الناصح
14 - 2 - 2006, 06:32 AM
عيد الحب قصته، شعائره، حكمه
الجمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد ..
قد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -أن فئاماً من أمته سيتبعون أعداء الله - تعالى - في بعض شعائرهم وعاداتهم، وذلك في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى، قال: فمن؟! ) أخرجه البخاري ومسلم
وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال الرسول - صلى الله عليه وسلم- : ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلاً بمثل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله) أخرجه الحاكم (1/129).
وقد وقع ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتشر في الأزمنة الأخيرة في كثير من البلاد الإسلامية إذ اتَّبع كثير من المسلمين أعداء الله - تعالى - في كثير من عاداتهم وسلوكياتهم وقلدوهم في بعض شعائرهم، واحتفلوا بأعيادهم.
وكان ذلك نتيجة للفتح المادي، والتطور العمراني الذي فتح الله به على البشرية، وكان قصب السبق فيه في الأزمنة المتأخرة للبلاد الغربية النصرانية العلمانية، مما كان سبباً في افتتان كثير من المسلمين بذلك، لا سيما مع ضعف الديانة في القلوب، وفشو الجهل بأحكام الشريعة بين الناس.
وزاد الأمر سوءاً الانفتاح الإعلامي بين كافة الشعوب، حتى غدت شعائر الكفار وعاداتهم تنقل مزخرفة مبهرجة بالصوت والصورة الحية من بلادهم إلى بلاد المسلمين عبر الفضائيات والشبكة العالمية -الإنترنت- فاغتر بزخرفها كثير من المسلمين.
وفي السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة بين كثير من شباب المسلمين -ذكوراً وإناثاً- لا تبشر بخير، تمثلت في تقليدهم للنصارى في الاحتفال بعيد الحب. مما كان داعياً لأولي العلم والدعوة أن يبينوا شريعة الله - تعالى - في ذلك. نصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ؛ حتى يكون المسلم على بيِّنة من أمره ولئلا يقع فيما يخل بعقيدته التي أنعم الله بها عليه.
وهذا عرض مختصر لأصل هذا العيد ونشأته والمقصود منه، وما يجب على المسلم تجاهه.
قصة عيد الحب
يعتبر عيد الحب من أعياد الرومان الوثنيين، إذ كانت الوثنية سائدة عند الرومان قبل ما يزيد على سبعة عشر قرناً. وهو تعبير في المفهوم الوثني الروماني عن الحب الإلهي.
ولهذا العيد الوثني أساطير استمرت عند الرومان، وعند ورثتهم من النصارى، ومن أشهر هذه الأساطير: أن الرومان كانوا يعتقدون أن (رومليوس) مؤسس مدينة (روما) أرضعته ذات يوم ذئبة فأمدته بالقوة ورجاحة الفكر.
فكان الرومان يحتفلون بهذه الحادثة في منتصف شهر فبراير من كل عام احتفالاً كبيراً، وكان من مراسيمه أن يذبح فيه كلب وعنزة، ويدهن شابان مفتولا العضلات جسميهما بدم الكلب والعنزة، ثم يغسلان الدم باللبن، وبعد ذلك يسير موكب عظيم يكون الشابان في مقدمته يطوف الطرقات. ومع الشابين قطعتان من الجلد يلطخان بهما كل من صادفهما، وكان النساء الروميات يتعرضن لتلك اللطمات مرحبات، لاعتقادهن بأنها تمنع العقم وتشفيه.
علاقة القديس فالنتين بهذا العيد:
(القديس فالنتين) اسم التصق باثنين من قدامى ضحايا الكنيسة النصرانية قيل: إنهما اثنان، وقيل: بل هو واحد توفي في روما إثر تعذيب القائد القوطي (كلوديوس) له حوالي عام 296م. وبنيت كنيسة في روما في المكان الذي توفي فيه عام 350م تخليداً لذكراه.
ولما اعتنق الرومان النصرانية أبقوا على الاحتفال بعيد الحب السابق ذكره، لكن نقلوه من مفهومه الوثني (الحب الإلهي) إلى مفهوم آخر يعبر عنه بشهداء الحب، ممثلاً في القديس فالنتين الداعية إلى الحب والسلام الذي استشهد في سبيل ذلك حسب زعمهم. وسمي - أيضا - (عيد العشاق) واعتبر (القديس فالنتين) شفيع العشاق وراعيهم.
