بلابل السلام
29 - 1 - 2008, 10:08 PM
المبحث الثاني: محبة الرسول صلى الله عليه وسلم للغير
تعج كتب السيرة النبوية بصور شتى لمن كان يحبهم الرسول صلى الله عليه وسلم ولما كان يحبه سواء تعلق الأمر بأهله وذويه ,أو بصحابته وقومه , أو ببعض الأمكنة والبقاع ,
أو بأشياء أخرى كانت تعجبه ويميل إليها من أطعمة و أشربة وألبسة وغيرها .
ولعله من الصعب الإفاضة في الحديث عن كل هذه الجوانب في مبحث واحد ,لذلك سنعمل إن شاء الله على الإشارة إليها بشكل موجز دون التقصير في أي جانب منها .
1--محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهله
أ– محبته صلى الله عليه وسلم لزوجاته
كانت خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها -أولى زوجاته صلى الله عليه وسلم ذاق معها طعم الزوجية مريئا, فلم يعرف معها زوجة طوال المدة التي عاشها وإياها وقد نافت على خمسة وعشرين عاما .ويمكن القول أنها الزوجة الوحيدة التي لم يتدخل في ****ها عنصر غير المحبة وإنشاء أسرة مثالية من غير اعتبار لما بينهما من فارق السن, بل لعل هذا الفارق كان ضروريا لمن فقد حنان الأمومة وعطف الأبوة وهو طفل ,وانس الرفيق وهو شاب , (1)ولذلك جاء في الحديث عن عائشة –رضي الله عنها - وقد غارت من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة وثنائه عليها فقالت " ما تذكر من عجوز قد أبدلك الله خيرا منها ؟فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: لاوالله ما أبدلني الله خيرا منها ,آمنت بي حين كذبني الناس, وواستني بمالها حين حرمني الناس ,ورزقني الولد منها ولم يرزقنيه من غيرها "(2)
والملاحظ هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم في معرض كشفه عن حبه للسيدة خديجة, لم يعرض لشئ من جمالها أوشبابها ,وإنما ذكر بنبل,ها ومتانة خلقها ,وعظمة وفائها, وسابقة إيمانها ,وهذا ما يفند ادعاءات المغرضين الذين قالوا بان دافع الجنس والشهوة كان واردا في زيجاته عليه الصلاة والسلام .(3)
ومن أجمل ما يروى عنه صلى الله عليه وسلم في حفظه لحبها وذكره لعهدها انه كان عليه الصلاة والسلام يذبح الشاة ثم يبعثها في صدائق خديجة .(4)
وهكذا ظل هذا الحب النقي الطاهر يصاحب الرسول صلى الله عليه وسلم طول حياته دون أن يعتريه فتور ولانسيان ولاضعف ,حتى بعد وفاتها وتزوجه صلى الله عليه وسلم بغيرها كان لا يفتأ يثني عليها ولا يسام من الاستغفار لها – رضي الله عنها-
.................................................. ...............
1- " حب الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء " لعبد الله كنون ص.31
2- " السيرة الحلبية "3/401وروى البخاري طرفه الأول في صحيحه 5/111كتاب مناقب الأنصار.
3-" النبي محمد صلى الله عليه وسلم إنسان الإنسانية ونبي الأنبياء " لعبد الخطيب ص.354
4- انظر الأحاديث الواردة في ذلك في صحيح البخاري 5/111و112كتاب مناقب الأنصار.
بيد أن حبه صلى الله عليه وسلم لخديجة -رضي الله عنها - لم يمنعه من أن يحب باقي زوجاته اللواتي تزوج بهن فيما بعد وفي مقدمتهن عائشة بنت أبي بكر-رضي الله عنها - , التي كانت أحب إنسانة إليه بعد خديجة-رضي الله عنها - لما امتازت به من علم وأدب ومعرفة بالشعر وأيام العرب إضافة إلى شبابها وخفة روحها ومقام أبيها منه صلى الله عليه وسلم. فكان هذا مما جعله يتعاطف معها قلبا وقالبا , ناهيك عن ذكائها وفصاحتها وفقهها (1)وقد روت من الأحاديث مالم تروه امرأة غيرها من زوجاته صلى الله عليه وسلم وسواهن وعدت من المكثرين من الرواية عنه صلى الله عليه وسلم (2) .
