سلطان 11
13 - 4 - 2008, 09:50 AM
رسالة المدرّس المثالي
بقلم ال***: محمد المهدي محمود علي
المدرس في دار الحديث بالمدينة التابعة للجامعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطفاه الله رحمة للعالمين سيدنا محمد النبي الكريم وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن الحديث عن رسالة المعلم المثالي جميل يقدر ما في رسالته من جمال وسمو، وجمال رسالة المعلم مستمد من شرف رسالته، إنها رسالة العلم والنور والسعادة، رسالة الهدي والخير والفلاح ولقد شرف الله سبحانه وتعالى تلك الرسالة العظيمة بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}.
وقال جل شأنه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ، وأمر الله عز وجل المصطفى صلى الله عليه وسلم بدعاء عظيم فقال:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}.
وعلى ضوء هذا التوجيه الرباني دعا الهادي الأمين رسول الرحمة، ومعلم البشرية، ونبي الإنسانية المصطفى صلى الله عليه وسلم، دعا الناس إلى الحرص على التعليم وعلى العلم فقال صلوات الله وسلامه عليه: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، وقال أيضا: "ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة "، وقال: " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع " وقال صلوات الله وسلامه عليه: " لن يشبع مؤمن من خير يكون منتهاه الجنة ".
هذه الآيات الكريمة وهذه الأحاديث الشريفة قرأها المدرس المثالي وفهمها ووعاها، إن الله سبحانه وتعالى كرّم العلم والعلماء، وإن المصطفى صلى الله عليه وسلم توج هاتيك الرسالة بما يخلد شرفها، فقال صلوات الله وسلامه عليه: "إنما بعثت معلما".
ومن ثنايا هذه المعاني السامية عرف المعلم والمدرس المثالي أنه صاحب رسالة عظيمة بناء عن الدور العظيم الذي يقوم به ويؤديه، إنه يشعر بأنه يؤدي رسالة كريمة، وهذا الشعور منبعث من شرف الرسالة نفسها: إنها رسالة أداء الأمانة أمانة العلم، ثم هي بعد ذلك أمانة تكوين الشباب، وتثقيفهم وتهذيبهم وتربيتهم تربية تعتمد عليها أمة تريد أن تحيا عزيزة كريمة، وهل تحيا الأمة وتنهض إلا بشبابها العامل الناهض المتوثب الطموح إلى المعاني، والعز، والسؤدد.
هذه الرسالة العظيمة بطلها المدرس المثالي، هذه الأمنية المنشودة بطلها المعلم الفاضل، إذًا فنحن الآن نريد أن نلقي بعض الضوء على هذا البطل العظيم وعن هذا المكافح من أجل نهضة الشباب عماد الأمة وثروتها ومجدها، إننا نراه يرسم صورة كريمة ومثلا أعلى يقتدى به، نراه مثاليا في اتجاهه نحو تحقيق رسالة على خير الوجوه وأكملها، تتجلى هذه الصورة الكريمة فيما يلي:
أولا: نظرته إلى المدرسة.
ثانيا: معاملته مع إدارة المدرسة.
ثالثا: سلوكه مع الزملاء.
ثم بعد ذلك الناحية العلمية وتشمل على:
أ- قوة المادة.
ب- طريقة التدريس:
1- ما أجمل نظرته إلى المدرسة إنه ينظر إلى مدرسته على أنها محراب مقدس محراب العلم والمعرفة، إنها بستان وارف الظلال طيب الثمار، إنها جنة مباركة ثمارها العلم والعرفان، والنور والإيمان، والروح والريحان، فسعد بمدرسته وسعدت به مدرسته.
