سيف الاسلام
10 - 9 - 2003, 02:51 AM
المصدر : صالح الفهيد (حائل)
مثلما كان كشافو الفرق الرياضية يجوبون الحواري والمدارس لاكتشاف الموهوبين من اللاعبين واستقطابهم وضمهم الى فرقهم الرياضية.
كان كشافو الجماعات المتطرفة يمشطون المساجد.. وحلقات تحفيظ القرآن الكريم.. والمراكز الصيفية.. لاستدراج بعض الشباب المتحمسين, وتجنيدهم فقد أولت الجماعات المتطرفة عمليات التجنيد اهتماما بالغا.. وعناية خاصة, وحشدت من أجل ذلك كل امكاناتها البشرية والمادية والمعنوية, واستثمرت في ذلك كل ما يمكن استثماره من الترغيب والترهيب, والاغواء والإغراء, وأدارت العملية بطريقة منظمة ومنتظمة.. وكان للجماعات المتطرفة رجال في كل مكان لا دور لهم سوى تجنيد الاتباع, وانتقائهم بعناية, ومن ثم إرسالهم إلى حيث تجرى عمليات (أدلجتهم).. وتعبئتهم بالأفكار المتطرفة, وصولاً إلى تهيئتهم للقيام بعمليات إجرامية وإرهابية, على نحو ما شهدته بلادنا هذا العام.
نقطةالبداية
للجماعات المتطرفة, تجربة طويلة, وخبرة لا يُستهان بها في عملية (التجنيد).. بدأت منذ فترة طويلة, وبلغت ذروتها في مرحلة جهاد الشعب الافغاني ضد الاحتلال السوفيتي لبلادهم. ولم تجد منظمة (القاعدة) بعد تأسيسها كثير عناء, أو صعوبات تُذكر في استثمارها لهذه الخبرة المتراكمة, لتجنيد الاتباع, فالأموال متوافرة وتنفق بسخاء, والمشاعر الدينية مُتّقدة, والعدو الشرير موجود, وهكذا وظفت المشاعر الدينية أسوأ توظيف, واستغلت حماس بعض الشباب أسوأ استغلال.
مراحل التجنيد
وبالطبع فعملية (التجنيد) لا تتم دفعة واحدة, وإنما على مراحل متدرجة, كما يتضح من هذه الرواية لأحد الأشخاص الذين وقعوا ضحية لهذه الجماعات المتطرفة.. فيقول هذا الشخص الذي طلب عدم ذكر اسمه: كنت شاباً عادياً نشأت في بيت متدين بالفطرة, أواظب على الصلاة في المسجد وأحب الآخرين, مثلما أحب مساعدتهم ولا شيء يميزني عن غيري من شباب الحي, وبعد أن اجتزت المرحلة الثانوية انتقلت إلى الرياض بغرض الدراسة الجامعية, وهناك بدأت نقطة التحول, فقد تعرفت على أحد الشباب بمبادرة منه بعد أن صرنا نشاهد بعضنا باستمرار في المسجد, وبعد لقاءات ثنائية متكررة بيننا دعاني الى عشاء خارج الرياض بصحبة بعض الأصدقاء كما قال لي, وهناك في مخيم خارج العمران التقيتُ بنحو سبعة أشخاص, وكان مجمل أحاديثهم تتركز على نقدهم لبعض الظواهر الاجتماعية, وتساهل الناس في الأمور الدينية, واهتمامهم بالملهيات, وما إلى ذلك, ثم بدأت تتكرر الدعوات لحضور لقاءات في المساجد والمنازل ثم اصطحبوني لحضور بعض المحاضرات لمشايخ مختلفين, بعد ذلك اغرقوني بالكتيبات والكاستات لشيوخ أسمع بهم للمرة الأولى, بعضهم يصرخ ويبكي ويتناولون في خطبهم مواضيع من قبيل عذاب القبر بطريقة مهولة ومخيفة, حتى تظن أنك في جهنم لا محالة!
