ليليانا
24 - 1 - 2008, 11:49 AM
(ليال)
تقف اليوم أمام عيني شاب في عمر الزهور تهديني أسعد لحظات حياتك، أتذكرك عندما كنت رضيعا بين يدي أسأل نفسي ماذا أفعل بك، واليوم تحملني على اكف السعادة و تقول تفضلي يا أمي هذا ابنك الذي لطالما حويته بين جنبات صدرك و خفت عليه من ظلمات المكان ها هو يهديك نورا يشع من عينيه نور أضاء المكان كله فرحا و بهجة، اليوم أدركت بأنك يا بني نور عيني أدركت بأنك حقا قوي الإحساس.
سأحكي لكم قصة "قوي الإحساس" لا لتبكوا أو تضحكوا لا لتحزنوا أو تفرحوا و لكن لتنظروا إلى حياتكم وتعتبروا.
قبل أكثر من عشرين تزوجت من رجل يدعى "ياسر" كان ****ا سعيدا في بدايته إن أمكن قول ذلك، على الأقل من وجهة نظري أنا، كان نعم الزوج الطيب و الحنون و الخلوق و ازدادت سعادتنا سعادة عندما جاء "مروان" إلى عالمنا و أضاء بضحكته أركان البيت كانت حايتنا سعيدة هانئة و لكن بدأت تصرفات "ياسر" تتغير شيئا فشيء و تحول فجأة إلى شخص لا مبال و حتى قاس في بعض الأحيان حدث معه شيء جعلني أحس بأنه أصبح يكرهني و يكره حتى أبنه، ولكن كلما سأله لا يجيب، زاد الأمر سوءا عندما أصبح لا يطيق المكوث بالبيت و صار يمضي جل وقته أما في العمل أو في بيت والدته، ومع هذا فقد اعتبرت الأمر مجرد حالة عابرة و سيعود إلى سابق عهده أو ربما هي مشاكل العمل أو......... و لكن ما من شيء تغير بل زادت حالته سوءا سألت والدته و لكنها لم تفدني بشيء و أحسست بأنها تخفي شيئا ما، المهم بقي على حالته هذه شهورا وبقيت أنا أجد له كل يوم الأعذار و راء الأعذار عله يعود يوما ما إلى ما كان عليه.
(ياسر)
بعد أن عادت "جمانة" و أعادت معها كل الذكريات الجميلة ، ذكريات الشباب و السعادة، ذكريات الحب الأول الذي كتب له ينتهي قبل أن يبدأ، عادت "جمانة" اليوم لتحيي في قلبي ما ظننت بأني قد قتلته يوم اجبرها والدها على الرحيل و تركي ورفض ****نا، عادت " جمانة" اليوم لتقلب حياتي رأسا على عقب، عادت و في لحظة رأيتها هدمت حياتي مع" ليال" نسيت أن لي أبنا و زوجة و أن لي حياة جديدة غير التي كانت مع "جمانة"، عادت و بعودتها كان علي أن اختار بينها و بين حياتي الجديدة، بين ما يجب أن أفعل و ما أود أن أفعل، ضللت بين النارين احترق إلى أن قالت "جمانة": لقد عدت لأجلك يا "ياسر" لكي نتزوج لن يفرق بيننا احد. في تلك اللحظة اخترت طريق حياتي الجديد و تخليت عن كل شيء، كان ذلك ما رأيته حقي في أن أعيش سعيدا، أما "ليال" فأنا لن أقدم لها شيئا غير التعاسة، ولكن ما كان يؤرقني ابني "مروان".
قررت وكان قرارا نهائيا قلت لأمي:
- سأتزوج جمانة و نرحل خارج البلاد.
عارضت أمي وبشدة و كادت تتبرأ مني لولا أني استطعت أن ألمس قلبها الحنون بدموعي و أكدت لها باني لا أستطيع العيش بعد اليوم مع ليال و أني سأطلقها، أما أبني فكان ذلك ما ينغص علي حياتي الجديدة.
انتهى و اتخذ القرار ركبت الطائرة مع زوجتي جمانة و تركت كل شيء ورائي و بدات حياتي السعيدة.
(ليال)
أمسكت الورقة بيدي و أنا غير مصدقة ما جاء بها، حاولت استرجاع بعض الأحداث الماضية علها تحمل ما يبرر هذا القرار، ا هكذا دون مقدمات ترمي بوجهي ورقة الطلاق ما الذي فعلته، ماذا حدث بيننا ؟
حملت نفسي و ذهبت إلى بيتي حماتي أسأل عن صحة الأمر و أسأل عن مكان ياسر قابلتني بوجه يدل على أن الأمر مؤكد و صريح و لكن وراءه قصة كانت ضحيتها الأولى و الوحيدة انا و الصغير مروان، المهم روت حماتي أو والدة طليقي القصة على أنقاض حياتي وهي تتحسر على ما فعل أبنها و تعتذر وتتأسف.
كانت قصة رومانسية جميلة انتهت ب**** سعيد للحبيبين و لكنها خلفت ورائها امرأة محطمة و رضيعا يبكي ولا يدري لما يبكي، تركنا والدك لأجل حبيبته "جمانة" كيف سأخبرك يا بني أنت لن تفهم هذا ما يسمونه القدر.