2- وما أسمى معاملته مع إدارة المدرسة ومع المربي الجليل مدير المدرسة إنه يتعاون مع الهيئة المشرفة على الإدارة والتوجيه تعاونا بناء في محبة، وعن فن وخبرة، يقدم المعونة في تواضع، والمشورة في احترام، والرأي قي أدب جم، ينم عن خلق أصيل، وأصل عريق، وبيئة كريمة، وصفات عالية نبيلة، ونفسية مهذبة، وعقلية راجحة، وثقافة ممتازة، ولذا كان محل تقدير وإجلال واحترام من الهيئة المشرفة على الإدارة، ومحل ثقة وإعجاب، وزمالة نبيلة من المربي الجليل مدير المدرسة.
3- ما أسعد الزملاء بهذا الأخ الكريم الذي تتجلى فيه صفات الأخوة الحقة إنه يعامل الزملاء في عطف ومحبة إنه يعرف معنى الزمالة النبيلة، يحترم الكبير، ويعطف على الصغير، إنها زمالة في روضة العلم، في محرابه المقدس.
إن الجميع ينظر إليه نظرة محبة وتقدير، لما يتصف به من مكارم الأخلاق العالية، إنه يدخل المدرسة فيصافح الجميع هاشا باشا في أدب مستفسرا عن إخوانه وزملائه، يريد أن يطمئن على جميع أسرة المدرسة ثم هو على درجة كبيرة من العلم والحكمة، لذا كان مرجعا وافيا لزملائه، يستشيرونه في حل المسائل العلمية، فيجدونه البحر الزاخر الوافي فيتلفظ بالدر والجواهر يتحدث في أدب وحكمة، بأسلوب سهل جميل ممتع، يبحث، ويحقق، ويتجاذب أطراف الحديث حتى يظهر الحقيقة في جمالها ورونقها، وبهجتها وصفائها، ثم هو يشعر السائل *****تفتي بالاحترام والتقدير، والإجلال والإعجاب، فأنس به الجميع واطمأنوا إلى علمه الذي يقدمه في حلاوة وطلاوة فيثمر الثمرة المرجوة من الإجابة والإفادة والاستفادة، تلك هي نفحة من رسالة المدرس المثالي أو هي شقة من رحيق رسالته السامية تفرعت من ثلاثة أغصان اقتطفناها من:
أولا: نظرة المدرس للمدرسة.
ثانيا: سلوكه وتعاونه القلبي مع إدارة المدرسة ومع المربي الجليل مدير المدرسة.
ثالثا: أدبه وخلقه مع إخوانه وزملائه أعضاء هيئة التدريس والسادة المربين.
ونتحدث الآن عن الناحية العلمية في شخصية المدرس المثالي، لقد شب وترعرع منذ نشأته محبا للعلم، والاستفادة، والتزود من ثمار إنتاج العلماء المفكرين، يحرص على الاطلاع، ويدأب على القراءة، ويواظب على ارتشاف رحيق العلم والمعرفة متحليا بالأخلاق العالية، الأخلاق الإسلامية التي تجعل من الإنسان إنسانا حقا بمعنى الكلمة، ترى فيه الصفاء والخير فنال الشهادات النهائية بتفوق وجدارة واستحقاق، وحينما نال شرف الانتماء إلى الأسرة العلمية أسرة التوجيه والإرشاد أسرة المدرسين والمربين ضاعف من جده واجتهاده في الارتشاف من رحيق العلم واقتطاف ثماره الطيبة المباركة إنه يحرص كل الحرص على أن يكون قويا في علومه ممتازا في مادته، موضع تقدير رؤسائه وثقة مفتشيه، وإجلالهم ومحبتهم، إنه يريد أن يعطي العلم حقه رغبة في رضاء الله وعشما في أن يؤدي رسالته على خير ما يحبه الله ويرضاه كي يفوز بالسعادة في دنياه وأخراه.