ومن لطيف ما يروى في إعرابه صلى الله عليه وسلم عن حبه لها وتمسكه بها قوله لها " كنت لك كابي زرع في الألفة والوفاق لا في الفرقة والخلاء "فقالت عائشة " يارسول الله بل أنت خير لي من أبي زرع " (3).
وقد جسدت علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم مع عائشة الصورة المثالية لعلاقة
الزوجين المبنية على الحب المتبادل والانسجام والنشاط في الحضر والسفر.
فذات يوم كانت عائشة مع الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر فسابقها قالت " فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم (أي امتلأ جسمها) سابقته فسبقني فقال هذه بتلك " (4).
وحازت زينب بنت جحش -رضي الله عنها - على محبته صلى الله عليه وسلم بدليل قول عائشة -رضي الله عنها - " وهي التي كانت تساميني في المنزلة عند رسول الله (5)( أي تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة ) " (6).
.................................................. ..................
1- "حب الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء "ص.40
2- فقد بلغ عدد ماروته 2210حديثا اتفق ال***ان على 174وانفرد البخاري ب 54حديثا ومسلم ب58(انظر تراجم الصحابة ص.146) .
3- " بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد" للقاضي عياض ص.11-12
4- السيرة الحلبية 2/602
5- المصدر السابق2/614
6- صحيح مسلم بشرح النووي 15/206
هكذا إذن كانت معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأ****ه محبة وتكريما وعشرة طيبة ,ومراعاة لعواطفهن,وحدبا عليهن وحرصا شديدا على العدل *****اواة بينهن (1) في السكن والنفقة والكسوة والمبيت والزيارات والوقت. فكان صلى الله عليه وسلم يخصص لكل واحدة منهن ليلة ,فإذا زارٳحدهن زار بعد ذلك جميعهن ,حتى في مرضه الأخير وهو أحوج إلى الاستقرار في بيت واحد لم يرض صلى الله عليه وسلم أن يستقر في بيت عائشة إلا بعد أن أذن له الجميع بذلك (2) .
ومع هذه الدقة في العدل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستغفر الله من عدم عدله في المحبة فكان يقول " اللهم هذا قسمي فيما املك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" (3) .وقد نقل الإمام النووي -رحمه الله -إجماع المسلمين على أن محبته صلى الله عليه وسلم لهن لاتكليف فيها, ولا يلزمه التسوية فيها لأنه لاقدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى وإنما يؤمر بالعدل في الأفعال وهذا أمر ثابت (4).
ب- محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأولاده
أما محبته صلى الله عليه وسلم لأولاده ذكورا وإناثا فقد حازت فاطمة الزهراء زهرة البيت النبوي وسيدة نساء العالمين –رضوان الله عليها - على محبة عظيمة من والدها حتى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم " إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها "(5) وبشرها بأنها ستكون أول أهله لحوقا به فعن عائشة – رضي الله عنها -قالت " دعا النبي صلى الله عليه وسلم ابنته في شكواه التي قبض فيها, فسارها بشئ فبكت , ثم دعاها فسارها فضحكت .قالت :فسألتها عن ذلك. فقالت: سارني النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرني انه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت, ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته اتبعه فضحكت " (6)
وكون فاطمة – رضي الله عنها -أحب بناته لايعني انه صلى الله عليه وسلم لم يحب باقي بناته: زينب ورقية وأم كلثوم, وإنما بحكم أنها كانت أصغرهن وأكثرهن ملازمة له وأحوجهن إلى حنانه وحبه فقد نالت هذا الفضل العظيم .
.................................................. .....
