سيف الاسلام
12 - 9 - 2003, 01:55 PM
ال
من هو القائد اليرموك، الذي قاتلوه كما تقاتَل الملوك ؟ كان في منزله ، فأخبر عنه أحد المنافقين الشيشان ، فجاءت حملة روسية من 2** مقاتل ، وتمت عملية الإنزال عند طريق الهيلوكبتر .. حاصروا منزله ، فخرج إليهم وقتل منهم اثنين قبل أن يقتلوه..
سقيناهمُ كأساً سقونا بمثلها ***ولكننا كنا على الموت أصبرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا***وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا
ذلك هو البطل يرموك وكنيته أبو عمر ، واسمه منْشط بن عمر بن مقعد الجبيري القحطاني ، من أرض الجزيرة ، وأصل قبيلته من سراة عبيدة ، لكنهم انتقلوا إلى بيشة ، وفي قرية "العطف" ولد يرموك في عام 1391هـ ، وبها نشأ حتى أتم دراسته الثانوية.. وتخرج منها عام 1408هـ
نجح بتفوق ، وقدم أوراقه في كلية الطب ، في العلوم التطبيقية وتم قبوله، ولكنه لم يرغب، ثم قدم أوراقه إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ولكن كان وقت القبول قد انتهى، فدخل إلى شركة أرامكو، وتخصص في الميكانيكا والالكترونيات ، أتقن الإنكليزية في وقت قصير ، كان ذكياً .. تعلم فنون الدفاع عن النفس، ووهبه الله جسداً قوياً ، وهو وريث أبيه في ذلك ، فإن أباه على كبر سنه كان صحيح الجسم وبلغ التاسعة والسبعين وربما صارع بعض أبنائه وأحفاده الأقوياء فغلبهم..
فما يك من خير أتوه فإنما/ توارثه آباء آبائهم قبلُ
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه/ وتغرس إلى في منابتها النخلُ؟
أحب ركوب الخيل ، له فرس لا زالت مربوطة إلى الآن ، حتى بعد سفره كان يوصي أقاربه أن يعلموا أبناءهم عليه، حتى قال بعضهم:أحببنا الخيل منه، درب نفسه على الرماية، يرمي قائماً وراكضاً وعلى جنبه..
المحطة الأولى
بيئته صالحة ، أبوه وأمه وإخوته بل حتى أخواله من أهل الخير والصلاح ، كان من صغره محافظاً على الصلوات وصلاة الفجر، وكثيراً ما يجئ مع الأذان أو يؤذن ، فيتعجب منه أهل الحي لأنه كان في أول أمره يأخذ شيئاً من لحيته، وكان كذلك حتى ذهب إلى أرامكو ، وفي إحدى زياراته لأهله كان قد أطلق لحيته، ورآه أحد إخوته فعلم أن شيئاً في حياة أبي عمر "يرموك" قد تغير..!
أي دين ذلك الدين الذي/ حول الأفكار عن كل اتجاهْ
صهر الأنفس حتى لم تعد/ تدرك الأنفس شيئاً ما عداهْ
أحب الدين ، كان أمَّاراً بالمعروف نهّاء عن المنكر، كان إذا ذكرت الغيبة في مجلسه غضب وربما قام، شديداً على الرافضة والنصارى، وكان في عمله رجل نصراني ربما رفع صوته الغناء فلا يقف في وجهه إلا أبو عمر ، حتى عاداه بعض الفاسقين ، وسعوا أن يضعوا في غرفته الخمر ليقع في التهمة، ولكن استمر في طريقه، حتى نُقل لأسلوبه هذا إلى الدوادمي ثم إلى خميس مشيط..
المحطة الثانية
كان ورعاً .. كان رجل من جماعته يملك محل حلاقة فلم يكن يأكل من كسبه، وكان رجل آخر يملك عمالة يسيبهم ويأكل كسبهم ، فكان لا يأكل من طعامه ، فسأله لماذا؟ فأخبره، فتأثر ذلك الرجل وترك ما كان عليه..، كان زاهداً .. إذا أتاه راتبه أخذ ما يكفيه وأنفق باقيه، ربما وضعت له أمه فراشاً من القطن، فينام عليه فإذا خرجت أمه من الغرفة تركه ونام على الأرض ، فعجب أخوه فقال:كيف أنام على الوثير وحال إخوتي في الدين كما ترى.. !؟
لا تفرح النفس الكريمة ***إن رأت أختاً حزينةْ
فابكي مع الباكي ومُدي ***للضعيف يد المعونةْ
كان شجي الصوت حسن الأذان ، كثير الترتيل للقرآن وحفظ كثيراً منه، ربما سمع بعض أصحابه تمتمته فإذا اقترب سمعه يقرأ القرآن، كان كثير النصيحة لأهله وللناس.. يجل العلماء وقافاً عند حدود الله.