إن المدرس المثالي يحرص كل الحرص على أن تكون له مكتبة يعتز بها ويحرص على تنميتها، ويتفنن في تنسيقها وترتيبها وتبويبها وفهرستها على أحدث النظم وأجملها وأبدعها، تشتمل هذه المكتبة على العلوم عامة وعلى كتب المادة التي يسعد بتدريسها خاصة، وتضم هذه المكتبة في مقدمتها مصحفا كريما وبعض كتب التفسير وكتب السنة النبوية المطهرة والسيرة النبوية وتاريخ أصحاب رسل الله صلى الله عليه وسلم وتاريخ رجال الإسلام في عصوره المختلفة وكتب اللغة العربية بفنونها المتعددة ومن الكتب التي أنصح كل مسلم بقراءتها والحرص عليها:
أولا- كتاب تفسير ابن كثير وهو تفسير سلفي سهل جميل، وكتب السنة أيضا كلها مباركة وفي مقدمتها موطأ الإمام مالك رضي الله عنه وجزاه الله خير الجزاء وصحيح البخاري رضي الله عنه وشرح صحيح مسلم للإمام النووي رضي الله عنه وعن الجميع وهناك كتاب سهل جميل ومبارك أنصح كل مسلم بقراءته وهو كتاب رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو كتاب عظيم الفائدة جمعه ال*** النووي رضي الله عنه، هذا الإمام الذي ضرب مثلا عاليا في الورع والجد، والاجتهاد في العلم، ونصيحة الملوك، لا يخشى في الله لومة لائم وقد كان رحمه الله حجة في الحديث والفقه واللغة، وودع الدنيا عن خمس وأربعين سنة وترك مؤلفات ضخمة انتفع بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وفي ومقدمتها شرح صحيح مسلم وكتب الفقه في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، ومن الكتب العظيمة النفع أيضا كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد المصطفى صلى الله عليه وسلم وكتاب الشمائل للترمذي تحدث فيه عن شمائل النبي صلوات الله وسلامه عليه، وأما كتب اللغة العربية فلا بد للمدرس أن يطلع على الكتب القديمة والكتب الحديثة وبذلك يجمع بين قوة المادة الموجودة في الكتب المؤلفة قديما، وبين سهولة عرض المادة الموجودة في الكتب الحديثة، ولا تغني إحداهما عن الأخرى.
إن الحديث عن الناحية العلمية في شخصية المدرس المثالي حديث مثمر جميل وحسبنا أننا اقتطفنا زهرة من تلك الروضة الباسمة اليانعة، وننتقل إلى الحديث عن طريقة التدريس وعرض آثاره العلمية للطلاب –هناك طرق كثيرة للتدريس وعرض المادة وقد تكلم العلماء قديما وحديثا في مجالات كثيرة في علوم التربية وطرق التدريس وعلم النفس ونحن الآن لا نتعرض لمسائل فنية تحتاج إلى كثير من الوقت ولكننا سننظر إلى الثمرة فحسب.
إن إخلاص المدرس وحرصه على تفهيم الطلاب وتثقيفهم يدفعه لاختيار أحب الطرق في إلقاء دروسه فمن ذلك ما نراه من حرص المدرس على أن يضع المادة دائما في صورة جميلة جذابة إنه تارة يسلك الطريقة الاستنباطية بأن يسير مع التلاميذ خطوة خطوة حتى يستنبط القواعد، وتارة أخرى يحاول أن يستنتج من نفس الأمثلة والشواهد، ولا بد للمدرس أن يستعمل السبورة في تفهيم التلاميذ وأن يضع المعلومات في جداول، وأن يكتب الأمثلة وأمامها القاعدة ويوجه أنظار التلاميذ للاستنباط والاستنتاج، والمدرس بحسب تجاربه وإخلاصه للعمل يعرف كيف يوصل المعلومات لأذهان التلاميذ ولنا كلمة مع أساتذة اللغة العربية ذلك أننا يجب أن نحرص على ضرب الأمثلة الحديثة وفي نفس الوقت تربي وتغرس الأخلاق الجميلة وفي مادتي الإملاء والإنشاء نستطيع أن نعطي الطلاب موضوعات مناسبة تساعدنا على أهدافنا في تربية الشباب وصقل نفوسهم وتهذيبهم، فمثلا يضع المدرس في مادة الإملاء موضوعات بالعناوين الآتية:
القرآن الكريم نور من الله- عطف الرسول صلى الله عليه وسلم وبره بالفقراء – عدالة عمر بن الخطاب – زهد عمر بن عبد العزيز – ورع الإمام أحمد بن حنبل.