وكان من اعتقاداتهم الباطلة في هذا العيد أن تكتب أسماء الفتيات اللاتي في سن ال**** في لفافات صغيرة من الورق، وتوضع في طبق على منضدة، ويدعى الشبان الذين يرغبون في ال**** ليخرج كل منهم ورقة، فيضع نفسه في خدمة صاحبة الاسم المكتوب لمدة عام يختبر كل منهما خلق الآخر، ثم يتزوجان، أو يعيدان الكرة في العام التالي يوم العيد أيضاً.
وقد ثار رجال الدين النصراني على هذا التقليد، واعتبروه مفسداً لأخلاق الشباب والشابات فتم إبطاله في إيطاليا التي كان مشهوراً فيها، لأنها مدينة الرومان المقدسة ثم صارت معقلاً من معاقل النصارى. ولا يعلم على وجه التحديد متى تم إحياؤه من جديد. فالروايات النصرانية في ذلك مختلفة، لكن تذكر بعض المصادر أن الإنجليز كانوا يحتفلون به منذ القرن الخامس عشر الميلادي. وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين انتشرت في بعض البلاد الغربية محلات تبيع كتباً صغيرة تسمى(كتاب الفالنتين) فيها بعض الأشعار الغرامية؛ ليختار منها من أراد أن يرسل إلى محبوبته بطاقة تهنئة، وفيها مقترحات حول كيفية كتابة الرسائل الغرامية والعاطفية.
لماذا هذا التاريخ؟]
تتلخص هذه الأسطورة في أن الإمبراطور المذكور سابقاً كان وثنياً وكان (فالنتين) من دعاة النصرانية وحاول الإمبراطور إخراجه منها ليكون على الدين الوثني الروماني، لكنه ثبت على دينه النصراني وأعدم في سبيل ذلك في 14 فبراير عام 270م ليلة العيد الوثني الروماني (لوبركيليا).
فلما دخل الرومان في النصرانية أبقوا على العيد الوثني (لوبركيليا) لكنهم ربطوه بيوم إعدام (فالنتين) إحياء لذكراه، لأنه مات في سبيل الثبات على النصرانية كما في هذه الأسطورة، أو مات في سبيل رعاية المحبين وتزويجهم على ما تقتضيه الأسطورة الثانية.
شعائرهم في هذا العيد:
من أهم شعائرهم فيه:
1- إظهار البهجة والسرور فيه كحالهم في الأعياد المهمة الأخرى.
2- تبادل الورود الحمراء، وذلك تعبيراً عن الحب الذي كان عند الرومان حباً إلهياً وثنياً لمعبوداتهم من دون الله - تعالى -. وعند النصارى عشقاً بين ****** ومحبوبته، ولذلك سمي عندهم بعيد العشاق.
3- توزيع بطاقات التهنئة به، وفي بعضها صورة (كيوبيد) وهو طفل له جناحان يحمل قوساً ونشاباً. وهو إله الحب عند الأمة الرومانية الوثنية تعالى الله عن إفكهم وشركهم علواً كبيراً.
4- تبادل كلمات الحب والعشق والغرام في بطاقات التهنئة المتبادلة بينهم عن طريق الشعر أو النثر أو الجمل القصيرة، وفي بعض بطاقات التهنئة صور ضاحكة وأقوال هزلية، وكثيراً ما كان يكتب فيها عبارة (كن فالنتينيا) وهذا يمثل المفهوم النصراني له بعد انتقاله من المفهوم الوثني.
5- تقام في كثير من الأقطار النصرانية حفلات نهارية وسهرات مختلطة راقصة، ويرسل كثير منهم هدايا منها: الورود وصناديق الشوكولاته إلى أ****هم وأصدقائهم ومن يحبونهم (انظر للمزيد من المعلومات حول أساطيرهم فيه : الموسوعة العربية العالمية (17/203) وموسوعة أغرب الأعياد وأجب الاحتفالات لسيد صديق عبد الفتاح (169 : 171)، وأعياد الكفار وموقف المسلم منها للكاتب ص (37).
[نظرات في الأساطير السابقة :
]من نظر إلى ما سبق عرضه من أساطير حول هذا العيد الوثني يتضح له ما يلي:
أولاً : أن أصله عقيدة وثنية عند الرومان، يعبر عنها بالحب الإلهي للوثن الذي عبدوه من دون الله – تعالى-. فمن احتفل به فهو يحتفل بمناسبة تعظم فيها الأوثان وتعبد من دون من يستحق العبادة وهو الخالق - سبحانه وتعالى -، الذي حذرنا من الشرك ومن الطرق المفضية إليه فقال تعالى مخاطباً الرسـول - صلى الله عليه وسـلم - (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) (الزمر: 65، 66). وقضى – سبحانه - بأن من مات على الشرك الأكبر لا يجد ريح الجنة، بل هو مخلد في النار أبداً كما قال الله - تعالى - (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدا) (النساء: 116). وقال الله – تعالى - على لسان عيسى - عليه السلام - أنه قال لقومه (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) (المائدة: 72). فالواجب الحذر من الشرك ومما يؤدي إليه.