عدت إلى بيتي المحطم و دخلت غرفتي أقفلت على نفسي الباب، و غرقت في بحور دموعي علها تغسل رماد نفسي المحترقة، بكيت وبكيت على كل شيء على الخيانة على فقدان الزوج على الرضيع الذي صار بدون أب، بكيت على " ليال" المسكينة التي أصبحت مطلقة دون سابق إنذار،ولكن السؤال الذي كانت تغطيه دموعي هو ماذا أفعل الآن؟ هل أغرق في بحور دموعي وأتحسر على ما جرى؟، أو هل أواصل حياتي كأن شيء لم يحدث و اعتمد على نفسي؟. كنت مجبرة على الاختيار الثاني لأن " مروان" كان موجودا في حياتي و لن استطيع أن أقدم له شيئا بدموعي و حسراتي التي ظننت أن طلاقي من ياسر سيكون آخرها و لكن ما يخبؤه الزمن كان قاسيا جدا علي و على "مروان".
بعد أيام و بعد أن صفت نفسي و ذهب بعض الهم و الحزن واجهت العائلة بخبر طلاقي من "ياسر" طبعا كما كان متوقعا ثار الجميع و هاجوا و لأن صاحب الجريمة سافر فقد كانت ثورة ما فتات أن خمدت بعد أن واجهتها بقولي: "هذه حياتي ولا دخل لأحد فيها".
عدت إلى عملي غير آبهة بنظرات زملائي وزميلاتي لأن الحال تغير فقد صرت الآن " المطلقة"، لبست ثوب الشجاعة ووشحت اللامبالاة في مجتمع يحطم الصخر بعقده وعاداته الغريبة فقد كان همي الوحيد "مروان" وفقط هو لأني قررت أن لا اتركه لمثل هذا المجتمع الذي لا يرحم قررت أن أكرس نفسي وكل جهدي في سبيل أن أراه رجلا صالحا ناجحا.
صارت ابتسامة ابني "مروان" البلسم الشافي لكل جراحي و الماء البارد الذي أطفأ الحروق التي تركها في نفسي الزمن، صارت كل ضحكة منه فمه الندي حياة جديدة أعيشها شعرت بالنعمة التي منحها الله لي بعد أن تعرضت للظلم، شعرت بسعادة ما بعدها سعادة وأنا امضي جل وقتي في ملاعبته ومداعبته وهو يضحك و ينطق بحروف لا معنى لها ولكنها بالنسبة لي كانت أجمل الكلمات و أعذب الألحان، كانت لحظات أنسى فيها ماضي الأيام الحزينة.
(ليال)
بلغ "مروان" عامه الأول وبلغت سعادتي الحدود وفرحتي عمت الأفاق بولدي الذي سيصير سندي في حياتي وما هي إلا سنوات حتى الرجل الوحيد فيها، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. بما اني كنت أدرس في الجامعة نصف الأسبوع الأول فقد كنت اترك "مروان" في رعاية والدتي أما باقي أيام الأسبوع فقد كانت له وحده. وفي أحد الأيام عدت وفي أحد الأيام ذهبت إلى بيت أهلي لأخذ "مروان" طلبت أمي مني المكوث للغداء قالت بأنها لم تعد تراني كثيرا هذه الأيام ، طبعا بقيت و من اعز من والدتي ******ة رغم كثرة مشاغلي يومها.
بعد الغداء جلسنا أنا وأمي نتجاذب أطراف الحديث و"مروان" نائم بيننا كملاك، وعينان لا تكاد تفارقه وما ننفك نذكره كل دقيقة ، بعد صمت قالت أمي في قلق:
- حسنا اخبرني يا ابنتي الم تلاحظي شيئا على "مروان"؟
سؤال غريب ماذا يمكن أن ألاحظه؟ سألت السؤال في نفسي ثم وجهته لها قائلة:
- ألاحظ ماذا؟
ضحكت من كلامها ولكنها كانت جادة هذا ما بدا في وجهها فدب القلق في نفسي فسألتها:
- ماذا ما الأمر خبريني هل يعاني مروان من خطب ما؟
ترددت قليلا ثم قالت:
- حسنا لا أريدك أن تقلقي و لكن هناك شيء غريب في " مروان" فهو غير نشيط ولا يتجاوب مع حركة الأشياء من حوله الأطفال في سنه يتبعون حركات كل الأشياء من حوله و يحاولون تلمسها و لكن أبنك لا يفعل بل يتفاعل فقط مع الأصوات من حوله.
نظرت في وجهها مستغربة فلم أفهم ما تقصد ثم نظرت إلى "مروان" وهو يغط في نوم عميق، بدت لي مجرد تهيئات، ولكن أمي تملك الخبرة الكبيرة في تربية الأولاد و يمكن أن يكون ما قالته صحيحا ولكن ماذا تقصد بقولها هذا؟ سألتها على الفور:
- ماذا تقصدين بقولك يا أمي أنا لم أفهم ؟
بدت قلقة عندما قالت:
- لست متأكدة ولكن يبدو أن عيناه تشكوان خطبا ما.
صرخت قائلة:
- عيناه؟؟؟
اهتز مروان المسكين لصرختي فسميت عليه فعاد إلى نومه من جديد، قلت لأمي:
- أمي هذه مجرد تخيلات "مروان" طفل هادئ بالعادة وليس من الأطفال المزعجين هذا فقط.
قالت مستسلمة:
- حسنا أرجو ذلك، أنصحك بأن تأخذيه إلى الطبيب لتتأكدي؟
حملت "مروان" وخرجت من عندي أمي تمنيت لو لم أبقى للغداء لن ما قالته قد زرع الخوف والفزع في نفسي وأذهب راحة البال، طول الطريق إلى البيت وأنا أحملق فيه كان نائم في حنانا غير مدرك لما يدور حوله وأنا أسأل نفسي إن كان يعاني خطبا ما، تمنيت في تلك اللحظة لو ينطق ويقول لي : يا أمي أنا لا أشكو من شيء. عندما وصلنا البيت وضعته في سريره وأنا انتظر بلهفة متى يفيق وأتأكد بأنه بخير، ظل الوسواس ينخر في نفسي كيف لم ألاحظ شيئا عليه من قبل؟ كيف أن يكون ملاكي الصغير يشكو شيئا ولم أحس بذلك كيف إذن أكون أما؟ فجأة سمعت صراخه يخترق جدران الغرفة هرعت مسرعة إليه وحملته بين يدي ونظرت إليه هل من شيء غريب؟ لا ادري ولكن كيف سألاحظ وأنا لم أفعل ذلك من قبل.
