رسام الغرام
7 - 11 - 2006, 10:11 AM
التفاحة ومدافع اليهود
كنتُ جالساً ذاتَ يوم أمام شاشة التلفاز أشاهد نشرة الأخبار , فشعرتُ بجوعٍ يعتصر معدتي , ولم يكن الوقتُ وقتَ إفطارٍ أو غداءٍ أو حتَّى عشاء , فحملتُ نفسي مُتثاقلاً أجرُّ خطواتي نحو الثلاجةِ , وعيناي تحدقان بشاشةَ التلفاز , وما إن وصلتُ إلى الثلاجة حتى فتحتُ بابها وأخرجتُ مِنها تفاحة , وكانت عادتي مع التُفاح أن أقشرها قبل أن أضعها في فمي , وبينما أنا كذلك إذا بصوت مدافع اليهود تقصفُ المنازل في الأراضي المحتلة فتتهشم الجماجم , وتتقطع الجثثُ أشلاءً متفرقة , وتفقأ العيون , وتتطاير الأعضاء , وتجري سيول الدماء كالأنهار على الأرض , كانت تلك المناظر المريعة هو ما بثتهُ القناةُ الإخبارية في خبرها العاجل حينها , فتفطر قلبي ألماً لما يحصلُ هناك , فهذهِ المرةُ الأولى التي أشاهد فيه مناظر كهذه على الهواء , فدمِعت عيني لهولِ ما رأت , وتجمد عقلي , وشُلَّ تفكيري , وتوقفت أطرافي , وضاقت نفسي , وانطفأ جوعي , وتكدّر صفوي , وتبلد حِسي , وأخذت أجهش بالبكاء شيئاً فشيئاً , حتى علا صوتُ نحيبي , وبدأتُ أتشنج من هول ما رأيتُ , فضجَّ البيتُُ بالصراخ حتى اِلتفّ حولي أبي وأمي وأخوتي والخوفُ قد اعتراهم , والهلعُ قد دبَّ في نُفوسهم , وأخذتْ أمي تبكي لحالي , وأشتد بُكاؤها وأشتد , بينما تسمَّرَ أخوتي في أماكنهم , في الوقتِ الذي أجرى فيه والدي مكالمةً سريعةً , لم أدرك حينها ما الذي يجري , سوى أنَّ رِقةَ أمي وعاطفتها أخذت تُشاركني الحزن الدفين على أرضِ فلسطين , بل أن بكاء أمي قد فاق بكائي , وتعالت صيحاتها , فخشيتُ عليها من الإغماء , فتوقفتُ عن البكاء , لِمواساة أمي ومحاولة التخفيف عنها , وبينما أنا على تلك الحال , وأمي في بُكائها , ودموعها ملأ المكان كالنهر الجاري إذا بي أسمعُ صوتَ أبي يقول لي : قُم يا بني فقد وصلتْ سيارةُ الإسعاف .
تعجبتُ من ذلك كثيراً .. لِما سيارةُ إسعاف ؟؟!!
وهل يستحِقُ البُكاءُ إسعافاً ؟؟!!
ولمْ أشعر إلاّ بِاثنين من الرجالِ يحملونني , ويلقون بي على سرير سيارةِ الإسعافِ التي سارعت بي إلى أقربِ مستشفى .
وفي غُرْفةِ الطَّبيبِ .. جلستُ أمامهُ وأنا مذهُولٌ شارِدُ الذِّهْنِ , ولمْ أتفوَّهُ بِكلِمةٍ حتى قال لي : كيف أنت الآن ؟
فأجبتهُ : الحمد للهِ أنا بخير , وعلى أحسنِ حال .
فقال لي : باللهِ أجبني ,, ما الذي دفعك لقطع أصابِعك ؟
فزعتُ من قولهِ , وابتسمْتُ ابتسامةً ساخِرةً مُخيفةً , ونظرتُ إلى يدي اليسرى فإذا بها مبتورة الأصابع , والدماءُ تتفجر منها كالينابيع , فما كنتُ أعلم أنني قطّعتُ أصابعي حين سمعتُ أصواتِ المدافِع , ولمْ أقشِّرُ التفــاحة .