ثانيـاً: أن نشأة هذا العيد عند الرومان مرتبطة بأساطير وخرافات لا يقبلها العقل السوي فضلا عن عقل مسلم يؤمن بالله - تعالى - وبرسله عليهم الصلاة والسلام.
فهل يقبل العقل السوي أن ذئبة أرضعت مؤسس مدينة روما وأمدته بالقوة ورجاحة الفكر، على ما في هذه الأسطورة مما يخالف عقيدة المسلم لأن الذي يمد بالقوة ورجاحة الفكر هو الخالق - سبحانه وتعالى - وليس لبن ذئبة!!
وكذلك الأسطورة الأخرى التي جاء فيها أن الرومان يقدمون في هذا العيد القرابين لأوثانهم التي يعبدونها من دون الله - تعالى - اعتقاداً منهم أن هذه الأوثان ترد السوء عنهم وتحمي مراعيهم من الذئاب. فهذا لا يقبله عقل سوي يعلم أن الأوثان لا تضر ولا تنفع علاوة على ما فيه من الشرك الأكبر.
فكيف يقبل عاقل على نفسه أن يحتفل بعيد ارتبط بهذه الأساطير والخرافات، فضلاً عن مسلم منَّ الله - تعالى - عليه بدين كامل وعقيدة صحيحة؟!
ثالثـاً: أن من الشعائر البشعة لهذا العيد عند الرومان ذبح كلب وعنزة ودهن شابين بدم الكلب والعنزة ثم غسل الدم باللبن…الخ فهذا مما تنفر منه الفطر السوية ولا تقبله العقول الصحيحة.
فكيف يحتفل من رزقه الله - تعالى - فطرة سوية، وأعطاه عقلاً صحيحاً، وهداه لدين حق بهذا العيد الذي كانت تمارس فيه هذه الممارسات البشعة؟!
رابعـاً: أن ارتباط القديس (فالنتين) بهذا العيد ارتباط مختلف فيه وفي سببه وقصته، بل إن بعض المصادر تشكك أصلاً في هذا القديس وتعتبره أسطورة لا حقيقة لها. وكان الأجدر بالنصارى رفض هذا العيد الوثني الذي تبعوا فيه الأمة الرومانية الوثنية، لا سيما وأن ارتباطه بقديس من قديسيهم أمر مشكوك فيه!! فإذا عيب ذلك على النصارى الذين بدلوا دينهم وحرفوا كتبهم، فمن الأولى والآكد أن يعاب على المسلم إذا احتفل به. ثم لو ثبت أن هذا العيد كان بمناسبة إعدام القديس فالنتين بسبب ثباته على النصرانية، فما لنا وله، وما علاقة المسلمين بذلك؟!
خامسا: أن رجال الدين النصراني قد ثاروا على ما سببه هذا العيد من إفساد لأخلاق الشباب والشابات فتم إبطاله في إيطاليا معقل النصارى الكاثوليك. ثم أعيد بعد ذلك وانتشر في البلاد الأوربية، ومنها انتقل إلى كثير من بلاد المسلمين. فإذا كان أئمة النصارى قد أنكروه في وقتهم لما سببه من فساد لشعوبهم وهم ضالون فان الواجب على أولي العلم من المسلمين بيان حقيقته، وحكم الاحتفال به، كما يجب على عموم المسلمين إنكاره وعدم قبوله، والإنكار على من احتفل به أو نقله من النصارى إلى المسلمين وأظهره في بلاد الإسلام. وذلك يحتمه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق، إذ بيان الباطل وفضحه، والنهي عنه وإنكاره مما يجب على عموم المسلمين كل حسب وسعه وطاقته.
أدلةتحريم التشبه:
فمن القرآن قول الله تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) (آل عمران 105) وقال تعالى: ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) (الحديد 16) فالله - تعالى - حذر المؤمنين من سلوك مسلك أهل الكتاب - اليهود والنصارى - الذين غيروا دينهم، وحرفوا كتبهم، وابتدعوا ما لم يشرع لهم، وتركوا ما أمرهم الله - تعالى - به.