المهم خطرت ببالي فكرة أعدت مروان إلى سريره ، أحضرت لعبته الخاصة وكانت تصدر صوتا بمجرد تحريكا في البداية وضعتها أمام وجهه ولكنه لم يهتم لأمرها وبقيت عيناه معلقة في الهواء ولكن بمجرد أني حركتها وأصدرت صوتا حتى اهتزت عيناه واتجهت لمصدر الصوت، أخذت أحرك اللعبة يمنة ويسرة وهي تصدر الأصوات وهو يتبعها بعينيه، ارتعشت أوصالي وبدا قلبي يخفق بشدة يبدو أن ما قالته أمي جزء من الحقيقة والجزء الآخر سيؤكده الطبيب. بت تلك الليلة على الجمر أنتظر متى يطلع الصبح حتى أكون عند الطبيب ويقول لي ابنك بخير و لكن تلك الساعات كانت كأنها سنوات وما كادت تنتهي حتى أحسست باني قلبي سينفجر من القلق.
حملت أبني إلى طبيبه الذي اعتدت على مراجعته منذ الولادة فحصه و لم يشأ أن يقول شيئا أخبرته بشكوكي أو بالأحرى شكوك أمي ولكنه لم يشأ أن يؤكد لي شيئا بل أرسلني إلى طبيب آخر مختص في طب العيون، وفحصه هو الآخر وأجرى له اختبارات الأشعة وقال بأن آتي لآخذها غدا، غدا هذا مستحيل قد أموت كمدا قبل أن يأتي الغد أخبرته باني سأدفع أموال الدنيا لأعرف النتيجة حالا، طبعا لم يجد إلا أن يستسلم أمام إصراري. بعد ساعتين من الزمن خرجت نتيجة الفحوصات واستدعيت إلى مكتب الطبيب وبعد اخذ ورد وتردد قال الطبيب وما كاد يفعل حتى انهارت قواي ولم تعد قدماي تحملاني: أبنك يا سيدة ضرير منذ الولادة آسف لقول هذا ولكن ما من شيء يمكن فعله.
هكذا بكل بساطة ابنك ضرير يا سيدة ماذا يعني هذا؟ بقيت أقلب الكلمة في رأسي وأبحث لها عن معنى محدد ووجدته أخيرا، هذا يعني أن ابني لم يرى يوما وجهي وجه والدته، لم يرى ابتساماتي وضحكاتي،ابني لا يعرف من ألوان الدنيا التي لم تتفتح بعد أمام عينيه سوى اللون الأسود، ابني الذي اعتبره نور عيني لا نور في عينيه، كانت ضربة قسمت ظهري وقلبي وحطمت آخر أمل لي في حياة تعمها السعادة ويحتضنها الفرح، ضربة أصابت كبدي الذي لا يمكن أن أعيش به وهو عليل.
حملت أبني وخرجت من عندي الطبيب وذهبت مباشرة إلى بيت والدتي تركت "مروان" هناك، ادعيت أن لدي عملا وقد أتأخر وعدت إلى بيتي، دخلت غرفتي وأقفلت على نفسي الباب وارتميت على السرير وانفجرت باكية بكيت وبكيت حتى كاد قلبي ينفطر وجفت دموع عيني ورفضت الخروج من مقلتي.
كيف أتصرف الآن؟ ماذا أفعل؟ كيف أستطيع تربيته وهو على هذه الحال وأنا لم أكد حتى أحس بوجوده في حياتي وهو بحاله الطبيعية أو التي كنت أظن أنها طبيعية، وأنا لم أكد ألملم حطام نفسي الذي خلفه هجر "ياسر" لي، وأنا لم أكد اعرف معنى الأمومة، ماذا أفعل بك يا أبني الضرير؟؟؟؟
تمنيت للحظات لو أني لم أتزوج، لم أرزق بطفل أصلا، تمنيت لو لم أولد في هذه الحياة لأرى حياتي بهذا الشكل.... نمت في بحر دموعي وحلمت بلاشيء فلم تعد هناك أحلام أو كوابيس يمكن أن تصف حياتي هذه هذا ما رسخ في ذهني في تلك اللحظات القاسية، نمت لساعات وافقت وأنا أصرخ وأنظر حولي مروان، مروان، مروان أين أبني؟ تملك الرعب نفسي ثم أدركت الحقيقة وعدت إلى الواقع، جلست على السرير أفكر وأفكر ثم تراءى إلى ناظري المصحف موضوعا فوق المكتب اتجهت إليه وقد كان ملجئي الأول والأخير ولكني كنت أكابر، قرأت وقرأت حتى أحسست بان نار قلبي بدأت شيئا فشيء تخمد وتنطفئ لأني في الأخير لم أجد غير الله أنيس في منحتي، قمت وصليت ركعات واستغفرته وتبت إليه وشكرته على نعمه.
