عائض الغامدي
21 - 4 - 2006, 09:59 AM
حقوق المعلم.. فقاعات في مهب الريح
شتيوي الغيثي*
لا أريد أن أعيد تلك الأسطوانة القديمة والمشروخة منذ جلسنا على المقاعد الخشبية في صفوفنا الدراسية الأولى حول فضل المعلم ورسالته الكبرى، ولست أحب أن أعيد قصيدة شوقي التي أزعجونا بها كثيراً:"قم للمعلم وفه التبجيلا" مع الاعتذار لروح الشاعر، حتى بدأ المعلمون أنفسهم يملون من ترديدها بين الحين والآخر لاعتقاد مخفي في دواخلهم أنها مجرد حبة أسبرين على طريقة المقولة المخدرة: (القناعة كنز لا يفنى) في حين أن الزمن الذي قيلت فيه القصيدة لا ينتمي في شكله ومضمونه إلى زمن ترديدها من معلمينا في مدارسهم الآن. هذا في حال افترضنا فاعليتها للرفع من معنويات المعلمين، أو أنها كانت مقنعة لأفضلية وعلو قدر المعلم في نظر تلاميذه.
ومهما كانت الكلمات تكتب، والقصائد تُلقى في قيمة المعلم وفضله وهو يحس أن الحقوق التي كان لابد من أن يأخذها بدايةً غير مثبتة أو غير مفعلة، فإن الوضع لا يعدو بالنسبة له إلا كلاماً في الهواء، أو من قبيل (كلام الليل يمحوه النهار) كما يقال في المثل الشعبي، وهذا له شواهد ليس أقلها المعنويات الهابطة لدى الكثيرين من المعلمين، لإحساسهم العميق بأن الواجبات التي يمارسونها تفوق أضعاف حقوقهم المهدرة؛ إذ كان من الواجب قبل أن يُطالب أي إنسان مهما كان عمله أن يضمن حقوقه ويمارسها على أرض الواقع، وإلا فإنه سوف يمارس التلاعب ويحاول الالتفاف على الأنظمة والواجبات ليضمن حقه العام حتى يتحقق له الأمن الوظيفي في مسيرة عمله، والمقارنة التي يعقدها البعض لقيمة المعلم في المخيال الشعبي سابقاً من حيث القيمة الاجتماعية والمادية كافية للفت النظر بالنسبة لمرحلتنا الحالية وإعادته حول حقوق المعلم، خاصة إذا كانت هذه القيمة في المخيال الشعبي ما تزال تظن أن وضع المعلم كما هو لم تشبه أية شائبة، في حين يتحسر المعلم الذي في الميدان من هذه النظرة وهذا التصور كونه يرى أنها نظرة قديمة تغيرت بشكل جذري عما كانت عليه وما كان يتمتع به.
ومن خلال رؤيتنا لواقع قيمة المعلم ومعرفة ما يعانيه من ضياع لحقوقه العامة داخل الصروح التعليمية أو خارجها، ومن خلال طرح الحوارات والاستفسارات مع كثير من المعلمين والأصدقاء فإنه يمكننا اختصار هذه الحقوق إلى ما يلي:
أولاً: حقوقه المادية:
وهذا الحق بالطبع يقودنا إلى السؤال القديم/الجديد حول المستوى الممنوح للمعلم، إذ إن المعلمين بلا استثناء لهم حق المستوى الخامس مباشرةً، ذلك أنهم وقعوا على هذا المستوى قبل تعيينهم، في حين أن المعلم الذي يباشر العمل لأول سنة، فإنه حتى لو سلم من التعاقد المقطوع الراتب، فلن يسلم من المستوى الثاني، ثم ليبقى أكثر من خمس سنوات فيه حتى يأتي الفرج من الله تعالى ليصعد مستوى واحداً فقط، هذا غير المكافآت التي هي من حق المعلم المتميز مثلاً، والواقع أن هذا الحق لم يفعل لا سابقاً ولا لاحقاً وما يزال في طي المسكوت عنه، وإذا كانت الوزارة لا تستطيع أن تعين المعلمين كافة على مستواهم الذي يستحقونه فلماذا لا تقدم لهم الخدمات الطبية ولأسرهم؟ إما عن طريق التأمين الصحي أو بطريقة أخرى تراها أجدى من خلال صرف بطاقة المعلم الذي لم أسمع معلماً استفاد منها منذ سنوات، ولعل هذه البطاقة تكون حافزاً للوزارة أن تفعلها طبياً على الأقل.
