الجعيد
26 - 4 - 2007, 01:20 AM
عبد الله الخطيب مجلة المدى
الفن هو التحول في (العقل البشرى) وبدء ذلك التحول هو تطور يد الانسان ومقدرتها على خلق (الادوات) التي يحتاجها لخلق المزيد من المنفعة من الطبيعة و عناصرها المحيطة به، وانتقال ذلك التطور (كمعرفة) الى عقله عن طريق التفاعل العضوي بين اليد والدماغ، وهذه ميزة كبرى تميز الانسان عن غيره من الكائنات العليا التي تعيش معه، (وبالضرورة) تحولت تلك المقدرة الى (خبرة) اصبحت بالحتم التاريخي والتحول الكمي (الاساس) الكبير في نشوء المجتمعات المدنية ومن تراكماتها تكونت الحضارة.
عاش الانسان ببساطة وتفاعل مع ماأنتجته تلك الحضارة وخصوصاً مع الاشياء التي تلبي طلباته المادية والروحية معتمدا الرؤية البصرية التي يحددها الواقع وكلما تطورت تلك الاشياء وتعددت، تعقدت علاقته معها، وعن طريق التفاعل معها، إكتشف عن طريق الجس الغامض والحدس المبهم، ان للاشياء عالماً اخر غير هذا الذي يلمسه في اشكالها الخارجية عن طريق الرؤية البصرية التي يحددها الواقع والمنعكسة في فنه البدائي، فتكونت (الاساطير) وظهر (الرمز) في تعبيره عن تلك الاساطير والاحاسيس في فنه البدائي (الرسم والرقص والنحت و الاساطير).
وهكذا سار الانسان متفاعلا مع (الزمان والمكان) وتجاربه الفردية والجماعية حتى دخل عصر العلم، الذي يعتمد (التجربة)، التي فتحت امامه عصر الكشف والاستبصار.
ان التطور السريع في هذا المجال الذي احرزه العالم في القرون الثلاثة (الثامن عشر والتاسع والعشرين) كان له أبلغ التأثير في تحطيم الصورة المتماسكة للحياة التي تكونت عبر العصور القديمة التي عاشها الانسان (كبدائي) ضمن تفاعل ذاته المطلقة مع الطبيعة، الا ان كثيرا من مستحدثات التطور العلمي جعلت الانسان الذي لايعتمد المنطلق الجدلي في تفاعله مع تلك المستحدثات يشعر بأنه يعيش ضمن حياتين، حياة متفاعلة مع الوجود المرئي، واخرى تعتمد الاحساس الغامض والحدس بان وراء هذه الاشياء المادية توجد حياة اخرى غير مادية، لايمكن التعبير عنها الا عن طريق الحدس (الصوفي) والاحساس بها من دون وجود البرهان على وجودها ضمن ابعاد هندسية تخص المادة المرئية، وهذا ماسقط فيه كثير من الفنانين والادباء والشعراء أثناء الثورة العلمية في القرن التاسع عشر.
في ذلك (السقوط) بدأ يتطور (اللاوعي) البدائي عند الانسان في فعالياته وتعقد في دلالات رموزه التاريخية، وظهر ذلك في سلوك بعض الفنانين كصراع بين البصيرة التي تعتمد الوعي والحدس الذي يعتمد (اللاوعي) والوهم، حاول الطب (السايكولوجي) ان يحلل ذلك (الصراع) وان يصل الى معرفة العلاقات الغامضة بين اللاوعي والوعي، تلك العلاقات الغامضة التي انعكس مفعولها في اعمال كثير من الفنانين (الرسامين) والادباء الشعراء والقصاصين فقد حدد الطب النفسي خطورة سيطرة (اللاوعي) على (الانا الواعي) مركز التفكير والشعور والحدس والاساس، ان وظائف (الوعي) هذه التي حددها العالم النفساني (يونك) تؤهل الانسان للتعامل مع انطباعات العالم التي تلقاها من الداخل والخارج، وان يدمجها (في العمل الفني).
لقد ظهرت بدايات (الفن الحديث) مع بواكير القرن العشرين وتطور التكنولوجية تطوراً معقداً وسريعاً معتمدة تطور علوم الفيزياء الحديثة (الالكترونية) بالخصوص، وعلم البيولوجيا منها على الحصر (طبيعة الجينات الحياتية وهندستها الوراثية وسلوكها الغريب طبيعة تركيب المادة الذري، إنعكس ذلك الاتجاه العلمي على دراسة سلوك الانسان في ضوء ماجاء به (كارل ماركس وفرويد ويونك وادلر ووليم وجيمس وشكنر واريك فروم وغيرهم من العلماء والفلاسفة وعلم النفس الفردي والانثروبولوجي فاصبح الانسان كالمادة له (شكل وجوهر)، أي تكون وجوده الفكري والسلوكي من الصراع القائم بين عقله الواعي (المادي) المستقر وعقله الباطن القلق، أي الصراع بين الرؤية البصرية التي تعتمد (المنطق) وقلق (اللاوعي) البعيد عن أي منطق (أي الوهم).
