خديجة الطيبة
28 - 2 - 2008, 05:43 PM
عَنْ عَائِشَةَ-رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ « مَنْ هَذِهِ » . قَالَتْ فُلاَنَةُ . تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا . قَالَ « مَهْ ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا » . وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ" رواه البخاري ومسلم في الصحيح واللفظ للبخاري
وعنها- أيضا قَالَتْ: " لَمْ يَكُنِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ، وَكَانَ يَقُولُ « خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دُووِمَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَلَّتْ »وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً دَاوَمَ عَلَيْهَا" رواه البخاري ومسلم في الصحيح واللفظ للبخاري
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة لأصحابه ، فضلا عمن تبعهم ومن جاء بعدهم، فكان الاعتدال والوسطية في خلقه وخلفه ، مثلما كان في الدين الذي جاء به ، ومثلما كان في سلوكه وعبادته ؛ فقد كان يصوم ويفطر وينام ويقوم ، ويأتي أهله ويجلس مع أصحابه ، ويعطي كل ذي حق حقه؛ فلا يطغى شيء على شيء ، بل كل شيء بمقدار واعتدال , وكان عليه السلام يحض أصحابه على الاعتدال، والوسطية وعدم تعمد المشقة في العبادة ، وتكليف النفس ما لا تطيق ، وأن يتقي المسلم ربه ما استطاع، فقليل مستمر خير من كثير منقطع ؛ فقد نهى عن الوصال في الصيام ، وزجر من اشتط وعزم على صيام الدهر ، وكذا من رغب عن سنة ال**** ، و من عزم على قيام الليل كله؛
فقد روى أنس - رضى الله عنه -:
( أن ثَلاَثَةَ رَهْطٍ جَاءَوا إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ . قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّى أُصَلِّى اللَّيْلَ أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّى لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى » رواه البخاري
توجيه عبارة "لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا ":
لا يترك إثابكم حتى تتركوا العمل ، والإفراط في العمل ربما أدى إلى تركه.
أو لا يقطع عنكم الثواب والفضل حتى تنقطعوا عن العمل الصالح .
قال الحافظ في الفتح:
( قوله لا يمل الله حتى تملوا :
هو بفتح الميم في الموضعين والملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق قال الإسماعيلي وجماعة من المحققين إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازا كما قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وانظاره قال القرطبي وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه وقال الهروي معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه وقال غيره معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا أفعل كذا حتى يبيض القار أو حتى يشيب الغراب ومنه قولهم في البليغ لاينقطع حتى ينقطع خصومه لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية وهذا المثال أشبه من الذي قبله لأن شيب الغراب ليس ممكنا عادة بخلاف الملل من العابد وقال المازري قيل إن حتى هنا بمعنى الواو فيكون التقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم قال وقيل حتى بمعنى حين والأول أليق وأجرى على القواعد وأنه من باب المقابلة اللفظية ويؤيده ما وقع في بعض طرق حديث عائشة بلفظ اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وقال بن حبان في صحيحه هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد مما يخاطب به الا بها وهذا رأيه في جميع المتشابه .)
وقال الحافظ في الفتح أيضا:
(...لِأَنَّ حَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ أَكْمَلَ الْأَحْوَال ، فَكَانَ لَا يَمَلّ مِنْ عِبَادَة رَبّه وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهِ ، بَلْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَ " وَجُعِلَتْ قُرَّة عَيْنِي فِي الصَّلَاة " كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث أَنَس ، فَأَمَّا غَيْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا خَشِيَ الْمَلَل لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْرِه نَفْسه ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خُذُوا مِنْ الْأَعْمَال مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّه لَا يَمَلّ حَتَّى تَمَلُّوا " .)
ومما ورد في القصد والاعتدال في العبادة ما رواه عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما حيث قال:
(ذُكِرَ لَرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رِجَالٌ يَنْصِبُونَ فِى الْعِبَادَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ نَصَباً شَدِيداً. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تِلْكَ ضَرَاوَةُ الإِسْلاَمِ وَشِرَتُهُ وَلِكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَةٌ وَلِكُلِّ شِرَةٌ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلأُمٍّ مَا هُوَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى مَعَاصِى اللَّهِ فَذَلِكَ الْهَالِكُ » )حسنه الإمام الألباني في الصحيحة في تخريج حديث رقم 2850
فَلِأَمٍّ :أي قصد الطريق المستقيم . انظر " النهاية " . اهـ .