2- ومن السنة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -(من تشبه بقوم فهو منهم) (أخرجه أحمد 3/50 وأبو داود 5021) قال *** الإسلام: (هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله - تعالى - (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (الاقتضاء 1/314) وقال الصنعاني: (فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال: يكفر، وهو ظاهر الحديث، ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدب) (سبل السلام 8/248)
3- وأما الإجماع فقد نقل ابن تيمية أنه منعقد على حرمة التشبه بالكفار في أعيادهم في وقت الصحابة - رضي الله عنهم - كما نقل ابن القيم اتفاق أهل العلم على ذلك. (انظر الاقتضاء 1/454) وأحكام أهل الذمة (3/1245)
والتشبه بالكفار فيما هو من دينهم -كعيد الحب- أخطر من التشبه بهم في أزيائهم أو عاداتهم أو سلوكياتهم، لأن دينهم إما مخترع وإما محرف، وما لم يحرف منه فمنسوخ، فلا شيء منه يقرب إلى الله - تعالى - فإذا كان الأمر كذلك فإن الاحتفال بعيد الحب تشبه بعباد الأوثان -الرومان- في عباداتهم للأوثان، ثم بأهل الكتاب في أسطورة حول قديس عظموه وغلوا فيه. وصرفوا له ما لا يجوز صرفه للبشر بأن جعلوا له عيداً يحتفلون به.
[موقف المسلم من عيد الحب
مما سبق عرضه في بيان أصل هذا العيد، وقصته، والمقصود منه، فإنه يمكن تلخيص ما يجب على المسلم تجاهه في الآتي:
أولاً: عدم الاحتفال به، أو مشاركة المحتفلين به في احتفالهم، أو الحضور معهم لما سبق عرضه من الأدلة الدالة على تحريم التشبه بالكفار. قال الحافظ الذهبي - رحمه الله تعالى -: (فإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد كانوا مختصين به فلا يشركهم فيه مسلم كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم. أهـ (تشبه الخسيس بأهل الخميس، رسالة منشورة في مجلة الحكمة (4/193)
ثانياً : عدم إعانة الكفار على احتفالهم به بإهداء أو طبع أدوات العيد وشعاراته أو إعارة، لأنه شعيرة من شعائر الكفر، فإعانتهم وإقرارهم عليه إعانة على ظهور الكفر وعلوه وإقرار به. *****لم يمنعه دينه من إقرار الكفر والإعانة على ظهوره وعلوه. ولذلك قال *** الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: (لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك. ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة. وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام) (مجموعة الفتاوى 25/329).
وقال ابن التركماني: (فيأثم المسلم بمجالسته لهم وبإعانته لهم بذبح وطبخ وإعارة دابة يركبونها لمواسمهم وأعيادهم.) (اللمع في الحوادث والبدع 2/519-520).
ثالثاً: عدم إعانة من احتفل به من المسلمين، بل الواجب الإنكار عليهم، لأن احتفال المسلمين بأعياد الكفار منكر يجب إنكاره. قال *** الإسلام - رحمه الله تعالى - : (وكما لا نتشبه بهم في الأعياد، فلا يعان المسلم بهم في ذلك، بل ينهى عن ذلك. فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه، ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك، لأن في ذلك إعانة على المنكر) (الاقتضاء 2/519-520).
وبناءً على ما قرره *** الإسلام فإنه لا يجوز للتجار المسلمين أن يتاجروا بهدايا عيد الحب من لباس معين أو ورود حمراء أو بطاقات تهنئة صممت لأجله أو غير ذلك، لأن المتاجرة بها إعانة على المنكر الذي لا يرضاه الله - تعالى - ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
كما لا يحل لمن أهديت له هدية هذا العيد أن يقبلها؛ لأن في قبولها إقرار لهذا العيد.
رابعاً: عدم تبادل التهاني بعيد الحب، لأنه ليس عيدًا للمسلمين. وإذا هنئ المسلم به فلا يرد التهنئة. قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه) (أحكام أهل الذمة 1/441-442).
خامساً: توضيح حقيقة هذا العيد وأمثاله من أعياد الكفار لمن اغتر بها من المسلمين، وبيان ضرورة تميز المسلم بدينه والمحافظة على عقيدته مما يخل بها، وتذكيره بمخاطر التشبه بالكفار في شعائرهم الدينية كالأعياد أو بعاداتهم وسلوكياتهم، نصحا للأمة وأداءً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي بإقامته صلاح العباد والبلاد، وحلول الخيرات، وارتفاع العقوبات كما قال - تعالى - (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)(هـود: 117).
أسأل الله - تعالى - أن يحفظ المسلمين من مضلات الفتن، وأن يقيهم شرور أنفسهم ومكر أعدائهم إنه سميع مجيب. وصلى الله وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد ..