كان (كاندنسكي) الفنان الفعال في التعبير عن رؤياه الداخلية، و للخلفية الروحية لحياة الاشياء (حسب رأيه) في اعماله الفنية وكان يعتمد اصول الفلسفة المثالية التي جاء بها (نيتشه وشوبنهاور) كأساسات لها (راجع نيتشه/ هكذا تكلم زرادتش) وقد تطور هذا الاتجاه في منتصف القرن العشرين في اوروبا وامريكا برعاية الفكر البورجوازي، وظهر في اعمال فنانين كبار الى حالة لم يهجر الفنان عالمه المحسوس فحسب بل والمجتمع ايضاً، واصبح الفن، فردياً، منعزلاً، يعتمد فعل (اللاوعي) الذي يشبه فعل (جسيمات) الذرة المجهرية (حسب رأي التجريديين المثاليين) وهذا مايرفضه العلم الحديث لدراسة الانسان، في خالة انفصال (اللاوعي) عن الوعي في العمل الفني وسيطرة الاول، يفقد الفنان حسه الاجتماعي، الجذر الاساس الذي يعتمده بناء الشخصية، ثم ان مقارنة سلوك (اللاوعي) الذي تكون تاريخياً عن طريق نظرية (الكم) من تفاعل الانسان مع الانسان ومع الطبيعة ومظاهرها، بسلوك الذرة، الفيزياوي، كما عبر عن ذلك عالم النفس الامريكي (ويلم جيمس) أي ان المحتويات السايكولوجية، تشكل كما تشكل مكونات الذرة في المجال المغناطيسي، وتظهر بنظام معين وبشكل مقدر داخل تلك المنطقة النفسية التي ندعوها (اللاوعي) يرفضها سلوك الانسان الابداعي، لانها (جبرية ميكانيكية)، لان الابداع لايمكن الا اذا انطلق عقل الانسان بحرية فردية في تفاعله مع الاشياء، ثم ان (اللاوعي) يعتمد منطق (الاحلام) غير المنضبط في أحكامه، وكان إعتماده الحد الفاصل بين اسلوبين متناقضين، الاسلوب الذي يعتمد المنطق كما هو ظاهر في الفنون الكلاسيكية وبعض أساليب (الرومانتيكيين) والاخر الذي اعتمد (اللاوعي) أي (اللامنطق) وأهمال (السببية) كما في الفنون الحديثة التي إعتمدت الوهم.
ان هذا الاتجاه الاخير في الفن التشكيلي ظهر في رؤية الرسام الفرنسي (سيزان 1839-1906) كان يعتمد (لحظات خاطفة) من تفاعل العقل الواعي واللاواعي، في ومضات سطوح الاشياء وغموضها، ويحاول النفاذ الى واقعها، وبذلك تمكن سيزان ان يفصل (إدراكه الحسي) بالطبيعة، وماتفعله (وراء ذلك الحس) أي (إثارة التراكمات) المترسبة في العقل اللاواعي بعكس الفنان (مونه) الذي اعتمد تأثيرات الضوء المباشرة وفعلها الفيزياوي على الحواس (شبكية العين بالحصر) في هذا الصراع بين ماترسله الحواس الى العقل الواعي، وماتثيره من (كوامن) في العقل الباطن في اعمال الفنانين ظهر (ماتيس / 1869-1954) واسلوب (الوحشيين جماعته (أطلق الناقد لويس نوكسيل هذا الاسم عليهم عام 1905). كان هذا الاسلوب حسب ماعبر عنه (ماتيس) يعتمد (التعبير) أي اعتماد تفاعل (العقل اللاواعي) كما يحدث في بعض (الاحلام) مع العقل الواعي، ويقول، العمل الفني (فكري) أي اعتماد (الوعي) الذي يتضمن فعل (التنظيم) أي وضوح الصورة و (التعبير) أي نقاء الحس (فعل اللاوعي) (هربرت ريد/الموجز ص/32) أي (الادراك) الغامض للشئ (فعل اللاوعي) والوهم.