وفي معناه حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- قال:
( إن للإسلام شرة ،وإن لكل شرة فترة ، فإن [كان] صاحبها سدد وقارب فارجوه ، وإن أشير إليه بالأصابع فلا ترجوه ) ( الصحيحة برقم 2850)
وفي رواية الترمذي :(إن لكل شىء شرة )
وقال الترمذي عقب الحديث السابق:وقد [روي] عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال) بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ) أورده الألباني وسكت عنه في صحيح سنن الترمذي: 2453
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا شَدِيدًا فَقَالَ تِلْكَ ضَرَاوَةُ الْإِسْلَامِ وَشِرَّتُهُ وَلِكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى اقْتِصَادٍ وَسُنَّةٍ فَلِأَمٍّ مَا هُوَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْمَعَاصِي فَذَلِكَ الْهَالِكُ" ( رواه أحمد في المسند 6539) قال ال*** شعيب الأرناؤوط : صحيح لغيره , وهذا إسناد حسن.
ندم عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- على ما كلف نفسه من زيادة في العبادة شقت عليه عندما تقدم في السن :
روى البخاري في صحيحه قال:
( حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَنْكَحَنِى أَبِى امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا فَتَقُولُ نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُذْ أَتَيْنَاهُ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « الْقَنِى بِهِ » . فَلَقِيتُهُ بَعْدُ فَقَالَ « كَيْفَ تَصُومُ » . قَالَ كُلَّ يَوْمٍ . قَالَ « وَكَيْفَ تَخْتِمُ » . قَالَ كُلَّ لَيْلَةً . قَالَ « صُمْ فِى كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةً وَاقْرَإِ الْقُرْآنَ فِى كُلِّ شَهْرٍ » . قَالَ قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ « صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِى الْجُمُعَةِ » . قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ « أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا » . قَالَ قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ « صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمِ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ وَاقْرَأْ فِى كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً » .
فَلَيْتَنِى قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَذَاكَ أَنِّى كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السُّبْعَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالنَّهَارِ وَالَّذِى يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ كَرَاهِيةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِى ثَلاَثٍ وَفِى خَمْسٍ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ .)
قال الحافظ في الفتح:
"قَوْله : ( لَمْ يَطَأ لَنَا فِرَاشًا )
أَيْ لَمْ يُضَاجِعنَا حَتَّى يَطَأ فِرَاشنَا .
قَوْله : ( وَلَمْ يُفَتِّش لَنَا كَنَفًا )
هُوَ السِّتْر وَالْجَانِب ، وَأَرَادَتْ بِذَلِكَ الْكِنَايَة عَنْ عَدَم جِمَاعه لَهَا.
قَوْله : ( فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ )
أَيْ عَلَى عَمْرو
( ذَكَرَ ذَلِكَ للنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
وَكَأَنَّهُ تَأَنَّى فِي شَكْوَاهُ رَجَاء أَنْ يَتَدَارَك ، فَلَمَّا تَمَادَى عَلَى حَاله خَشِيَ أَنْ يَلْحَقهُ إِثْم بِتَضْيِيعِ حَقّ الزَّوْجَة فَشَكَاهُ .