قد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -أن فئاماً من أمته سيتبعون أعداء الله - تعالى - في بعض شعائرهم وعاداتهم، وذلك في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى، قال: فمن؟! ) أخرجه البخاري ومسلم
وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال الرسول - صلى الله عليه وسلم- : ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلاً بمثل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله) أخرجه الحاكم (1/129).
وقد وقع ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتشر في الأزمنة الأخيرة في كثير من البلاد الإسلامية إذ اتَّبع كثير من المسلمين أعداء الله - تعالى - في كثير من عاداتهم وسلوكياتهم وقلدوهم في بعض شعائرهم، واحتفلوا بأعيادهم.
وكان ذلك نتيجة للفتح المادي، والتطور العمراني الذي فتح الله به على البشرية، وكان قصب السبق فيه في الأزمنة المتأخرة للبلاد الغربية النصرانية العلمانية، مما كان سبباً في افتتان كثير من المسلمين بذلك، لا سيما مع ضعف الديانة في القلوب، وفشو الجهل بأحكام الشريعة بين الناس.
وزاد الأمر سوءاً الانفتاح الإعلامي بين كافة الشعوب، حتى غدت شعائر الكفار وعاداتهم تنقل مزخرفة مبهرجة بالصوت والصورة الحية من بلادهم إلى بلاد المسلمين عبر الفضائيات والشبكة العالمية -الإنترنت- فاغتر بزخرفها كثير من المسلمين.
وفي السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة بين كثير من شباب المسلمين -ذكوراً وإناثاً- لا تبشر بخير، تمثلت في تقليدهم للنصارى في الاحتفال بعيد الحب. مما كان داعياً لأولي العلم والدعوة أن يبينوا شريعة الله - تعالى - في ذلك. نصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ؛ حتى يكون المسلم على بيِّنة من أمره ولئلا يقع فيما يخل بعقيدته التي أنعم الله بها عليه.
وهذا عرض مختصر لأصل هذا العيد ونشأته والمقصود منه، وما يجب على المسلم تجاهه.
قصة عيد الحب
يعتبر عيد الحب من أعياد الرومان الوثنيين، إذ كانت الوثنية سائدة عند الرومان قبل ما يزيد على سبعة عشر قرناً. وهو تعبير في المفهوم الوثني الروماني عن الحب الإلهي.
ولهذا العيد الوثني أساطير استمرت عند الرومان، وعند ورثتهم من النصارى، ومن أشهر هذه الأساطير: أن الرومان كانوا يعتقدون أن (رومليوس) مؤسس مدينة (روما) أرضعته ذات يوم ذئبة فأمدته بالقوة ورجاحة الفكر.
فكان الرومان يحتفلون بهذه الحادثة في منتصف شهر فبراير من كل عام احتفالاً كبيراً، وكان من مراسيمه أن يذبح فيه كلب وعنزة، ويدهن شابان مفتولا العضلات جسميهما بدم الكلب والعنزة، ثم يغسلان الدم باللبن، وبعد ذلك يسير موكب عظيم يكون الشابان في مقدمته يطوف الطرقات. ومع الشابين قطعتان من الجلد يلطخان بهما كل من صادفهما، وكان النساء الروميات يتعرضن لتلك اللطمات مرحبات، لاعتقادهن بأنها تمنع العقم وتشفيه.
علاقة القديس فالنتين بهذا العيد:
(القديس فالنتين) اسم التصق باثنين من قدامى ضحايا الكنيسة النصرانية قيل: إنهما اثنان، وقيل: بل هو واحد توفي في روما إثر تعذيب القائد القوطي (كلوديوس) له حوالي عام 296م. وبنيت كنيسة في روما في المكان الذي توفي فيه عام 350م تخليداً لذكراه.
ولما اعتنق الرومان النصرانية أبقوا على الاحتفال بعيد الحب السابق ذكره، لكن نقلوه من مفهومه الوثني (الحب الإلهي) إلى مفهوم آخر يعبر عنه بشهداء الحب، ممثلاً في القديس فالنتين الداعية إلى الحب والسلام الذي استشهد في سبيل ذلك حسب زعمهم. وسمي - أيضا - (عيد العشاق) واعتبر (القديس فالنتين) شفيع العشاق وراعيهم.