1- حب الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء ص.65
2- الرسول صلى الله عليه وسلم لسعيد حوى 1/163
3- رواه أبو داود في سننه 2/34كتاب النكاح باب في القسم بين النساء
4- انظر صحيح مسلم بشرح النووي 15/205-206
5- رواه مسلم في صحيحه 4/1903كتاب فضائل الصحابة باب "فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم "
6- رواه البخاري 4/579كتاب "فضائل الصحابة "باب رقم11
أما أولاده صلى الله عليه وسلم الذكور, فقد شاءت حكمة الله عزوجل أن لايعيش له ولد , فمات أبو القاسم وعبد الله , وقيل مات له قبل البعثة الطاهر والمطهر, وقد ولدا في بطن واحدة, ثم الطيب والمطيب, ثم عبد مناف, وكلهم من خديجة – رضي الله عنها -.ورزقه الله تعالى من زوجته القبطية مارية – رضي الله عنها -.إبراهيم الذي أحبه وتعلق به كثيرا , حتى انه صلى الله عليه وسلم عق عنه بكبشين يوم سابعه , وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره على المساكين .وكان عليه الصلاة والسلام كثيرا ما ينطلق إلى بيت مرضعته خولة بنت المنذر(1)فيأخذه ويقبله ثم يرجع .ولما مات حزن عليه الرسول صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وقال " تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب " (2).
ج- حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأحفاده
تبوأ سيدا شباب أهل الجنة: الحسن والحسين- رضي الله عنهما - مكانة عظيمة في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم , فكان يلاعبهما ويقبلهما ولا يتوانى عن الإفصاح عن حبه لهما, قال عليه الصلاة والسلام " اللهم إني أحبهما فأحبهما " (3) وروي عن البراء – رضي الله عنه -انه قال " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسن على عاتقه يقول اللهم إني أحبه فأحبه " (4) .
ورأى الأقرع بن حابس- رضي الله عنه - النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن فقال "يارسول الله لي من الولد عشرة ما قبلت واحدا منهم "فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " من لايرحم لايرحم "(5) .
وعمت هذه المحبة الحفيدات أيضا وفي مقدمتهن أمامة بنت زينب - رضي الله عنها -فقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها حبا شديدا وهذا ما يؤكده قول عائشة- رضي الله عنها - " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت له هدية فيها قلادة من جذع فقال لأدفعنها إلى أحب أهلي إلي فقالت النساء ذهبت بها ابنة أبي قحافة (أي عائشة) فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب فعلقها في عنقها "(6)
.................................................. .............................
1- هي أم بردة خولة بنت المنذر الأنصاري زوجة الراء بن أوس ومرضعة إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم .
2- السيرة الحلبية 3/394
3- صحيح البخاري 4/587كتاب "فضائل الصحابة " .
4- صحيح البخاري .نفس الكتاب ونفس الباب .
5- رواه الترمذي في سننه 5/212باب "ما جاء في رحمة الولد" رقم الحديث1976
6- السيرة الحلبية 2/452.
وبجانب هذا لم يبخل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بحبه عن باقي أهله كجده عبد المطلب الذي كفله ورعاه منذ صباه , وعمه أبي طالب الذي وجد عليه كثيرا حين توفي حتى سمى ذاك العام "عام الحزن " ,ثم عمه حمزة أسد الله الذي كانت فاجعته فيه أكبر حين مثل به كفار قريش في غزوة احد . وابن عمه عقيل بن أبي طالب الذي قال له " يا أبا يزيد إني احبك حبين حبا لقرابتك مني وحبا لما كنت اعلم لحب عمي إياك " (1) وهكذا شانه صلى الله عليه وسلم مع سائر أهله .
2- محبة الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة
لقد أثنى الله تعالى على الصحابة عظيم الثناء فقال سبحانه ﴿حمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ﴾ (2)
وقال سبحانه ﴿لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ﴾ (3)
كما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبهم أو التعرض لهم بأذى فقال " لاتسبوا أصحابي فلو انفق أحدكم مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولانصيفه " (4) وفي حديث آخر "من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لايقبل الله منه صرفا ولا عدلا " (5)
هذه الأدلة الشرعية توضح مكانة الصحابة من جهة ومحبة الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم لهم وإلا لما حازوا كل هذه الثناء .
..........................................
1- السيرة الحلبية 1/432
2- سورة الفتح /الآية 29
3- سورة الفتح /الآية 18
4- رواه مسلم في صحيحه 4/1967كتاب "فضائل الصحابة " .ورواه أبو داود في سننه 2/518كتاب السنة .