وقد عمقت هذه الارهاصات (المثالية) واللاعلمية في كثير من مواقعها الفنية والاجتماعية (الاراء والفلسفات التي افرزتها الحرب الكونية التي دمرت الحضارة الانسانية وذات الانسان الفلسفات التي فرزتها الحرب الكونية التي دمرت الحضارة الانسانية وذات الانسان ومن هذه الفلسفات (الوجودية) التي جاء بها (سارتر) و (كامو) انه هذه الفلسفة ولدت احساساً عاماً بأن الانسان وحيد في هذا العالم انه منقطع الصلة عن نظم الايمان، وان عمله المبدع ان يجسد خلاصه في (الفن) وحده، وعلى ذلك إنحسر الفنان الى (ذاته) مقر (عقله الباطن) وهوساته واوهامه، ويتحسس مشاعره كما يفعل المتصوف الذاهل عن الوجود، يحاول ان يتخلص من (قلقه) وهذا هو السبب الرئيس الذي اوجد سلسلة من الحركات الفنية البصرية الصغيرة، الضيقة اعقب الواحدة، الاخرى بوتيرة متسارعة (التعبيرية التجريدية، التجميع، الفن الشعبي..الخ) والشيء الذي يجمع هذه الاساليب هو اهتمامها بتطوير (الشكل) والاهتمام به، واهمال (المضمون) كلياً.
وفي هذه الفترة ظهرت مدرستان في الفن (الواقعية الجديدة) ومدرسة (الذاتية الجديدة) ومن تفاعلها ظهر الاسلوب (السريالي) وبين (1963-1965) و ظهرت حركة (الفلوكس) التي جمعت (الموسيقيين والراقصين والرسامين والشعراء و النحاتين) التي سارت على نهج (الدادائيين) باطلاق الفرد من كل عوامل الكبح المادية والعقلية والسياسية، واصبح موضوع الفن المعاصر (الرسم والنحت) بدون اسلوب في صراع دائم بين الرؤية البصرية والوهم، يعتمد (سحر الاشياء) وموسيقى الالوان، وفي نهاية الستينيات عاد التنظيم وبالاخص في مجال (الرسم) أي تحويل الرسم (في بعض الحالات) الى تحليل ايديولوجي من حيث التكوين.
واستمرت مسيرة الفن منذ ذلك الوقت وحتى الان بدون نهج ثابت له مميزاته الواقعية واهدافه الانسانية، مضطرب بين مختلف المدارس الذاتية التي تعتمد الوهم والاخرى التي لاتعتمد أي شيء.
--------------------------------------------------------------------------------
عدد جديد من بانيبال ترجمات شعرية وقصص ودراسات
غلاف العدد الجديد تقدم مجلة "بانيبال" الفصلية التى تعنى بترجمة الادب العربي الى الانكليزية في عددها الجديد (22 ربيع 2**5) العديد من الاعمال القصصية والشعرية الجديدة بترجمات ممتازة ودقيقة.
وقد حمل غلاف المجلة لوحة للفنان الكردي العراقي صدر الدين أمين المقيم في بنسلفانيا في الولايات المتحدة، وهو من مواليد مدينة كركوك عام 1963، خريج اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، ساهم في العديد من المعارض الدولية.
في افتتاحيتها الموزعة على قسمين، تتحدث محررة المجلة مارغريت أوبانك في القسم الاول، عن "جولة بانيبال الادبية" وهي سلسلة من القراءات الادبية التي نظمتها "بانيبال" في تشرين الثاني الماضي في العديد من المدن الرئيسية في بريطانيا، بدعم من مجلس الفنون في لندن، وشارك فيها كل من الشاعر العراقي سعدي يوسف والكاتبة اللبنانية هدى بركات والشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي والكاتب العراقي صموئيل شمعون. وتصف اوبانك هذه الجولة بانها، كانت ناجحة وفعالة، بحيث ان المجلة ستقوم بتنظيم جولة اخرى في السنة المقبلة.
وتخصص أوبانك القسم الثاني من افتتاحيتها للحديث عن مؤتمر النشر والترجمة الذي انعقد في دمشق في مارس الماضي بدعوة من المجلس الثقافي البريطاني وحضره العديد من الكتاب والاكاديميين والمترجمين من اوروبا والعالم العربي. وقالت المحررة ان المؤتمر دعا الى تعميق الحوار بين المثقفين العرب والبريطانيين من خلال الترجمة الادبية، وتمنت ان يصار الى تنفيذ كل ما قيل في المؤتمر من عقد لقاءات بين الكتاب واقامة الانشطة الثقافية وتشجيع الترجمة من العربية الى الانكليزية.
