطير هذا الأمر
الذي أشار اليه المقال اذا كان صحيحا وفعليا
واترككم مع المقال للكاتب سعود البلوي
بعنوان الطفل الذي يريد ان يكون ارهابيا
غالباً ما يكون الأطفال صادقين في التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم لعدم وجود حواجز أو خطوط حمراء في أذهانهم، فهم أكثر استجابةً وتقبّلاً وتأثراً بما يطرح عليهم من أفكار نتيجة طبيعة تكوينهم، فهم لم يصطبغوا تماماً بذات الصبغة التي في أذهان من تجاوز سن الطفولة المبكرة.
وأظن أن المعلم والمعلمة أكثر فردين بإمكانهما مساعدة الأطفال في المدارس لتعلُّم طرائق التفكير السليمة والسلوكيات الإيجابية، ولكن هذا يتوقف على مدى إيمان هذا المعلم/المعلمة بدوره الحقيقي المناط به، ووعيه وشعوره بالمسؤولية وأهدافه من تربية وتعليم الآخرين. ذات يوم سألتُ بعض الأطفال -في الصف الأول الابتدائي - عن أحلامهم وطموحاتهم في المستقبل إذا كبروا، الكثير منهم قال إنه يريد أن يصبح شرطياً، بعضهم قال طبيباً، والبعض مهندساً... إلا أن أحدهم صدمني حين قال إنه يريد أن يكون إرهابياً!
أحسست بمسؤولية ما ثقيلة، طلبت منهم ترك أي شيء في أيديهم، وبدأنا حواراً حول موضوع "الإرهاب" الذي أثاره ذلك الطفل. ومما بهرني أنهم-رغم عدم تجاوزهم الست سنوات- أبدوا استعداداً متميزاً للحوار حول هذا الموضوع الفكري الشائك الذي ربما لا ينجح (الكبار) في خلق حوار حول مثل هذا الموضوع.
بدأت التحاور معهم مبتدئاً بذلك الطفل (البريء) فسألته لماذا يريد أن يكون إرهابياً؟ فقال بعد تلكؤ: لكي أهرب من الشرطة!لم يكن ذلك الطفل وزملاؤه يدركون دلالة كلمة "الإرهاب" التي تتردد كثيراً، لكن من خلال ذلك الحوار الممتع كان لدى معظمهم تصور مفاده أن الإرهاب شيء سلبي-وهذا أمر مهم- فربطوا بينه والسرقة، وخلطوا ما بين الإرهابيين واللصوص، لكن بعضهم-كذلك الطفل- وصف الإرهابي بالقوي الذي يمكنه فعل أشياء خارقة كتفجير المباني والهرب من الشرطة! ويبدو أن هذا التصور نتيجة ما مرّ في أذهانهم من عبارات التمجيد والإطراء على الإرهابيين التي ربما سمعها ذلك الطفل من أحد ما؛ فمجتمعنا ليس نقياً ولا طاهراً من المؤيدين للأعمال الإرهابية - باعتبارها جهاداً - سواء التي في الداخل أو في الخارج.
سألت الأطفال عن دور رجل الأمن (الشرطي) في حياتنا اليومية، وبعد مداولات أجمعوا على أنه يحمينا ويفعل أشياء كثيرة من أجلنا. أثناء الحوار حاولتُ جاهداً تقريب الصورة أكثر إلى أذهانهم، فركّزت على الجانب القصصي: ذكرت لهم قصة الطفلة (وجدان) التي قضت في الاعتداءات الإرهابية على إدارة مرور الرياض قبل عامين حين كانت تطعم عصافيرها في منزل أسرتها الملاصق لموقع التفجير. لم يكن في المدرسة أي وسائل تعليمية تخص "الإرهاب" تصلح لمخاطبة الأطفال بلغتهم التي يفهمون، لتجسّد الفكرة التي أريد إيصالها لذهن الطفل. كل نشرات وملصقات مكافحة الإرهاب الموجودة تخاطب الكبار فقط، إذ كانت بـ(لغة) الكبار! ساعدني أحد الأطفال في رسم صورة شبه متكاملة حين ذكّر زملاءه بما شاهده في إحدى حلقات (طاش ما طاش) حين قام الإرهابيون (الممثلون) بتفجير السيارة الزرقاء. قلت في نفسي ألف تحية لطاش لقد فعل ما لم تستطع وزارة التربية فعله! كان لا بدَّ لي من الاجتهاد: رسمتُ رسماً توضيحياً للطفلة البريئة وجدان التي أرادت إطعام عصافيرها فماتت ظلماً بفعل السيارة المفخخة التي فجّرت مبنى الأمن في الرياض. أبدى الأطفال إنسانية قلَّ نظيرها بتعاطفهم وتفاعلهم الكبير مع قصة وجدان التي قتلها الإرهابيون، حتى إن أحدهم كاد أن يبكي وهو يتساءل: لماذا قتلوها؟ كنت متأكداً أن البحث عن إجابة وافية تقنع هذا الصغير أصعب من أي شيء آخر. فكّرت قليلاً ثم قلت: إنهم اعتقدوا أنهم يفعلون الشيء الصحيح بينما هم مخطئون. أعرف أني لم أُشبع فضول هذا الطفل بإيجاد إجابة وافية لكن هذا الطفل الفضولي طلب مني أن يقوم برسم شيء ما على اللوح... فرسم جسمين أحدهما كبير والآخر صغير، وقال: هذا إرهابي، وهذا شرطي أكبر وأقوى من الإرهابي!
