عبد المعطي
28 - 10 - 2006, 04:49 PM
http://www.doha4.com/up/uploads/59c8d805bb.jpg (http://www.doha4.com/up)
انها اليسارية ليلى خالد ...ابنة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
تلك الاسطورة
تلك الرائعة
تلك المناضلة
انها اطهر من اطهركم ايها الزعماء
تبدو ليلى خالد، الفلسطينية التي شاركت في خطف طائرتين، Twa الأمريكية، و"العال" الإسرائيلية، إمرأة بسيطة، ومتفائلة ولا تخلو من المرح. وتلوح في عينيها نظرة حزن، تطل من حين لآخر، حين تحكي عن ذكرياتها، وكأنما تفتح سردابا يستريح فيه من مضوا مضرجين بدمائهم، وكانوا - بالأمس - رفاق ورفيقات درب طويل من المشاق والسهر والكفاح.
وتبدو خالد كذلك، سيدة مؤمنة أشد الإيمان بقضيتها، وبالمستقبل، مستقبل فلسطين. وشأنها شأن أية سيدة، تخالجها مشاعر الإنسانية والأمومة، لا يصعب على ليلى خالد أن تنزع ببساطة "رداء المناضلة"، والسياسية، لتعترف بإنسانيتها وآدميتها البسيطة، بعيدا عن "الأسطرة" التي التصقت بشخصيتها منذ 1969، وتتحدث عن "الجانب الآخر" في حياتها، بحب وشغف، وربما أيضا بنوع من الحرمان الذي عاشته، نظرا للظروف التي أحاطت بها.
وفي حديث صحافي مطوّل ل**;"العربية.نت"، كشفت خالد للمرة الأولى عن محاولات إسرائيلية لإغتيالها في لبنان، كما تحدثت بإسهاب عن تفاصيل حياتها الخاصة، وأسرتها. وتطرقت لجوانب سياسية مرتبطة بالقضية الفلسطينية، وبالأوضاع في الشرق الأوسط، والعالم.
في 1969، كانت ليلى خالد، أول سيدة في التاريخ تقدم على المشاركة في خطف طائرة. وقيّض لرحلة طائرة Wta الأمريكية رقم 840 أن تدخل التاريخ الفلسطيني، كون خطفها نبّه العالم للقضية الفلسطينية، وأثار جدلا واسعا حتى في صفوف الفلسطينيين، عن المشروعية الأخلاقية لتعريض حياة مدنيين للخطر.
حلّقت الطائرة الأمريكية المخطوفة فوق السماء الفلسطينية قبل أن تهبط في دمشق، وليتم احتجاز خالد ورفاقها هناك. وبعد عام واحد، كررت ليلى خالد تجربتها هي ورفقيها باتريك أرغويو، في خطف طائرة "العال" الإسرائيلية، الرحلة رقم 219 من أمستردام (هولندا)، غير أن أرغويو لقي حتفه، في حين أوقفت السلطات البريطانية خالد، ليتم اطلاق سراحها بعد أن تم خطف طائرة أخرى، من أجل الضغط على البريطانيين لاطلاق سراحها.
محاولة اغتيال في لبنان
ويبدو أن النشاط الفائق لليلى خالد، أثار حفيظة الإسرائيليين، الذين سعوا لاغتيالها. وتروي خالد للمرة الأولى عن تفاصيل محاولة اغتيالها في لبنان. ففي 1971 - تحكي خالد ل**;"العربية.نت" -، جرت المحاولة الوحيدة التي تعرفها هي على الأقل.
كانت ليلى خالد آنذاك تتنقل بإشراف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، من بيت إلى آخر في لبنان. وكانت تشرف على تدريب بعض الوحدات التابعة للجبهة عسكريا. وفي ليلة، عادت إلى بيت كانت تتشارك السكنى فيه مع رفيقة لها في الجبهة، كانت في ذلك الوقت ضمن وفد غادر في مهمة إلى أميركا الجنوبية.
