ابولمى
4 - 10 - 2003, 04:52 AM
شرف المواطنة بين التعليم والتطبيق
مازن عبدالرزاق بليلة*
أب مكلوم من البيروقراطية التقليدية، إنه متضرر من قرار وزارة التربية والتعليم، إعادة السنة الأولى للصغار، له طفلة، هي البكر، أدخلت الفرحة والسرور له ولزوجته العام الماضي بدخولها المدرسة لأول مرة، وهو مهندس ناجح، بل متفوق، وكان الأول على دفعته، عندما تخرج في كلية الهندسة، ترك المدينة، واستقر به الحال في ينبع الصناعية، يخدم الوطن بعرق جبينه، ولفكره المتقد، وعطائه غير المحدود، جعل الشركة سعيدة بخدماته، وتبني له أحلام مستقبل مشرق وطموح، دخلت ابنته العام الماضي المدرسة، بطريقة نظامية، ونجحت بتفوق واضح، وفي يوم الفرحة الكبرى لتسليم الشهادة، كان اليوم المشؤوم للعائلة، ولها، بصدور قرار وزارة التربية والتعليم المجحف، بإعادة السنة الدراسية، لكل من لم تكمل السن القانونية عندما قبلت بالمدرسة، وعليها العودة إلى السنة الأولى.
راجعني المهندس للمساعدة في بث شكواه، على اعتبار أن كل جهوده الرامية لإقناع مدير التعليم بالتراجع عن قراره لم تفلح، قلت له من الأفضل إيصال صوتك لمن يملك التراجع عن القرار، أو تفهم ظروفك، عن طريق النشر الصحفي، لأن الصحف هي صوت المواطن، وكتب القصة، ونشرت الشكوى في صفحة القراء، وكانت عريضة لشرح المعاناة، بكل أدب، وبكل احترام وتقدير، وعندما قرأها مسؤول التعليم في منطقته، صعق، وشهق، واسودت الدنيا في عينيه، وأزبد، وأرغى، وقال له أتشكونا للرأي العام؟ أتريد التشهير بنا؟ والله كنت أفكر في مساعدتك، والتعاطف مع قضيتك، لكن بعد هذه الشكوى، لن أساعدك، ولن أتعاطف معك، ولن أستمع لك، وكل ما كان لك عندي من تقدير انتهى، ومع السلامة.
قال لي المهندس سامحك الله، أشرت علي بالمشورة الخطأ، وتسببت في غضب المسؤول، ورفض طلبي جملة وتفصيلاً، حتى مساحة الحوار السابقة، البسيطة، ألغاها من حسابه، واعتبر الأمر منتهياً، لأن الشكوى نزلت في الصحف، وهذا ما أغضبه، ماذا أصنع الآن، لقد خسرت القضية، قلت له أين الوطنية؟ أين حرية التعبير عن الرأي؟ أين الشخصية القيادية؟ هل ما قمت به خطأ؟ وهل من الخطأ أن يبحث الإنسان عن مصلحته، ويدافع عن حقوقه؟ لقد استخدمت وسائل مشروعة، ومفتوحة، وإن كان ما تقوله صحيحاً فالعزاء والحسرة، ليسا لك، إنما للتعليم وللمنطقة ولكل المملكة، إن كان فيها مثل هذا المسؤول، والعزاء لبلد يعيش ويحكم بهذه العقلية المريضة.
لا تنظر لقضيتك بهذه الزاوية الشخصية، فلو أن كل مواطن أصيب بأزمة الرهبة من النطق بحاجته، لأصيب المجتمع بعقدة الكبت والحرمان، ولتفجرت الحاجات في حناجرهم، وداخل بطونهم، ولحشرجت صدورهم، ولأصيب المجتمع بأمراض الكبت، الاجتماعية، والنفسية، والأمنية... أمراض، القهر، والصمت، التي تؤدي لأعراض الهذيان مع النفس، والجنوح الفكري، والميل نحو الرفض، والتشاؤم، وحرب العصيان الداخلي، ولأصبح الناس مجرد دمى، ممزقة من الداخل، لا هوية، ولا كرامة، ولا مبادئ، ولا مستقبل، ولا اتجاه.