لا شك أن أطفالنا - كغيرهم - يتأثرون بما يجري حولهم، ولكن التلميذ ربما يكون تأثره بمعلمه أكثر من تأثره بأفراد أسرته؛ وهذا ما يفسر قدرة بعض المعلمين (المؤدلجين) على اصطياد بعض الصبية وجرّهم إلى مستنقع التطرف الديني في ظل ندرة وجود المعلم الواعي والصادق مع نفسه ووطنه الذي يستطيع أن يقدم أهم شيء لتلاميذه وهو التصور العقلاني السليم لبعض أمور الحياة؛ لأن التعليم اليوم أصبح مجرد (وظيفة) وروتين وحضور وانصراف، لا رسالة كبرى يعتمد عليها في إعداد جيل سوي فكرياً وسلوكياً.
إن مكافحة السلوكيات السلبية والتطرف في المدارس يجب ألاّ تكون آنية (موسمية) على الرغم من كون الأحداث الإرهابية التي نعيشها حالة طارئة لن تستمر لكن التطرف موجود وهو الطريق المؤدي إلى أعمال الإرهاب بلا شك، لذا أرى من المهم أن تستمر حملة مكافحة الإرهاب والتطرف طوال العام الدراسي بوسائل تربوية حديثة تخاطب كل الأعمار، لا مجرد ملصقات ومطويات لأننا لم نلمس اهتماماً حقيقياً فعّالاً من قبل وزارة التربية والتعليم بالجانب التوعوي في مكافحة الإرهاب والتطرف عن طريق الحوارات الفكرية الجادة التي تعنى بالمعلمين والطلبة على حد سواء، وهذا ما يستلزم إشراك أطراف أخرى من خارج البيئة المدرسية؛ لأن البرامج التي تم تنفيذها سابقاً في المدارس لم تكن سوى (مشاركة) من قبل وزارة التربية في "الحملة الوطنية لمكافحة الإرهاب" التي ارتبطت بوقت ما وانتهى دورها! فمن غير المنطقي أن تكون هذه الحملات التوعوية موسمية؛ لأن الطالب - والمعلم أيضاً - معرّض للصراع الفكري المستمر مع نفسه ومع الآخرين، فإنْ لم يجد من يحاوره ويحاول معالجة التساؤلات التي تترى في ذهنه عمّا يدور حوله فإنه ربما يسلك طريقاً آخر قد لا تحمد عقباه. وبالطبع ليس كل معلم حريصا على التعامل والاهتمام بالمواقف الفكرية التي تحدث، فضلاً عن كونه قادراً على معالجتها أم لا، بل إنّ كثيراً من المدارس الحكومية تهتم بالحضور الآني في برامج مكافحة الإرهاب من خلال توزيع النشرات والصور الفوتوغرافية كنوع من إثبات التواجد ليس إلا!
فالمؤسسة التربوية - التعليمية، كغيرها، بيئة مزدهرة بـ(البيروقراطية) الإدارية التي من شأنها قلب المفاهيم رأساً على عقب، فالمعلم من خلال الممارسة يعي جيداً هذه الحقيقة ويعرف ما القواعد (الفعلية) المعمول بها داخل أسوار المؤسسات التربوية، فهو - إن كان خارج إطار الأدلجة - غالباً ما ينطلق من قناعات راسخة غير معلنة بأنه مهضوم الحقوق-وإنْ قام المجتمع له تبجيلاً واحتراماً- إذ يرى أنه -فعلياً- مطالب بالكثير مقابل الحصول على القليل؛ مما يجعله غير مكترث بمعالجة المواقف التربوية المختلفة أثناء عمله!