نقرأ في العدد الجديد المواد التالية: قصة طويلة "الريح" للكاتب التونسي علي مصباح (ترجمة شاكر مصطفى)، ست قصائد للشاعر اللبناني عباس بيضون (ترجمة أنطون شماس)، أربعة فصول من رواية "باص الأوادم" للكاتبة اللبنانية نجوى بركات (ترجمة عايدة باميا) مع مقالة صغيرة للناقد اللبناني حسن شامي (ترجمة كاثرين ستابلي)، قصة قصيرة "اذا جاءت" للكاتب السوداني الطيب صالح (ترجمة شاكر مصطفى)، ثماني قصائد للشاعر الاردني ابراهيم نصر الله (ترجمة عبد الواحد لؤلؤة)، قصيدة للشاعر العراقي صلاح حسن (ترجمة سنان أنطون)، قصة قصيرة "بطرس، وجه غائم" للكاتبة المصرية منصورة عز الدين (ترجمة ندا الزير)، فصل طويل من رواية "الغيمة الرصاصية"
للكاتب السعودي علي الدميني (ترجمة عيسى بلاطة)، ثلاث قصائد للشاعر السوري نزيه أبو عفش (ترجمة عابد اسماعيل)، قصة قصيرة للكاتب العراقي حسين الموزاني (كتبها المؤلف بالالمانية ترجمة صوفي ريشتر ديفرو)، ثلاث عشرة قصيدة للشاعرة اللبنانية عناية جابر (ترجمة أنطون شماس)، قصة قصيرة للكاتب الفلسطيني عيسى بلاطة (كتبها المؤلف بالانكليزية)، قصة قصيرة "بقعة حمراء" للكاتبة المغربية ربيعة ريحان (ترجمة علي أزرياح)، قصيدة طويلة للشاعر والطبيب الفلسطيني فادي جودة (كتبها بالانكليزية)، قصيدتين للشاعرة الفلسطينية الاميركية ليزا سهير ماجاج (كتبتها بالانكليزية)، فصلاً طويلاً من رواية "البعيدون" للكاتب المغربي بهاء الدين الطود (ترجمة علي أزرياح)، مقاطع من قصيدة طويلة للشاعرة السورية رشا عمران (ترجمة كاميلو غوميز-ريفاس)، قصة طويلة "الرجال محظوظون" للكاتب المغربي الراحل محمد شكري (ترجمة بول ستاركي)، فصل طويل من رواية "نجمة الجزائر" للكاتب الجزائري عزيز شواكي (ترجمتها عن الفرنسية لولو نورمان).
بعيدا عن الشعر والرواية والقصة، نقرأ حوارا عن الادب العربي مع محررة مجلة "كارافان" السويدية، بيرغيتا فالين، حاورها في ستوكهولم صموئيل شمعون. مقالة للببروفيسور شموئيل موريه عن الكاتب العراقي الراحل سمير نقاش.
وفي مراجعات الكتب، نقرأ مقالة لبيتر كلارك عن الطبعة الجديدة من رواية "الزيني بركات" للكاتب المصري جمال الغيطاني، الكاتبة الالمانية الشابة صوفي ريشتر ديفرو تكتب عن رواية نجم والي "الطريق الى تل اللحم"، وفاضل العزاوي يكتب عن "عراقي في باريس" لصموئيل شمعون.
وفي الزاوية "التأثيرات الادبية" يكتب الكاتب الشهير رفيق شامي مقالا رائعا تحت عنوان "هذا ما تعلمته من شهرزاد"عن تجربته مع القراءة والكتابة منذ طفولته وحتى اليوم (ترجمت المقالة عن الالمانية لورانس جيمس).
وفي زاوية الاحداث الادبية، تغطي بانيبال الحفلة التي اقيمت للشاعر الفلسطيني محمود درويش في امستردام بمناسبة حصوله على جائزة مؤسسة الامير كلاوس. وتنشر المجلة نص كلمة الشاعر المحتفى به ومقاطع من خطاب الامير فريسكو. كما نقرأ انطباعات صوفي مخلوف لدى مشاهدتها العرض المسرحي الراقص "تيكستيرميناتور" الذي عرض في لندن من تأليف الكاتبة اللبنانية مي غصوب.
وسوف تقوم مجلة "بانيبال" بدءا من العدد المقبل بتخصيص صفحات عديدة لعرض الكتب الصادرة حديثا بالعربية في خطوة تسعى الى لفت انظار الناشرين الغربيين.
