عائض الغامدي
29 - 1 - 2006, 11:13 PM
المقامة الجنوبية
(( فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ))
كنا جبالاً في الجبال وربما
سرنا على موج البحار بحاراً
بمعابد الإفرنج كان أذاننا
قبل الكتائب يفتح الأمصاراً
سلم على السراة ، وعلى الجنوب مدنه وقراه ، لتكون مع التأريخ صادقا ، وبالحق ناطقا . في السراة رجال تكاد الأسود أن تقول من شجاعتهم رفقاً يا ناس ، ويكاد السحاب ينادي جبالها لا مساس .
بها ولد أبو هريرة سيد المحدثين ، وهي ديار الخليل بن أحمد إمام النحويين ، من السراة سارت قوافل الوفود ، إلى رسول الوجود ، تعاهد على نصرة الإسلام ، ومتابعة الإمام . منها وفد جرير سيد بجيلة ، صاحب المواقف الجليلة ، ومنها أطل الطفيل سيد دوس ، موقد الحرب الضروس .
في جبال السروات نظم الشنفري الأزدي لاميته العصماء . وفي روابيها سجل الخثعمي داليته الغراء . أما علمت أنها أرض القرني أويس ، وبلاد أسماء بنت عميس .
في السراة كل خطيب وشاعر ، لأن الشعر من المشاعر .
السراة حيث خصوبة التراب ، ونداوة الضباب ، وهمع السحاب .
كأن الطل بديارهم دموع حبيب ، وكأن الظل بأرضهم برد قشيب .
أرض إذا طاولت هام جبالها
قالت تواضع أيهـا الإنسـان
وإذا دخلت غياضها ورياضها
غنى الحمام وصفق الريحـان
فيها مدرسة الحفظ لأن الحفظ هريري دوسي ، وهي إيوان الزهد لأن الزهد أويسي .
هنا الشعر الفصيح ، والنسب الصريح ، والوجه المليح ، خطباء حفاظ ، يغار منهم سوق عكاظ ، لروعة تلك الألفاظ ، مع القمم همم ، ومع الشجاعة كرم ، لا تنكر أخلاقهم البديعة ، فكما قال ابن خلدون : الأخلاق تتبع الطبيعة . ذكرهم الهمداني في الإكليل ، فكان قلمه بالثناء يسيل .
بلادهم ديار الجود ، وعرين الأسود ، البخل عندهم ذنب لا يغفر ، وعدوهم بالثرى يعفر ، أريحية يهتز منها النسيم ، وحاتمية ينشأ عليها الفطيم ، مشاعر جياشة ، وأرواح هشاشة ، ووجوه بشاشة ، ماء البشر في صفحات الوجوه يترقرق ، ودم البطولات في شرايين الأبوة يتدفق ، إصرار على القيم ، وحفاظ على الشيم .
قلوب حشيت بالإيمان إلى الأعماق ، فليس بها مكان للكفر والنفاق .
ما دخلها فيلسوف ، لأن صوت القرآن بها يطوف ، وما حلها زنديق ، لأن أسد الرسالة في الطريق .
إذا كبر الأزدي في حومة الوغى
رأيت شجاعاً سيداً وابـن سيـد
ويطربهم وقع الرماح فما لهـم
سمـاع لعـودٍ أو غنـاء لمعبـد
أويسيـة دوسيـة عزماتـهـم
كتائبهم تسعـى لنصـرة أحمـد
عروبة صريحة صراحة اللبن المذاب ، وألسنة فصيحة فصاحة الفجر الجذاب ، هم أعمام حسان ، وأخوال سحبان ، وأجداد غسان .
بديهتهم أسرع من الضوء إذا سرى ، وذاكرتهم أغزر من السيل إذا جرى ، ما قطر للإلحاد في ديارهم قطرة ، لأنهم على الفطرة .