وعند أحمد في المسند:
عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: زَوَّجَنِي أَبِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيَّ جَعَلْتُ لَا أَنْحَاشُ لَهَا مِمَّا بِي مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى كَنَّتِهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ قَالَتْ خَيْرَ الرِّجَالِ أَوْ كَخَيْرِ الْبُعُولَةِ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا وَلَمْ يَعْرِفْ لَنَا فِرَاشًا فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَعَذَمَنِي وَعَضَّنِي بِلِسَانِهِ فَقَالَ أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ ذَاتَ حَسَبٍ فَعَضَلْتَهَا وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَانِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي أَتَصُومُ النَّهَارَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَمَسُّ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي قَالَ اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِمَّا حُصَيْنٌ وَإِمَّا مُغِيرَةُ قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ قَالَ ثُمَّ قَالَ صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قُلْتُ إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُنِي حَتَّى قَالَ صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ وَهُوَ صِيَامُ أَخِي دَاوُدَ قَالَ حُصَيْنٌ فِي حَدِيثِهِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ لِكُلِّ عَابِدٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَإِمَّا إِلَى سُنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى بِدْعَةٍ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ قَالَ مُجَاهِدٌ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو حَيْثُ ضَعُفَ وَكَبِرَ يَصُومُ الْأَيَّامَ كَذَلِكَ يَصِلُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ لِيَتَقَوَّى بِذَلِكَ ثُمَّ يُفْطِرُ بِعَدِّ تِلْكَ الْأَيَّامِ قَالَ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ حِزْبِهِ كَذَلِكَ يَزِيدُ أَحْيَانًا وَيَنْقُصُ أَحْيَانًا غَيْرَ أَنَّهُ يُوفِي الْعَدَدَ إِمَّا فِي سَبْعٍ وَإِمَّا فِي ثَلَاثٍ قَالَ ثُمَّ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ لَأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ أَوْ عَدَلَ لَكِنِّي فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ( رواه أحمد في 6477) قال ال*** شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط ال***ين
(*) الشرة : النشاط والرغبة
(*) الفترة : الكسل والضعف
قال أبو جعفر[الطبري]:
( فطلبنا معنى هذه الشرة المذكورة في هذه الآثار ما هو فوجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا قال ثنا إبراهيم بن بشار قال حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس قال ذكر الاجتهاد فقيل تلك حدة الإسلام وشرته ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنة فقد هدي ومن كانت فترته إلى بدعة أو ضلالة فقد ضل قال أبو جعفر فوقفنا بذلك على أنها هي الحدة في الأمور التي يريدها المسلمون من أنفسهم في أعمالهم التي يتقربون بها إلى ربهم عز وجل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب منهم فيها ما دون الحدة التي لا بد لهم من التقصير عنها والخروج منها إلى غيرها وأمرهم بالتمسك من الأعمال الصالحة بما قد يجوز دوامهم عليه ولزومهم إياه حتى يلقوا ربهم عز وجل عليه وروي عنه صلى الله عليه وسلم في كشف ذلك المعنى أنه أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل وقد ذكرنا ذلك وما قد روي في غير هذا الموضع مما قد تقدم منا في كتابنا هذا فغنينا بذلك عن إعادته والله نسأله التوفيق)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته:)
منقووووول
وعنها- أيضا قَالَتْ: " لَمْ يَكُنِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ، وَكَانَ يَقُولُ « خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دُووِمَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَلَّتْ »وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً دَاوَمَ عَلَيْهَا" رواه البخاري ومسلم في الصحيح واللفظ للبخاري
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة لأصحابه ، فضلا عمن تبعهم ومن جاء بعدهم، فكان الاعتدال والوسطية في خلقه وخلفه ، مثلما كان في الدين الذي جاء به ، ومثلما كان في سلوكه وعبادته ؛ فقد كان يصوم ويفطر وينام ويقوم ، ويأتي أهله ويجلس مع أصحابه ، ويعطي كل ذي حق حقه؛ فلا يطغى شيء على شيء ، بل كل شيء بمقدار واعتدال , وكان عليه السلام يحض أصحابه على الاعتدال، والوسطية وعدم تعمد المشقة في العبادة ، وتكليف النفس ما لا تطيق ، وأن يتقي المسلم ربه ما استطاع، فقليل مستمر خير من كثير منقطع ؛ فقد نهى عن الوصال في الصيام ، وزجر من اشتط وعزم على صيام الدهر ، وكذا من رغب عن سنة ال**** ، و من عزم على قيام الليل كله؛
فقد روى أنس - رضى الله عنه -:
( أن ثَلاَثَةَ رَهْطٍ جَاءَوا إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ . قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّى أُصَلِّى اللَّيْلَ أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّى لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى » رواه البخاري
توجيه عبارة "لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا ":
لا يترك إثابكم حتى تتركوا العمل ، والإفراط في العمل ربما أدى إلى تركه.
أو لا يقطع عنكم الثواب والفضل حتى تنقطعوا عن العمل الصالح .