عادت خالد في حدود الثانية عشر منتصف الليل. ولا تعرف إلى اللحظة السبب الذي دعاها للنظر تحت فراشها، لتكتشف رزمة ملصوقة أسفل السرير. سارعت خالد لإبلاغ مكتب تابع للجبهة الشعبية، كان يجب عليها ألا تذهب إليه تحت أي ظرف، ما أثار استغراب رفاقها هناك. وحين ذهب اختصاصيو الجبهة الشعبية إلى منزل ليلى خالد، اكتشفوا عبوة Tnt تنفجر بالضغط.
بعد ذلك بفترة قصيرة، قال عيزرا وايزمان (وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك) أنهم – أي الإسرائيليون – لن يتركوا لها – ليلى خالد – مكانا آمنا لتنام فيه. وكان حديث وايزمان يعني تصفيتها، ما دعا الجبهة الشعبية لاتخاذ قرار بإخفائها عن الأنظار. لكن خالد أكدت ل**;"العربية.نت" بأنها ظلت لسنوات في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، تشعر بالملاحقة، وتضطر في كثير من الأحيان لإبدال ملابسها وتغيير خط سيرها.
ولا تقطع خالد بأن المحاولة التي جرت لاغتيالها في منزلها، هي الوحيدة من نوعها، لكنها لا تعلم علم اليقين عن المحاولات الأخرى. وقالت إن الإسرائيليين الذين كانوا يلاحقونها، ربما قصدوا مراقبتها هي في شخصها بقصد اغتيالها، أو بهدف أن تقودهم - دون قصد – للدكتور وديع حداد، القيادي البارز في الجبهة الشعبية.
تنفيذ قرار الإعدام
وفي 1972، اتخذت الجبهة الشعبية قرارا بانتقال ليلى خالد إلى المخيمات الفلسطينية لأنها أكثر أمنا، خصوصا بعد اغتيال غسان كنفاني، وكمال ناصر، وكمال عدوان، وأبويوسف النجار في بيروت خارج المخيمات. وعاشت خالد لفترة في مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة.
وتعترف ليلى خالد بعد مرور ثلاثة عقود على خطفها طائرتي Twa الأمريكية، و"العال" الإسرائيلية، بأنها لا تستطيع القطع بأن الإسرائيليين صرفوا النظر عن اغتيالها، لكن ذلك لا يعني أن تعمد هي للحد من حركتها ونشاطها. وقالت خالد ل**;"العربية.نت" إنها تعرف أعداءها جيدا، ولا تشعر بتهديدهم على حياتها فحسب، وإنما على حياة الفلسطينيين كلهم، وقد تكون هي تحت رقابتهم، ولا تعلم "متى يمكن أن يقرروا تنفيذ حكم الإعدام بحقها".
وتجزم بأن الإسرائيليين لا ينسون ولا يتركون فرصة تلوح لهم في تنفيذ تهديداتهم واغتيالاتهم، و"هم ما زالوا يؤكدون بأن سياسة الاغتيالات لن تتوقف". ليلى خالد التي تصف رحلة حياتها بأنها سيدة فلسطينية وجزء من الشعب الذي وقع عليه ظلم تاريخي، وتعتبر أن ثمة وعيا يولده الظلم، ما يتبعه ردات فعل، ترى أن تداعيات الأمر برمته تخلق رغبة فردية في عمل شيء، وهو ما تلخصه ب**;"الثورة".
وحين انطلقت الثورة المسلحة في 1967، كانت ليلى خالد مدرسة في الكويت، تعيش في السكن الداخلي، وتمارس حياتها بصورة شبه طبيعية، تطبخ، وتجالس زميلاتها، لكنها كانت باقية على صلاتها بحركة القوميين العرب. وحين ولدت الجبهة الشعبية من رحم حركة القوميين العرب، بقيادة الدكتور جورج حبش والدكتور وديع حداد، وجدت خالد أن الجبهة الشعبية هي خيارها.
في الكويت، بحثت ليلى خالد عن أعضاء في حركة القوميين، ونظمت معهم جهودا لجمع أموال لصالح الفدائيين، خصوصا بعد الضربات التي وجهت للقوميين وللجبهة الشعبية في الكويت وعدد من البلدان العربية. في تلك الفترة، كانت خالد تنظر إلى الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر ك**;"منقذ"، لمواجهة التحديات كلها.