لم يكن يحب المدح بل يغضب منه، ربما قام بعمليات فلم ينسبها إلى نفسه، كان يكتب بعض الشعر الشعبي ، وأكثر شعره في الزهد ولم يكن ينشره ، ومن ذلك أبياته بعد مقتل رفيقه أبي ذر الطائفي وقد تأثر لذلك:
مضيت يا بوذر وخليتني ليه*** ماذا بعهدك يا حسين الفعالِ
بانشدك يا يمه كيف جبتيه*** هذا عديم المثل بين الرجالِ
ثم قال مهدداً: والله لأرد الكيل بأطنان وأصليه*** وأجعل عليه الحمر تبكي الليالي!
والحمر هم الروس..
المحطة الثالثة
كانت الحياة مشرعة له ، ولم يكن إنساناً فشل في دراسته أو وظيفته فهرب منها، لكن علم غرور هذا الدنيا ، كاد أن يذهب إلى البوسنة فلم يحصل ذلك ، ولم يذهب إلى الجهاد حتى رضي أبوه ثم رضيت أمه بعد ذلك ، فخرج في 14/11/1416هـ ..، وتوفي أبوه بعد خروجه بثلاث سنين..
تدرب ثم ذهب إلى الشيشان ، في آخر الحرب الأولى ، جاء من طريق جورجيا ، ووقف عند الحدود شهراً كاملاً ، لم يكن هناك طريق سالك ولا بد من دليل ، فكانوا كل يوم ينتظرونه، فكان يصلي بهم ، وفي يوم صلى ورفع يديه ودعا وألح بالدعاء أن يفرج الله عنهم وقال:يا ألله اليومَ اليومَ ، حتى عجب أصحابه، فلما انصرف من الصلاة كان بعضهم يمازحه ويقول:ما شاء الله صرتَ أويس القرني ، فما مضى إلا زمن قصير حتى جاء الله بالدليل ، فكان ذلك الرجل يمازحه يقول:يا مستجاب الدعوة، حتى غضب وقال:أسألك بالله أن لا تقول هذه الكلمة.. فدخلوا الشيشان وقد ركبوا الخيول..
سنمضي وكل يد جذوة***تعانقها أختها في المسيرْ
قطعنا لظى الدرب حتى دنت ***قوافلنا من شذاه النضير
ومهما يكن في بقايا الطريق ***فلا بد مهما عتا أن نسيرْ
دخل الشيشان متدرباً عادياً ، وكان مع المجاهدين العرب، لكن لم يعجبه كثرة حديثهم وصوتهم فانعزل عنهم، فلم يكن يحب كثرة الناس، وبعد انتهاء دورة تدريب تولى مسئولية مستودع الذخيرة ، وكان شديد الدقة والحرص ، فكان يقول مثلاً:لماذا التدرب على 1** طلقة يكفي عشرة ، حتى حدث تعاتب بينه وبين أحدهم لهذه الشدة، فلم يرد أن تزيد المشكلة فترك العمل وسلم المفتاح لغيره، فلما علم القائد خطاب بالأمر قال:هذا الرجل الذي نريده وأمر بإعادته..
المحطة الرابعة
تعلم شيئاً في المتفجرات، فكان يعطي المتدربين الجدد بعض الدورات، فأراد أن يطور نفسه، فأصبح يقرأ ويبحث ويجرب، وترك المعسكر العام وتوجه إلى غرفة صغيرة بعيدة منعزلة وسط الغابات كانت مهجورة ؛ فرممها وجعلها مركز تدريبه الخاص، طور نفسه ، كان يأتي بالمواد الأولية فيصنع منها متفجرات، ربما أخذ بعض البراميل وملأها بمتفجراته وجربها في بعض الوديان، وقد طلب قبل وفاته بزمن قصير بإحضار أكثر من 20 ساعة كاسيو ليصنع منها قنابل موقوتة! لعل الله أن يبارك فيها..