وكان من اعتقاداتهم الباطلة في هذا العيد أن تكتب أسماء الفتيات اللاتي في سن ال**** في لفافات صغيرة من الورق، وتوضع في طبق على منضدة، ويدعى الشبان الذين يرغبون في ال**** ليخرج كل منهم ورقة، فيضع نفسه في خدمة صاحبة الاسم المكتوب لمدة عام يختبر كل منهما خلق الآخر، ثم يتزوجان، أو يعيدان الكرة في العام التالي يوم العيد أيضاً.
وقد ثار رجال الدين النصراني على هذا التقليد، واعتبروه مفسداً لأخلاق الشباب والشابات فتم إبطاله في إيطاليا التي كان مشهوراً فيها، لأنها مدينة الرومان المقدسة ثم صارت معقلاً من معاقل النصارى. ولا يعلم على وجه التحديد متى تم إحياؤه من جديد. فالروايات النصرانية في ذلك مختلفة، لكن تذكر بعض المصادر أن الإنجليز كانوا يحتفلون به منذ القرن الخامس عشر الميلادي. وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين انتشرت في بعض البلاد الغربية محلات تبيع كتباً صغيرة تسمى(كتاب الفالنتين) فيها بعض الأشعار الغرامية؛ ليختار منها من أراد أن يرسل إلى محبوبته بطاقة تهنئة، وفيها مقترحات حول كيفية كتابة الرسائل الغرامية والعاطفية.
لماذا هذا التاريخ؟]
تتلخص هذه الأسطورة في أن الإمبراطور المذكور سابقاً كان وثنياً وكان (فالنتين) من دعاة النصرانية وحاول الإمبراطور إخراجه منها ليكون على الدين الوثني الروماني، لكنه ثبت على دينه النصراني وأعدم في سبيل ذلك في 14 فبراير عام 270م ليلة العيد الوثني الروماني (لوبركيليا).
فلما دخل الرومان في النصرانية أبقوا على العيد الوثني (لوبركيليا) لكنهم ربطوه بيوم إعدام (فالنتين) إحياء لذكراه، لأنه مات في سبيل الثبات على النصرانية كما في هذه الأسطورة، أو مات في سبيل رعاية المحبين وتزويجهم على ما تقتضيه الأسطورة الثانية.
شعائرهم في هذا العيد:
من أهم شعائرهم فيه:
1- إظهار البهجة والسرور فيه كحالهم في الأعياد المهمة الأخرى.
2- تبادل الورود الحمراء، وذلك تعبيراً عن الحب الذي كان عند الرومان حباً إلهياً وثنياً لمعبوداتهم من دون الله - تعالى -. وعند النصارى عشقاً بين ****** ومحبوبته، ولذلك سمي عندهم بعيد العشاق.
3- توزيع بطاقات التهنئة به، وفي بعضها صورة (كيوبيد) وهو طفل له جناحان يحمل قوساً ونشاباً. وهو إله الحب عند الأمة الرومانية الوثنية تعالى الله عن إفكهم وشركهم علواً كبيراً.
4- تبادل كلمات الحب والعشق والغرام في بطاقات التهنئة المتبادلة بينهم عن طريق الشعر أو النثر أو الجمل القصيرة، وفي بعض بطاقات التهنئة صور ضاحكة وأقوال هزلية، وكثيراً ما كان يكتب فيها عبارة (كن فالنتينيا) وهذا يمثل المفهوم النصراني له بعد انتقاله من المفهوم الوثني.
5- تقام في كثير من الأقطار النصرانية حفلات نهارية وسهرات مختلطة راقصة، ويرسل كثير منهم هدايا منها: الورود وصناديق الشوكولاته إلى أ****هم وأصدقائهم ومن يحبونهم (انظر للمزيد من المعلومات حول أساطيرهم فيه : الموسوعة العربية العالمية (17/203) وموسوعة أغرب الأعياد وأجب الاحتفالات لسيد صديق عبد الفتاح (169 : 171)، وأعياد الكفار وموقف المسلم منها للكاتب ص (37).
[نظرات في الأساطير السابقة :
]من نظر إلى ما سبق عرضه من أساطير حول هذا العيد الوثني يتضح له ما يلي:
أولاً : أن أصله عقيدة وثنية عند الرومان، يعبر عنها بالحب الإلهي للوثن الذي عبدوه من دون الله – تعالى-. فمن احتفل به فهو يحتفل بمناسبة تعظم فيها الأوثان وتعبد من دون من يستحق العبادة وهو الخالق - سبحانه وتعالى -، الذي حذرنا من الشرك ومن الطرق المفضية إليه فقال تعالى مخاطباً الرسـول - صلى الله عليه وسـلم - (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) (الزمر: 65، 66). وقضى – سبحانه - بأن من مات على الشرك الأكبر لا يجد ريح الجنة، بل هو مخلد في النار أبداً كما قال الله - تعالى - (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدا) (النساء: 116). وقال الله – تعالى - على لسان عيسى - عليه السلام - أنه قال لقومه (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) (المائدة: 72). فالواجب الحذر من الشرك ومما يؤدي إليه.