ويبدو أن خالد كانت شديدة الاعجاب بعبدالناصر، وما زالت تقرأه كثائر قام هو ورفاقه بثورة أثرت على المنطقة العربية بأسرها. وإلى جانبه، كانت تكن اعجابا خاصا للثائر الأميركي الجنوبي تشي غيفارا، الذي تراه ترك السلطة من أجل أن يكون إلى جانب الضعفاء والمظلومين في كل مكان في العالم. وفي طريقها إلى خطف طائرة Twa الأمريكية، ابتاعت كتابا عن غيفارا.
جراحات التجميل غيرت شكلها للأسوأ!
بعد العملية الأولى (خطف طائرة Twa)، اضطرت ليلى خالد لإجراء عدة عمليات جراحية، لتغيير معالم وجهها وشكلها في أمكان عدة طيلة 6 أشهر، استعدادا لعملية أخرى كان يجري الاعداد لها، غير أن هجوما صاروخيا وقع على بيت الدكتور وديع حداد، أجبر الجبهة الشعبية على اعادة النظر في العملية، لاحتمال أن تكون قد تسربت.
ولا تعتبر ليلى خالد جراحات التجميل التي أجرتها قد غيّرت هويتها، ولم تتوقف طويلا أمام القرار، "كنت متحمسة لرغبتي في الذهاب إلى عملية فدائية أخرى". وتوضح أنها أصبحت معروفة، لذا كان لزاما أن تغير شكلها لكي لا يتعرف عليها رجال الأمن في المطارات. وترى خالد بأن جراحات التجميل غيّرت شكلها ل**;"الأسوأ".
بعد جراحات التجميل، شاركت ليلى خالد في خطف طائرة "العال"، وكان مخططا أن يتم خطف طائرتين أخريين إلى جانب العال، من أجل اطلاق معتقلين في إسرائيل، وسويسرا - من خلال خطف طائرة تابعة للطيران السويسري - وألمانيا، عبر خطف طائرة Twa متجهة إلى فرانكفورت، من أجل اطلاق معتقلين في ميونخ.
وكأول سيدة تخطف طائرة، لم تشعر خالد بالخوف.وحين سئلت عن مدى استعدادها لخطف طائرة، ضحكت، لأن تعبير خطف الطائرات لم يكن مألوفا. كانت متحمسة، وتشعر بالاعتزاز، وأن هناك ثمة رضا عنها من قبل القيادة، وكانت متعجلة للتنفيذ.
وفي لحظة التنفيذ – تقول ليلى خالد - تنتهي مشاعر القلق التي تنتاب المرء، لأن الانتظار أصعب من لحظة الوصول إلى الطائرة. أما بعد صعودها إلى الطائرة الأولى، فقد "كان شعورا ممتعا، خصوصا لأننا كنا سنحلق فوق فلسطين". وحين غادرت ليلى خالد منزل أسرتها في صور (لبنان)، سألتها أمها عن سبب خروجها، فقالت لها إنها ذاهبة لبيروت لتجديد جواز سفرها، وأنها ترغب في أكل "ملوخية" على الغداء.
ولم تكن والدتها تعلم، لا هي ولا بقية أفراد الأسرة، بأن ليلى لن تأكل "ملوخية" معهم لفترة طويلة، لأنها ذاهبة لمهمة فدائية. وتضحك خالد وهي تقص ل**;"العربية.نت" عن الساعات التي قضاها أفراد أسرتها وهم يتجادلون مستبعدين تماما أن تكون ليلى خالد خاطفة الطائرة، هي إبنتهم، فالأمر في نظرهم، لا يعدو تطابقا في الأسماء.
أشقاؤها: ليلى ليست جميلة الجميلات
وحين أذاع قائد الطائرة أوصافها في مؤتمر صحافي، قائلا إنها طويلة وجميلة، علّق أشقاؤها بأن تلك الأوصاف لا تنطبق على ليلى خالد، لأنها ليست "جميلة الجميلات". وحين زارتها أمها في سوريا بعد توقيفها هناك، مازحتها قائلة "تخطفين طائرة وأنا أطبخ لك ملوخية؟".