كان حريصاً على التربية الإيمانية وتربية النفس، ذكروا عنه كثرة السجود، وفي جبهته علامة، وكان ربما طلب من إخوانه أن يرسلوا له أشرطة ويقول:إن قلوبنا خاوية، وتدرب على يديه عدد من الأوزبك والشيشان فكان من خيرة المجاهدين، ليس سهلاً أن تصنع رجالاً يبيعون أنفسهم، لكن الله أعانه فصنعهم حتى كان في يوم من الأيام وجس نبضهم في عملية خطيرة، فوافقوا فجهز أربعة رجال في أربع شاحنات متفجرة في أربع مناطق، تفجرت في ساعة واحدة وخلَّفت أكثر من ألف قتيل روسي.
رأى رؤيا أن أحد هؤلاء الأربعة وهو عبدالملك الأوزبكستاني كأنه عند العرش فسأله:ما فعل الله بك؟ فقال أنه أكرمه أو غفر له ونحو ذلك، فتأثر "يرموك" من هذه الرؤيا ، وكان يكثر من أن يقول:والله لولا أن الشباب مسَّكونا أعمالاً كنا دخلنا في هذا العمل، لأن القائد خطاب كان يأبى أن يشترك في مثل هذه الأعمال..
المؤمن الفذُّ من ضمت جوانحه ***دينا تؤرقه دوماً قضاياهُ
مهما تطاولت الأيام فهو على***ثباته تزرع الآمال يمناهُ
وإن دعا لجهاد الكفر داعية*** بالروح والمال والإقدام لباهُ
كان الأسرى عنده لطبيعة مكانه..
ومع اشتداد الحرب الثانية كان ربما قاد مجموعات، وقام بعمليات ، حتى إنه في إحدى العمليات زحف الروس بقرب نهر (تيرك) وكان المجاهدون في الضفة الأخرى ؛ وكان العبور يتم عن طريق جسر، فقام بعملية ليلية ولغم الجسر بقنبلة موقوتة وفجره .. ليؤخر تقدم الروس إليهم، مع قرب الروس الشديد من الموقع..
رأى القائد أبوالوليد رؤيا أنه يقرأ سورة يوسف فاتصل على أخته فقصها، فقصتها أخته على أحد المعبرين، فأولها أن 12 رجلاً منهم يحاصرون ويخرجهم رجل أعرابي بطريقة عجيبة، وأوصاها أن تخبره أن يخرجوا مثنى مثنى، ولكن قبل أن تخبره بالتأويل حوصر 12 رجلاً أكثرهم قادة ، ومرت عليهم 3 ليالٍ وأصابهم جوع شديد حتى أكلوا ورق الشجر ، وقتل أحد حرس خطاب، حتى فرج الله عليهم وأخرجهم أبو عمر "يرموك" عن طريق جهاز ماجلان..، ثم اتصل أبوالوليد على أخته فيما بعد فأخبرته بالتأؤيل فأخبرها أن الأمر وقع وأن الله نجاهم..
المحطة الخامسة
كان متوسط القامة أقرب إلى القصر ، وإلى النحافة، فيه سمرة، كث الشعر واللحية حتى في خده وفيها طول ونعومة، وكان أحد شيوخ الصوفية يشبهه فذهب يرموك إليه ورآه!
عيرتمونيَ بالنحول وإنما شرف المهند أن ترق شفارهُ
لم تكن تهمه الدنيا ، كثيراً ما كان يلبس الجاكيت الطويل وكان أشبه ما يكون بالأخياش ، حتى إنه يضحك على نفسه ويقول:إذا جاء المطر لم أستطع حملها لأنها تثقل عليَّ..، وكان ربما الثوب الباكستاني، فلم يكن يحب البنطلونات، حتى كان القائد حكيم إذا رآه ورأى أمثاله قال:فشلتونا يا بني عربان..
وفي مرة قدمت من تركيا ملابس جديدة وأغذية تم إنزالها في المعهد ، فأذن القائد حكيم المدني رحمه الله أن يأخذ كل واحد ما يناسبه منها ، فجاءوا كلهم إلا رجل أو رجلان:أحدهما أبو عمر "يرموك"، يقول صاحبه:فقلت له:لم لا تذهب فتأخذ؟، فلم يستجب، فذهبتُ إلى حكيم واستأذنته أن آخذ بنفسي ليرموك ملابس وأحذية وأغذية ، فأذن لي، فأخذت على مقاسه وذهبت إليه، فأعطيته فأبى، فشددت عليه حتى رضي ، فجئته بعد مدة، فأرى القميص على رجل من أصحابه والنعل على آخر والبنطال على ثالث..