قال الحافظ في الفتح:
( قوله لا يمل الله حتى تملوا :
هو بفتح الميم في الموضعين والملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق قال الإسماعيلي وجماعة من المحققين إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازا كما قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وانظاره قال القرطبي وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه وقال الهروي معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه وقال غيره معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا أفعل كذا حتى يبيض القار أو حتى يشيب الغراب ومنه قولهم في البليغ لاينقطع حتى ينقطع خصومه لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية وهذا المثال أشبه من الذي قبله لأن شيب الغراب ليس ممكنا عادة بخلاف الملل من العابد وقال المازري قيل إن حتى هنا بمعنى الواو فيكون التقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم قال وقيل حتى بمعنى حين والأول أليق وأجرى على القواعد وأنه من باب المقابلة اللفظية ويؤيده ما وقع في بعض طرق حديث عائشة بلفظ اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وقال بن حبان في صحيحه هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد مما يخاطب به الا بها وهذا رأيه في جميع المتشابه .)
وقال الحافظ في الفتح أيضا:
(...لِأَنَّ حَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ أَكْمَلَ الْأَحْوَال ، فَكَانَ لَا يَمَلّ مِنْ عِبَادَة رَبّه وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهِ ، بَلْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَ " وَجُعِلَتْ قُرَّة عَيْنِي فِي الصَّلَاة " كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث أَنَس ، فَأَمَّا غَيْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا خَشِيَ الْمَلَل لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْرِه نَفْسه ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خُذُوا مِنْ الْأَعْمَال مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّه لَا يَمَلّ حَتَّى تَمَلُّوا " .)
ومما ورد في القصد والاعتدال في العبادة ما رواه عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما حيث قال:
(ذُكِرَ لَرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رِجَالٌ يَنْصِبُونَ فِى الْعِبَادَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ نَصَباً شَدِيداً. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تِلْكَ ضَرَاوَةُ الإِسْلاَمِ وَشِرَتُهُ وَلِكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَةٌ وَلِكُلِّ شِرَةٌ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلأُمٍّ مَا هُوَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى مَعَاصِى اللَّهِ فَذَلِكَ الْهَالِكُ » )حسنه الإمام الألباني في الصحيحة في تخريج حديث رقم 2850
فَلِأَمٍّ :أي قصد الطريق المستقيم . انظر " النهاية " . اهـ .
وفي معناه حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- قال:
( إن للإسلام شرة ،وإن لكل شرة فترة ، فإن [كان] صاحبها سدد وقارب فارجوه ، وإن أشير إليه بالأصابع فلا ترجوه ) ( الصحيحة برقم 2850)
وفي رواية الترمذي :(إن لكل شىء شرة )
وقال الترمذي عقب الحديث السابق:وقد [روي] عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال) بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ) أورده الألباني وسكت عنه في صحيح سنن الترمذي: 2453
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا شَدِيدًا فَقَالَ تِلْكَ ضَرَاوَةُ الْإِسْلَامِ وَشِرَّتُهُ وَلِكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى اقْتِصَادٍ وَسُنَّةٍ فَلِأَمٍّ مَا هُوَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْمَعَاصِي فَذَلِكَ الْهَالِكُ" ( رواه أحمد في المسند 6539) قال ال*** شعيب الأرناؤوط : صحيح لغيره , وهذا إسناد حسن.
ندم عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- على ما كلف نفسه من زيادة في العبادة شقت عليه عندما تقدم في السن :
روى البخاري في صحيحه قال:
( حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَنْكَحَنِى أَبِى امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا فَتَقُولُ نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُذْ أَتَيْنَاهُ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « الْقَنِى بِهِ » . فَلَقِيتُهُ بَعْدُ فَقَالَ « كَيْفَ تَصُومُ » . قَالَ كُلَّ يَوْمٍ . قَالَ « وَكَيْفَ تَخْتِمُ » . قَالَ كُلَّ لَيْلَةً . قَالَ « صُمْ فِى كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةً وَاقْرَإِ الْقُرْآنَ فِى كُلِّ شَهْرٍ » . قَالَ قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ « صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِى الْجُمُعَةِ » . قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ « أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا » . قَالَ قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ « صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمِ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ وَاقْرَأْ فِى كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً » .
فَلَيْتَنِى قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَذَاكَ أَنِّى كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السُّبْعَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالنَّهَارِ وَالَّذِى يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ كَرَاهِيةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِى ثَلاَثٍ وَفِى خَمْسٍ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ .)