وفي فترة الإعداد لخطف الطائرة الأولى، كانت ليلى خالد تقرأ عن الجزائرية جميلة بوحيرد، وكان الدكتور وديع حداد يعيد صياغة السؤال المتعلق باحتمال موتها على النحو: السؤال ليس مدى استعدادك للموت، وإنما للسجن!. وكانت ليلى تعي أن مصيرها قد يكون الموت أو السجن، وقد أبلغها مسؤولو الجبهة بهذه الاحتمالات، إلا أنها كانت مصممة على التنفيذ.
وتقول خالد إنها في تلك اللحظة فكرت في أن تلك الطفلة إذا ما صعدت إلى الطائرة، فقد تتعرض للخطر. ومر شريط طويل أمام عينيها، من صور طفولتها، وطفولة ملايين الأطفال الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين. تمنيت أن نكون أصدقاء – تقول خالد – لكننا مضطرون. وتضيف بأنها لم تشعر بأي تردد في الصعود إلى الطائرة وخطفها، دفاعا عن أطفال فلسطين.
وتعتبر ليلى خالد أن خطف الطائرات لم يعد مفيدا الآن، كما كان مفيدا من قبل. وقالت إن تلك الوسيلة، استخدمت كتكتيك للفت أنظار العالم إلى القضية، وأن الصراع الآن يجري على الأرض الفلسطينية وبوسائل مختلفة، ابتكرها الشعب الفلسطيني من استخدام الحجارة إلى "العمليات الاستشهادية" إلى قصف صواريخ من غزة.
ليلى خالد ومحمد الدرة!
وتبدي خالد ضعفا خاصا أمام الطفولة والأطفال، وتذكر جيدا، حين رأت محمد الدرة مضرجا بدمائه، انخرطت في البكاء، ثم جال بخاطرها سؤال: لماذا يقتل أطفال فلسطين بهذه الوحشية والدم البارد أمام الكاميرات؟. وتقول إن صورة الدرة كشفت المزيد من وجه إسرائيل، "هذا العدو الذي لا يأبه لطفل أو لأب يصرخ دفاعا عن فلذة كبده".
وتعتقد خالد أن حياتها تغيرت بشكل كبير بعد عملياتها الفدائية، فمن المدرسة البسيطة العاملة في الكويت، التي كانت تحب الجلسات الحميمة مع زميلاتها في السكن، وتطبخ لهن، أضحت على كل لسان. ومن عاشقة للسباحة، وللبحر، كونها إبنة حيفا (فلسطين)، وعاشت في صور (لبنان)، وتحلم بأن ثمة بحر فقط يفصل بين المدينتين، صار لزاما عليها أن تتعاطى الحياة بشكل مغاير.
وحين قررت النزول إلى البحر مجددا، استنكرت أمها ذلك، لافتة نظرها إلى أن الناس سيتساءلون: "معقول هذه ليلى خالد الفدائية في ثوب سباحة؟". وكان واجبا عليها أن ترتدي ملابس بسيطة ومحتشمة، بعد أن كانت تجاري إلى حد ما الموضة، وأن تعزز حسها الأمني.
وسعت ليلى خالد كما تقول ل**;"العربية.نت" إلى ترسيخ مفهوم البنت البسيطة المرتبة النظيفة، لتنقض مفهوم الثوار المتسخين. وتعترف بأن مرحها تراجع قليلا لأن الناس وضعوها في صورة جديدة، وهي تراها إلى حد ما "سجنا". وهي لم تدرك نظرة الناس لها في البداية، لكنها بدأت تدرك ذلك تدريجيا، فسعت ألا تخذل الناس. وحاولت تقريب تلك الصورة بمفهومها الإنساني.