كان يحب العمل، لا يكاد يجلس هكذا ، ولا يكاد سلاحه يفارقه في قيامه وقعوده في مسجده ومطبخه ، حتى في أوقات السلم ، والسلاح حديد ثقيل ربما أتعب البعض فتركه في زمن الحرب.. أما هو فلا..
وصحبت رشاشي ليطـ ـربني إذا اشتد اللقاءْ
فيه يجندل كافر وبه يساس الجبناءْ
ويحمله قد ضقت طعـ ـماً للكرامة والإباء
وبحمله أدحرت من في الدين ناصبني العداء
لن أتقي سبل المنايا لن أعود إلى الوراءْ
سأظل أمضي واثقاً دوماً صعوداً وارتقاء
وقبل أسبوعين من وفاته اتصل على أخيه في مكالمة استمرت 99 دقيقة ، وكان يكثر من أن يقول ادع لي بالشهادة ، حتى جرى عليه أمر الله في 4/1422هـ، وتلقى أهله الخبر بصبر عجيب حتى أمه كبيرة السن، وتوالت على أهله الاتصالات من كل مكان، معزية أو مهنئة..، ولكن:
لفقدك يا يرموك تبكي المدامعُ*** ومن عظم البلوى تقض المضاجعُ
مضيت إلى الشيشان من أجل نصرة*** لشعب أبي بالحروب يروعُ
صموتاً بلا لغو شغوفاً لكل ما*** يقرب للجنات نعم المرابعُ
سلاحك محمول وعزمك ثائر*** للقيا الأعادي تستعد وتزمعُ
تنام على خشن الفراش زهادة*** وتذكر أحوال الملايين جوِّعوا
وتأبى حياة اللهو لا تنثني لها*** فما زال قدس المسلمين يفزعُ
وداعاً أيا يرموك موعدكم غدأ ***جنان جرت فيها الأحبة يجمعوا
منقووووووووووووووووول
من هو القائد اليرموك، الذي قاتلوه كما تقاتَل الملوك ؟ كان في منزله ، فأخبر عنه أحد المنافقين الشيشان ، فجاءت حملة روسية من 2** مقاتل ، وتمت عملية الإنزال عند طريق الهيلوكبتر .. حاصروا منزله ، فخرج إليهم وقتل منهم اثنين قبل أن يقتلوه..
سقيناهمُ كأساً سقونا بمثلها ***ولكننا كنا على الموت أصبرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا***وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا
ذلك هو البطل يرموك وكنيته أبو عمر ، واسمه منْشط بن عمر بن مقعد الجبيري القحطاني ، من أرض الجزيرة ، وأصل قبيلته من سراة عبيدة ، لكنهم انتقلوا إلى بيشة ، وفي قرية "العطف" ولد يرموك في عام 1391هـ ، وبها نشأ حتى أتم دراسته الثانوية.. وتخرج منها عام 1408هـ
نجح بتفوق ، وقدم أوراقه في كلية الطب ، في العلوم التطبيقية وتم قبوله، ولكنه لم يرغب، ثم قدم أوراقه إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ولكن كان وقت القبول قد انتهى، فدخل إلى شركة أرامكو، وتخصص في الميكانيكا والالكترونيات ، أتقن الإنكليزية في وقت قصير ، كان ذكياً .. تعلم فنون الدفاع عن النفس، ووهبه الله جسداً قوياً ، وهو وريث أبيه في ذلك ، فإن أباه على كبر سنه كان صحيح الجسم وبلغ التاسعة والسبعين وربما صارع بعض أبنائه وأحفاده الأقوياء فغلبهم..
فما يك من خير أتوه فإنما/ توارثه آباء آبائهم قبلُ
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه/ وتغرس إلى في منابتها النخلُ؟
أحب ركوب الخيل ، له فرس لا زالت مربوطة إلى الآن ، حتى بعد سفره كان يوصي أقاربه أن يعلموا أبناءهم عليه، حتى قال بعضهم:أحببنا الخيل منه، درب نفسه على الرماية، يرمي قائماً وراكضاً وعلى جنبه..