خرجت من بيتي مسرعة إلى بيت أمي كان شوقي لأبني يفوق كل شعور وكأني لم أره منذ أيام، عندما دخلت البيت كانت أمي تحمله بين أحضانها اختطفته منها واحتضنته بقوة واعتذر له مرارا وتكرارا وأمي تنظر في استغراب، عدت إليك يا بني لست أنا من تترك فلذة كبدها لست أنا. أخبرت أهلي بالحقيقة وقد حاولت أن أظهر رباطة جأشي وكأن الأمر لم يؤثر في بقدر ما يعتقدون، صدموا للخبر و لم يصدقوا الأمر وطلبوا مني زيارة أكثر من طبيب للتأكد وإذا لزم الأمر سننقله إلى خارج البلاد للعلاج.
مر العام سريعا بين الانتقال من طبيب إلى آخر ولكن ما من فائدة كان الأمل معدوما في ان يبصر "مروان" النور حتى بعملية جراحية، انتهى العام باستسلامي للواقع وقبوله كما هو ضريرا كان خوفي كله على "مروان" من ما ينتظره في هذا العالم الذي لا يرحم الأصحاء فما بالكم بطفل ضرير، كان همي الوحيد أن اجعل شخصيته قوية كي يواجه هذا العالم والطريقة الوحيد لفعل ذلك هي أن أعامله كطفل سليم كي لا يحس بأي نقص اتجاه نفسه ولكي يعتمد عليها.
مرت السنوات الأولى سريعا وبدأ "مروان" يكبر شيئا فشيئا ويدرك حقيقة حالته ولكن ما أسعدني هو أن البيت صار يزهو بصوته وهو يتكلم ويغني وينادي ماما وأهم شيء هو حبه الشديد لي لدرجة انه لا يتذمر ولا يتألم أبدا أمامي إذا تعرض لمضايقات من باقي الأطفال و لم يسألني يوما لماذا يا أمي أنا هكذا؟ مع أني أعلم بأنه يطرح هذا السؤال الآف المرات على نفسه كان حقا قويا رغم صغر سنه.
عند بلوغه سن الخامسة أدخلته مدرسة خاصة بالمكفوفين وقد وجد راحة كبيرة في الاختلاط مع أقرانه، وبدأ يتعلم القراءة والكتابة بطريقة براغ وتعلمتها أنا أيضا معه كي أستطيع مساعدته في الدراسة، كنت أقله بالسيارة ذهابا وإيابا إلى المدرسة لأني كنت لا أتحمل أن اتركه وحيدا في الشارع وهو لا يرى فيه غير اللون الأسود، المهم كنت أحرص دائما أن يكون مرتاحا و في مأمن من أي مضايقات سواء من أقرانه في المدرسة أو حتى في الشارع.
أذكر مرة أني تأخرت في الذهاب لأعيده من المدرسة وعندما وصلت أخبرتي معلمته بأنه غادر المدرسة أرتجف قلبي من الخوف والرعب، خرجت كالمجنونة أبحث عنه في الشارع المؤدي إلى المدرسة وبعد أن فقدت الأمل في إيجاده وقد هممت بالاتصال بالشرطة إذ بي ألحمه جالسا في احد المطاعم يأكل البطاطا المقلية هادئا وادعا كنت سأوبخه بشدة من خوفي عليه ولكني لم أشأ أن افعل وإنما تظاهرت بان الأمر عادي حتى لا يشعر بالنقص، جلست معه وأكلنا معا البطاطا.
أذكر أيضا عندما انتقل "مروان" إلى السنة الثالثة طلب مني أن أدعه يذهب وحده إلى المدرسة كان ذلك من سابع المستحيلات بالنسبة لي كيف ادعه يمشي في الشارع وحيدا ولكنه ظل يلح ويلح وبدأت دموعه تترقرق في عينه وبما أني لا أتحمل الدموع في عيني ملاكي الصغير فاني أدعيت بأني موافقة على ذلك،
استعد في ذلك الصباح للذهاب للمدرسة طبعا استعديت أنا أيضا مع انه قال بأنه يحفظ الطريق عن ظهر قلب ولكن لم أستطع أن أدعه يذهب وحيدا، تركته حتى خرج من البيت وتبعته وهو يمشي في الشارع بعصاه وفعلا كما قال كان يحفظ الطريق جيدا سعدت جدا بابني الذكي والنبيه، وصل إلى المدرسة ولم أعد إلى البيت حتى تأكدت بأنه دخل إلى صفه، عندما عاد في المساء سألته عن المدرسة كيف كانت فضحك وقال لي: أمي لقد كنت معي فلماذا تسألين؟ لقد ذهبت معي في الصباح وعدت معي في المساء.....
أدعت أن الأمر غير صحيح وأني كنت في البيت ولكنه قال: قد أكون ضريرا ولكني أشم رائحتك وأسمع وقع خطواتك من مسافة بعيدة جدا.
هكذا مرت السنوات بلحظاتها السعيدة والحزينة معا وبوجود "مروان" معي صارت اللحظات السعيدة اسعد واللحظات الحزينة صارت بوجوده أقل حزنا، استطعت أن أحول عجزه الذي أبكاني إلى قوة تدفعني أنا وهو إلى المستقبل دون عقد أو خوف، بل على العكس كان مصدر فخر لي لأني أم لفتى بجمال و ذكاء "مروان" لكن ألسنة الناس لا ترحم دائما لطالما آذته وآذتني خاصة عندما يقولون"مسكين" كانت وقع هذه الكلمة شديد على نفسي أتمنى لو أصفع الشخص الذي ينطق بها وأريته حقا من المسكين، لكني فيما بعد لم يعد يهم ما تنطق به هذه الألسنة لأنها تنطق على الهواء ولا تدري من حقيقة الأمر، المهم مضت الأيام والأشهر والسنوات سريعا ونور عيني ينير الدنيا بما فيها ولكن هذه الدنيا تخبئ لنا دائما ما لا نتوقعه.