ومن الموضوعات الخلقية أيضا الموضوعات الآتية:
مضار التدخين ويقول في هذا الموضوع مثلا: انتشرت في بعض الأوساط عادة مرذولة وبدعة قبيحة مذمومة هي عادة شرب الدخان، هي عادة نقلها بعض الناس عن الأجانب والكفار، وقد ثبت طبيا أن شرب الدخان يؤثر على الجسم عامة، ويسبب له الضعف وقد قامت المعامل الحديثة العلمية بإجراء تجارب هامة على شاربي الدخان فوجد أنه يسبب سرطان الرئة، وتصلب الشرايين وهبوط القلب.
فاحذر أيها الشاب الناشئ أن تقترب من هذه العادة القذرة التي ينبو عنها أولوا العقول السليمة والأفئدة المستنيرة وحافظ على صحتك ومستقبلك وابتعد عن هذا العمل الذي ي*** لك الضعف، والفقر، والذل، والهوان.
وفي مادة الإنشاء مثلا يلقي عليهم هذا الموضوع:
((طالب ناجح يتحدث عما قام به من أعمال ))
كنت أقوم من نومي مبكرا، وأحرص على صلاة الفجر أداء لفرض الله، وشكرا للمنعم جل وعلا ثم أستذكر الدروس بعض الوقت ثم أتناول طعام إفطاري ثم أذهب إلى المدرسة وأحرص كل الحرص على الإصغاء التام لشرح المدرس وأطيع أوامر أستاذي وأعامل زملائي في المدرسة معاملة كريمة إنني أحرص على مصادقة الزملاء الممتازين علما وخلقا وإذا عدت إلى المنزل أطيع أوامر والديّ وأحرص على استذكار الدروس.
وهكذا نرى المدرس المخلص يؤدي رسالته في إخلاص وجد وكفاح وإنتاج، والمدرسون عامة وأساتذة التربية الدينية خاصة لهم دور خطير في هذه الأيام بالنسبة لسريان موجات عنيفة من التحلل الخلقي والمبادئ الهدامة البعيدة عن الدين وعن مكارم الأخلاق _التي تنتشر عن طريق بعض أجهزة الإعلام عن طريق بعض الروايات التمثيلية الأجنبية الفاجرة والإذاعات المنحلة والصحف الخليعة والثقافات التافهة_ والمدرس المثالي والمربي الجليل يضرب لأبنائه مثلا أعلى في الأخلاق بسلوكه وحسن أدبه فهو قدوة حسنة أمام أبنائه، يجيب الطلاب في استذكار القرآن الكريم ويغرس فيهم العقيدة السليمة والمبادئ الحسنة والأخلاق الإسلامية يبصرهم بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ويشوقهم لدراسة حياة عظماء الإسلام.
إن المعلم الفاضل يلقن أبناءه هذه الحكمة الغالية الثمينة:
إذا أردت أن تكون عظيما فاقرأ سير عظماء الرجال وابدأ بسير عظماء الإسلام وسترى عظمة الأخلاق في نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغر الميامين، إن المثل العليا في حياة الشباب لها دور عظيم في تربية الشباب وتقويمهم وسلوكهم الطريق المستقيم، والنشاط الثقافي مجال عظيم للمدرسين أصحاب الهمم العالية والقيم الخلقية، فينبغي أن تنتفع بميول الطلاب ونشاطهم وتفسح لهم المجال في الانضمام إلى لجان النشاط كل بحسب رغبته وميوله فمثلا تكون هناك لجان كثيرة منها:
لجنة الخطابة والمحاضرات _ الصحافة _ التاريخ وأبطال الإسلام _ الرحلات _النشاط المكتبي – تأليف الرسائل عن أبطال الإسلام.