المصدر مجلة المدى
الفن هو التحول في (العقل البشرى) وبدء ذلك التحول هو تطور يد الانسان ومقدرتها على خلق (الادوات) التي يحتاجها لخلق المزيد من المنفعة من الطبيعة و عناصرها المحيطة به، وانتقال ذلك التطور (كمعرفة) الى عقله عن طريق التفاعل العضوي بين اليد والدماغ، وهذه ميزة كبرى تميز الانسان عن غيره من الكائنات العليا التي تعيش معه، (وبالضرورة) تحولت تلك المقدرة الى (خبرة) اصبحت بالحتم التاريخي والتحول الكمي (الاساس) الكبير في نشوء المجتمعات المدنية ومن تراكماتها تكونت الحضارة.
عاش الانسان ببساطة وتفاعل مع ماأنتجته تلك الحضارة وخصوصاً مع الاشياء التي تلبي طلباته المادية والروحية معتمدا الرؤية البصرية التي يحددها الواقع وكلما تطورت تلك الاشياء وتعددت، تعقدت علاقته معها، وعن طريق التفاعل معها، إكتشف عن طريق الجس الغامض والحدس المبهم، ان للاشياء عالماً اخر غير هذا الذي يلمسه في اشكالها الخارجية عن طريق الرؤية البصرية التي يحددها الواقع والمنعكسة في فنه البدائي، فتكونت (الاساطير) وظهر (الرمز) في تعبيره عن تلك الاساطير والاحاسيس في فنه البدائي (الرسم والرقص والنحت و الاساطير).
وهكذا سار الانسان متفاعلا مع (الزمان والمكان) وتجاربه الفردية والجماعية حتى دخل عصر العلم، الذي يعتمد (التجربة)، التي فتحت امامه عصر الكشف والاستبصار.
ان التطور السريع في هذا المجال الذي احرزه العالم في القرون الثلاثة (الثامن عشر والتاسع والعشرين) كان له أبلغ التأثير في تحطيم الصورة المتماسكة للحياة التي تكونت عبر العصور القديمة التي عاشها الانسان (كبدائي) ضمن تفاعل ذاته المطلقة مع الطبيعة، الا ان كثيرا من مستحدثات التطور العلمي جعلت الانسان الذي لايعتمد المنطلق الجدلي في تفاعله مع تلك المستحدثات يشعر بأنه يعيش ضمن حياتين، حياة متفاعلة مع الوجود المرئي، واخرى تعتمد الاحساس الغامض والحدس بان وراء هذه الاشياء المادية توجد حياة اخرى غير مادية، لايمكن التعبير عنها الا عن طريق الحدس (الصوفي) والاحساس بها من دون وجود البرهان على وجودها ضمن ابعاد هندسية تخص المادة المرئية، وهذا ماسقط فيه كثير من الفنانين والادباء والشعراء أثناء الثورة العلمية في القرن التاسع عشر.
في ذلك (السقوط) بدأ يتطور (اللاوعي) البدائي عند الانسان في فعالياته وتعقد في دلالات رموزه التاريخية، وظهر ذلك في سلوك بعض الفنانين كصراع بين البصيرة التي تعتمد الوعي والحدس الذي يعتمد (اللاوعي) والوهم، حاول الطب (السايكولوجي) ان يحلل ذلك (الصراع) وان يصل الى معرفة العلاقات الغامضة بين اللاوعي والوعي، تلك العلاقات الغامضة التي انعكس مفعولها في اعمال كثير من الفنانين (الرسامين) والادباء الشعراء والقصاصين فقد حدد الطب النفسي خطورة سيطرة (اللاوعي) على (الانا الواعي) مركز التفكير والشعور والحدس والاساس، ان وظائف (الوعي) هذه التي حددها العالم النفساني (يونك) تؤهل الانسان للتعامل مع انطباعات العالم التي تلقاها من الداخل والخارج، وان يدمجها (في العمل الفني).
لقد ظهرت بدايات (الفن الحديث) مع بواكير القرن العشرين وتطور التكنولوجية تطوراً معقداً وسريعاً معتمدة تطور علوم الفيزياء الحديثة (الالكترونية) بالخصوص، وعلم البيولوجيا منها على الحصر (طبيعة الجينات الحياتية وهندستها الوراثية وسلوكها الغريب طبيعة تركيب المادة الذري، إنعكس ذلك الاتجاه العلمي على دراسة سلوك الانسان في ضوء ماجاء به (كارل ماركس وفرويد ويونك وادلر ووليم وجيمس وشكنر واريك فروم وغيرهم من العلماء والفلاسفة وعلم النفس الفردي والانثروبولوجي فاصبح الانسان كالمادة له (شكل وجوهر)، أي تكون وجوده الفكري والسلوكي من الصراع القائم بين عقله الواعي (المادي) المستقر وعقله الباطن القلق، أي الصراع بين الرؤية البصرية التي تعتمد (المنطق) وقلق (اللاوعي) البعيد عن أي منطق (أي الوهم).