رسام الغرام
كنتُ جالساً ذاتَ يوم أمام شاشة التلفاز أشاهد نشرة الأخبار , فشعرتُ بجوعٍ يعتصر معدتي , ولم يكن الوقتُ وقتَ إفطارٍ أو غداءٍ أو حتَّى عشاء , فحملتُ نفسي مُتثاقلاً أجرُّ خطواتي نحو الثلاجةِ , وعيناي تحدقان بشاشةَ التلفاز , وما إن وصلتُ إلى الثلاجة حتى فتحتُ بابها وأخرجتُ مِنها تفاحة , وكانت عادتي مع التُفاح أن أقشرها قبل أن أضعها في فمي , وبينما أنا كذلك إذا بصوت مدافع اليهود تقصفُ المنازل في الأراضي المحتلة فتتهشم الجماجم , وتتقطع الجثثُ أشلاءً متفرقة , وتفقأ العيون , وتتطاير الأعضاء , وتجري سيول الدماء كالأنهار على الأرض , كانت تلك المناظر المريعة هو ما بثتهُ القناةُ الإخبارية في خبرها العاجل حينها , فتفطر قلبي ألماً لما يحصلُ هناك , فهذهِ المرةُ الأولى التي أشاهد فيه مناظر كهذه على الهواء , فدمِعت عيني لهولِ ما رأت , وتجمد عقلي , وشُلَّ تفكيري , وتوقفت أطرافي , وضاقت نفسي , وانطفأ جوعي , وتكدّر صفوي , وتبلد حِسي , وأخذت أجهش بالبكاء شيئاً فشيئاً , حتى علا صوتُ نحيبي , وبدأتُ أتشنج من هول ما رأيتُ , فضجَّ البيتُُ بالصراخ حتى اِلتفّ حولي أبي وأمي وأخوتي والخوفُ قد اعتراهم , والهلعُ قد دبَّ في نُفوسهم , وأخذتْ أمي تبكي لحالي , وأشتد بُكاؤها وأشتد , بينما تسمَّرَ أخوتي في أماكنهم , في الوقتِ الذي أجرى فيه والدي مكالمةً سريعةً , لم أدرك حينها ما الذي يجري , سوى أنَّ رِقةَ أمي وعاطفتها أخذت تُشاركني الحزن الدفين على أرضِ فلسطين , بل أن بكاء أمي قد فاق بكائي , وتعالت صيحاتها , فخشيتُ عليها من الإغماء , فتوقفتُ عن البكاء , لِمواساة أمي ومحاولة التخفيف عنها , وبينما أنا على تلك الحال , وأمي في بُكائها , ودموعها ملأ المكان كالنهر الجاري إذا بي أسمعُ صوتَ أبي يقول لي : قُم يا بني فقد وصلتْ سيارةُ الإسعاف .
تعجبتُ من ذلك كثيراً .. لِما سيارةُ إسعاف ؟؟!!
وهل يستحِقُ البُكاءُ إسعافاً ؟؟!!
ولمْ أشعر إلاّ بِاثنين من الرجالِ يحملونني , ويلقون بي على سرير سيارةِ الإسعافِ التي سارعت بي إلى أقربِ مستشفى .
وفي غُرْفةِ الطَّبيبِ .. جلستُ أمامهُ وأنا مذهُولٌ شارِدُ الذِّهْنِ , ولمْ أتفوَّهُ بِكلِمةٍ حتى قال لي : كيف أنت الآن ؟
فأجبتهُ : الحمد للهِ أنا بخير , وعلى أحسنِ حال .
فقال لي : باللهِ أجبني ,, ما الذي دفعك لقطع أصابِعك ؟
فزعتُ من قولهِ , وابتسمْتُ ابتسامةً ساخِرةً مُخيفةً , ونظرتُ إلى يدي اليسرى فإذا بها مبتورة الأصابع , والدماءُ تتفجر منها كالينابيع , فما كنتُ أعلم أنني قطّعتُ أصابعي حين سمعتُ أصواتِ المدافِع , ولمْ أقشِّرُ التفــاحة .
رسام الغرام