ثانيـاً: أن نشأة هذا العيد عند الرومان مرتبطة بأساطير وخرافات لا يقبلها العقل السوي فضلا عن عقل مسلم يؤمن بالله - تعالى - وبرسله عليهم الصلاة والسلام.
فهل يقبل العقل السوي أن ذئبة أرضعت مؤسس مدينة روما وأمدته بالقوة ورجاحة الفكر، على ما في هذه الأسطورة مما يخالف عقيدة المسلم لأن الذي يمد بالقوة ورجاحة الفكر هو الخالق - سبحانه وتعالى - وليس لبن ذئبة!!
وكذلك الأسطورة الأخرى التي جاء فيها أن الرومان يقدمون في هذا العيد القرابين لأوثانهم التي يعبدونها من دون الله - تعالى - اعتقاداً منهم أن هذه الأوثان ترد السوء عنهم وتحمي مراعيهم من الذئاب. فهذا لا يقبله عقل سوي يعلم أن الأوثان لا تضر ولا تنفع علاوة على ما فيه من الشرك الأكبر.
فكيف يقبل عاقل على نفسه أن يحتفل بعيد ارتبط بهذه الأساطير والخرافات، فضلاً عن مسلم منَّ الله - تعالى - عليه بدين كامل وعقيدة صحيحة؟!
ثالثـاً: أن من الشعائر البشعة لهذا العيد عند الرومان ذبح كلب وعنزة ودهن شابين بدم الكلب والعنزة ثم غسل الدم باللبن…الخ فهذا مما تنفر منه الفطر السوية ولا تقبله العقول الصحيحة.
فكيف يحتفل من رزقه الله - تعالى - فطرة سوية، وأعطاه عقلاً صحيحاً، وهداه لدين حق بهذا العيد الذي كانت تمارس فيه هذه الممارسات البشعة؟!
رابعـاً: أن ارتباط القديس (فالنتين) بهذا العيد ارتباط مختلف فيه وفي سببه وقصته، بل إن بعض المصادر تشكك أصلاً في هذا القديس وتعتبره أسطورة لا حقيقة لها. وكان الأجدر بالنصارى رفض هذا العيد الوثني الذي تبعوا فيه الأمة الرومانية الوثنية، لا سيما وأن ارتباطه بقديس من قديسيهم أمر مشكوك فيه!! فإذا عيب ذلك على النصارى الذين بدلوا دينهم وحرفوا كتبهم، فمن الأولى والآكد أن يعاب على المسلم إذا احتفل به. ثم لو ثبت أن هذا العيد كان بمناسبة إعدام القديس فالنتين بسبب ثباته على النصرانية، فما لنا وله، وما علاقة المسلمين بذلك؟!
خامسا: أن رجال الدين النصراني قد ثاروا على ما سببه هذا العيد من إفساد لأخلاق الشباب والشابات فتم إبطاله في إيطاليا معقل النصارى الكاثوليك. ثم أعيد بعد ذلك وانتشر في البلاد الأوربية، ومنها انتقل إلى كثير من بلاد المسلمين. فإذا كان أئمة النصارى قد أنكروه في وقتهم لما سببه من فساد لشعوبهم وهم ضالون فان الواجب على أولي العلم من المسلمين بيان حقيقته، وحكم الاحتفال به، كما يجب على عموم المسلمين إنكاره وعدم قبوله، والإنكار على من احتفل به أو نقله من النصارى إلى المسلمين وأظهره في بلاد الإسلام. وذلك يحتمه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق، إذ بيان الباطل وفضحه، والنهي عنه وإنكاره مما يجب على عموم المسلمين كل حسب وسعه وطاقته.
أدلةتحريم التشبه:
فمن القرآن قول الله تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) (آل عمران 105) وقال تعالى: ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) (الحديد 16) فالله - تعالى - حذر المؤمنين من سلوك مسلك أهل الكتاب - اليهود والنصارى - الذين غيروا دينهم، وحرفوا كتبهم، وابتدعوا ما لم يشرع لهم، وتركوا ما أمرهم الله - تعالى - به.