ويستطرد قائلاً: بدأ إحساس عميق يتشكل لدي بأنني عاص ومخالف, وانني إن مت على هذه الحالة سأدخل النار, مع انني لم أرتكب أية معصية!! ومع تكرار سماعي لهؤلاء الخطباء تعلقت بهم, ورحت أبحث عن المزيد من اشرطتهم وكتيباتهم, وهكذا انزلقت دون أن أشعر الى مستنقع التطرف والإرهاب, وبدت علامات ذلك على ملبسي وهيئتي وصلتي بالآخرين, وحين عدت خلال العطلة الصيفية إلى أهلي فوجئت بمظهري, صدمت أمي بي وتوسلت لي أن أحكم عقلي, وانتبه لنفسي لكن عقلي كان مستقراً بحيث أني اعتبرها جاهلة ومسكينة لا تفهم الدين!! ولم أمكث عند أهلي طويلاً كنت متشوقاً للعودة إلى (الأخوان), ولكني قبل العودة منعت أمي من الرد على التلفون أو الخروج من المنزل وكسرت التلفزيون!!
مرت الأيام والأسابيع والأشهر سريعاً وكنت نشطاً في حضور المحاضرات الدعوية والأنشطة الصيفية, وشاركت في مسرحيات تدور موضوعاتها حول تخطئة المجتمع, وتصفه بأنه بعيد عن الدين, حتى أنني بدأت أنظر لأسرتي بنفس المنظور, وشعرت بأنني غريب عن هذا المجتمع ومختلف عنه, وانني انتمي إلى مجتمع آخر ليس هو هذا المجتمع بكل تأكيد, وبدأت اعتنق بعض الأفكار التي سمعتها في الأشرطة مثل (دولة إسلامية بنظام الخلافة) وبدأت أُهاجم العلمانيين!!
وأضاف يقول: إلى أن طلب مني أحد الشبان مرافقته إلى أفغانستان, فتركت دراستي دون أن أُبلّغ اهلي وسافرت معه إلى هناك, حيث التقيت بمئات الشبان من مختلف البلدان العربية والإسلامية, وهناك حضرت العديد من المحاضرات والحصص التدريبية على استخدام بعض الأسلحة, في مناخ من العداء للعالم كله, قضيت شهوراً, وعندما عدت الى المملكة كنت جاهزاً للقيام بأي شيء يُطلب مني بما في ذلك العمليات الانتحارية. وانخرطت على الفور في تجمعات ولقاءات متعددة من نفس الوسط, وبما انني فُصلت من الجامعة, فقد كرست كل وقتي لحضور هذه التجمعات والمحاضرات, والأنشطة التي تعبر عن فكري المتطرف, وتبرع الأخوان بتأمين سكن لي , وفي هذا السكن كنانلتقي وننطلق لمراقبة بعض الشخصيات التي نعتبرها علمانية.
ويختتم الشاب حديثه بالقول: إلى أن جاء يوم الخلاص حينها فتحت باب شقتي لأُفاجأ بأن الطارق هو والدي الذي لم أره منذ سنتين!! احتضنني واجهش بالبكاء, وبدون ان اشعر بكيت معه, واحسست أن ثقلاً كبيراً انزاح عن كاهلي, وان هماً تسرب مع دموعي, بادرني والدي وطلب ان ارحل معه فوراً, فقلت له: اذهب وسأتبعك بعد يومين, ولكنه رفض وأصر على أن أعود بصحبته وقال ان والدتك مريضة وتحتاجك, فذهبت معه وفي فكري أن أعود, ولكنني عندما عدت إلى أسرتي وجلست الى جوار والدتي بدأتُ أحس بالراحة النفسية التي فقدتها منذ سنوات تعود لي.. وهكذا لم أعد إلى شقتي.. وانما عدت الى أهلي وناسي, ومجتمعي, حدث هذا قبل سنوات مديدة وها أنذا أحيا حياة طبيعية.