لو رأى جمال أرضهم كنفشيوس المسكين ، لما نظم قصيدة مرحباً يا بكين ، ولو أبصرها جوته شاعر الألمان ، لما أنشد إلياذة الحرمان :
فالطير يرسل للعشاق أغنيـةً
والغصن يعزف والأرواح في طرب
في كل يومٍ لهم عيد بأرضهم
ف***** والشعر بين الجد واللعـب
أرض إذا جئتها أهدتك زينتها
حمالة الـورد لا حمالـة الحطـب
طاب الهوى ورق الهواء ، وزان الظل وعذب الماء ، أرض تصنع بها القوافي ، مع الود الصافي ، والجمال الضافي . كأن وحي البيان ، أرسل لطير البستان ، فالتقى سحر الكلام ، مع نشيد الحمام ، ودمع الغمام :
رفقاً بقلبـي يـا جنـوب فإننـي
بشر وهذا ***** يخلـب عينـي
قتل المحب يجوز في شرع الهوى
لو كان دينك في الصبابـة دينـي
ولو عدل صاحب البوصلة لوجهها للجنوب النفيس ، وذاك الروض الأنيس ، وترك هضبة مغناطيس . ولو رأى نابليون جبال الجنوب ووديانه ، لأراحنا من هيامه بجزيرة هيليانة .
والجنوب لم تدخله الباطنية ، ولا مذهب الظاهرية ، بل تلك الديار سنية سلفية ، وقد رحبوا بدعوة التوحيد ، التي أطلقها المجدد الفريد ، صاحب المنهج السديد ، وتقبلوا لهذه الدعوة بقبول حسن ، وصاروا على أحسن سنن .
وقد ردوا كل نحلة لا تصح ، لأنه نهي أن يورد الممرض على المصح ، وعاش أجيالها اليوم على كتب ابن تيمية ، وابن قيم الجوزية ، وكتب مجدد الدعوة السلفية .
وقد آتاهم الله أذهاناً بالبديهة سائلة ، وألسنة بالفصحى قائلة ، ينظم أحدهم الأرجوزة ، في جلسة وجيزة ، وينشأ أحدهم القصيدة ، بموهبة فريدة .
شاركوا في القادسية وقادهم جرير ، وأنزلوا رستم من على السرير ، ما عرض الإسلام على أحدهم إلا أسلم ، وما نودي يوم الروع إلا تقدم ، دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الأزدي أبا ضماد ، فأجابه إلى الإسلام والجهاد . وذكر ابن القيم وفد الأزد فأطنب في ذكرهم ، وأحسن في شكرهم . وذكر حديثاً يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في وفدهم :
(( علماء ، حلماء ، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء )) .
ومنهم محمد بن واسع الزاهد العابد ، العالم المجاهد ، صاحب الكلمات الفاصلة ، التي هي إلى القلوب واصلة . ومنهم المناذرة الملوك ، ومجدهم بالجود محبوك . وعلى بساطهم وقعت المساجلات ، وفي ديوانهم حصلت المناظرات والمحاورات .
ومنهم الغساسنة ملوك الشام ، أهل القلم والحسام ، حتى قال حسان :
إن تسألينا فإنا معشر نجب
الأزد نسبتنا والماء غسـان
ومنهم آل المهلب أسرة الشرف والريادة ، والكرم والسيادة .
واعلم أن أصول كثير من العلماء السراة ، من جبال السراة . فعبد الغني الأزدي الحافظ الشهير ، آباؤه من السروات بلا نكير ، والطحاوي صاحب العقيدة ، من تلك البلاد المجيدة ، بل ذكر ال*** المنسي في كتابه في تاريخ الرجال ، أن مئات المحدثين من تلك الجبال ، واحتفل النسابة الجاسر ، بذكر مواطن القوم والمآثر ، وطالع ما كتبه عن رجالهم الذهبي في السير ، وما سطره أهل التاريخ والخبر .
وفيهم ثلاث فضائل ، لم تجتمع في غيرهم من القبائل :
سلامة الصدور ، كماء الطهور ، فليس عندهم ضغائن ، ولا دفائن ؛ بل غضب الواحد في لسانه ، ثم يعود إلى إحسانه .
ومنها ذكاء وقاد ، وطبع في الفهم منقاد ، مع غزارة في القريحة ، وأخلاق مليحة .
ومنها فصاحة وبيان ، كأن على طرف كل لسان سحبان ، وعلى شفتي كل شفة حسان . والحمد لله الذي سلمهم من برص الإسماعيلية ، وسلطان النصيرية ، وداء البطائحية ، وحمق الصوفية ، وتجهم الجهمية ، فطريقتهم محمدية أحمدية .