2- ومن السنة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -(من تشبه بقوم فهو منهم) (أخرجه أحمد 3/50 وأبو داود 5021) قال *** الإسلام: (هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله - تعالى - (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (الاقتضاء 1/314) وقال الصنعاني: (فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال: يكفر، وهو ظاهر الحديث، ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدب) (سبل السلام 8/248)
3- وأما الإجماع فقد نقل ابن تيمية أنه منعقد على حرمة التشبه بالكفار في أعيادهم في وقت الصحابة - رضي الله عنهم - كما نقل ابن القيم اتفاق أهل العلم على ذلك. (انظر الاقتضاء 1/454) وأحكام أهل الذمة (3/1245)
والتشبه بالكفار فيما هو من دينهم -كعيد الحب- أخطر من التشبه بهم في أزيائهم أو عاداتهم أو سلوكياتهم، لأن دينهم إما مخترع وإما محرف، وما لم يحرف منه فمنسوخ، فلا شيء منه يقرب إلى الله - تعالى - فإذا كان الأمر كذلك فإن الاحتفال بعيد الحب تشبه بعباد الأوثان -الرومان- في عباداتهم للأوثان، ثم بأهل الكتاب في أسطورة حول قديس عظموه وغلوا فيه. وصرفوا له ما لا يجوز صرفه للبشر بأن جعلوا له عيداً يحتفلون به.
[موقف المسلم من عيد الحب
مما سبق عرضه في بيان أصل هذا العيد، وقصته، والمقصود منه، فإنه يمكن تلخيص ما يجب على المسلم تجاهه في الآتي:
أولاً: عدم الاحتفال به، أو مشاركة المحتفلين به في احتفالهم، أو الحضور معهم لما سبق عرضه من الأدلة الدالة على تحريم التشبه بالكفار. قال الحافظ الذهبي - رحمه الله تعالى -: (فإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد كانوا مختصين به فلا يشركهم فيه مسلم كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم. أهـ (تشبه الخسيس بأهل الخميس، رسالة منشورة في مجلة الحكمة (4/193)
ثانياً : عدم إعانة الكفار على احتفالهم به بإهداء أو طبع أدوات العيد وشعاراته أو إعارة، لأنه شعيرة من شعائر الكفر، فإعانتهم وإقرارهم عليه إعانة على ظهور الكفر وعلوه وإقرار به. *****لم يمنعه دينه من إقرار الكفر والإعانة على ظهوره وعلوه. ولذلك قال *** الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: (لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك. ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة. وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام) (مجموعة الفتاوى 25/329).
وقال ابن التركماني: (فيأثم المسلم بمجالسته لهم وبإعانته لهم بذبح وطبخ وإعارة دابة يركبونها لمواسمهم وأعيادهم.) (اللمع في الحوادث والبدع 2/519-520).
ثالثاً: عدم إعانة من احتفل به من المسلمين، بل الواجب الإنكار عليهم، لأن احتفال المسلمين بأعياد الكفار منكر يجب إنكاره. قال *** الإسلام - رحمه الله تعالى - : (وكما لا نتشبه بهم في الأعياد، فلا يعان المسلم بهم في ذلك، بل ينهى عن ذلك. فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه، ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك، لأن في ذلك إعانة على المنكر) (الاقتضاء 2/519-520).
وبناءً على ما قرره *** الإسلام فإنه لا يجوز للتجار المسلمين أن يتاجروا بهدايا عيد الحب من لباس معين أو ورود حمراء أو بطاقات تهنئة صممت لأجله أو غير ذلك، لأن المتاجرة بها إعانة على المنكر الذي لا يرضاه الله - تعالى - ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
كما لا يحل لمن أهديت له هدية هذا العيد أن يقبلها؛ لأن في قبولها إقرار لهذا العيد.
رابعاً: عدم تبادل التهاني بعيد الحب، لأنه ليس عيدًا للمسلمين. وإذا هنئ المسلم به فلا يرد التهنئة. قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه) (أحكام أهل الذمة 1/441-442).
خامساً: توضيح حقيقة هذا العيد وأمثاله من أعياد الكفار لمن اغتر بها من المسلمين، وبيان ضرورة تميز المسلم بدينه والمحافظة على عقيدته مما يخل بها، وتذكيره بمخاطر التشبه بالكفار في شعائرهم الدينية كالأعياد أو بعاداتهم وسلوكياتهم، نصحا للأمة وأداءً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي بإقامته صلاح العباد والبلاد، وحلول الخيرات، وارتفاع العقوبات كما قال - تعالى - (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)(هـود: 117).
أسأل الله - تعالى - أن يحفظ المسلمين من مضلات الفتن، وأن يقيهم شرور أنفسهم ومكر أعدائهم إنه سميع مجيب. وصلى الله وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.