* كاتب سعودي
استوقفني هذا المقال وانا اتصفح بعض الصحف من خلال مواقعها الالكترونيه
كم هو جد خطير هذا الأمر
الذي أشار اليه المقال اذا كان صحيحا وفعليا
واترككم مع المقال للكاتب سعود البلوي
بعنوان الطفل الذي يريد ان يكون ارهابيا
غالباً ما يكون الأطفال صادقين في التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم لعدم وجود حواجز أو خطوط حمراء في أذهانهم، فهم أكثر استجابةً وتقبّلاً وتأثراً بما يطرح عليهم من أفكار نتيجة طبيعة تكوينهم، فهم لم يصطبغوا تماماً بذات الصبغة التي في أذهان من تجاوز سن الطفولة المبكرة.
وأظن أن المعلم والمعلمة أكثر فردين بإمكانهما مساعدة الأطفال في المدارس لتعلُّم طرائق التفكير السليمة والسلوكيات الإيجابية، ولكن هذا يتوقف على مدى إيمان هذا المعلم/المعلمة بدوره الحقيقي المناط به، ووعيه وشعوره بالمسؤولية وأهدافه من تربية وتعليم الآخرين. ذات يوم سألتُ بعض الأطفال -في الصف الأول الابتدائي - عن أحلامهم وطموحاتهم في المستقبل إذا كبروا، الكثير منهم قال إنه يريد أن يصبح شرطياً، بعضهم قال طبيباً، والبعض مهندساً... إلا أن أحدهم صدمني حين قال إنه يريد أن يكون إرهابياً!
أحسست بمسؤولية ما ثقيلة، طلبت منهم ترك أي شيء في أيديهم، وبدأنا حواراً حول موضوع "الإرهاب" الذي أثاره ذلك الطفل. ومما بهرني أنهم-رغم عدم تجاوزهم الست سنوات- أبدوا استعداداً متميزاً للحوار حول هذا الموضوع الفكري الشائك الذي ربما لا ينجح (الكبار) في خلق حوار حول مثل هذا الموضوع.
بدأت التحاور معهم مبتدئاً بذلك الطفل (البريء) فسألته لماذا يريد أن يكون إرهابياً؟ فقال بعد تلكؤ: لكي أهرب من الشرطة!لم يكن ذلك الطفل وزملاؤه يدركون دلالة كلمة "الإرهاب" التي تتردد كثيراً، لكن من خلال ذلك الحوار الممتع كان لدى معظمهم تصور مفاده أن الإرهاب شيء سلبي-وهذا أمر مهم- فربطوا بينه والسرقة، وخلطوا ما بين الإرهابيين واللصوص، لكن بعضهم-كذلك الطفل- وصف الإرهابي بالقوي الذي يمكنه فعل أشياء خارقة كتفجير المباني والهرب من الشرطة! ويبدو أن هذا التصور نتيجة ما مرّ في أذهانهم من عبارات التمجيد والإطراء على الإرهابيين التي ربما سمعها ذلك الطفل من أحد ما؛ فمجتمعنا ليس نقياً ولا طاهراً من المؤيدين للأعمال الإرهابية - باعتبارها جهاداً - سواء التي في الداخل أو في الخارج.
سألت الأطفال عن دور رجل الأمن (الشرطي) في حياتنا اليومية، وبعد مداولات أجمعوا على أنه يحمينا ويفعل أشياء كثيرة من أجلنا. أثناء الحوار حاولتُ جاهداً تقريب الصورة أكثر إلى أذهانهم، فركّزت على الجانب القصصي: ذكرت لهم قصة الطفلة (وجدان) التي قضت في الاعتداءات الإرهابية على إدارة مرور الرياض قبل عامين حين كانت تطعم عصافيرها في منزل أسرتها الملاصق لموقع التفجير. لم يكن في المدرسة أي وسائل تعليمية تخص "الإرهاب" تصلح لمخاطبة الأطفال بلغتهم التي يفهمون، لتجسّد الفكرة التي أريد إيصالها لذهن الطفل. كل نشرات وملصقات مكافحة الإرهاب الموجودة تخاطب الكبار فقط، إذ كانت بـ(لغة) الكبار! ساعدني أحد الأطفال في رسم صورة شبه متكاملة حين ذكّر زملاءه بما شاهده في إحدى حلقات (طاش ما طاش) حين قام الإرهابيون (الممثلون) بتفجير السيارة الزرقاء. قلت في نفسي ألف تحية لطاش لقد فعل ما لم تستطع وزارة التربية فعله! كان لا بدَّ لي من الاجتهاد: رسمتُ رسماً توضيحياً للطفلة البريئة وجدان التي أرادت إطعام عصافيرها فماتت ظلماً بفعل السيارة المفخخة التي فجّرت مبنى الأمن في الرياض. أبدى الأطفال إنسانية قلَّ نظيرها بتعاطفهم وتفاعلهم الكبير مع قصة وجدان التي قتلها الإرهابيون، حتى إن أحدهم كاد أن يبكي وهو يتساءل: لماذا قتلوها؟ كنت متأكداً أن البحث عن إجابة وافية تقنع هذا الصغير أصعب من أي شيء آخر. فكّرت قليلاً ثم قلت: إنهم اعتقدوا أنهم يفعلون الشيء الصحيح بينما هم مخطئون. أعرف أني لم أُشبع فضول هذا الطفل بإيجاد إجابة وافية لكن هذا الطفل الفضولي طلب مني أن يقوم برسم شيء ما على اللوح... فرسم جسمين أحدهما كبير والآخر صغير، وقال: هذا إرهابي، وهذا شرطي أكبر وأقوى من الإرهابي!