ملاحظة: انتظروا أحبتي الاجزاء الباقية إن شاء الله تنال اعجابك:) م
تقف اليوم أمام عيني شاب في عمر الزهور تهديني أسعد لحظات حياتك، أتذكرك عندما كنت رضيعا بين يدي أسأل نفسي ماذا أفعل بك، واليوم تحملني على اكف السعادة و تقول تفضلي يا أمي هذا ابنك الذي لطالما حويته بين جنبات صدرك و خفت عليه من ظلمات المكان ها هو يهديك نورا يشع من عينيه نور أضاء المكان كله فرحا و بهجة، اليوم أدركت بأنك يا بني نور عيني أدركت بأنك حقا قوي الإحساس.
سأحكي لكم قصة "قوي الإحساس" لا لتبكوا أو تضحكوا لا لتحزنوا أو تفرحوا و لكن لتنظروا إلى حياتكم وتعتبروا.
قبل أكثر من عشرين تزوجت من رجل يدعى "ياسر" كان ****ا سعيدا في بدايته إن أمكن قول ذلك، على الأقل من وجهة نظري أنا، كان نعم الزوج الطيب و الحنون و الخلوق و ازدادت سعادتنا سعادة عندما جاء "مروان" إلى عالمنا و أضاء بضحكته أركان البيت كانت حايتنا سعيدة هانئة و لكن بدأت تصرفات "ياسر" تتغير شيئا فشيء و تحول فجأة إلى شخص لا مبال و حتى قاس في بعض الأحيان حدث معه شيء جعلني أحس بأنه أصبح يكرهني و يكره حتى أبنه، ولكن كلما سأله لا يجيب، زاد الأمر سوءا عندما أصبح لا يطيق المكوث بالبيت و صار يمضي جل وقته أما في العمل أو في بيت والدته، ومع هذا فقد اعتبرت الأمر مجرد حالة عابرة و سيعود إلى سابق عهده أو ربما هي مشاكل العمل أو......... و لكن ما من شيء تغير بل زادت حالته سوءا سألت والدته و لكنها لم تفدني بشيء و أحسست بأنها تخفي شيئا ما، المهم بقي على حالته هذه شهورا وبقيت أنا أجد له كل يوم الأعذار و راء الأعذار عله يعود يوما ما إلى ما كان عليه.
(ياسر)
بعد أن عادت "جمانة" و أعادت معها كل الذكريات الجميلة ، ذكريات الشباب و السعادة، ذكريات الحب الأول الذي كتب له ينتهي قبل أن يبدأ، عادت "جمانة" اليوم لتحيي في قلبي ما ظننت بأني قد قتلته يوم اجبرها والدها على الرحيل و تركي ورفض ****نا، عادت " جمانة" اليوم لتقلب حياتي رأسا على عقب، عادت و في لحظة رأيتها هدمت حياتي مع" ليال" نسيت أن لي أبنا و زوجة و أن لي حياة جديدة غير التي كانت مع "جمانة"، عادت و بعودتها كان علي أن اختار بينها و بين حياتي الجديدة، بين ما يجب أن أفعل و ما أود أن أفعل، ضللت بين النارين احترق إلى أن قالت "جمانة": لقد عدت لأجلك يا "ياسر" لكي نتزوج لن يفرق بيننا احد. في تلك اللحظة اخترت طريق حياتي الجديد و تخليت عن كل شيء، كان ذلك ما رأيته حقي في أن أعيش سعيدا، أما "ليال" فأنا لن أقدم لها شيئا غير التعاسة، ولكن ما كان يؤرقني ابني "مروان".
قررت وكان قرارا نهائيا قلت لأمي:
- سأتزوج جمانة و نرحل خارج البلاد.
عارضت أمي وبشدة و كادت تتبرأ مني لولا أني استطعت أن ألمس قلبها الحنون بدموعي و أكدت لها باني لا أستطيع العيش بعد اليوم مع ليال و أني سأطلقها، أما أبني فكان ذلك ما ينغص علي حياتي الجديدة.
انتهى و اتخذ القرار ركبت الطائرة مع زوجتي جمانة و تركت كل شيء ورائي و بدات حياتي السعيدة.
(ليال)
أمسكت الورقة بيدي و أنا غير مصدقة ما جاء بها، حاولت استرجاع بعض الأحداث الماضية علها تحمل ما يبرر هذا القرار، ا هكذا دون مقدمات ترمي بوجهي ورقة الطلاق ما الذي فعلته، ماذا حدث بيننا ؟
حملت نفسي و ذهبت إلى بيتي حماتي أسأل عن صحة الأمر و أسأل عن مكان ياسر قابلتني بوجه يدل على أن الأمر مؤكد و صريح و لكن وراءه قصة كانت ضحيتها الأولى و الوحيدة انا و الصغير مروان، المهم روت حماتي أو والدة طليقي القصة على أنقاض حياتي وهي تتحسر على ما فعل أبنها و تعتذر وتتأسف.
كانت قصة رومانسية جميلة انتهت ب**** سعيد للحبيبين و لكنها خلفت ورائها امرأة محطمة و رضيعا يبكي ولا يدري لما يبكي، تركنا والدك لأجل حبيبته "جمانة" كيف سأخبرك يا بني أنت لن تفهم هذا ما يسمونه القدر.