وأما النشاط الرياضي فنحرص كل الحرص على ما يوافق طبيعة البلاد وما هي في حاجة إليه فمثلا نظام الكشافة وركوب الدرجات والسيارات، وذلك بالنسبة للرحلات إلى الأماكن التاريخية وخدمة ضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام _ ثم المشروعات التي يقوم بها الطلاب كمشروع تشجير المدرسة وبعض الصناعات الزراعية مثل تقطير الزهور المأخوذة من المدرسة وبذلك يتكون الطالب العصامي الذي ينجح في الحياة ولا يكون عبئا ثقيلا على أسرته وعندما يرتفع صوت المؤذن، منادي السماء الله أكبر، الله أكبر… يسارع الجميع للصلاة يتقدمهم الأساتذة الفضلاء وبذلك تكون المدرسة مركز إشعاع للعلم والخير والبناء، وتسير كما تسير السفينة إلى شاطئ النجاة وفي مقدمتها القائد *****اعدون والجند ففي مقدمتها المدير والمدرسون والطلاب، بسم الله مجريها ومرساها إلى الروضة الوارفة الظلال، الطيبة الثمار، هذه الروضة التي نصل إليها الآن إنما هي إيجاد مجتمع سعيد بأفراده الذين تخرجوا على يد المدرس المثالي المدرس صاحب الرسالة السامية.
أما بعد: فمن هذا الإنسان الذي يسعى ليلا ونهارا ليغرس الفضائل في شباب الجيل، يسعى كما يسعى النحل إلى الزهور الجميلة، يقتطف منها ليحولها إلى الشهد المصفى، كي يكون شفاء للأجسام والأرواح والنفوس.
إنه عظيم في رسالته، نبيل في أدبه، عظيم في علمه وخلقه، إنه المدرس المثالي الذي ننشده ليعمل في بلاد مباركة لكي ينشر العلم والنور في بلاد شع منها العلم والنور في البلاد المقدسة المباركة منبع الهدى والفرقان ومطلع البدر المشرق والسراج المنير المصطفى صلى الله عليه وسلم…
بقلم ال***: محمد المهدي محمود علي
المدرس في دار الحديث بالمدينة التابعة للجامعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطفاه الله رحمة للعالمين سيدنا محمد النبي الكريم وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن الحديث عن رسالة المعلم المثالي جميل يقدر ما في رسالته من جمال وسمو، وجمال رسالة المعلم مستمد من شرف رسالته، إنها رسالة العلم والنور والسعادة، رسالة الهدي والخير والفلاح ولقد شرف الله سبحانه وتعالى تلك الرسالة العظيمة بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}.
وقال جل شأنه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ، وأمر الله عز وجل المصطفى صلى الله عليه وسلم بدعاء عظيم فقال:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}.
وعلى ضوء هذا التوجيه الرباني دعا الهادي الأمين رسول الرحمة، ومعلم البشرية، ونبي الإنسانية المصطفى صلى الله عليه وسلم، دعا الناس إلى الحرص على التعليم وعلى العلم فقال صلوات الله وسلامه عليه: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، وقال أيضا: "ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة "، وقال: " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع " وقال صلوات الله وسلامه عليه: " لن يشبع مؤمن من خير يكون منتهاه الجنة ".
هذه الآيات الكريمة وهذه الأحاديث الشريفة قرأها المدرس المثالي وفهمها ووعاها، إن الله سبحانه وتعالى كرّم العلم والعلماء، وإن المصطفى صلى الله عليه وسلم توج هاتيك الرسالة بما يخلد شرفها، فقال صلوات الله وسلامه عليه: "إنما بعثت معلما".
