غرباء
4 - 1 - 2004, 05:40 PM
بقلم : خالد بن عبد الرحمن الشايع
الحمد لله وحده ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، أما بعد :
فقد كثُر الحديث عن الرياضة البدنية في مدارس البنات ، وانقسم المتحدثون عنها إلى فريقين ، بين مؤيد ومعارض .
ولما كانت هذه المسألة من المسائل المهمة لما لها من صلة وطيدة بطبائع الأنثى وخصائصها ، ولما كانت هذه القضية أيضاً لا تتوقف على عدد محدود من النساء ، بل إنَّ البَتَّ فيها يقتضي شمول الملايين من الفتيات بها ، فقد كان من اللازم رَدُّ هذه المسألة إلى الحكم الشرعي ، عملاً بقول الحق سبحانه : ( فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول ) ( النساء: 59 ).
وقد أجمع العلماء على أنَّ الرَّدَّ لله هو الرَّدُّ لكتابه ، وأنَّ الرَّدَّ للرسول هو الرَّدُّ له في حياته ، ولسُنَّتِه بعد موته عليه الصلاة والسلام .
وفي ضوء ذلك : فنحن بحاجة إلى التقعيد الشرعي الأصيل مع رصد مسيرة الرياضة البدنية للنساء وواقعها في عالمنا المعاصر حتى نتبين الحكم الصحيح في هذه المسألة .
فأقول :
لقد شهدت المجتمعات الإسلامية دعوات متكررة لجعل حياة الزوجين : الذكر والأنثى لتكون متطابقةً تماماً ، لتتحقق دعوى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ، وإلغاء جميع الفروق الفطرية ، بما فيه في واقع الأمر ظلم المرأة وتحميلها ما لا يناسبها ، وقد جاء في التنزيل الحكيم : ( وليس الذكر كالأنثى ) ( آل عمران : 36 ) .
وكان من جملة المجالات التي دعيت إليها المرأة : أن تشارك في جميع مجالات وأنواع الرياضة التي خاضها الرجال : كرة قدم وسلة ويد ، وألعاب قوى ، والسباحة وألعابها ، والمصارعة والملاكمة وكمال الأجسام والجمباز وغير ذلك .
وقد كان الوجه المشرق لهذه الدعوات ما ينتظر من تمكين النساء من ممارسة الرياضة البدنية من إكسابهن اللياقة الجسمية والنشاط البدني والبعد بهن عن الترهلات والسمنة المفرطة وما ت***ه السمنة من أنواع الأمراض .
غير أن الوجه الشاحب والمؤسف لهذه القضية أن كثيراً من البلاد الإسلامية قد رضخ لما بعد هذه الخطوة ( تدريجياً ) في مجالات أخرى ، فتطورت الرياضة البدنية النسائية ما بين إدراجها كحصص دراسية في مدارس التعليم العام ، وفتح التخصصات لها في التعليم العالي ، وما بين فتح الأندية الرياضية النسائية التي خرَّجت فيما بعد فرقاً نسائية لها ما يسمى ( بطولات ) نسائية و ( دوري ) نسائي ، ثم ( الدوري الزوجي ) أي المختلط ، ثم صار النساء يشاركن في الألعاب العالمية : فهذه السبَّاحة ، وهذه العدَّاءة ، وهذه لاعبة القوى ، وهذه الربَّاعة حاملة الأثقال ، وهذه الملاكمة وتلك المصارعة ، وهذه ( بطلة ) كمال الأجسام، وكل أولئك يتسابقن للتتويج فوق المنصات ليس عليهن إلا ما يستر سوءاتهن!!!.
وحتى لا تَصْدُقَ تهمة البلاد الغربية للبلاد الإسلامية بأنها تُحَجِّر على المرأة وتمارس عليها دور الوصاية والكبت ، فقد بادرت بلدانٌ إسلاميةٌ عدة لإنشاء النوادي الرياضية النسائية ، أو لافتتاح أقسام نسائية في النوادي القائمة ، وبادرت تلك الدول لإشراك فرقها النسائية في ( البطولات ) الدولية والإقليمية .
ولنا أن نتساءل مع من يتساءل ، وأن نجيب عن هذا التساؤل : ما هو وجه المخالفة الشرعية والأخلاقية لأن تمارس المرأة أنواع الرياضة ، وأن يتم ذلك بشكل منظم من خلال المدارس والكليات والأندية ؟.