ولا يمكن لليلى خالد أن تخطف طائرة مرة أخرى، فهي شخصية باتت معروفة، تقدم بها العمر، كما ترى، و"الكثيرون يستطيعون ابتداع أشكال نضالية أخرى". ولم تتوان ليلى عن حمل السلاح في كل مرة شعرت خلالها أن الثورة تعرضت للخطر، إلا في غزو لبنان 1982، حيث كانت حاملا في طفل
انها اليسارية ليلى خالد ...ابنة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
تلك الاسطورة
تلك الرائعة
تلك المناضلة
انها اطهر من اطهركم ايها الزعماء
تبدو ليلى خالد، الفلسطينية التي شاركت في خطف طائرتين، Twa الأمريكية، و"العال" الإسرائيلية، إمرأة بسيطة، ومتفائلة ولا تخلو من المرح. وتلوح في عينيها نظرة حزن، تطل من حين لآخر، حين تحكي عن ذكرياتها، وكأنما تفتح سردابا يستريح فيه من مضوا مضرجين بدمائهم، وكانوا - بالأمس - رفاق ورفيقات درب طويل من المشاق والسهر والكفاح.
وتبدو خالد كذلك، سيدة مؤمنة أشد الإيمان بقضيتها، وبالمستقبل، مستقبل فلسطين. وشأنها شأن أية سيدة، تخالجها مشاعر الإنسانية والأمومة، لا يصعب على ليلى خالد أن تنزع ببساطة "رداء المناضلة"، والسياسية، لتعترف بإنسانيتها وآدميتها البسيطة، بعيدا عن "الأسطرة" التي التصقت بشخصيتها منذ 1969، وتتحدث عن "الجانب الآخر" في حياتها، بحب وشغف، وربما أيضا بنوع من الحرمان الذي عاشته، نظرا للظروف التي أحاطت بها.
وفي حديث صحافي مطوّل ل**;"العربية.نت"، كشفت خالد للمرة الأولى عن محاولات إسرائيلية لإغتيالها في لبنان، كما تحدثت بإسهاب عن تفاصيل حياتها الخاصة، وأسرتها. وتطرقت لجوانب سياسية مرتبطة بالقضية الفلسطينية، وبالأوضاع في الشرق الأوسط، والعالم.
في 1969، كانت ليلى خالد، أول سيدة في التاريخ تقدم على المشاركة في خطف طائرة. وقيّض لرحلة طائرة Wta الأمريكية رقم 840 أن تدخل التاريخ الفلسطيني، كون خطفها نبّه العالم للقضية الفلسطينية، وأثار جدلا واسعا حتى في صفوف الفلسطينيين، عن المشروعية الأخلاقية لتعريض حياة مدنيين للخطر.
حلّقت الطائرة الأمريكية المخطوفة فوق السماء الفلسطينية قبل أن تهبط في دمشق، وليتم احتجاز خالد ورفاقها هناك. وبعد عام واحد، كررت ليلى خالد تجربتها هي ورفقيها باتريك أرغويو، في خطف طائرة "العال" الإسرائيلية، الرحلة رقم 219 من أمستردام (هولندا)، غير أن أرغويو لقي حتفه، في حين أوقفت السلطات البريطانية خالد، ليتم اطلاق سراحها بعد أن تم خطف طائرة أخرى، من أجل الضغط على البريطانيين لاطلاق سراحها.
محاولة اغتيال في لبنان
ويبدو أن النشاط الفائق لليلى خالد، أثار حفيظة الإسرائيليين، الذين سعوا لاغتيالها. وتروي خالد للمرة الأولى عن تفاصيل محاولة اغتيالها في لبنان. ففي 1971 - تحكي خالد ل**;"العربية.نت" -، جرت المحاولة الوحيدة التي تعرفها هي على الأقل.
كانت ليلى خالد آنذاك تتنقل بإشراف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، من بيت إلى آخر في لبنان. وكانت تشرف على تدريب بعض الوحدات التابعة للجبهة عسكريا. وفي ليلة، عادت إلى بيت كانت تتشارك السكنى فيه مع رفيقة لها في الجبهة، كانت في ذلك الوقت ضمن وفد غادر في مهمة إلى أميركا الجنوبية.