5- رواه أبو نعيم في الحلية عن جابر .
تعج كتب السيرة النبوية بصور شتى لمن كان يحبهم الرسول صلى الله عليه وسلم ولما كان يحبه سواء تعلق الأمر بأهله وذويه ,أو بصحابته وقومه , أو ببعض الأمكنة والبقاع ,
أو بأشياء أخرى كانت تعجبه ويميل إليها من أطعمة و أشربة وألبسة وغيرها .
ولعله من الصعب الإفاضة في الحديث عن كل هذه الجوانب في مبحث واحد ,لذلك سنعمل إن شاء الله على الإشارة إليها بشكل موجز دون التقصير في أي جانب منها .
1--محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهله
أ– محبته صلى الله عليه وسلم لزوجاته
كانت خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها -أولى زوجاته صلى الله عليه وسلم ذاق معها طعم الزوجية مريئا, فلم يعرف معها زوجة طوال المدة التي عاشها وإياها وقد نافت على خمسة وعشرين عاما .ويمكن القول أنها الزوجة الوحيدة التي لم يتدخل في ****ها عنصر غير المحبة وإنشاء أسرة مثالية من غير اعتبار لما بينهما من فارق السن, بل لعل هذا الفارق كان ضروريا لمن فقد حنان الأمومة وعطف الأبوة وهو طفل ,وانس الرفيق وهو شاب , (1)ولذلك جاء في الحديث عن عائشة –رضي الله عنها - وقد غارت من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة وثنائه عليها فقالت " ما تذكر من عجوز قد أبدلك الله خيرا منها ؟فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: لاوالله ما أبدلني الله خيرا منها ,آمنت بي حين كذبني الناس, وواستني بمالها حين حرمني الناس ,ورزقني الولد منها ولم يرزقنيه من غيرها "(2)
والملاحظ هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم في معرض كشفه عن حبه للسيدة خديجة, لم يعرض لشئ من جمالها أوشبابها ,وإنما ذكر بنبل,ها ومتانة خلقها ,وعظمة وفائها, وسابقة إيمانها ,وهذا ما يفند ادعاءات المغرضين الذين قالوا بان دافع الجنس والشهوة كان واردا في زيجاته عليه الصلاة والسلام .(3)
ومن أجمل ما يروى عنه صلى الله عليه وسلم في حفظه لحبها وذكره لعهدها انه كان عليه الصلاة والسلام يذبح الشاة ثم يبعثها في صدائق خديجة .(4)
وهكذا ظل هذا الحب النقي الطاهر يصاحب الرسول صلى الله عليه وسلم طول حياته دون أن يعتريه فتور ولانسيان ولاضعف ,حتى بعد وفاتها وتزوجه صلى الله عليه وسلم بغيرها كان لا يفتأ يثني عليها ولا يسام من الاستغفار لها – رضي الله عنها-
.................................................. ...............
1- " حب الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء " لعبد الله كنون ص.31
2- " السيرة الحلبية "3/401وروى البخاري طرفه الأول في صحيحه 5/111كتاب مناقب الأنصار.
3-" النبي محمد صلى الله عليه وسلم إنسان الإنسانية ونبي الأنبياء " لعبد الخطيب ص.354
4- انظر الأحاديث الواردة في ذلك في صحيح البخاري 5/111و112كتاب مناقب الأنصار.
بيد أن حبه صلى الله عليه وسلم لخديجة -رضي الله عنها - لم يمنعه من أن يحب باقي زوجاته اللواتي تزوج بهن فيما بعد وفي مقدمتهن عائشة بنت أبي بكر-رضي الله عنها - , التي كانت أحب إنسانة إليه بعد خديجة-رضي الله عنها - لما امتازت به من علم وأدب ومعرفة بالشعر وأيام العرب إضافة إلى شبابها وخفة روحها ومقام أبيها منه صلى الله عليه وسلم. فكان هذا مما جعله يتعاطف معها قلبا وقالبا , ناهيك عن ذكائها وفصاحتها وفقهها (1)وقد روت من الأحاديث مالم تروه امرأة غيرها من زوجاته صلى الله عليه وسلم وسواهن وعدت من المكثرين من الرواية عنه صلى الله عليه وسلم (2) .