والجواب : مجملٌ ومفصل .
## أما المجمل :
فهو من خلال نظرنا في الواقع الذي آل إليه الإذعان باعتماد الرياضة النسائية في المدارس والأندية ، كانت نهاية المطاف بأن تنقل شبكات التلفزة العالمية صور الفتيات المسلمات ( الرياضيات ) وهن عاريات إلا مما يستر السوءة ، سبَّاحات وعدَّاءات ولاعبات في أنواع مختلفة من الرياضة .
# فهل مثل هذا الواقع من الإسلام في شيء ؟!.
# ماذا بقي من الحياء ؟!.
# ماذا بقي من الحشمة ؟!.
# وماذا بقي من الأنوثة ؟!.
# وماذا يميز المسلمة حينئذ عن غير المسلمة ؟!.
## أما المفصل :
فيقال : إن إدخال ما يسمى ( التربية الرياضية ) ضمن مناهج التعليم للفتيات ، أو فتح الأندية النسائية الرياضية ، منطوٍ على عدد من المحاذير والمخالفات الشرعية ، مهما وجد الاحتراز منها ، فمن ذلك :
1ـ مطالبة الفتيات إلزاماً بزيٍّ رياضي خاص ، وهذا سيحملها على لبس الملابس التي شاهدناها على أترابهن في البلاد الأخرى ، ملابس عارية وإن كست بعض البدن ، إما لقصرها أو لشفافيتها أو لضيقها أو لغير ذلك .
وقد ثبت في صحيح مسلم " عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات ، مميلات مائلات ، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ".
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ :
هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان ، وفيه ذم هذين الصنفين ، قيل معناه : كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها .
وقيل : معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهاراً لحالها ونحوه .
وقيل : معناه تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها .
وأما "مائلات" : فقيل : معناه عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه .
"مميلات" أي: يعلمن غيرهن فعلهن المذموم .
وقيل : "مائلات" يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن .
وقيل : "مائلات" يمشطن المشطة المائلة وهى مشطة البغايا .
"مميلات" يمشطن غيرهن تلك المشطة .
ومعنى "رؤسهن كأسنمة البخت" : أن يكبِّرْنَها ويعظِّمْنَها بلف عمامة أو عصابة أونحوها.
2ـ أن الطالبات في مدارسهن وكلياتهن ، والنساء المتوجهات للأندية سيُحْوَجْنَ إلى خلع ملابسهن المعتادة لأجل لبس الملابس الرياضية ، ومثل هذا العمل جاء فيه الوعيد الشديد والتحريم الأكيد ، فقد ثبت عن أبي المليح رحمه الله قال : دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله تعالى عنها ، فقالت : ممن أنتن ؟ قلنَ : من أهل الشام . قالت : لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات ؟ قلن : نعم ، قالت : أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما مِنْ امرأةٍ تَخْلَعُ ثيابَها في غير بيتِها إلا هَتَكَتْ ما بينها وبين الله تعالى " رواه أحمد وأبو داود واللفظ له وغيرهما .
وفي رواية الترمذي وابن ماجة : " في غير بيت زوجها " .
وإن العقوبة التي تنزل بمن هتكت ستر الله عنها فكانت بذلك هاتكةً لما بينها وبين الله لا تقف عند تصورٍ محدد ، ذلك أن صفات الستر بعمومها وشمولها ضرورةٌ لا يمكن أن يستغني عنها أي واحدة من الجنس اللطيف ، ولهذا فإن تخلف الستر عنها يجعلها تعيش حياةً مضطربةً نكدة ، مهما حازت من أسباب التمتع الظاهري أو اللذة الحسية.
3ـ إن اعتماد مادة ( تربية رياضية ) في مدارس البنات هو البذرة الأولى للمشروع الرياضي النسائي الكبير ، على غرار المجتمعات الغربية ، والعربية المتغربة ، إذ سيتبع ذلك وبشكل متسارع الرياضة في التعليم العالي ، حيث تفتح التخصصات والكليات التي تُعنى بتخريج المدربات والمعلمات للرياضة البدنية وغير البدنية ، ثم يتبع ذلك إقامة ( البطولات ) المدرسية والجامعية .
وفي النسق نفسه الأندية التي يتبعها اللاعبات في مختلف مجالات الرياضة ، وما يتبع ذلك من ( مشجعات ) و ( دوريات ) و ( بطولات ) محلية وعربية وإقليمية وأولومبية ودولية ، على غرار ما عند غيرنا !!!.