وليس عندهم صلف الخوارج المارقين ، ولا عتو الروافض المحترقين ، وليس للزندقة عندهم قرار ، ولا للبدعة ببلدهم دار ، بل أهل سكينة ووقار ، كما وصفهم بذلك المختار . ولم تدخلهم العجم الجفاة ، ولا طيش الأعراب الحفاة ، فهم أهل جنات وعيون ، وأهل أدب وشجون .
وقد مدحهم الداعية الشهير القرعاوي ، وذكرهم بحسن المساعي ، وإجابة الداعي ، وسطر فيهم الشعراء أحسن قصائدهم ، ودبج فيهم الخطباء أجود قلائدهم .
وسل أهل العلم ممن زارهم ، وحل دارهم ، فإنه ينقلب إلى أهله مسروراً ، بعد أن ملئوه حبوراً . وما دفعني لما قلته عصبية ، أو حمية مذهبية ، بل كلمة حق ، وشهادة صدق ، وقد ذكرت فضال غيرهم من أهل البلدان ، وما تنقصت بسببهم غيرهم من سكان الأوطان ، وانظر إلى الإنصاف والإتحاف في المقامة المكية ، والمقامة النجدية ، واليمنية ، وغيرها من المقامات ، وهذا من الاعتراف بالحسنات .
واعلم أن مئات المورخين والأدباء ، سبقوني إلى ذكر مناقب جبال السروات الشماء ، وأهلها الكرماء ، وقد نظم لبيد قصيدة في تبالة ، وحط ابن بطوطة في السراة رحالة ، ولما زارها تأبط شرا ، مدحها وقد تأبط خيرا ، وقد قال أحد شعرائها ، ينوه بمجد فضائلها .
نحن وجه الشمس إسلام وقوة
نسـب حـر ومجـد وفتـوة
نحن أزد الله في يوم الـردى
قد وضعنا الكفر في سبعين هوة
وأويس جدنـا مـن قـرن
أو ما تلمح مجداً فـي البنـوة
والسيوف البيض في أيماننا
يوم ضرب الهام من دون النبوة
لل*** الدكتور : عائض القرني .
منقول مع خالص مودتي وتقديري للجميع
(( فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ))
كنا جبالاً في الجبال وربما
سرنا على موج البحار بحاراً
بمعابد الإفرنج كان أذاننا
قبل الكتائب يفتح الأمصاراً
سلم على السراة ، وعلى الجنوب مدنه وقراه ، لتكون مع التأريخ صادقا ، وبالحق ناطقا . في السراة رجال تكاد الأسود أن تقول من شجاعتهم رفقاً يا ناس ، ويكاد السحاب ينادي جبالها لا مساس .
بها ولد أبو هريرة سيد المحدثين ، وهي ديار الخليل بن أحمد إمام النحويين ، من السراة سارت قوافل الوفود ، إلى رسول الوجود ، تعاهد على نصرة الإسلام ، ومتابعة الإمام . منها وفد جرير سيد بجيلة ، صاحب المواقف الجليلة ، ومنها أطل الطفيل سيد دوس ، موقد الحرب الضروس .
في جبال السروات نظم الشنفري الأزدي لاميته العصماء . وفي روابيها سجل الخثعمي داليته الغراء . أما علمت أنها أرض القرني أويس ، وبلاد أسماء بنت عميس .
في السراة كل خطيب وشاعر ، لأن الشعر من المشاعر .
السراة حيث خصوبة التراب ، ونداوة الضباب ، وهمع السحاب .
كأن الطل بديارهم دموع حبيب ، وكأن الظل بأرضهم برد قشيب .
أرض إذا طاولت هام جبالها
قالت تواضع أيهـا الإنسـان
وإذا دخلت غياضها ورياضها
غنى الحمام وصفق الريحـان
فيها مدرسة الحفظ لأن الحفظ هريري دوسي ، وهي إيوان الزهد لأن الزهد أويسي .
هنا الشعر الفصيح ، والنسب الصريح ، والوجه المليح ، خطباء حفاظ ، يغار منهم سوق عكاظ ، لروعة تلك الألفاظ ، مع القمم همم ، ومع الشجاعة كرم ، لا تنكر أخلاقهم البديعة ، فكما قال ابن خلدون : الأخلاق تتبع الطبيعة . ذكرهم الهمداني في الإكليل ، فكان قلمه بالثناء يسيل .