عادت خالد في حدود الثانية عشر منتصف الليل. ولا تعرف إلى اللحظة السبب الذي دعاها للنظر تحت فراشها، لتكتشف رزمة ملصوقة أسفل السرير. سارعت خالد لإبلاغ مكتب تابع للجبهة الشعبية، كان يجب عليها ألا تذهب إليه تحت أي ظرف، ما أثار استغراب رفاقها هناك. وحين ذهب اختصاصيو الجبهة الشعبية إلى منزل ليلى خالد، اكتشفوا عبوة Tnt تنفجر بالضغط.
بعد ذلك بفترة قصيرة، قال عيزرا وايزمان (وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك) أنهم – أي الإسرائيليون – لن يتركوا لها – ليلى خالد – مكانا آمنا لتنام فيه. وكان حديث وايزمان يعني تصفيتها، ما دعا الجبهة الشعبية لاتخاذ قرار بإخفائها عن الأنظار. لكن خالد أكدت ل**;"العربية.نت" بأنها ظلت لسنوات في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، تشعر بالملاحقة، وتضطر في كثير من الأحيان لإبدال ملابسها وتغيير خط سيرها.
ولا تقطع خالد بأن المحاولة التي جرت لاغتيالها في منزلها، هي الوحيدة من نوعها، لكنها لا تعلم علم اليقين عن المحاولات الأخرى. وقالت إن الإسرائيليين الذين كانوا يلاحقونها، ربما قصدوا مراقبتها هي في شخصها بقصد اغتيالها، أو بهدف أن تقودهم - دون قصد – للدكتور وديع حداد، القيادي البارز في الجبهة الشعبية.
تنفيذ قرار الإعدام
وفي 1972، اتخذت الجبهة الشعبية قرارا بانتقال ليلى خالد إلى المخيمات الفلسطينية لأنها أكثر أمنا، خصوصا بعد اغتيال غسان كنفاني، وكمال ناصر، وكمال عدوان، وأبويوسف النجار في بيروت خارج المخيمات. وعاشت خالد لفترة في مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة.
وتعترف ليلى خالد بعد مرور ثلاثة عقود على خطفها طائرتي Twa الأمريكية، و"العال" الإسرائيلية، بأنها لا تستطيع القطع بأن الإسرائيليين صرفوا النظر عن اغتيالها، لكن ذلك لا يعني أن تعمد هي للحد من حركتها ونشاطها. وقالت خالد ل**;"العربية.نت" إنها تعرف أعداءها جيدا، ولا تشعر بتهديدهم على حياتها فحسب، وإنما على حياة الفلسطينيين كلهم، وقد تكون هي تحت رقابتهم، ولا تعلم "متى يمكن أن يقرروا تنفيذ حكم الإعدام بحقها".
وتجزم بأن الإسرائيليين لا ينسون ولا يتركون فرصة تلوح لهم في تنفيذ تهديداتهم واغتيالاتهم، و"هم ما زالوا يؤكدون بأن سياسة الاغتيالات لن تتوقف". ليلى خالد التي تصف رحلة حياتها بأنها سيدة فلسطينية وجزء من الشعب الذي وقع عليه ظلم تاريخي، وتعتبر أن ثمة وعيا يولده الظلم، ما يتبعه ردات فعل، ترى أن تداعيات الأمر برمته تخلق رغبة فردية في عمل شيء، وهو ما تلخصه ب**;"الثورة".
وحين انطلقت الثورة المسلحة في 1967، كانت ليلى خالد مدرسة في الكويت، تعيش في السكن الداخلي، وتمارس حياتها بصورة شبه طبيعية، تطبخ، وتجالس زميلاتها، لكنها كانت باقية على صلاتها بحركة القوميين العرب. وحين ولدت الجبهة الشعبية من رحم حركة القوميين العرب، بقيادة الدكتور جورج حبش والدكتور وديع حداد، وجدت خالد أن الجبهة الشعبية هي خيارها.
في الكويت، بحثت ليلى خالد عن أعضاء في حركة القوميين، ونظمت معهم جهودا لجمع أموال لصالح الفدائيين، خصوصا بعد الضربات التي وجهت للقوميين وللجبهة الشعبية في الكويت وعدد من البلدان العربية. في تلك الفترة، كانت خالد تنظر إلى الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر ك**;"منقذ"، لمواجهة التحديات كلها.