ولعل من أوضح الحقوق وأهمها بعد منح المستوى الخامس هي عملية التنقلات للمدارس أو المناطق التعليمية التي يحاول المعلم النقل إليها منذ سنوات فليس معقولاً أن يبقى المعلم سنوات عديدة ينتظر ما تجود به الوزارة في تأمين نقله إلى المدارس التي يطلبها سنوياً، ولا أدري كيف أهمل وغيب في الكثير من المدارس النائية التي تنطبق عليها شروط النائي الحق المالي بالنسبة المالية التي تراها الإدارة وهذا سؤال يحتاج إلى إجابة مقنعة من قبل الوزارة وإدارات التعليم في كل المناطق، خاصة إذا عرفنا أنه ما يزال فاعلاً في بعض المدارس ومغيباً في مدارس أخرى ولا يخبرك أحد عن السبب.
ثانياً: حقوقه المهنية:
ولعل أهمها تأهيل المعلم تأهيلاً جيداً بحيث يصل إلى الميدان محملاً بكل أساليب التربية عن طريق التدريب كيفياً وعملياً في نفس اللحظة لا كمياً بحيث لا يرهق بكثرة المواد التي قد لا يكون لها طائل في مسيرة حياته التربوية داخل المؤسسة التعليمية ، وهذا التأهيل سابق على الوظيفة، حيث يكون هذا التأهيل في سنوات الدراسة الأربع، كما أن ذلك لا يكفي إذ لابد من عملية التأهيل المستمر حتى بعد مباشرته سنواته الأولى وتزويده بطرق سريعة وسليمة وتربوية دون إرهاقه بكثرة التعاميم والتي قد يناقض أحيانا بعضها البعض، كما أن البعض يتساءل عن المانع من تخفيض نصاب المعلم من 24 حصة إلى 18 حصة مثلاً في الأسبوع، أو السبب المجحف من إقحام المعلم في تدريس مواد غير التخصص أو تكليفه بالأعمال الإدارية كالرصد أو المتابعة أو الريادة في الوقت الذي استطاعت وزارات دول مجاورة كالبحرين مثلا من تخطي هذه المشكلة وتفريغ المعلم لعمل التدريس فقط دون إشغاله بأمور ليست في نطاقه.
ثالثاً: حقوقه من ناحية القيمة الاجتماعية:
وربما كانت أشهر هذه النواحي قضايا الاعتداءات العديدة على المعلمين من طلابهم مما جعل البعض يطالب بإصدار لوائح رادعة لمثل هذه الاعتداءات حفاظاً على القيمة الاجتماعية للمعلم وحماية له من التعرض للأذى النفسي والبدني والفكري من كل ما يحيط به، وممن يتربص به الدوائر، وإذا كنا من مؤيدي منع العقاب البدني للتلميذ كونه اعتداء على إنسانية التلميذ وطفولته، فلا يعني ذلك ترك الحبل له على الغارب كما يقال ليعمل بمعلمه ما يريد أو ليعتدي عليه وما لم تصدر أي قرارات رادعة، فلسوف يبقى المعلم الحلقة الأضعف في العلاقة الاجتماعية لدى الناس والتلاميذ.
هذه الحقوق التي ذكرنا بعضها هنا وتركنا الكثير منها، كصرف بدل السكن والاهتمام بالمعلم المتقاعد، وفتح الأندية وتوفير مستلزمات التعليم كافة بدءاً من المبنى... إلخ. أقول: هذه الحقوق هي نبض الواقع المدرسي، وليست نظرية في حقوق المعلم تفتقر إلى ترجمتها إلى فعل حقوقي للمعلم، بل هي أصوات كثير من المعلمين في الميدان التربوي، وما لم تؤخذ مثل هذه الأصوات بالحسبان، ويُرى في قضاياهم، فإننا لا نتوقع إلا الكثير من المماطلة في أداء الواجب إذ إن ضمان الحق سابق على المطالبات بالواجبات.