وبهذا نعلم أن ذلك المدخل ليس المراد به تنشيط أبدان الفتيات وتحصيل البنية الصحيحة لهن ، ولكنه سيخرج عن نطاقه ، كما خرج في مجالات أخرى .
ونحن نعلم من خلال ما عايشناه في مدارس البنين أن أثر حصة الرياضة البدنية في المدارس ما هو إلا أثر يسير ، وأنها بمثابة حصة ترفيه أكثر من كونها بناءً رياضياً للأبدان ، ولهذا فإن من لم يعزز لياقته البدنية بتدريبات ورياضات خارج المدرسة فإنه لا يحصل الجسم الرياضي النشيط ، ولهذا فإن إقحام حصة مماثلة في مدارس البنات لن يحقق المغزى المراد لأبدانهن بقدر ما سينخر في حيائهن وأخلاقهن ، وفق ما سار عليه الطالبات في بلاد أخرى ، على غرار ما شرحته آنفاً من خلال واقع الرياضة النسائية ومسيرتها في تلك البلاد .
4ـ إن ممارسة المرأة لشيء من التمارين والحركات والتأديات التي يراد بها تنشيط الجسم والمحافظة على اللياقة البدنية أمر مرغَّبٌ فيه ومأمور به ، للرجال والنساء على حدٍّ سواء ، وقد دلَّت على ذلك عمومات الكتاب والسنة ، مع ملاحظة ما ينبغي أن تحتاط له المرأة في الحفاظ على نفسها لرقة بدنها وأعضائها ، فما قد يكون من التمارين مناسباً للرجل ؛ لا يكون كذلك للمرأة ؛ لاختلاف تكوينهما الجسماني .
إنَّ توجه المرأة للمشي في الميادين أو الحدائق الفسيحة ، والذي يعتبر من أنفع ما يكون للبدن بحسب ما ذكرته الهيئات الصحية الدولية ( حددته منظمة الغذاء والدواء الأمريكية بعشرين دقيقة يومياً ) لا يمكن أن يمانع منه أحد ، ولا تمنع منه الشريعة ؛ ما دام في إطار الحشمة والمحافظة العامة التي جاءت بها الشريعة ، من أمن الفتنة بالبعد عن مجامع الرجال ، والتزام الحشمة والحجاب الشرعي .
بل قد جاء في السنة النبوية ما يدل على مشروعية ذلك في بعض الأحيان :
ففي " المسند " وسنن أبي داود " و " ابن ماجة " عن هشام بن عروة ، عن أبيه وعن أبي سلمة عن عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، قالت: فسابقته ، فسبَقْتُهُ على رِجْلَيَّ ، فلما حملت اللحم سابقته ؛ فسبقني، فقال : " هذه بتلك السبقة".
ولكن كان ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أمته ملاحظة الحشمة ، ولو كانت المعنية أُمُّهُم وأُمُّ المؤمنين إلى قيام الساعة ، يبين هذا رواية الإمام أحمد الأخرى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : خرجتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن ، فقال للناس : " تقدَّمُوا " فتقدَّموا ، ثم قال لي : " تعالى حتى أسابقك " فسابقته فسبقتُهُ ، فسكت عنى ، حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره ، فقال للناس : " تقدموا " فتقدموا ، ثم قال : " تعالى حتى أسابقك " فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وهو يقول : " هذه بتلك " .
وبما تقدم يُعلم أن رعاية البدن وتنشيط الدورة الدموية والمحافظة على الصحة العامة لا يمكن أن يمنع أحد منها ما دامت في أطرها الشرعية ، ولكن الممنوع هو الخروج إلى ما خرجت إليه النساء في الشرق والغرب حتى صارت الرياضات المتنوعة مجالاً لعرض أكوام اللحوم النسائية واستعراض عضلات الجنس اللطيف وصولاً إلى الفتنة والفساد في أوسع نطاقاتها . ومثل هذا المنتهى يجب أن تسد كل الذرائع والطرق المؤدية إليه ، مهما بدت في ظاهرها وبداياتها ( بريئة ) .
أسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه ، وأن يحفظ مجتمعات المسلمين من كل بلاء وفتنة . إنه سبحانه سميع مجيب . وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
Khalidshaya@hotmail.com
أصل هذا المقال منشور بجريدة المدينة / العدد 14724/ السبت 18/ 6/ 1424هـ
الحمد لله وحده ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، أما بعد :
فقد كثُر الحديث عن الرياضة البدنية في مدارس البنات ، وانقسم المتحدثون عنها إلى فريقين ، بين مؤيد ومعارض .
ولما كانت هذه المسألة من المسائل المهمة لما لها من صلة وطيدة بطبائع الأنثى وخصائصها ، ولما كانت هذه القضية أيضاً لا تتوقف على عدد محدود من النساء ، بل إنَّ البَتَّ فيها يقتضي شمول الملايين من الفتيات بها ، فقد كان من اللازم رَدُّ هذه المسألة إلى الحكم الشرعي ، عملاً بقول الحق سبحانه : ( فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول ) ( النساء: 59 ).
وقد أجمع العلماء على أنَّ الرَّدَّ لله هو الرَّدُّ لكتابه ، وأنَّ الرَّدَّ للرسول هو الرَّدُّ له في حياته ، ولسُنَّتِه بعد موته عليه الصلاة والسلام .
وفي ضوء ذلك : فنحن بحاجة إلى التقعيد الشرعي الأصيل مع رصد مسيرة الرياضة البدنية للنساء وواقعها في عالمنا المعاصر حتى نتبين الحكم الصحيح في هذه المسألة .
فأقول :
لقد شهدت المجتمعات الإسلامية دعوات متكررة لجعل حياة الزوجين : الذكر والأنثى لتكون متطابقةً تماماً ، لتتحقق دعوى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ، وإلغاء جميع الفروق الفطرية ، بما فيه في واقع الأمر ظلم المرأة وتحميلها ما لا يناسبها ، وقد جاء في التنزيل الحكيم : ( وليس الذكر كالأنثى ) ( آل عمران : 36 ) .
وكان من جملة المجالات التي دعيت إليها المرأة : أن تشارك في جميع مجالات وأنواع الرياضة التي خاضها الرجال : كرة قدم وسلة ويد ، وألعاب قوى ، والسباحة وألعابها ، والمصارعة والملاكمة وكمال الأجسام والجمباز وغير ذلك .
وقد كان الوجه المشرق لهذه الدعوات ما ينتظر من تمكين النساء من ممارسة الرياضة البدنية من إكسابهن اللياقة الجسمية والنشاط البدني والبعد بهن عن الترهلات والسمنة المفرطة وما ت***ه السمنة من أنواع الأمراض .
غير أن الوجه الشاحب والمؤسف لهذه القضية أن كثيراً من البلاد الإسلامية قد رضخ لما بعد هذه الخطوة ( تدريجياً ) في مجالات أخرى ، فتطورت الرياضة البدنية النسائية ما بين إدراجها كحصص دراسية في مدارس التعليم العام ، وفتح التخصصات لها في التعليم العالي ، وما بين فتح الأندية الرياضية النسائية التي خرَّجت فيما بعد فرقاً نسائية لها ما يسمى ( بطولات ) نسائية و ( دوري ) نسائي ، ثم ( الدوري الزوجي ) أي المختلط ، ثم صار النساء يشاركن في الألعاب العالمية : فهذه السبَّاحة ، وهذه العدَّاءة ، وهذه لاعبة القوى ، وهذه الربَّاعة حاملة الأثقال ، وهذه الملاكمة وتلك المصارعة ، وهذه ( بطلة ) كمال الأجسام، وكل أولئك يتسابقن للتتويج فوق المنصات ليس عليهن إلا ما يستر سوءاتهن!!!.
وحتى لا تَصْدُقَ تهمة البلاد الغربية للبلاد الإسلامية بأنها تُحَجِّر على المرأة وتمارس عليها دور الوصاية والكبت ، فقد بادرت بلدانٌ إسلاميةٌ عدة لإنشاء النوادي الرياضية النسائية ، أو لافتتاح أقسام نسائية في النوادي القائمة ، وبادرت تلك الدول لإشراك فرقها النسائية في ( البطولات ) الدولية والإقليمية .
ولنا أن نتساءل مع من يتساءل ، وأن نجيب عن هذا التساؤل : ما هو وجه المخالفة الشرعية والأخلاقية لأن تمارس المرأة أنواع الرياضة ، وأن يتم ذلك بشكل منظم من خلال المدارس والكليات والأندية ؟.
والجواب : مجملٌ ومفصل .