المحطة الأولى
بيئته صالحة ، أبوه وأمه وإخوته بل حتى أخواله من أهل الخير والصلاح ، كان من صغره محافظاً على الصلوات وصلاة الفجر، وكثيراً ما يجئ مع الأذان أو يؤذن ، فيتعجب منه أهل الحي لأنه كان في أول أمره يأخذ شيئاً من لحيته، وكان كذلك حتى ذهب إلى أرامكو ، وفي إحدى زياراته لأهله كان قد أطلق لحيته، ورآه أحد إخوته فعلم أن شيئاً في حياة أبي عمر "يرموك" قد تغير..!
أي دين ذلك الدين الذي/ حول الأفكار عن كل اتجاهْ
صهر الأنفس حتى لم تعد/ تدرك الأنفس شيئاً ما عداهْ
أحب الدين ، كان أمَّاراً بالمعروف نهّاء عن المنكر، كان إذا ذكرت الغيبة في مجلسه غضب وربما قام، شديداً على الرافضة والنصارى، وكان في عمله رجل نصراني ربما رفع صوته الغناء فلا يقف في وجهه إلا أبو عمر ، حتى عاداه بعض الفاسقين ، وسعوا أن يضعوا في غرفته الخمر ليقع في التهمة، ولكن استمر في طريقه، حتى نُقل لأسلوبه هذا إلى الدوادمي ثم إلى خميس مشيط..
المحطة الثانية
كان ورعاً .. كان رجل من جماعته يملك محل حلاقة فلم يكن يأكل من كسبه، وكان رجل آخر يملك عمالة يسيبهم ويأكل كسبهم ، فكان لا يأكل من طعامه ، فسأله لماذا؟ فأخبره، فتأثر ذلك الرجل وترك ما كان عليه..، كان زاهداً .. إذا أتاه راتبه أخذ ما يكفيه وأنفق باقيه، ربما وضعت له أمه فراشاً من القطن، فينام عليه فإذا خرجت أمه من الغرفة تركه ونام على الأرض ، فعجب أخوه فقال:كيف أنام على الوثير وحال إخوتي في الدين كما ترى.. !؟
لا تفرح النفس الكريمة ***إن رأت أختاً حزينةْ
فابكي مع الباكي ومُدي ***للضعيف يد المعونةْ
كان شجي الصوت حسن الأذان ، كثير الترتيل للقرآن وحفظ كثيراً منه، ربما سمع بعض أصحابه تمتمته فإذا اقترب سمعه يقرأ القرآن، كان كثير النصيحة لأهله وللناس.. يجل العلماء وقافاً عند حدود الله.
لم يكن يحب المدح بل يغضب منه، ربما قام بعمليات فلم ينسبها إلى نفسه، كان يكتب بعض الشعر الشعبي ، وأكثر شعره في الزهد ولم يكن ينشره ، ومن ذلك أبياته بعد مقتل رفيقه أبي ذر الطائفي وقد تأثر لذلك:
مضيت يا بوذر وخليتني ليه*** ماذا بعهدك يا حسين الفعالِ
بانشدك يا يمه كيف جبتيه*** هذا عديم المثل بين الرجالِ
ثم قال مهدداً: والله لأرد الكيل بأطنان وأصليه*** وأجعل عليه الحمر تبكي الليالي!
والحمر هم الروس..
المحطة الثالثة
كانت الحياة مشرعة له ، ولم يكن إنساناً فشل في دراسته أو وظيفته فهرب منها، لكن علم غرور هذا الدنيا ، كاد أن يذهب إلى البوسنة فلم يحصل ذلك ، ولم يذهب إلى الجهاد حتى رضي أبوه ثم رضيت أمه بعد ذلك ، فخرج في 14/11/1416هـ ..، وتوفي أبوه بعد خروجه بثلاث سنين..
تدرب ثم ذهب إلى الشيشان ، في آخر الحرب الأولى ، جاء من طريق جورجيا ، ووقف عند الحدود شهراً كاملاً ، لم يكن هناك طريق سالك ولا بد من دليل ، فكانوا كل يوم ينتظرونه، فكان يصلي بهم ، وفي يوم صلى ورفع يديه ودعا وألح بالدعاء أن يفرج الله عنهم وقال:يا ألله اليومَ اليومَ ، حتى عجب أصحابه، فلما انصرف من الصلاة كان بعضهم يمازحه ويقول:ما شاء الله صرتَ أويس القرني ، فما مضى إلا زمن قصير حتى جاء الله بالدليل ، فكان ذلك الرجل يمازحه يقول:يا مستجاب الدعوة، حتى غضب وقال:أسألك بالله أن لا تقول هذه الكلمة.. فدخلوا الشيشان وقد ركبوا الخيول..