منقول من جريدة عكاظ العدد الصادر يوم الاربعاء 13/7
مثلما كان كشافو الفرق الرياضية يجوبون الحواري والمدارس لاكتشاف الموهوبين من اللاعبين واستقطابهم وضمهم الى فرقهم الرياضية.
كان كشافو الجماعات المتطرفة يمشطون المساجد.. وحلقات تحفيظ القرآن الكريم.. والمراكز الصيفية.. لاستدراج بعض الشباب المتحمسين, وتجنيدهم فقد أولت الجماعات المتطرفة عمليات التجنيد اهتماما بالغا.. وعناية خاصة, وحشدت من أجل ذلك كل امكاناتها البشرية والمادية والمعنوية, واستثمرت في ذلك كل ما يمكن استثماره من الترغيب والترهيب, والاغواء والإغراء, وأدارت العملية بطريقة منظمة ومنتظمة.. وكان للجماعات المتطرفة رجال في كل مكان لا دور لهم سوى تجنيد الاتباع, وانتقائهم بعناية, ومن ثم إرسالهم إلى حيث تجرى عمليات (أدلجتهم).. وتعبئتهم بالأفكار المتطرفة, وصولاً إلى تهيئتهم للقيام بعمليات إجرامية وإرهابية, على نحو ما شهدته بلادنا هذا العام.
نقطةالبداية
للجماعات المتطرفة, تجربة طويلة, وخبرة لا يُستهان بها في عملية (التجنيد).. بدأت منذ فترة طويلة, وبلغت ذروتها في مرحلة جهاد الشعب الافغاني ضد الاحتلال السوفيتي لبلادهم. ولم تجد منظمة (القاعدة) بعد تأسيسها كثير عناء, أو صعوبات تُذكر في استثمارها لهذه الخبرة المتراكمة, لتجنيد الاتباع, فالأموال متوافرة وتنفق بسخاء, والمشاعر الدينية مُتّقدة, والعدو الشرير موجود, وهكذا وظفت المشاعر الدينية أسوأ توظيف, واستغلت حماس بعض الشباب أسوأ استغلال.
مراحل التجنيد
وبالطبع فعملية (التجنيد) لا تتم دفعة واحدة, وإنما على مراحل متدرجة, كما يتضح من هذه الرواية لأحد الأشخاص الذين وقعوا ضحية لهذه الجماعات المتطرفة.. فيقول هذا الشخص الذي طلب عدم ذكر اسمه: كنت شاباً عادياً نشأت في بيت متدين بالفطرة, أواظب على الصلاة في المسجد وأحب الآخرين, مثلما أحب مساعدتهم ولا شيء يميزني عن غيري من شباب الحي, وبعد أن اجتزت المرحلة الثانوية انتقلت إلى الرياض بغرض الدراسة الجامعية, وهناك بدأت نقطة التحول, فقد تعرفت على أحد الشباب بمبادرة منه بعد أن صرنا نشاهد بعضنا باستمرار في المسجد, وبعد لقاءات ثنائية متكررة بيننا دعاني الى عشاء خارج الرياض بصحبة بعض الأصدقاء كما قال لي, وهناك في مخيم خارج العمران التقيتُ بنحو سبعة أشخاص, وكان مجمل أحاديثهم تتركز على نقدهم لبعض الظواهر الاجتماعية, وتساهل الناس في الأمور الدينية, واهتمامهم بالملهيات, وما إلى ذلك, ثم بدأت تتكرر الدعوات لحضور لقاءات في المساجد والمنازل ثم اصطحبوني لحضور بعض المحاضرات لمشايخ مختلفين, بعد ذلك اغرقوني بالكتيبات والكاستات لشيوخ أسمع بهم للمرة الأولى, بعضهم يصرخ ويبكي ويتناولون في خطبهم مواضيع من قبيل عذاب القبر بطريقة مهولة ومخيفة, حتى تظن أنك في جهنم لا محالة!