يا أخي، ما قمتَ به أمر مشروع، تجيزه كل شرائع العالم، وكل ديانات الأرض، وكل حكومات الكون، لماذا تجلد نفسك؟ فالمظلوم، وصاحب الحاجة، لا يقف أمامهما عائق، ولا دستور، حتى يزال الظلم، أو تُحقق الحاجة، والحديث عن قضية إنسانية، في محفل عام، هو إنجاز بنفسه، إنجاز لإنكار المنكر، وإنجاز لانتصار الإنسان على نفسه، وخوفه، وضعفه، ومهانته، ويكفيك فخراً العمل الذي قمت به لإثبات الحق، وتوثيق قضيتك، أنت لم تخطئ بنشر الشكوى، بل إن المسؤول قد أمعن في الخطأ، أولا عندما أصدر القرار دون دراسة، وثانياً عندما أغلق أذنيه عن سماع شكوى المواطن المتضرر، وثالثاً أن الضرر أوقعه على الطفلة البريئة، ورابعاً رفض هذا المسؤول الامتثال لصوت المنطق، وخامساً عندما أعلن هذا المسؤول عن ضعفه أمام الحق، وأنكر على الخصم الدفاع عن حقوقه المشروعة، فهو خطأ خماسي مركب، يقول لك من أنت وما هي قوتك، ومن هو خصمك، وما هي نقاط ضعفه؟
وفي الأسبوع الماضي، تفضلت الجهات المسؤولة في وزارة التربية والتعليم، وبعد أربعة أشهر من المعاناة، والقلق، عادت وعدلت عن قرارها السابق، وأعلن الخبر في كل الصحف، بعدم تطبيق هذا القرار على المواطنين المتضررين، بأثر رجعي، وإنما يكتفى بامتحان المستوى والقدرات للطفل، أو الطفلة، يتم بعده إجازته أو إجازتها إلى السنة الثانية التي نجح أو نجحت إليها، وهو قرار حكيم، لا بد من الإشادة به، وشكر كل من ساهم في تثبيته، وشكر كل من أقنع العقول المتحجرة بالعودة، والنظر بحكمة، ومنطق، لحاجات المواطنين المتضررين، خصوصاً الأطفال الذين كانوا سينشؤون على العناد والإجحاف بالحقوق.
اتصلت بالمهندس أبشره بهذه البشرى، وأقول له، مبروك، قال لي لم أعد أسمع، قلت له بالإشارة، لقد انتصرت، قال هذا الانتصار ليس له طعم اليوم، بعد أن قنعنا بالواقع الأليم، وتجرعنا السم في الصمت، وتربينا على مضغ الماء في الفم، أصبت بالصمم، من تصرفات المسؤولين، فعندما تهضم حقوقي مرة ثانية لن أتكلم، ولن أسمع، ومن الأفضل للصحف أن تقفل أبوابها بدلاً من أن تسبب لنا الإحراج مع المسؤولين، قلت له لا تستعجل، فكلامك في الصحف، أثبت أنه قادر على التغيير، وليس العكس، أنت يجب أن تحصل على وسام شرف المواطنة الصالحة، ويجب أن تخرج من صمتك، لأن البلد ليس ملكاً لهذا المسؤول أو ذاك، إنما المسؤول على الكرسي وجد لمراعاة مصالح المواطنين، وخدمة حوائجهم، وعندما نقول للمسؤول من هو، وما هو دوره، عبر المنابر الصحفية المفتوحة، وعبر القنوات الشرعية المتاحة، فسوف نساعد الوطن على البناء، والتغيير، وسوف نرتقي بمجتمعنا نحو حضارة الإنسان، وكرامة الفرد.