ويبدو أن خالد كانت شديدة الاعجاب بعبدالناصر، وما زالت تقرأه كثائر قام هو ورفاقه بثورة أثرت على المنطقة العربية بأسرها. وإلى جانبه، كانت تكن اعجابا خاصا للثائر الأميركي الجنوبي تشي غيفارا، الذي تراه ترك السلطة من أجل أن يكون إلى جانب الضعفاء والمظلومين في كل مكان في العالم. وفي طريقها إلى خطف طائرة Twa الأمريكية، ابتاعت كتابا عن غيفارا.
جراحات التجميل غيرت شكلها للأسوأ!
بعد العملية الأولى (خطف طائرة Twa)، اضطرت ليلى خالد لإجراء عدة عمليات جراحية، لتغيير معالم وجهها وشكلها في أمكان عدة طيلة 6 أشهر، استعدادا لعملية أخرى كان يجري الاعداد لها، غير أن هجوما صاروخيا وقع على بيت الدكتور وديع حداد، أجبر الجبهة الشعبية على اعادة النظر في العملية، لاحتمال أن تكون قد تسربت.
ولا تعتبر ليلى خالد جراحات التجميل التي أجرتها قد غيّرت هويتها، ولم تتوقف طويلا أمام القرار، "كنت متحمسة لرغبتي في الذهاب إلى عملية فدائية أخرى". وتوضح أنها أصبحت معروفة، لذا كان لزاما أن تغير شكلها لكي لا يتعرف عليها رجال الأمن في المطارات. وترى خالد بأن جراحات التجميل غيّرت شكلها ل**;"الأسوأ".
بعد جراحات التجميل، شاركت ليلى خالد في خطف طائرة "العال"، وكان مخططا أن يتم خطف طائرتين أخريين إلى جانب العال، من أجل اطلاق معتقلين في إسرائيل، وسويسرا - من خلال خطف طائرة تابعة للطيران السويسري - وألمانيا، عبر خطف طائرة Twa متجهة إلى فرانكفورت، من أجل اطلاق معتقلين في ميونخ.
وكأول سيدة تخطف طائرة، لم تشعر خالد بالخوف.وحين سئلت عن مدى استعدادها لخطف طائرة، ضحكت، لأن تعبير خطف الطائرات لم يكن مألوفا. كانت متحمسة، وتشعر بالاعتزاز، وأن هناك ثمة رضا عنها من قبل القيادة، وكانت متعجلة للتنفيذ.
وفي لحظة التنفيذ – تقول ليلى خالد - تنتهي مشاعر القلق التي تنتاب المرء، لأن الانتظار أصعب من لحظة الوصول إلى الطائرة. أما بعد صعودها إلى الطائرة الأولى، فقد "كان شعورا ممتعا، خصوصا لأننا كنا سنحلق فوق فلسطين". وحين غادرت ليلى خالد منزل أسرتها في صور (لبنان)، سألتها أمها عن سبب خروجها، فقالت لها إنها ذاهبة لبيروت لتجديد جواز سفرها، وأنها ترغب في أكل "ملوخية" على الغداء.
ولم تكن والدتها تعلم، لا هي ولا بقية أفراد الأسرة، بأن ليلى لن تأكل "ملوخية" معهم لفترة طويلة، لأنها ذاهبة لمهمة فدائية. وتضحك خالد وهي تقص ل**;"العربية.نت" عن الساعات التي قضاها أفراد أسرتها وهم يتجادلون مستبعدين تماما أن تكون ليلى خالد خاطفة الطائرة، هي إبنتهم، فالأمر في نظرهم، لا يعدو تطابقا في الأسماء.
أشقاؤها: ليلى ليست جميلة الجميلات
وحين أذاع قائد الطائرة أوصافها في مؤتمر صحافي، قائلا إنها طويلة وجميلة، علّق أشقاؤها بأن تلك الأوصاف لا تنطبق على ليلى خالد، لأنها ليست "جميلة الجميلات". وحين زارتها أمها في سوريا بعد توقيفها هناك، مازحتها قائلة "تخطفين طائرة وأنا أطبخ لك ملوخية؟".