* كاتب سعودي
شتيوي الغيثي*
لا أريد أن أعيد تلك الأسطوانة القديمة والمشروخة منذ جلسنا على المقاعد الخشبية في صفوفنا الدراسية الأولى حول فضل المعلم ورسالته الكبرى، ولست أحب أن أعيد قصيدة شوقي التي أزعجونا بها كثيراً:"قم للمعلم وفه التبجيلا" مع الاعتذار لروح الشاعر، حتى بدأ المعلمون أنفسهم يملون من ترديدها بين الحين والآخر لاعتقاد مخفي في دواخلهم أنها مجرد حبة أسبرين على طريقة المقولة المخدرة: (القناعة كنز لا يفنى) في حين أن الزمن الذي قيلت فيه القصيدة لا ينتمي في شكله ومضمونه إلى زمن ترديدها من معلمينا في مدارسهم الآن. هذا في حال افترضنا فاعليتها للرفع من معنويات المعلمين، أو أنها كانت مقنعة لأفضلية وعلو قدر المعلم في نظر تلاميذه.
ومهما كانت الكلمات تكتب، والقصائد تُلقى في قيمة المعلم وفضله وهو يحس أن الحقوق التي كان لابد من أن يأخذها بدايةً غير مثبتة أو غير مفعلة، فإن الوضع لا يعدو بالنسبة له إلا كلاماً في الهواء، أو من قبيل (كلام الليل يمحوه النهار) كما يقال في المثل الشعبي، وهذا له شواهد ليس أقلها المعنويات الهابطة لدى الكثيرين من المعلمين، لإحساسهم العميق بأن الواجبات التي يمارسونها تفوق أضعاف حقوقهم المهدرة؛ إذ كان من الواجب قبل أن يُطالب أي إنسان مهما كان عمله أن يضمن حقوقه ويمارسها على أرض الواقع، وإلا فإنه سوف يمارس التلاعب ويحاول الالتفاف على الأنظمة والواجبات ليضمن حقه العام حتى يتحقق له الأمن الوظيفي في مسيرة عمله، والمقارنة التي يعقدها البعض لقيمة المعلم في المخيال الشعبي سابقاً من حيث القيمة الاجتماعية والمادية كافية للفت النظر بالنسبة لمرحلتنا الحالية وإعادته حول حقوق المعلم، خاصة إذا كانت هذه القيمة في المخيال الشعبي ما تزال تظن أن وضع المعلم كما هو لم تشبه أية شائبة، في حين يتحسر المعلم الذي في الميدان من هذه النظرة وهذا التصور كونه يرى أنها نظرة قديمة تغيرت بشكل جذري عما كانت عليه وما كان يتمتع به.
ومن خلال رؤيتنا لواقع قيمة المعلم ومعرفة ما يعانيه من ضياع لحقوقه العامة داخل الصروح التعليمية أو خارجها، ومن خلال طرح الحوارات والاستفسارات مع كثير من المعلمين والأصدقاء فإنه يمكننا اختصار هذه الحقوق إلى ما يلي:
أولاً: حقوقه المادية:
وهذا الحق بالطبع يقودنا إلى السؤال القديم/الجديد حول المستوى الممنوح للمعلم، إذ إن المعلمين بلا استثناء لهم حق المستوى الخامس مباشرةً، ذلك أنهم وقعوا على هذا المستوى قبل تعيينهم، في حين أن المعلم الذي يباشر العمل لأول سنة، فإنه حتى لو سلم من التعاقد المقطوع الراتب، فلن يسلم من المستوى الثاني، ثم ليبقى أكثر من خمس سنوات فيه حتى يأتي الفرج من الله تعالى ليصعد مستوى واحداً فقط، هذا غير المكافآت التي هي من حق المعلم المتميز مثلاً، والواقع أن هذا الحق لم يفعل لا سابقاً ولا لاحقاً وما يزال في طي المسكوت عنه، وإذا كانت الوزارة لا تستطيع أن تعين المعلمين كافة على مستواهم الذي يستحقونه فلماذا لا تقدم لهم الخدمات الطبية ولأسرهم؟ إما عن طريق التأمين الصحي أو بطريقة أخرى تراها أجدى من خلال صرف بطاقة المعلم الذي لم أسمع معلماً استفاد منها منذ سنوات، ولعل هذه البطاقة تكون حافزاً للوزارة أن تفعلها طبياً على الأقل.