سنمضي وكل يد جذوة***تعانقها أختها في المسيرْ
قطعنا لظى الدرب حتى دنت ***قوافلنا من شذاه النضير
ومهما يكن في بقايا الطريق ***فلا بد مهما عتا أن نسيرْ
دخل الشيشان متدرباً عادياً ، وكان مع المجاهدين العرب، لكن لم يعجبه كثرة حديثهم وصوتهم فانعزل عنهم، فلم يكن يحب كثرة الناس، وبعد انتهاء دورة تدريب تولى مسئولية مستودع الذخيرة ، وكان شديد الدقة والحرص ، فكان يقول مثلاً:لماذا التدرب على 1** طلقة يكفي عشرة ، حتى حدث تعاتب بينه وبين أحدهم لهذه الشدة، فلم يرد أن تزيد المشكلة فترك العمل وسلم المفتاح لغيره، فلما علم القائد خطاب بالأمر قال:هذا الرجل الذي نريده وأمر بإعادته..
المحطة الرابعة
تعلم شيئاً في المتفجرات، فكان يعطي المتدربين الجدد بعض الدورات، فأراد أن يطور نفسه، فأصبح يقرأ ويبحث ويجرب، وترك المعسكر العام وتوجه إلى غرفة صغيرة بعيدة منعزلة وسط الغابات كانت مهجورة ؛ فرممها وجعلها مركز تدريبه الخاص، طور نفسه ، كان يأتي بالمواد الأولية فيصنع منها متفجرات، ربما أخذ بعض البراميل وملأها بمتفجراته وجربها في بعض الوديان، وقد طلب قبل وفاته بزمن قصير بإحضار أكثر من 20 ساعة كاسيو ليصنع منها قنابل موقوتة! لعل الله أن يبارك فيها..
كان حريصاً على التربية الإيمانية وتربية النفس، ذكروا عنه كثرة السجود، وفي جبهته علامة، وكان ربما طلب من إخوانه أن يرسلوا له أشرطة ويقول:إن قلوبنا خاوية، وتدرب على يديه عدد من الأوزبك والشيشان فكان من خيرة المجاهدين، ليس سهلاً أن تصنع رجالاً يبيعون أنفسهم، لكن الله أعانه فصنعهم حتى كان في يوم من الأيام وجس نبضهم في عملية خطيرة، فوافقوا فجهز أربعة رجال في أربع شاحنات متفجرة في أربع مناطق، تفجرت في ساعة واحدة وخلَّفت أكثر من ألف قتيل روسي.
رأى رؤيا أن أحد هؤلاء الأربعة وهو عبدالملك الأوزبكستاني كأنه عند العرش فسأله:ما فعل الله بك؟ فقال أنه أكرمه أو غفر له ونحو ذلك، فتأثر "يرموك" من هذه الرؤيا ، وكان يكثر من أن يقول:والله لولا أن الشباب مسَّكونا أعمالاً كنا دخلنا في هذا العمل، لأن القائد خطاب كان يأبى أن يشترك في مثل هذه الأعمال..
المؤمن الفذُّ من ضمت جوانحه ***دينا تؤرقه دوماً قضاياهُ
مهما تطاولت الأيام فهو على***ثباته تزرع الآمال يمناهُ
وإن دعا لجهاد الكفر داعية*** بالروح والمال والإقدام لباهُ
كان الأسرى عنده لطبيعة مكانه..
ومع اشتداد الحرب الثانية كان ربما قاد مجموعات، وقام بعمليات ، حتى إنه في إحدى العمليات زحف الروس بقرب نهر (تيرك) وكان المجاهدون في الضفة الأخرى ؛ وكان العبور يتم عن طريق جسر، فقام بعملية ليلية ولغم الجسر بقنبلة موقوتة وفجره .. ليؤخر تقدم الروس إليهم، مع قرب الروس الشديد من الموقع..