وفي فترة الإعداد لخطف الطائرة الأولى، كانت ليلى خالد تقرأ عن الجزائرية جميلة بوحيرد، وكان الدكتور وديع حداد يعيد صياغة السؤال المتعلق باحتمال موتها على النحو: السؤال ليس مدى استعدادك للموت، وإنما للسجن!. وكانت ليلى تعي أن مصيرها قد يكون الموت أو السجن، وقد أبلغها مسؤولو الجبهة بهذه الاحتمالات، إلا أنها كانت مصممة على التنفيذ.
وتقول خالد إنها في تلك اللحظة فكرت في أن تلك الطفلة إذا ما صعدت إلى الطائرة، فقد تتعرض للخطر. ومر شريط طويل أمام عينيها، من صور طفولتها، وطفولة ملايين الأطفال الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين. تمنيت أن نكون أصدقاء – تقول خالد – لكننا مضطرون. وتضيف بأنها لم تشعر بأي تردد في الصعود إلى الطائرة وخطفها، دفاعا عن أطفال فلسطين.
وتعتبر ليلى خالد أن خطف الطائرات لم يعد مفيدا الآن، كما كان مفيدا من قبل. وقالت إن تلك الوسيلة، استخدمت كتكتيك للفت أنظار العالم إلى القضية، وأن الصراع الآن يجري على الأرض الفلسطينية وبوسائل مختلفة، ابتكرها الشعب الفلسطيني من استخدام الحجارة إلى "العمليات الاستشهادية" إلى قصف صواريخ من غزة.
ليلى خالد ومحمد الدرة!
وتبدي خالد ضعفا خاصا أمام الطفولة والأطفال، وتذكر جيدا، حين رأت محمد الدرة مضرجا بدمائه، انخرطت في البكاء، ثم جال بخاطرها سؤال: لماذا يقتل أطفال فلسطين بهذه الوحشية والدم البارد أمام الكاميرات؟. وتقول إن صورة الدرة كشفت المزيد من وجه إسرائيل، "هذا العدو الذي لا يأبه لطفل أو لأب يصرخ دفاعا عن فلذة كبده".
وتعتقد خالد أن حياتها تغيرت بشكل كبير بعد عملياتها الفدائية، فمن المدرسة البسيطة العاملة في الكويت، التي كانت تحب الجلسات الحميمة مع زميلاتها في السكن، وتطبخ لهن، أضحت على كل لسان. ومن عاشقة للسباحة، وللبحر، كونها إبنة حيفا (فلسطين)، وعاشت في صور (لبنان)، وتحلم بأن ثمة بحر فقط يفصل بين المدينتين، صار لزاما عليها أن تتعاطى الحياة بشكل مغاير.
وحين قررت النزول إلى البحر مجددا، استنكرت أمها ذلك، لافتة نظرها إلى أن الناس سيتساءلون: "معقول هذه ليلى خالد الفدائية في ثوب سباحة؟". وكان واجبا عليها أن ترتدي ملابس بسيطة ومحتشمة، بعد أن كانت تجاري إلى حد ما الموضة، وأن تعزز حسها الأمني.
وسعت ليلى خالد كما تقول ل**;"العربية.نت" إلى ترسيخ مفهوم البنت البسيطة المرتبة النظيفة، لتنقض مفهوم الثوار المتسخين. وتعترف بأن مرحها تراجع قليلا لأن الناس وضعوها في صورة جديدة، وهي تراها إلى حد ما "سجنا". وهي لم تدرك نظرة الناس لها في البداية، لكنها بدأت تدرك ذلك تدريجيا، فسعت ألا تخذل الناس. وحاولت تقريب تلك الصورة بمفهومها الإنساني.
ولا يمكن لليلى خالد أن تخطف طائرة مرة أخرى، فهي شخصية باتت معروفة، تقدم بها العمر، كما ترى، و"الكثيرون يستطيعون ابتداع أشكال نضالية أخرى". ولم تتوان ليلى عن حمل السلاح في كل مرة شعرت خلالها أن الثورة تعرضت للخطر، إلا في غزو لبنان 1982، حيث كانت حاملا في طفل