## أما المجمل :
فهو من خلال نظرنا في الواقع الذي آل إليه الإذعان باعتماد الرياضة النسائية في المدارس والأندية ، كانت نهاية المطاف بأن تنقل شبكات التلفزة العالمية صور الفتيات المسلمات ( الرياضيات ) وهن عاريات إلا مما يستر السوءة ، سبَّاحات وعدَّاءات ولاعبات في أنواع مختلفة من الرياضة .
# فهل مثل هذا الواقع من الإسلام في شيء ؟!.
# ماذا بقي من الحياء ؟!.
# ماذا بقي من الحشمة ؟!.
# وماذا بقي من الأنوثة ؟!.
# وماذا يميز المسلمة حينئذ عن غير المسلمة ؟!.
## أما المفصل :
فيقال : إن إدخال ما يسمى ( التربية الرياضية ) ضمن مناهج التعليم للفتيات ، أو فتح الأندية النسائية الرياضية ، منطوٍ على عدد من المحاذير والمخالفات الشرعية ، مهما وجد الاحتراز منها ، فمن ذلك :
1ـ مطالبة الفتيات إلزاماً بزيٍّ رياضي خاص ، وهذا سيحملها على لبس الملابس التي شاهدناها على أترابهن في البلاد الأخرى ، ملابس عارية وإن كست بعض البدن ، إما لقصرها أو لشفافيتها أو لضيقها أو لغير ذلك .
وقد ثبت في صحيح مسلم " عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات ، مميلات مائلات ، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ".
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ :
هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان ، وفيه ذم هذين الصنفين ، قيل معناه : كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها .
وقيل : معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهاراً لحالها ونحوه .
وقيل : معناه تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها .
وأما "مائلات" : فقيل : معناه عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه .
"مميلات" أي: يعلمن غيرهن فعلهن المذموم .
وقيل : "مائلات" يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن .
وقيل : "مائلات" يمشطن المشطة المائلة وهى مشطة البغايا .
"مميلات" يمشطن غيرهن تلك المشطة .
ومعنى "رؤسهن كأسنمة البخت" : أن يكبِّرْنَها ويعظِّمْنَها بلف عمامة أو عصابة أونحوها.
2ـ أن الطالبات في مدارسهن وكلياتهن ، والنساء المتوجهات للأندية سيُحْوَجْنَ إلى خلع ملابسهن المعتادة لأجل لبس الملابس الرياضية ، ومثل هذا العمل جاء فيه الوعيد الشديد والتحريم الأكيد ، فقد ثبت عن أبي المليح رحمه الله قال : دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله تعالى عنها ، فقالت : ممن أنتن ؟ قلنَ : من أهل الشام . قالت : لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات ؟ قلن : نعم ، قالت : أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما مِنْ امرأةٍ تَخْلَعُ ثيابَها في غير بيتِها إلا هَتَكَتْ ما بينها وبين الله تعالى " رواه أحمد وأبو داود واللفظ له وغيرهما .
وفي رواية الترمذي وابن ماجة : " في غير بيت زوجها " .
وإن العقوبة التي تنزل بمن هتكت ستر الله عنها فكانت بذلك هاتكةً لما بينها وبين الله لا تقف عند تصورٍ محدد ، ذلك أن صفات الستر بعمومها وشمولها ضرورةٌ لا يمكن أن يستغني عنها أي واحدة من الجنس اللطيف ، ولهذا فإن تخلف الستر عنها يجعلها تعيش حياةً مضطربةً نكدة ، مهما حازت من أسباب التمتع الظاهري أو اللذة الحسية.
3ـ إن اعتماد مادة ( تربية رياضية ) في مدارس البنات هو البذرة الأولى للمشروع الرياضي النسائي الكبير ، على غرار المجتمعات الغربية ، والعربية المتغربة ، إذ سيتبع ذلك وبشكل متسارع الرياضة في التعليم العالي ، حيث تفتح التخصصات والكليات التي تُعنى بتخريج المدربات والمعلمات للرياضة البدنية وغير البدنية ، ثم يتبع ذلك إقامة ( البطولات ) المدرسية والجامعية .
وفي النسق نفسه الأندية التي يتبعها اللاعبات في مختلف مجالات الرياضة ، وما يتبع ذلك من ( مشجعات ) و ( دوريات ) و ( بطولات ) محلية وعربية وإقليمية وأولومبية ودولية ، على غرار ما عند غيرنا !!!.