ومن لطيف ما يروى في إعرابه صلى الله عليه وسلم عن حبه لها وتمسكه بها قوله لها " كنت لك كابي زرع في الألفة والوفاق لا في الفرقة والخلاء "فقالت عائشة " يارسول الله بل أنت خير لي من أبي زرع " (3).
وقد جسدت علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم مع عائشة الصورة المثالية لعلاقة
الزوجين المبنية على الحب المتبادل والانسجام والنشاط في الحضر والسفر.
فذات يوم كانت عائشة مع الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر فسابقها قالت " فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم (أي امتلأ جسمها) سابقته فسبقني فقال هذه بتلك " (4).
وحازت زينب بنت جحش -رضي الله عنها - على محبته صلى الله عليه وسلم بدليل قول عائشة -رضي الله عنها - " وهي التي كانت تساميني في المنزلة عند رسول الله (5)( أي تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة ) " (6).
.................................................. ..................
1- "حب الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء "ص.40
2- فقد بلغ عدد ماروته 2210حديثا اتفق ال***ان على 174وانفرد البخاري ب 54حديثا ومسلم ب58(انظر تراجم الصحابة ص.146) .
3- " بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد" للقاضي عياض ص.11-12
4- السيرة الحلبية 2/602
5- المصدر السابق2/614
6- صحيح مسلم بشرح النووي 15/206
هكذا إذن كانت معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأ****ه محبة وتكريما وعشرة طيبة ,ومراعاة لعواطفهن,وحدبا عليهن وحرصا شديدا على العدل *****اواة بينهن (1) في السكن والنفقة والكسوة والمبيت والزيارات والوقت. فكان صلى الله عليه وسلم يخصص لكل واحدة منهن ليلة ,فإذا زارٳحدهن زار بعد ذلك جميعهن ,حتى في مرضه الأخير وهو أحوج إلى الاستقرار في بيت واحد لم يرض صلى الله عليه وسلم أن يستقر في بيت عائشة إلا بعد أن أذن له الجميع بذلك (2) .
ومع هذه الدقة في العدل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستغفر الله من عدم عدله في المحبة فكان يقول " اللهم هذا قسمي فيما املك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" (3) .وقد نقل الإمام النووي -رحمه الله -إجماع المسلمين على أن محبته صلى الله عليه وسلم لهن لاتكليف فيها, ولا يلزمه التسوية فيها لأنه لاقدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى وإنما يؤمر بالعدل في الأفعال وهذا أمر ثابت (4).
ب- محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأولاده
أما محبته صلى الله عليه وسلم لأولاده ذكورا وإناثا فقد حازت فاطمة الزهراء زهرة البيت النبوي وسيدة نساء العالمين –رضوان الله عليها - على محبة عظيمة من والدها حتى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم " إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها "(5) وبشرها بأنها ستكون أول أهله لحوقا به فعن عائشة – رضي الله عنها -قالت " دعا النبي صلى الله عليه وسلم ابنته في شكواه التي قبض فيها, فسارها بشئ فبكت , ثم دعاها فسارها فضحكت .قالت :فسألتها عن ذلك. فقالت: سارني النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرني انه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت, ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته اتبعه فضحكت " (6)
وكون فاطمة – رضي الله عنها -أحب بناته لايعني انه صلى الله عليه وسلم لم يحب باقي بناته: زينب ورقية وأم كلثوم, وإنما بحكم أنها كانت أصغرهن وأكثرهن ملازمة له وأحوجهن إلى حنانه وحبه فقد نالت هذا الفضل العظيم .
.................................................. .....