رأى القائد أبوالوليد رؤيا أنه يقرأ سورة يوسف فاتصل على أخته فقصها، فقصتها أخته على أحد المعبرين، فأولها أن 12 رجلاً منهم يحاصرون ويخرجهم رجل أعرابي بطريقة عجيبة، وأوصاها أن تخبره أن يخرجوا مثنى مثنى، ولكن قبل أن تخبره بالتأويل حوصر 12 رجلاً أكثرهم قادة ، ومرت عليهم 3 ليالٍ وأصابهم جوع شديد حتى أكلوا ورق الشجر ، وقتل أحد حرس خطاب، حتى فرج الله عليهم وأخرجهم أبو عمر "يرموك" عن طريق جهاز ماجلان..، ثم اتصل أبوالوليد على أخته فيما بعد فأخبرته بالتأؤيل فأخبرها أن الأمر وقع وأن الله نجاهم..
المحطة الخامسة
كان متوسط القامة أقرب إلى القصر ، وإلى النحافة، فيه سمرة، كث الشعر واللحية حتى في خده وفيها طول ونعومة، وكان أحد شيوخ الصوفية يشبهه فذهب يرموك إليه ورآه!
عيرتمونيَ بالنحول وإنما شرف المهند أن ترق شفارهُ
لم تكن تهمه الدنيا ، كثيراً ما كان يلبس الجاكيت الطويل وكان أشبه ما يكون بالأخياش ، حتى إنه يضحك على نفسه ويقول:إذا جاء المطر لم أستطع حملها لأنها تثقل عليَّ..، وكان ربما الثوب الباكستاني، فلم يكن يحب البنطلونات، حتى كان القائد حكيم إذا رآه ورأى أمثاله قال:فشلتونا يا بني عربان..
وفي مرة قدمت من تركيا ملابس جديدة وأغذية تم إنزالها في المعهد ، فأذن القائد حكيم المدني رحمه الله أن يأخذ كل واحد ما يناسبه منها ، فجاءوا كلهم إلا رجل أو رجلان:أحدهما أبو عمر "يرموك"، يقول صاحبه:فقلت له:لم لا تذهب فتأخذ؟، فلم يستجب، فذهبتُ إلى حكيم واستأذنته أن آخذ بنفسي ليرموك ملابس وأحذية وأغذية ، فأذن لي، فأخذت على مقاسه وذهبت إليه، فأعطيته فأبى، فشددت عليه حتى رضي ، فجئته بعد مدة، فأرى القميص على رجل من أصحابه والنعل على آخر والبنطال على ثالث..
كان يحب العمل، لا يكاد يجلس هكذا ، ولا يكاد سلاحه يفارقه في قيامه وقعوده في مسجده ومطبخه ، حتى في أوقات السلم ، والسلاح حديد ثقيل ربما أتعب البعض فتركه في زمن الحرب.. أما هو فلا..
وصحبت رشاشي ليطـ ـربني إذا اشتد اللقاءْ
فيه يجندل كافر وبه يساس الجبناءْ
ويحمله قد ضقت طعـ ـماً للكرامة والإباء
وبحمله أدحرت من في الدين ناصبني العداء
لن أتقي سبل المنايا لن أعود إلى الوراءْ
سأظل أمضي واثقاً دوماً صعوداً وارتقاء
وقبل أسبوعين من وفاته اتصل على أخيه في مكالمة استمرت 99 دقيقة ، وكان يكثر من أن يقول ادع لي بالشهادة ، حتى جرى عليه أمر الله في 4/1422هـ، وتلقى أهله الخبر بصبر عجيب حتى أمه كبيرة السن، وتوالت على أهله الاتصالات من كل مكان، معزية أو مهنئة..، ولكن:
لفقدك يا يرموك تبكي المدامعُ*** ومن عظم البلوى تقض المضاجعُ
مضيت إلى الشيشان من أجل نصرة*** لشعب أبي بالحروب يروعُ
صموتاً بلا لغو شغوفاً لكل ما*** يقرب للجنات نعم المرابعُ
سلاحك محمول وعزمك ثائر*** للقيا الأعادي تستعد وتزمعُ
تنام على خشن الفراش زهادة*** وتذكر أحوال الملايين جوِّعوا
وتأبى حياة اللهو لا تنثني لها*** فما زال قدس المسلمين يفزعُ
وداعاً أيا يرموك موعدكم غدأ ***جنان جرت فيها الأحبة يجمعوا
منقووووووووووووووووول