ويستطرد قائلاً: بدأ إحساس عميق يتشكل لدي بأنني عاص ومخالف, وانني إن مت على هذه الحالة سأدخل النار, مع انني لم أرتكب أية معصية!! ومع تكرار سماعي لهؤلاء الخطباء تعلقت بهم, ورحت أبحث عن المزيد من اشرطتهم وكتيباتهم, وهكذا انزلقت دون أن أشعر الى مستنقع التطرف والإرهاب, وبدت علامات ذلك على ملبسي وهيئتي وصلتي بالآخرين, وحين عدت خلال العطلة الصيفية إلى أهلي فوجئت بمظهري, صدمت أمي بي وتوسلت لي أن أحكم عقلي, وانتبه لنفسي لكن عقلي كان مستقراً بحيث أني اعتبرها جاهلة ومسكينة لا تفهم الدين!! ولم أمكث عند أهلي طويلاً كنت متشوقاً للعودة إلى (الأخوان), ولكني قبل العودة منعت أمي من الرد على التلفون أو الخروج من المنزل وكسرت التلفزيون!!
مرت الأيام والأسابيع والأشهر سريعاً وكنت نشطاً في حضور المحاضرات الدعوية والأنشطة الصيفية, وشاركت في مسرحيات تدور موضوعاتها حول تخطئة المجتمع, وتصفه بأنه بعيد عن الدين, حتى أنني بدأت أنظر لأسرتي بنفس المنظور, وشعرت بأنني غريب عن هذا المجتمع ومختلف عنه, وانني انتمي إلى مجتمع آخر ليس هو هذا المجتمع بكل تأكيد, وبدأت اعتنق بعض الأفكار التي سمعتها في الأشرطة مثل (دولة إسلامية بنظام الخلافة) وبدأت أُهاجم العلمانيين!!
وأضاف يقول: إلى أن طلب مني أحد الشبان مرافقته إلى أفغانستان, فتركت دراستي دون أن أُبلّغ اهلي وسافرت معه إلى هناك, حيث التقيت بمئات الشبان من مختلف البلدان العربية والإسلامية, وهناك حضرت العديد من المحاضرات والحصص التدريبية على استخدام بعض الأسلحة, في مناخ من العداء للعالم كله, قضيت شهوراً, وعندما عدت الى المملكة كنت جاهزاً للقيام بأي شيء يُطلب مني بما في ذلك العمليات الانتحارية. وانخرطت على الفور في تجمعات ولقاءات متعددة من نفس الوسط, وبما انني فُصلت من الجامعة, فقد كرست كل وقتي لحضور هذه التجمعات والمحاضرات, والأنشطة التي تعبر عن فكري المتطرف, وتبرع الأخوان بتأمين سكن لي , وفي هذا السكن كنانلتقي وننطلق لمراقبة بعض الشخصيات التي نعتبرها علمانية.
ويختتم الشاب حديثه بالقول: إلى أن جاء يوم الخلاص حينها فتحت باب شقتي لأُفاجأ بأن الطارق هو والدي الذي لم أره منذ سنتين!! احتضنني واجهش بالبكاء, وبدون ان اشعر بكيت معه, واحسست أن ثقلاً كبيراً انزاح عن كاهلي, وان هماً تسرب مع دموعي, بادرني والدي وطلب ان ارحل معه فوراً, فقلت له: اذهب وسأتبعك بعد يومين, ولكنه رفض وأصر على أن أعود بصحبته وقال ان والدتك مريضة وتحتاجك, فذهبت معه وفي فكري أن أعود, ولكنني عندما عدت إلى أسرتي وجلست الى جوار والدتي بدأتُ أحس بالراحة النفسية التي فقدتها منذ سنوات تعود لي.. وهكذا لم أعد إلى شقتي.. وانما عدت الى أهلي وناسي, ومجتمعي, حدث هذا قبل سنوات مديدة وها أنذا أحيا حياة طبيعية.
منقول من جريدة عكاظ العدد الصادر يوم الاربعاء 13/7