* كاتب سعودي
مازن عبدالرزاق بليلة*
أب مكلوم من البيروقراطية التقليدية، إنه متضرر من قرار وزارة التربية والتعليم، إعادة السنة الأولى للصغار، له طفلة، هي البكر، أدخلت الفرحة والسرور له ولزوجته العام الماضي بدخولها المدرسة لأول مرة، وهو مهندس ناجح، بل متفوق، وكان الأول على دفعته، عندما تخرج في كلية الهندسة، ترك المدينة، واستقر به الحال في ينبع الصناعية، يخدم الوطن بعرق جبينه، ولفكره المتقد، وعطائه غير المحدود، جعل الشركة سعيدة بخدماته، وتبني له أحلام مستقبل مشرق وطموح، دخلت ابنته العام الماضي المدرسة، بطريقة نظامية، ونجحت بتفوق واضح، وفي يوم الفرحة الكبرى لتسليم الشهادة، كان اليوم المشؤوم للعائلة، ولها، بصدور قرار وزارة التربية والتعليم المجحف، بإعادة السنة الدراسية، لكل من لم تكمل السن القانونية عندما قبلت بالمدرسة، وعليها العودة إلى السنة الأولى.
راجعني المهندس للمساعدة في بث شكواه، على اعتبار أن كل جهوده الرامية لإقناع مدير التعليم بالتراجع عن قراره لم تفلح، قلت له من الأفضل إيصال صوتك لمن يملك التراجع عن القرار، أو تفهم ظروفك، عن طريق النشر الصحفي، لأن الصحف هي صوت المواطن، وكتب القصة، ونشرت الشكوى في صفحة القراء، وكانت عريضة لشرح المعاناة، بكل أدب، وبكل احترام وتقدير، وعندما قرأها مسؤول التعليم في منطقته، صعق، وشهق، واسودت الدنيا في عينيه، وأزبد، وأرغى، وقال له أتشكونا للرأي العام؟ أتريد التشهير بنا؟ والله كنت أفكر في مساعدتك، والتعاطف مع قضيتك، لكن بعد هذه الشكوى، لن أساعدك، ولن أتعاطف معك، ولن أستمع لك، وكل ما كان لك عندي من تقدير انتهى، ومع السلامة.
قال لي المهندس سامحك الله، أشرت علي بالمشورة الخطأ، وتسببت في غضب المسؤول، ورفض طلبي جملة وتفصيلاً، حتى مساحة الحوار السابقة، البسيطة، ألغاها من حسابه، واعتبر الأمر منتهياً، لأن الشكوى نزلت في الصحف، وهذا ما أغضبه، ماذا أصنع الآن، لقد خسرت القضية، قلت له أين الوطنية؟ أين حرية التعبير عن الرأي؟ أين الشخصية القيادية؟ هل ما قمت به خطأ؟ وهل من الخطأ أن يبحث الإنسان عن مصلحته، ويدافع عن حقوقه؟ لقد استخدمت وسائل مشروعة، ومفتوحة، وإن كان ما تقوله صحيحاً فالعزاء والحسرة، ليسا لك، إنما للتعليم وللمنطقة ولكل المملكة، إن كان فيها مثل هذا المسؤول، والعزاء لبلد يعيش ويحكم بهذه العقلية المريضة.
لا تنظر لقضيتك بهذه الزاوية الشخصية، فلو أن كل مواطن أصيب بأزمة الرهبة من النطق بحاجته، لأصيب المجتمع بعقدة الكبت والحرمان، ولتفجرت الحاجات في حناجرهم، وداخل بطونهم، ولحشرجت صدورهم، ولأصيب المجتمع بأمراض الكبت، الاجتماعية، والنفسية، والأمنية... أمراض، القهر، والصمت، التي تؤدي لأعراض الهذيان مع النفس، والجنوح الفكري، والميل نحو الرفض، والتشاؤم، وحرب العصيان الداخلي، ولأصبح الناس مجرد دمى، ممزقة من الداخل، لا هوية، ولا كرامة، ولا مبادئ، ولا مستقبل، ولا اتجاه.