1- حب الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء ص.65
2- الرسول صلى الله عليه وسلم لسعيد حوى 1/163
3- رواه أبو داود في سننه 2/34كتاب النكاح باب في القسم بين النساء
4- انظر صحيح مسلم بشرح النووي 15/205-206
5- رواه مسلم في صحيحه 4/1903كتاب فضائل الصحابة باب "فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم "
6- رواه البخاري 4/579كتاب "فضائل الصحابة "باب رقم11
أما أولاده صلى الله عليه وسلم الذكور, فقد شاءت حكمة الله عزوجل أن لايعيش له ولد , فمات أبو القاسم وعبد الله , وقيل مات له قبل البعثة الطاهر والمطهر, وقد ولدا في بطن واحدة, ثم الطيب والمطيب, ثم عبد مناف, وكلهم من خديجة – رضي الله عنها -.ورزقه الله تعالى من زوجته القبطية مارية – رضي الله عنها -.إبراهيم الذي أحبه وتعلق به كثيرا , حتى انه صلى الله عليه وسلم عق عنه بكبشين يوم سابعه , وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره على المساكين .وكان عليه الصلاة والسلام كثيرا ما ينطلق إلى بيت مرضعته خولة بنت المنذر(1)فيأخذه ويقبله ثم يرجع .ولما مات حزن عليه الرسول صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وقال " تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب " (2).
ج- حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأحفاده
تبوأ سيدا شباب أهل الجنة: الحسن والحسين- رضي الله عنهما - مكانة عظيمة في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم , فكان يلاعبهما ويقبلهما ولا يتوانى عن الإفصاح عن حبه لهما, قال عليه الصلاة والسلام " اللهم إني أحبهما فأحبهما " (3) وروي عن البراء – رضي الله عنه -انه قال " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسن على عاتقه يقول اللهم إني أحبه فأحبه " (4) .
ورأى الأقرع بن حابس- رضي الله عنه - النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن فقال "يارسول الله لي من الولد عشرة ما قبلت واحدا منهم "فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " من لايرحم لايرحم "(5) .
وعمت هذه المحبة الحفيدات أيضا وفي مقدمتهن أمامة بنت زينب - رضي الله عنها -فقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها حبا شديدا وهذا ما يؤكده قول عائشة- رضي الله عنها - " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت له هدية فيها قلادة من جذع فقال لأدفعنها إلى أحب أهلي إلي فقالت النساء ذهبت بها ابنة أبي قحافة (أي عائشة) فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب فعلقها في عنقها "(6)
.................................................. .............................
1- هي أم بردة خولة بنت المنذر الأنصاري زوجة الراء بن أوس ومرضعة إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم .
2- السيرة الحلبية 3/394
3- صحيح البخاري 4/587كتاب "فضائل الصحابة " .
4- صحيح البخاري .نفس الكتاب ونفس الباب .
5- رواه الترمذي في سننه 5/212باب "ما جاء في رحمة الولد" رقم الحديث1976
6- السيرة الحلبية 2/452.
وبجانب هذا لم يبخل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بحبه عن باقي أهله كجده عبد المطلب الذي كفله ورعاه منذ صباه , وعمه أبي طالب الذي وجد عليه كثيرا حين توفي حتى سمى ذاك العام "عام الحزن " ,ثم عمه حمزة أسد الله الذي كانت فاجعته فيه أكبر حين مثل به كفار قريش في غزوة احد . وابن عمه عقيل بن أبي طالب الذي قال له " يا أبا يزيد إني احبك حبين حبا لقرابتك مني وحبا لما كنت اعلم لحب عمي إياك " (1) وهكذا شانه صلى الله عليه وسلم مع سائر أهله .
2- محبة الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة
لقد أثنى الله تعالى على الصحابة عظيم الثناء فقال سبحانه ﴿حمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ﴾ (2)
وقال سبحانه ﴿لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ﴾ (3)
كما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبهم أو التعرض لهم بأذى فقال " لاتسبوا أصحابي فلو انفق أحدكم مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولانصيفه " (4) وفي حديث آخر "من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لايقبل الله منه صرفا ولا عدلا " (5)
هذه الأدلة الشرعية توضح مكانة الصحابة من جهة ومحبة الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم لهم وإلا لما حازوا كل هذه الثناء .
..........................................
1- السيرة الحلبية 1/432
2- سورة الفتح /الآية 29
3- سورة الفتح /الآية 18
4- رواه مسلم في صحيحه 4/1967كتاب "فضائل الصحابة " .ورواه أبو داود في سننه 2/518كتاب السنة .
5- رواه أبو نعيم في الحلية عن جابر .