قال الحافظ في الفتح:
"قَوْله : ( لَمْ يَطَأ لَنَا فِرَاشًا )
أَيْ لَمْ يُضَاجِعنَا حَتَّى يَطَأ فِرَاشنَا .
قَوْله : ( وَلَمْ يُفَتِّش لَنَا كَنَفًا )
هُوَ السِّتْر وَالْجَانِب ، وَأَرَادَتْ بِذَلِكَ الْكِنَايَة عَنْ عَدَم جِمَاعه لَهَا.
قَوْله : ( فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ )
أَيْ عَلَى عَمْرو
( ذَكَرَ ذَلِكَ للنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
وَكَأَنَّهُ تَأَنَّى فِي شَكْوَاهُ رَجَاء أَنْ يَتَدَارَك ، فَلَمَّا تَمَادَى عَلَى حَاله خَشِيَ أَنْ يَلْحَقهُ إِثْم بِتَضْيِيعِ حَقّ الزَّوْجَة فَشَكَاهُ .
وعند أحمد في المسند:
عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: زَوَّجَنِي أَبِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيَّ جَعَلْتُ لَا أَنْحَاشُ لَهَا مِمَّا بِي مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى كَنَّتِهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ قَالَتْ خَيْرَ الرِّجَالِ أَوْ كَخَيْرِ الْبُعُولَةِ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا وَلَمْ يَعْرِفْ لَنَا فِرَاشًا فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَعَذَمَنِي وَعَضَّنِي بِلِسَانِهِ فَقَالَ أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ ذَاتَ حَسَبٍ فَعَضَلْتَهَا وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَانِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي أَتَصُومُ النَّهَارَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَمَسُّ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي قَالَ اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِمَّا حُصَيْنٌ وَإِمَّا مُغِيرَةُ قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ قَالَ ثُمَّ قَالَ صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قُلْتُ إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُنِي حَتَّى قَالَ صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ وَهُوَ صِيَامُ أَخِي دَاوُدَ قَالَ حُصَيْنٌ فِي حَدِيثِهِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ لِكُلِّ عَابِدٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَإِمَّا إِلَى سُنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى بِدْعَةٍ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ قَالَ مُجَاهِدٌ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو حَيْثُ ضَعُفَ وَكَبِرَ يَصُومُ الْأَيَّامَ كَذَلِكَ يَصِلُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ لِيَتَقَوَّى بِذَلِكَ ثُمَّ يُفْطِرُ بِعَدِّ تِلْكَ الْأَيَّامِ قَالَ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ حِزْبِهِ كَذَلِكَ يَزِيدُ أَحْيَانًا وَيَنْقُصُ أَحْيَانًا غَيْرَ أَنَّهُ يُوفِي الْعَدَدَ إِمَّا فِي سَبْعٍ وَإِمَّا فِي ثَلَاثٍ قَالَ ثُمَّ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ لَأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ أَوْ عَدَلَ لَكِنِّي فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ( رواه أحمد في 6477) قال ال*** شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط ال***ين
(*) الشرة : النشاط والرغبة
(*) الفترة : الكسل والضعف
قال أبو جعفر[الطبري]:
( فطلبنا معنى هذه الشرة المذكورة في هذه الآثار ما هو فوجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا قال ثنا إبراهيم بن بشار قال حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس قال ذكر الاجتهاد فقيل تلك حدة الإسلام وشرته ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنة فقد هدي ومن كانت فترته إلى بدعة أو ضلالة فقد ضل قال أبو جعفر فوقفنا بذلك على أنها هي الحدة في الأمور التي يريدها المسلمون من أنفسهم في أعمالهم التي يتقربون بها إلى ربهم عز وجل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب منهم فيها ما دون الحدة التي لا بد لهم من التقصير عنها والخروج منها إلى غيرها وأمرهم بالتمسك من الأعمال الصالحة بما قد يجوز دوامهم عليه ولزومهم إياه حتى يلقوا ربهم عز وجل عليه وروي عنه صلى الله عليه وسلم في كشف ذلك المعنى أنه أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل وقد ذكرنا ذلك وما قد روي في غير هذا الموضع مما قد تقدم منا في كتابنا هذا فغنينا بذلك عن إعادته والله نسأله التوفيق)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته:)
منقووووول