لا شك أن أطفالنا - كغيرهم - يتأثرون بما يجري حولهم، ولكن التلميذ ربما يكون تأثره بمعلمه أكثر من تأثره بأفراد أسرته؛ وهذا ما يفسر قدرة بعض المعلمين (المؤدلجين) على اصطياد بعض الصبية وجرّهم إلى مستنقع التطرف الديني في ظل ندرة وجود المعلم الواعي والصادق مع نفسه ووطنه الذي يستطيع أن يقدم أهم شيء لتلاميذه وهو التصور العقلاني السليم لبعض أمور الحياة؛ لأن التعليم اليوم أصبح مجرد (وظيفة) وروتين وحضور وانصراف، لا رسالة كبرى يعتمد عليها في إعداد جيل سوي فكرياً وسلوكياً.
إن مكافحة السلوكيات السلبية والتطرف في المدارس يجب ألاّ تكون آنية (موسمية) على الرغم من كون الأحداث الإرهابية التي نعيشها حالة طارئة لن تستمر لكن التطرف موجود وهو الطريق المؤدي إلى أعمال الإرهاب بلا شك، لذا أرى من المهم أن تستمر حملة مكافحة الإرهاب والتطرف طوال العام الدراسي بوسائل تربوية حديثة تخاطب كل الأعمار، لا مجرد ملصقات ومطويات لأننا لم نلمس اهتماماً حقيقياً فعّالاً من قبل وزارة التربية والتعليم بالجانب التوعوي في مكافحة الإرهاب والتطرف عن طريق الحوارات الفكرية الجادة التي تعنى بالمعلمين والطلبة على حد سواء، وهذا ما يستلزم إشراك أطراف أخرى من خارج البيئة المدرسية؛ لأن البرامج التي تم تنفيذها سابقاً في المدارس لم تكن سوى (مشاركة) من قبل وزارة التربية في "الحملة الوطنية لمكافحة الإرهاب" التي ارتبطت بوقت ما وانتهى دورها! فمن غير المنطقي أن تكون هذه الحملات التوعوية موسمية؛ لأن الطالب - والمعلم أيضاً - معرّض للصراع الفكري المستمر مع نفسه ومع الآخرين، فإنْ لم يجد من يحاوره ويحاول معالجة التساؤلات التي تترى في ذهنه عمّا يدور حوله فإنه ربما يسلك طريقاً آخر قد لا تحمد عقباه. وبالطبع ليس كل معلم حريصا على التعامل والاهتمام بالمواقف الفكرية التي تحدث، فضلاً عن كونه قادراً على معالجتها أم لا، بل إنّ كثيراً من المدارس الحكومية تهتم بالحضور الآني في برامج مكافحة الإرهاب من خلال توزيع النشرات والصور الفوتوغرافية كنوع من إثبات التواجد ليس إلا!
فالمؤسسة التربوية - التعليمية، كغيرها، بيئة مزدهرة بـ(البيروقراطية) الإدارية التي من شأنها قلب المفاهيم رأساً على عقب، فالمعلم من خلال الممارسة يعي جيداً هذه الحقيقة ويعرف ما القواعد (الفعلية) المعمول بها داخل أسوار المؤسسات التربوية، فهو - إن كان خارج إطار الأدلجة - غالباً ما ينطلق من قناعات راسخة غير معلنة بأنه مهضوم الحقوق-وإنْ قام المجتمع له تبجيلاً واحتراماً- إذ يرى أنه -فعلياً- مطالب بالكثير مقابل الحصول على القليل؛ مما يجعله غير مكترث بمعالجة المواقف التربوية المختلفة أثناء عمله!
* كاتب سعودي