عدت إلى بيتي المحطم و دخلت غرفتي أقفلت على نفسي الباب، و غرقت في بحور دموعي علها تغسل رماد نفسي المحترقة، بكيت وبكيت على كل شيء على الخيانة على فقدان الزوج على الرضيع الذي صار بدون أب، بكيت على " ليال" المسكينة التي أصبحت مطلقة دون سابق إنذار،ولكن السؤال الذي كانت تغطيه دموعي هو ماذا أفعل الآن؟ هل أغرق في بحور دموعي وأتحسر على ما جرى؟، أو هل أواصل حياتي كأن شيء لم يحدث و اعتمد على نفسي؟. كنت مجبرة على الاختيار الثاني لأن " مروان" كان موجودا في حياتي و لن استطيع أن أقدم له شيئا بدموعي و حسراتي التي ظننت أن طلاقي من ياسر سيكون آخرها و لكن ما يخبؤه الزمن كان قاسيا جدا علي و على "مروان".
بعد أيام و بعد أن صفت نفسي و ذهب بعض الهم و الحزن واجهت العائلة بخبر طلاقي من "ياسر" طبعا كما كان متوقعا ثار الجميع و هاجوا و لأن صاحب الجريمة سافر فقد كانت ثورة ما فتات أن خمدت بعد أن واجهتها بقولي: "هذه حياتي ولا دخل لأحد فيها".
عدت إلى عملي غير آبهة بنظرات زملائي وزميلاتي لأن الحال تغير فقد صرت الآن " المطلقة"، لبست ثوب الشجاعة ووشحت اللامبالاة في مجتمع يحطم الصخر بعقده وعاداته الغريبة فقد كان همي الوحيد "مروان" وفقط هو لأني قررت أن لا اتركه لمثل هذا المجتمع الذي لا يرحم قررت أن أكرس نفسي وكل جهدي في سبيل أن أراه رجلا صالحا ناجحا.
صارت ابتسامة ابني "مروان" البلسم الشافي لكل جراحي و الماء البارد الذي أطفأ الحروق التي تركها في نفسي الزمن، صارت كل ضحكة منه فمه الندي حياة جديدة أعيشها شعرت بالنعمة التي منحها الله لي بعد أن تعرضت للظلم، شعرت بسعادة ما بعدها سعادة وأنا امضي جل وقتي في ملاعبته ومداعبته وهو يضحك و ينطق بحروف لا معنى لها ولكنها بالنسبة لي كانت أجمل الكلمات و أعذب الألحان، كانت لحظات أنسى فيها ماضي الأيام الحزينة.
(ليال)
بلغ "مروان" عامه الأول وبلغت سعادتي الحدود وفرحتي عمت الأفاق بولدي الذي سيصير سندي في حياتي وما هي إلا سنوات حتى الرجل الوحيد فيها، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. بما اني كنت أدرس في الجامعة نصف الأسبوع الأول فقد كنت اترك "مروان" في رعاية والدتي أما باقي أيام الأسبوع فقد كانت له وحده. وفي أحد الأيام عدت وفي أحد الأيام ذهبت إلى بيت أهلي لأخذ "مروان" طلبت أمي مني المكوث للغداء قالت بأنها لم تعد تراني كثيرا هذه الأيام ، طبعا بقيت و من اعز من والدتي ******ة رغم كثرة مشاغلي يومها.
بعد الغداء جلسنا أنا وأمي نتجاذب أطراف الحديث و"مروان" نائم بيننا كملاك، وعينان لا تكاد تفارقه وما ننفك نذكره كل دقيقة ، بعد صمت قالت أمي في قلق:
- حسنا اخبرني يا ابنتي الم تلاحظي شيئا على "مروان"؟
سؤال غريب ماذا يمكن أن ألاحظه؟ سألت السؤال في نفسي ثم وجهته لها قائلة:
- ألاحظ ماذا؟
ضحكت من كلامها ولكنها كانت جادة هذا ما بدا في وجهها فدب القلق في نفسي فسألتها:
- ماذا ما الأمر خبريني هل يعاني مروان من خطب ما؟
ترددت قليلا ثم قالت:
- حسنا لا أريدك أن تقلقي و لكن هناك شيء غريب في " مروان" فهو غير نشيط ولا يتجاوب مع حركة الأشياء من حوله الأطفال في سنه يتبعون حركات كل الأشياء من حوله و يحاولون تلمسها و لكن أبنك لا يفعل بل يتفاعل فقط مع الأصوات من حوله.
نظرت في وجهها مستغربة فلم أفهم ما تقصد ثم نظرت إلى "مروان" وهو يغط في نوم عميق، بدت لي مجرد تهيئات، ولكن أمي تملك الخبرة الكبيرة في تربية الأولاد و يمكن أن يكون ما قالته صحيحا ولكن ماذا تقصد بقولها هذا؟ سألتها على الفور:
- ماذا تقصدين بقولك يا أمي أنا لم أفهم ؟
بدت قلقة عندما قالت:
- لست متأكدة ولكن يبدو أن عيناه تشكوان خطبا ما.
صرخت قائلة:
- عيناه؟؟؟
اهتز مروان المسكين لصرختي فسميت عليه فعاد إلى نومه من جديد، قلت لأمي:
- أمي هذه مجرد تخيلات "مروان" طفل هادئ بالعادة وليس من الأطفال المزعجين هذا فقط.
قالت مستسلمة:
- حسنا أرجو ذلك، أنصحك بأن تأخذيه إلى الطبيب لتتأكدي؟
حملت "مروان" وخرجت من عندي أمي تمنيت لو لم أبقى للغداء لن ما قالته قد زرع الخوف والفزع في نفسي وأذهب راحة البال، طول الطريق إلى البيت وأنا أحملق فيه كان نائم في حنانا غير مدرك لما يدور حوله وأنا أسأل نفسي إن كان يعاني خطبا ما، تمنيت في تلك اللحظة لو ينطق ويقول لي : يا أمي أنا لا أشكو من شيء. عندما وصلنا البيت وضعته في سريره وأنا انتظر بلهفة متى يفيق وأتأكد بأنه بخير، ظل الوسواس ينخر في نفسي كيف لم ألاحظ شيئا عليه من قبل؟ كيف أن يكون ملاكي الصغير يشكو شيئا ولم أحس بذلك كيف إذن أكون أما؟ فجأة سمعت صراخه يخترق جدران الغرفة هرعت مسرعة إليه وحملته بين يدي ونظرت إليه هل من شيء غريب؟ لا ادري ولكن كيف سألاحظ وأنا لم أفعل ذلك من قبل.