كان (كاندنسكي) الفنان الفعال في التعبير عن رؤياه الداخلية، و للخلفية الروحية لحياة الاشياء (حسب رأيه) في اعماله الفنية وكان يعتمد اصول الفلسفة المثالية التي جاء بها (نيتشه وشوبنهاور) كأساسات لها (راجع نيتشه/ هكذا تكلم زرادتش) وقد تطور هذا الاتجاه في منتصف القرن العشرين في اوروبا وامريكا برعاية الفكر البورجوازي، وظهر في اعمال فنانين كبار الى حالة لم يهجر الفنان عالمه المحسوس فحسب بل والمجتمع ايضاً، واصبح الفن، فردياً، منعزلاً، يعتمد فعل (اللاوعي) الذي يشبه فعل (جسيمات) الذرة المجهرية (حسب رأي التجريديين المثاليين) وهذا مايرفضه العلم الحديث لدراسة الانسان، في خالة انفصال (اللاوعي) عن الوعي في العمل الفني وسيطرة الاول، يفقد الفنان حسه الاجتماعي، الجذر الاساس الذي يعتمده بناء الشخصية، ثم ان مقارنة سلوك (اللاوعي) الذي تكون تاريخياً عن طريق نظرية (الكم) من تفاعل الانسان مع الانسان ومع الطبيعة ومظاهرها، بسلوك الذرة، الفيزياوي، كما عبر عن ذلك عالم النفس الامريكي (ويلم جيمس) أي ان المحتويات السايكولوجية، تشكل كما تشكل مكونات الذرة في المجال المغناطيسي، وتظهر بنظام معين وبشكل مقدر داخل تلك المنطقة النفسية التي ندعوها (اللاوعي) يرفضها سلوك الانسان الابداعي، لانها (جبرية ميكانيكية)، لان الابداع لايمكن الا اذا انطلق عقل الانسان بحرية فردية في تفاعله مع الاشياء، ثم ان (اللاوعي) يعتمد منطق (الاحلام) غير المنضبط في أحكامه، وكان إعتماده الحد الفاصل بين اسلوبين متناقضين، الاسلوب الذي يعتمد المنطق كما هو ظاهر في الفنون الكلاسيكية وبعض أساليب (الرومانتيكيين) والاخر الذي اعتمد (اللاوعي) أي (اللامنطق) وأهمال (السببية) كما في الفنون الحديثة التي إعتمدت الوهم.
ان هذا الاتجاه الاخير في الفن التشكيلي ظهر في رؤية الرسام الفرنسي (سيزان 1839-1906) كان يعتمد (لحظات خاطفة) من تفاعل العقل الواعي واللاواعي، في ومضات سطوح الاشياء وغموضها، ويحاول النفاذ الى واقعها، وبذلك تمكن سيزان ان يفصل (إدراكه الحسي) بالطبيعة، وماتفعله (وراء ذلك الحس) أي (إثارة التراكمات) المترسبة في العقل اللاواعي بعكس الفنان (مونه) الذي اعتمد تأثيرات الضوء المباشرة وفعلها الفيزياوي على الحواس (شبكية العين بالحصر) في هذا الصراع بين ماترسله الحواس الى العقل الواعي، وماتثيره من (كوامن) في العقل الباطن في اعمال الفنانين ظهر (ماتيس / 1869-1954) واسلوب (الوحشيين جماعته (أطلق الناقد لويس نوكسيل هذا الاسم عليهم عام 1905). كان هذا الاسلوب حسب ماعبر عنه (ماتيس) يعتمد (التعبير) أي اعتماد تفاعل (العقل اللاواعي) كما يحدث في بعض (الاحلام) مع العقل الواعي، ويقول، العمل الفني (فكري) أي اعتماد (الوعي) الذي يتضمن فعل (التنظيم) أي وضوح الصورة و (التعبير) أي نقاء الحس (فعل اللاوعي) (هربرت ريد/الموجز ص/32) أي (الادراك) الغامض للشئ (فعل اللاوعي) والوهم.