وبهذا نعلم أن ذلك المدخل ليس المراد به تنشيط أبدان الفتيات وتحصيل البنية الصحيحة لهن ، ولكنه سيخرج عن نطاقه ، كما خرج في مجالات أخرى .
ونحن نعلم من خلال ما عايشناه في مدارس البنين أن أثر حصة الرياضة البدنية في المدارس ما هو إلا أثر يسير ، وأنها بمثابة حصة ترفيه أكثر من كونها بناءً رياضياً للأبدان ، ولهذا فإن من لم يعزز لياقته البدنية بتدريبات ورياضات خارج المدرسة فإنه لا يحصل الجسم الرياضي النشيط ، ولهذا فإن إقحام حصة مماثلة في مدارس البنات لن يحقق المغزى المراد لأبدانهن بقدر ما سينخر في حيائهن وأخلاقهن ، وفق ما سار عليه الطالبات في بلاد أخرى ، على غرار ما شرحته آنفاً من خلال واقع الرياضة النسائية ومسيرتها في تلك البلاد .
4ـ إن ممارسة المرأة لشيء من التمارين والحركات والتأديات التي يراد بها تنشيط الجسم والمحافظة على اللياقة البدنية أمر مرغَّبٌ فيه ومأمور به ، للرجال والنساء على حدٍّ سواء ، وقد دلَّت على ذلك عمومات الكتاب والسنة ، مع ملاحظة ما ينبغي أن تحتاط له المرأة في الحفاظ على نفسها لرقة بدنها وأعضائها ، فما قد يكون من التمارين مناسباً للرجل ؛ لا يكون كذلك للمرأة ؛ لاختلاف تكوينهما الجسماني .
إنَّ توجه المرأة للمشي في الميادين أو الحدائق الفسيحة ، والذي يعتبر من أنفع ما يكون للبدن بحسب ما ذكرته الهيئات الصحية الدولية ( حددته منظمة الغذاء والدواء الأمريكية بعشرين دقيقة يومياً ) لا يمكن أن يمانع منه أحد ، ولا تمنع منه الشريعة ؛ ما دام في إطار الحشمة والمحافظة العامة التي جاءت بها الشريعة ، من أمن الفتنة بالبعد عن مجامع الرجال ، والتزام الحشمة والحجاب الشرعي .
بل قد جاء في السنة النبوية ما يدل على مشروعية ذلك في بعض الأحيان :
ففي " المسند " وسنن أبي داود " و " ابن ماجة " عن هشام بن عروة ، عن أبيه وعن أبي سلمة عن عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، قالت: فسابقته ، فسبَقْتُهُ على رِجْلَيَّ ، فلما حملت اللحم سابقته ؛ فسبقني، فقال : " هذه بتلك السبقة".
ولكن كان ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أمته ملاحظة الحشمة ، ولو كانت المعنية أُمُّهُم وأُمُّ المؤمنين إلى قيام الساعة ، يبين هذا رواية الإمام أحمد الأخرى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : خرجتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن ، فقال للناس : " تقدَّمُوا " فتقدَّموا ، ثم قال لي : " تعالى حتى أسابقك " فسابقته فسبقتُهُ ، فسكت عنى ، حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره ، فقال للناس : " تقدموا " فتقدموا ، ثم قال : " تعالى حتى أسابقك " فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وهو يقول : " هذه بتلك " .
وبما تقدم يُعلم أن رعاية البدن وتنشيط الدورة الدموية والمحافظة على الصحة العامة لا يمكن أن يمنع أحد منها ما دامت في أطرها الشرعية ، ولكن الممنوع هو الخروج إلى ما خرجت إليه النساء في الشرق والغرب حتى صارت الرياضات المتنوعة مجالاً لعرض أكوام اللحوم النسائية واستعراض عضلات الجنس اللطيف وصولاً إلى الفتنة والفساد في أوسع نطاقاتها . ومثل هذا المنتهى يجب أن تسد كل الذرائع والطرق المؤدية إليه ، مهما بدت في ظاهرها وبداياتها ( بريئة ) .
أسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه ، وأن يحفظ مجتمعات المسلمين من كل بلاء وفتنة . إنه سبحانه سميع مجيب . وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
Khalidshaya@hotmail.com
أصل هذا المقال منشور بجريدة المدينة / العدد 14724/ السبت 18/ 6/ 1424هـ