ولعل من أوضح الحقوق وأهمها بعد منح المستوى الخامس هي عملية التنقلات للمدارس أو المناطق التعليمية التي يحاول المعلم النقل إليها منذ سنوات فليس معقولاً أن يبقى المعلم سنوات عديدة ينتظر ما تجود به الوزارة في تأمين نقله إلى المدارس التي يطلبها سنوياً، ولا أدري كيف أهمل وغيب في الكثير من المدارس النائية التي تنطبق عليها شروط النائي الحق المالي بالنسبة المالية التي تراها الإدارة وهذا سؤال يحتاج إلى إجابة مقنعة من قبل الوزارة وإدارات التعليم في كل المناطق، خاصة إذا عرفنا أنه ما يزال فاعلاً في بعض المدارس ومغيباً في مدارس أخرى ولا يخبرك أحد عن السبب.
ثانياً: حقوقه المهنية:
ولعل أهمها تأهيل المعلم تأهيلاً جيداً بحيث يصل إلى الميدان محملاً بكل أساليب التربية عن طريق التدريب كيفياً وعملياً في نفس اللحظة لا كمياً بحيث لا يرهق بكثرة المواد التي قد لا يكون لها طائل في مسيرة حياته التربوية داخل المؤسسة التعليمية ، وهذا التأهيل سابق على الوظيفة، حيث يكون هذا التأهيل في سنوات الدراسة الأربع، كما أن ذلك لا يكفي إذ لابد من عملية التأهيل المستمر حتى بعد مباشرته سنواته الأولى وتزويده بطرق سريعة وسليمة وتربوية دون إرهاقه بكثرة التعاميم والتي قد يناقض أحيانا بعضها البعض، كما أن البعض يتساءل عن المانع من تخفيض نصاب المعلم من 24 حصة إلى 18 حصة مثلاً في الأسبوع، أو السبب المجحف من إقحام المعلم في تدريس مواد غير التخصص أو تكليفه بالأعمال الإدارية كالرصد أو المتابعة أو الريادة في الوقت الذي استطاعت وزارات دول مجاورة كالبحرين مثلا من تخطي هذه المشكلة وتفريغ المعلم لعمل التدريس فقط دون إشغاله بأمور ليست في نطاقه.
ثالثاً: حقوقه من ناحية القيمة الاجتماعية:
وربما كانت أشهر هذه النواحي قضايا الاعتداءات العديدة على المعلمين من طلابهم مما جعل البعض يطالب بإصدار لوائح رادعة لمثل هذه الاعتداءات حفاظاً على القيمة الاجتماعية للمعلم وحماية له من التعرض للأذى النفسي والبدني والفكري من كل ما يحيط به، وممن يتربص به الدوائر، وإذا كنا من مؤيدي منع العقاب البدني للتلميذ كونه اعتداء على إنسانية التلميذ وطفولته، فلا يعني ذلك ترك الحبل له على الغارب كما يقال ليعمل بمعلمه ما يريد أو ليعتدي عليه وما لم تصدر أي قرارات رادعة، فلسوف يبقى المعلم الحلقة الأضعف في العلاقة الاجتماعية لدى الناس والتلاميذ.
هذه الحقوق التي ذكرنا بعضها هنا وتركنا الكثير منها، كصرف بدل السكن والاهتمام بالمعلم المتقاعد، وفتح الأندية وتوفير مستلزمات التعليم كافة بدءاً من المبنى... إلخ. أقول: هذه الحقوق هي نبض الواقع المدرسي، وليست نظرية في حقوق المعلم تفتقر إلى ترجمتها إلى فعل حقوقي للمعلم، بل هي أصوات كثير من المعلمين في الميدان التربوي، وما لم تؤخذ مثل هذه الأصوات بالحسبان، ويُرى في قضاياهم، فإننا لا نتوقع إلا الكثير من المماطلة في أداء الواجب إذ إن ضمان الحق سابق على المطالبات بالواجبات.
* كاتب سعودي