بلادهم ديار الجود ، وعرين الأسود ، البخل عندهم ذنب لا يغفر ، وعدوهم بالثرى يعفر ، أريحية يهتز منها النسيم ، وحاتمية ينشأ عليها الفطيم ، مشاعر جياشة ، وأرواح هشاشة ، ووجوه بشاشة ، ماء البشر في صفحات الوجوه يترقرق ، ودم البطولات في شرايين الأبوة يتدفق ، إصرار على القيم ، وحفاظ على الشيم .
قلوب حشيت بالإيمان إلى الأعماق ، فليس بها مكان للكفر والنفاق .
ما دخلها فيلسوف ، لأن صوت القرآن بها يطوف ، وما حلها زنديق ، لأن أسد الرسالة في الطريق .
إذا كبر الأزدي في حومة الوغى
رأيت شجاعاً سيداً وابـن سيـد
ويطربهم وقع الرماح فما لهـم
سمـاع لعـودٍ أو غنـاء لمعبـد
أويسيـة دوسيـة عزماتـهـم
كتائبهم تسعـى لنصـرة أحمـد
عروبة صريحة صراحة اللبن المذاب ، وألسنة فصيحة فصاحة الفجر الجذاب ، هم أعمام حسان ، وأخوال سحبان ، وأجداد غسان .
بديهتهم أسرع من الضوء إذا سرى ، وذاكرتهم أغزر من السيل إذا جرى ، ما قطر للإلحاد في ديارهم قطرة ، لأنهم على الفطرة .
لو رأى جمال أرضهم كنفشيوس المسكين ، لما نظم قصيدة مرحباً يا بكين ، ولو أبصرها جوته شاعر الألمان ، لما أنشد إلياذة الحرمان :
فالطير يرسل للعشاق أغنيـةً
والغصن يعزف والأرواح في طرب
في كل يومٍ لهم عيد بأرضهم
ف***** والشعر بين الجد واللعـب
أرض إذا جئتها أهدتك زينتها
حمالة الـورد لا حمالـة الحطـب
طاب الهوى ورق الهواء ، وزان الظل وعذب الماء ، أرض تصنع بها القوافي ، مع الود الصافي ، والجمال الضافي . كأن وحي البيان ، أرسل لطير البستان ، فالتقى سحر الكلام ، مع نشيد الحمام ، ودمع الغمام :
رفقاً بقلبـي يـا جنـوب فإننـي
بشر وهذا ***** يخلـب عينـي
قتل المحب يجوز في شرع الهوى
لو كان دينك في الصبابـة دينـي
ولو عدل صاحب البوصلة لوجهها للجنوب النفيس ، وذاك الروض الأنيس ، وترك هضبة مغناطيس . ولو رأى نابليون جبال الجنوب ووديانه ، لأراحنا من هيامه بجزيرة هيليانة .
والجنوب لم تدخله الباطنية ، ولا مذهب الظاهرية ، بل تلك الديار سنية سلفية ، وقد رحبوا بدعوة التوحيد ، التي أطلقها المجدد الفريد ، صاحب المنهج السديد ، وتقبلوا لهذه الدعوة بقبول حسن ، وصاروا على أحسن سنن .
وقد ردوا كل نحلة لا تصح ، لأنه نهي أن يورد الممرض على المصح ، وعاش أجيالها اليوم على كتب ابن تيمية ، وابن قيم الجوزية ، وكتب مجدد الدعوة السلفية .
وقد آتاهم الله أذهاناً بالبديهة سائلة ، وألسنة بالفصحى قائلة ، ينظم أحدهم الأرجوزة ، في جلسة وجيزة ، وينشأ أحدهم القصيدة ، بموهبة فريدة .
شاركوا في القادسية وقادهم جرير ، وأنزلوا رستم من على السرير ، ما عرض الإسلام على أحدهم إلا أسلم ، وما نودي يوم الروع إلا تقدم ، دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الأزدي أبا ضماد ، فأجابه إلى الإسلام والجهاد . وذكر ابن القيم وفد الأزد فأطنب في ذكرهم ، وأحسن في شكرهم . وذكر حديثاً يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في وفدهم :
(( علماء ، حلماء ، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء )) .