المهم خطرت ببالي فكرة أعدت مروان إلى سريره ، أحضرت لعبته الخاصة وكانت تصدر صوتا بمجرد تحريكا في البداية وضعتها أمام وجهه ولكنه لم يهتم لأمرها وبقيت عيناه معلقة في الهواء ولكن بمجرد أني حركتها وأصدرت صوتا حتى اهتزت عيناه واتجهت لمصدر الصوت، أخذت أحرك اللعبة يمنة ويسرة وهي تصدر الأصوات وهو يتبعها بعينيه، ارتعشت أوصالي وبدا قلبي يخفق بشدة يبدو أن ما قالته أمي جزء من الحقيقة والجزء الآخر سيؤكده الطبيب. بت تلك الليلة على الجمر أنتظر متى يطلع الصبح حتى أكون عند الطبيب ويقول لي ابنك بخير و لكن تلك الساعات كانت كأنها سنوات وما كادت تنتهي حتى أحسست باني قلبي سينفجر من القلق.
حملت أبني إلى طبيبه الذي اعتدت على مراجعته منذ الولادة فحصه و لم يشأ أن يقول شيئا أخبرته بشكوكي أو بالأحرى شكوك أمي ولكنه لم يشأ أن يؤكد لي شيئا بل أرسلني إلى طبيب آخر مختص في طب العيون، وفحصه هو الآخر وأجرى له اختبارات الأشعة وقال بأن آتي لآخذها غدا، غدا هذا مستحيل قد أموت كمدا قبل أن يأتي الغد أخبرته باني سأدفع أموال الدنيا لأعرف النتيجة حالا، طبعا لم يجد إلا أن يستسلم أمام إصراري. بعد ساعتين من الزمن خرجت نتيجة الفحوصات واستدعيت إلى مكتب الطبيب وبعد اخذ ورد وتردد قال الطبيب وما كاد يفعل حتى انهارت قواي ولم تعد قدماي تحملاني: أبنك يا سيدة ضرير منذ الولادة آسف لقول هذا ولكن ما من شيء يمكن فعله.
هكذا بكل بساطة ابنك ضرير يا سيدة ماذا يعني هذا؟ بقيت أقلب الكلمة في رأسي وأبحث لها عن معنى محدد ووجدته أخيرا، هذا يعني أن ابني لم يرى يوما وجهي وجه والدته، لم يرى ابتساماتي وضحكاتي،ابني لا يعرف من ألوان الدنيا التي لم تتفتح بعد أمام عينيه سوى اللون الأسود، ابني الذي اعتبره نور عيني لا نور في عينيه، كانت ضربة قسمت ظهري وقلبي وحطمت آخر أمل لي في حياة تعمها السعادة ويحتضنها الفرح، ضربة أصابت كبدي الذي لا يمكن أن أعيش به وهو عليل.
حملت أبني وخرجت من عندي الطبيب وذهبت مباشرة إلى بيت والدتي تركت "مروان" هناك، ادعيت أن لدي عملا وقد أتأخر وعدت إلى بيتي، دخلت غرفتي وأقفلت على نفسي الباب وارتميت على السرير وانفجرت باكية بكيت وبكيت حتى كاد قلبي ينفطر وجفت دموع عيني ورفضت الخروج من مقلتي.
كيف أتصرف الآن؟ ماذا أفعل؟ كيف أستطيع تربيته وهو على هذه الحال وأنا لم أكد حتى أحس بوجوده في حياتي وهو بحاله الطبيعية أو التي كنت أظن أنها طبيعية، وأنا لم أكد ألملم حطام نفسي الذي خلفه هجر "ياسر" لي، وأنا لم أكد اعرف معنى الأمومة، ماذا أفعل بك يا أبني الضرير؟؟؟؟
تمنيت للحظات لو أني لم أتزوج، لم أرزق بطفل أصلا، تمنيت لو لم أولد في هذه الحياة لأرى حياتي بهذا الشكل.... نمت في بحر دموعي وحلمت بلاشيء فلم تعد هناك أحلام أو كوابيس يمكن أن تصف حياتي هذه هذا ما رسخ في ذهني في تلك اللحظات القاسية، نمت لساعات وافقت وأنا أصرخ وأنظر حولي مروان، مروان، مروان أين أبني؟ تملك الرعب نفسي ثم أدركت الحقيقة وعدت إلى الواقع، جلست على السرير أفكر وأفكر ثم تراءى إلى ناظري المصحف موضوعا فوق المكتب اتجهت إليه وقد كان ملجئي الأول والأخير ولكني كنت أكابر، قرأت وقرأت حتى أحسست بان نار قلبي بدأت شيئا فشيء تخمد وتنطفئ لأني في الأخير لم أجد غير الله أنيس في منحتي، قمت وصليت ركعات واستغفرته وتبت إليه وشكرته على نعمه.
خرجت من بيتي مسرعة إلى بيت أمي كان شوقي لأبني يفوق كل شعور وكأني لم أره منذ أيام، عندما دخلت البيت كانت أمي تحمله بين أحضانها اختطفته منها واحتضنته بقوة واعتذر له مرارا وتكرارا وأمي تنظر في استغراب، عدت إليك يا بني لست أنا من تترك فلذة كبدها لست أنا. أخبرت أهلي بالحقيقة وقد حاولت أن أظهر رباطة جأشي وكأن الأمر لم يؤثر في بقدر ما يعتقدون، صدموا للخبر و لم يصدقوا الأمر وطلبوا مني زيارة أكثر من طبيب للتأكد وإذا لزم الأمر سننقله إلى خارج البلاد للعلاج.