وقد عمقت هذه الارهاصات (المثالية) واللاعلمية في كثير من مواقعها الفنية والاجتماعية (الاراء والفلسفات التي افرزتها الحرب الكونية التي دمرت الحضارة الانسانية وذات الانسان الفلسفات التي فرزتها الحرب الكونية التي دمرت الحضارة الانسانية وذات الانسان ومن هذه الفلسفات (الوجودية) التي جاء بها (سارتر) و (كامو) انه هذه الفلسفة ولدت احساساً عاماً بأن الانسان وحيد في هذا العالم انه منقطع الصلة عن نظم الايمان، وان عمله المبدع ان يجسد خلاصه في (الفن) وحده، وعلى ذلك إنحسر الفنان الى (ذاته) مقر (عقله الباطن) وهوساته واوهامه، ويتحسس مشاعره كما يفعل المتصوف الذاهل عن الوجود، يحاول ان يتخلص من (قلقه) وهذا هو السبب الرئيس الذي اوجد سلسلة من الحركات الفنية البصرية الصغيرة، الضيقة اعقب الواحدة، الاخرى بوتيرة متسارعة (التعبيرية التجريدية، التجميع، الفن الشعبي..الخ) والشيء الذي يجمع هذه الاساليب هو اهتمامها بتطوير (الشكل) والاهتمام به، واهمال (المضمون) كلياً.
وفي هذه الفترة ظهرت مدرستان في الفن (الواقعية الجديدة) ومدرسة (الذاتية الجديدة) ومن تفاعلها ظهر الاسلوب (السريالي) وبين (1963-1965) و ظهرت حركة (الفلوكس) التي جمعت (الموسيقيين والراقصين والرسامين والشعراء و النحاتين) التي سارت على نهج (الدادائيين) باطلاق الفرد من كل عوامل الكبح المادية والعقلية والسياسية، واصبح موضوع الفن المعاصر (الرسم والنحت) بدون اسلوب في صراع دائم بين الرؤية البصرية والوهم، يعتمد (سحر الاشياء) وموسيقى الالوان، وفي نهاية الستينيات عاد التنظيم وبالاخص في مجال (الرسم) أي تحويل الرسم (في بعض الحالات) الى تحليل ايديولوجي من حيث التكوين.
واستمرت مسيرة الفن منذ ذلك الوقت وحتى الان بدون نهج ثابت له مميزاته الواقعية واهدافه الانسانية، مضطرب بين مختلف المدارس الذاتية التي تعتمد الوهم والاخرى التي لاتعتمد أي شيء.
--------------------------------------------------------------------------------
عدد جديد من بانيبال ترجمات شعرية وقصص ودراسات
غلاف العدد الجديد تقدم مجلة "بانيبال" الفصلية التى تعنى بترجمة الادب العربي الى الانكليزية في عددها الجديد (22 ربيع 2**5) العديد من الاعمال القصصية والشعرية الجديدة بترجمات ممتازة ودقيقة.
وقد حمل غلاف المجلة لوحة للفنان الكردي العراقي صدر الدين أمين المقيم في بنسلفانيا في الولايات المتحدة، وهو من مواليد مدينة كركوك عام 1963، خريج اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، ساهم في العديد من المعارض الدولية.
في افتتاحيتها الموزعة على قسمين، تتحدث محررة المجلة مارغريت أوبانك في القسم الاول، عن "جولة بانيبال الادبية" وهي سلسلة من القراءات الادبية التي نظمتها "بانيبال" في تشرين الثاني الماضي في العديد من المدن الرئيسية في بريطانيا، بدعم من مجلس الفنون في لندن، وشارك فيها كل من الشاعر العراقي سعدي يوسف والكاتبة اللبنانية هدى بركات والشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي والكاتب العراقي صموئيل شمعون. وتصف اوبانك هذه الجولة بانها، كانت ناجحة وفعالة، بحيث ان المجلة ستقوم بتنظيم جولة اخرى في السنة المقبلة.
وتخصص أوبانك القسم الثاني من افتتاحيتها للحديث عن مؤتمر النشر والترجمة الذي انعقد في دمشق في مارس الماضي بدعوة من المجلس الثقافي البريطاني وحضره العديد من الكتاب والاكاديميين والمترجمين من اوروبا والعالم العربي. وقالت المحررة ان المؤتمر دعا الى تعميق الحوار بين المثقفين العرب والبريطانيين من خلال الترجمة الادبية، وتمنت ان يصار الى تنفيذ كل ما قيل في المؤتمر من عقد لقاءات بين الكتاب واقامة الانشطة الثقافية وتشجيع الترجمة من العربية الى الانكليزية.