ومنهم محمد بن واسع الزاهد العابد ، العالم المجاهد ، صاحب الكلمات الفاصلة ، التي هي إلى القلوب واصلة . ومنهم المناذرة الملوك ، ومجدهم بالجود محبوك . وعلى بساطهم وقعت المساجلات ، وفي ديوانهم حصلت المناظرات والمحاورات .
ومنهم الغساسنة ملوك الشام ، أهل القلم والحسام ، حتى قال حسان :
إن تسألينا فإنا معشر نجب
الأزد نسبتنا والماء غسـان
ومنهم آل المهلب أسرة الشرف والريادة ، والكرم والسيادة .
واعلم أن أصول كثير من العلماء السراة ، من جبال السراة . فعبد الغني الأزدي الحافظ الشهير ، آباؤه من السروات بلا نكير ، والطحاوي صاحب العقيدة ، من تلك البلاد المجيدة ، بل ذكر ال*** المنسي في كتابه في تاريخ الرجال ، أن مئات المحدثين من تلك الجبال ، واحتفل النسابة الجاسر ، بذكر مواطن القوم والمآثر ، وطالع ما كتبه عن رجالهم الذهبي في السير ، وما سطره أهل التاريخ والخبر .
وفيهم ثلاث فضائل ، لم تجتمع في غيرهم من القبائل :
سلامة الصدور ، كماء الطهور ، فليس عندهم ضغائن ، ولا دفائن ؛ بل غضب الواحد في لسانه ، ثم يعود إلى إحسانه .
ومنها ذكاء وقاد ، وطبع في الفهم منقاد ، مع غزارة في القريحة ، وأخلاق مليحة .
ومنها فصاحة وبيان ، كأن على طرف كل لسان سحبان ، وعلى شفتي كل شفة حسان . والحمد لله الذي سلمهم من برص الإسماعيلية ، وسلطان النصيرية ، وداء البطائحية ، وحمق الصوفية ، وتجهم الجهمية ، فطريقتهم محمدية أحمدية .
وليس عندهم صلف الخوارج المارقين ، ولا عتو الروافض المحترقين ، وليس للزندقة عندهم قرار ، ولا للبدعة ببلدهم دار ، بل أهل سكينة ووقار ، كما وصفهم بذلك المختار . ولم تدخلهم العجم الجفاة ، ولا طيش الأعراب الحفاة ، فهم أهل جنات وعيون ، وأهل أدب وشجون .
وقد مدحهم الداعية الشهير القرعاوي ، وذكرهم بحسن المساعي ، وإجابة الداعي ، وسطر فيهم الشعراء أحسن قصائدهم ، ودبج فيهم الخطباء أجود قلائدهم .
وسل أهل العلم ممن زارهم ، وحل دارهم ، فإنه ينقلب إلى أهله مسروراً ، بعد أن ملئوه حبوراً . وما دفعني لما قلته عصبية ، أو حمية مذهبية ، بل كلمة حق ، وشهادة صدق ، وقد ذكرت فضال غيرهم من أهل البلدان ، وما تنقصت بسببهم غيرهم من سكان الأوطان ، وانظر إلى الإنصاف والإتحاف في المقامة المكية ، والمقامة النجدية ، واليمنية ، وغيرها من المقامات ، وهذا من الاعتراف بالحسنات .
واعلم أن مئات المورخين والأدباء ، سبقوني إلى ذكر مناقب جبال السروات الشماء ، وأهلها الكرماء ، وقد نظم لبيد قصيدة في تبالة ، وحط ابن بطوطة في السراة رحالة ، ولما زارها تأبط شرا ، مدحها وقد تأبط خيرا ، وقد قال أحد شعرائها ، ينوه بمجد فضائلها .
نحن وجه الشمس إسلام وقوة
نسـب حـر ومجـد وفتـوة
نحن أزد الله في يوم الـردى
قد وضعنا الكفر في سبعين هوة
وأويس جدنـا مـن قـرن
أو ما تلمح مجداً فـي البنـوة
والسيوف البيض في أيماننا
يوم ضرب الهام من دون النبوة
لل*** الدكتور : عائض القرني .
منقول مع خالص مودتي وتقديري للجميع