يا أخي، ما قمتَ به أمر مشروع، تجيزه كل شرائع العالم، وكل ديانات الأرض، وكل حكومات الكون، لماذا تجلد نفسك؟ فالمظلوم، وصاحب الحاجة، لا يقف أمامهما عائق، ولا دستور، حتى يزال الظلم، أو تُحقق الحاجة، والحديث عن قضية إنسانية، في محفل عام، هو إنجاز بنفسه، إنجاز لإنكار المنكر، وإنجاز لانتصار الإنسان على نفسه، وخوفه، وضعفه، ومهانته، ويكفيك فخراً العمل الذي قمت به لإثبات الحق، وتوثيق قضيتك، أنت لم تخطئ بنشر الشكوى، بل إن المسؤول قد أمعن في الخطأ، أولا عندما أصدر القرار دون دراسة، وثانياً عندما أغلق أذنيه عن سماع شكوى المواطن المتضرر، وثالثاً أن الضرر أوقعه على الطفلة البريئة، ورابعاً رفض هذا المسؤول الامتثال لصوت المنطق، وخامساً عندما أعلن هذا المسؤول عن ضعفه أمام الحق، وأنكر على الخصم الدفاع عن حقوقه المشروعة، فهو خطأ خماسي مركب، يقول لك من أنت وما هي قوتك، ومن هو خصمك، وما هي نقاط ضعفه؟
وفي الأسبوع الماضي، تفضلت الجهات المسؤولة في وزارة التربية والتعليم، وبعد أربعة أشهر من المعاناة، والقلق، عادت وعدلت عن قرارها السابق، وأعلن الخبر في كل الصحف، بعدم تطبيق هذا القرار على المواطنين المتضررين، بأثر رجعي، وإنما يكتفى بامتحان المستوى والقدرات للطفل، أو الطفلة، يتم بعده إجازته أو إجازتها إلى السنة الثانية التي نجح أو نجحت إليها، وهو قرار حكيم، لا بد من الإشادة به، وشكر كل من ساهم في تثبيته، وشكر كل من أقنع العقول المتحجرة بالعودة، والنظر بحكمة، ومنطق، لحاجات المواطنين المتضررين، خصوصاً الأطفال الذين كانوا سينشؤون على العناد والإجحاف بالحقوق.
اتصلت بالمهندس أبشره بهذه البشرى، وأقول له، مبروك، قال لي لم أعد أسمع، قلت له بالإشارة، لقد انتصرت، قال هذا الانتصار ليس له طعم اليوم، بعد أن قنعنا بالواقع الأليم، وتجرعنا السم في الصمت، وتربينا على مضغ الماء في الفم، أصبت بالصمم، من تصرفات المسؤولين، فعندما تهضم حقوقي مرة ثانية لن أتكلم، ولن أسمع، ومن الأفضل للصحف أن تقفل أبوابها بدلاً من أن تسبب لنا الإحراج مع المسؤولين، قلت له لا تستعجل، فكلامك في الصحف، أثبت أنه قادر على التغيير، وليس العكس، أنت يجب أن تحصل على وسام شرف المواطنة الصالحة، ويجب أن تخرج من صمتك، لأن البلد ليس ملكاً لهذا المسؤول أو ذاك، إنما المسؤول على الكرسي وجد لمراعاة مصالح المواطنين، وخدمة حوائجهم، وعندما نقول للمسؤول من هو، وما هو دوره، عبر المنابر الصحفية المفتوحة، وعبر القنوات الشرعية المتاحة، فسوف نساعد الوطن على البناء، والتغيير، وسوف نرتقي بمجتمعنا نحو حضارة الإنسان، وكرامة الفرد.
* كاتب سعودي