نقرأ في العدد الجديد المواد التالية: قصة طويلة "الريح" للكاتب التونسي علي مصباح (ترجمة شاكر مصطفى)، ست قصائد للشاعر اللبناني عباس بيضون (ترجمة أنطون شماس)، أربعة فصول من رواية "باص الأوادم" للكاتبة اللبنانية نجوى بركات (ترجمة عايدة باميا) مع مقالة صغيرة للناقد اللبناني حسن شامي (ترجمة كاثرين ستابلي)، قصة قصيرة "اذا جاءت" للكاتب السوداني الطيب صالح (ترجمة شاكر مصطفى)، ثماني قصائد للشاعر الاردني ابراهيم نصر الله (ترجمة عبد الواحد لؤلؤة)، قصيدة للشاعر العراقي صلاح حسن (ترجمة سنان أنطون)، قصة قصيرة "بطرس، وجه غائم" للكاتبة المصرية منصورة عز الدين (ترجمة ندا الزير)، فصل طويل من رواية "الغيمة الرصاصية"
للكاتب السعودي علي الدميني (ترجمة عيسى بلاطة)، ثلاث قصائد للشاعر السوري نزيه أبو عفش (ترجمة عابد اسماعيل)، قصة قصيرة للكاتب العراقي حسين الموزاني (كتبها المؤلف بالالمانية ترجمة صوفي ريشتر ديفرو)، ثلاث عشرة قصيدة للشاعرة اللبنانية عناية جابر (ترجمة أنطون شماس)، قصة قصيرة للكاتب الفلسطيني عيسى بلاطة (كتبها المؤلف بالانكليزية)، قصة قصيرة "بقعة حمراء" للكاتبة المغربية ربيعة ريحان (ترجمة علي أزرياح)، قصيدة طويلة للشاعر والطبيب الفلسطيني فادي جودة (كتبها بالانكليزية)، قصيدتين للشاعرة الفلسطينية الاميركية ليزا سهير ماجاج (كتبتها بالانكليزية)، فصلاً طويلاً من رواية "البعيدون" للكاتب المغربي بهاء الدين الطود (ترجمة علي أزرياح)، مقاطع من قصيدة طويلة للشاعرة السورية رشا عمران (ترجمة كاميلو غوميز-ريفاس)، قصة طويلة "الرجال محظوظون" للكاتب المغربي الراحل محمد شكري (ترجمة بول ستاركي)، فصل طويل من رواية "نجمة الجزائر" للكاتب الجزائري عزيز شواكي (ترجمتها عن الفرنسية لولو نورمان).
بعيدا عن الشعر والرواية والقصة، نقرأ حوارا عن الادب العربي مع محررة مجلة "كارافان" السويدية، بيرغيتا فالين، حاورها في ستوكهولم صموئيل شمعون. مقالة للببروفيسور شموئيل موريه عن الكاتب العراقي الراحل سمير نقاش.
وفي مراجعات الكتب، نقرأ مقالة لبيتر كلارك عن الطبعة الجديدة من رواية "الزيني بركات" للكاتب المصري جمال الغيطاني، الكاتبة الالمانية الشابة صوفي ريشتر ديفرو تكتب عن رواية نجم والي "الطريق الى تل اللحم"، وفاضل العزاوي يكتب عن "عراقي في باريس" لصموئيل شمعون.
وفي الزاوية "التأثيرات الادبية" يكتب الكاتب الشهير رفيق شامي مقالا رائعا تحت عنوان "هذا ما تعلمته من شهرزاد"عن تجربته مع القراءة والكتابة منذ طفولته وحتى اليوم (ترجمت المقالة عن الالمانية لورانس جيمس).
وفي زاوية الاحداث الادبية، تغطي بانيبال الحفلة التي اقيمت للشاعر الفلسطيني محمود درويش في امستردام بمناسبة حصوله على جائزة مؤسسة الامير كلاوس. وتنشر المجلة نص كلمة الشاعر المحتفى به ومقاطع من خطاب الامير فريسكو. كما نقرأ انطباعات صوفي مخلوف لدى مشاهدتها العرض المسرحي الراقص "تيكستيرميناتور" الذي عرض في لندن من تأليف الكاتبة اللبنانية مي غصوب.
وسوف تقوم مجلة "بانيبال" بدءا من العدد المقبل بتخصيص صفحات عديدة لعرض الكتب الصادرة حديثا بالعربية في خطوة تسعى الى لفت انظار الناشرين الغربيين.
المصدر مجلة المدى