مر العام سريعا بين الانتقال من طبيب إلى آخر ولكن ما من فائدة كان الأمل معدوما في ان يبصر "مروان" النور حتى بعملية جراحية، انتهى العام باستسلامي للواقع وقبوله كما هو ضريرا كان خوفي كله على "مروان" من ما ينتظره في هذا العالم الذي لا يرحم الأصحاء فما بالكم بطفل ضرير، كان همي الوحيد أن اجعل شخصيته قوية كي يواجه هذا العالم والطريقة الوحيد لفعل ذلك هي أن أعامله كطفل سليم كي لا يحس بأي نقص اتجاه نفسه ولكي يعتمد عليها.
مرت السنوات الأولى سريعا وبدأ "مروان" يكبر شيئا فشيئا ويدرك حقيقة حالته ولكن ما أسعدني هو أن البيت صار يزهو بصوته وهو يتكلم ويغني وينادي ماما وأهم شيء هو حبه الشديد لي لدرجة انه لا يتذمر ولا يتألم أبدا أمامي إذا تعرض لمضايقات من باقي الأطفال و لم يسألني يوما لماذا يا أمي أنا هكذا؟ مع أني أعلم بأنه يطرح هذا السؤال الآف المرات على نفسه كان حقا قويا رغم صغر سنه.
عند بلوغه سن الخامسة أدخلته مدرسة خاصة بالمكفوفين وقد وجد راحة كبيرة في الاختلاط مع أقرانه، وبدأ يتعلم القراءة والكتابة بطريقة براغ وتعلمتها أنا أيضا معه كي أستطيع مساعدته في الدراسة، كنت أقله بالسيارة ذهابا وإيابا إلى المدرسة لأني كنت لا أتحمل أن اتركه وحيدا في الشارع وهو لا يرى فيه غير اللون الأسود، المهم كنت أحرص دائما أن يكون مرتاحا و في مأمن من أي مضايقات سواء من أقرانه في المدرسة أو حتى في الشارع.
أذكر مرة أني تأخرت في الذهاب لأعيده من المدرسة وعندما وصلت أخبرتي معلمته بأنه غادر المدرسة أرتجف قلبي من الخوف والرعب، خرجت كالمجنونة أبحث عنه في الشارع المؤدي إلى المدرسة وبعد أن فقدت الأمل في إيجاده وقد هممت بالاتصال بالشرطة إذ بي ألحمه جالسا في احد المطاعم يأكل البطاطا المقلية هادئا وادعا كنت سأوبخه بشدة من خوفي عليه ولكني لم أشأ أن افعل وإنما تظاهرت بان الأمر عادي حتى لا يشعر بالنقص، جلست معه وأكلنا معا البطاطا.
أذكر أيضا عندما انتقل "مروان" إلى السنة الثالثة طلب مني أن أدعه يذهب وحده إلى المدرسة كان ذلك من سابع المستحيلات بالنسبة لي كيف ادعه يمشي في الشارع وحيدا ولكنه ظل يلح ويلح وبدأت دموعه تترقرق في عينه وبما أني لا أتحمل الدموع في عيني ملاكي الصغير فاني أدعيت بأني موافقة على ذلك،
استعد في ذلك الصباح للذهاب للمدرسة طبعا استعديت أنا أيضا مع انه قال بأنه يحفظ الطريق عن ظهر قلب ولكن لم أستطع أن أدعه يذهب وحيدا، تركته حتى خرج من البيت وتبعته وهو يمشي في الشارع بعصاه وفعلا كما قال كان يحفظ الطريق جيدا سعدت جدا بابني الذكي والنبيه، وصل إلى المدرسة ولم أعد إلى البيت حتى تأكدت بأنه دخل إلى صفه، عندما عاد في المساء سألته عن المدرسة كيف كانت فضحك وقال لي: أمي لقد كنت معي فلماذا تسألين؟ لقد ذهبت معي في الصباح وعدت معي في المساء.....
أدعت أن الأمر غير صحيح وأني كنت في البيت ولكنه قال: قد أكون ضريرا ولكني أشم رائحتك وأسمع وقع خطواتك من مسافة بعيدة جدا.
هكذا مرت السنوات بلحظاتها السعيدة والحزينة معا وبوجود "مروان" معي صارت اللحظات السعيدة اسعد واللحظات الحزينة صارت بوجوده أقل حزنا، استطعت أن أحول عجزه الذي أبكاني إلى قوة تدفعني أنا وهو إلى المستقبل دون عقد أو خوف، بل على العكس كان مصدر فخر لي لأني أم لفتى بجمال و ذكاء "مروان" لكن ألسنة الناس لا ترحم دائما لطالما آذته وآذتني خاصة عندما يقولون"مسكين" كانت وقع هذه الكلمة شديد على نفسي أتمنى لو أصفع الشخص الذي ينطق بها وأريته حقا من المسكين، لكني فيما بعد لم يعد يهم ما تنطق به هذه الألسنة لأنها تنطق على الهواء ولا تدري من حقيقة الأمر، المهم مضت الأيام والأشهر والسنوات سريعا ونور عيني ينير الدنيا بما فيها ولكن هذه الدنيا تخبئ لنا دائما ما لا نتوقعه.
ملاحظة: انتظروا أحبتي الاجزاء الباقية إن شاء الله تنال اعجابك:) م