ومن ثنايا هذه المعاني السامية عرف المعلم والمدرس المثالي أنه صاحب رسالة عظيمة بناء عن الدور العظيم الذي يقوم به ويؤديه، إنه يشعر بأنه يؤدي رسالة كريمة، وهذا الشعور منبعث من شرف الرسالة نفسها: إنها رسالة أداء الأمانة أمانة العلم، ثم هي بعد ذلك أمانة تكوين الشباب، وتثقيفهم وتهذيبهم وتربيتهم تربية تعتمد عليها أمة تريد أن تحيا عزيزة كريمة، وهل تحيا الأمة وتنهض إلا بشبابها العامل الناهض المتوثب الطموح إلى المعاني، والعز، والسؤدد.
هذه الرسالة العظيمة بطلها المدرس المثالي، هذه الأمنية المنشودة بطلها المعلم الفاضل، إذًا فنحن الآن نريد أن نلقي بعض الضوء على هذا البطل العظيم وعن هذا المكافح من أجل نهضة الشباب عماد الأمة وثروتها ومجدها، إننا نراه يرسم صورة كريمة ومثلا أعلى يقتدى به، نراه مثاليا في اتجاهه نحو تحقيق رسالة على خير الوجوه وأكملها، تتجلى هذه الصورة الكريمة فيما يلي:
أولا: نظرته إلى المدرسة.
ثانيا: معاملته مع إدارة المدرسة.
ثالثا: سلوكه مع الزملاء.
ثم بعد ذلك الناحية العلمية وتشمل على:
أ- قوة المادة.
ب- طريقة التدريس:
1- ما أجمل نظرته إلى المدرسة إنه ينظر إلى مدرسته على أنها محراب مقدس محراب العلم والمعرفة، إنها بستان وارف الظلال طيب الثمار، إنها جنة مباركة ثمارها العلم والعرفان، والنور والإيمان، والروح والريحان، فسعد بمدرسته وسعدت به مدرسته.
2- وما أسمى معاملته مع إدارة المدرسة ومع المربي الجليل مدير المدرسة إنه يتعاون مع الهيئة المشرفة على الإدارة والتوجيه تعاونا بناء في محبة، وعن فن وخبرة، يقدم المعونة في تواضع، والمشورة في احترام، والرأي قي أدب جم، ينم عن خلق أصيل، وأصل عريق، وبيئة كريمة، وصفات عالية نبيلة، ونفسية مهذبة، وعقلية راجحة، وثقافة ممتازة، ولذا كان محل تقدير وإجلال واحترام من الهيئة المشرفة على الإدارة، ومحل ثقة وإعجاب، وزمالة نبيلة من المربي الجليل مدير المدرسة.
3- ما أسعد الزملاء بهذا الأخ الكريم الذي تتجلى فيه صفات الأخوة الحقة إنه يعامل الزملاء في عطف ومحبة إنه يعرف معنى الزمالة النبيلة، يحترم الكبير، ويعطف على الصغير، إنها زمالة في روضة العلم، في محرابه المقدس.
إن الجميع ينظر إليه نظرة محبة وتقدير، لما يتصف به من مكارم الأخلاق العالية، إنه يدخل المدرسة فيصافح الجميع هاشا باشا في أدب مستفسرا عن إخوانه وزملائه، يريد أن يطمئن على جميع أسرة المدرسة ثم هو على درجة كبيرة من العلم والحكمة، لذا كان مرجعا وافيا لزملائه، يستشيرونه في حل المسائل العلمية، فيجدونه البحر الزاخر الوافي فيتلفظ بالدر والجواهر يتحدث في أدب وحكمة، بأسلوب سهل جميل ممتع، يبحث، ويحقق، ويتجاذب أطراف الحديث حتى يظهر الحقيقة في جمالها ورونقها، وبهجتها وصفائها، ثم هو يشعر السائل *****تفتي بالاحترام والتقدير، والإجلال والإعجاب، فأنس به الجميع واطمأنوا إلى علمه الذي يقدمه في حلاوة وطلاوة فيثمر الثمرة المرجوة من الإجابة والإفادة والاستفادة، تلك هي نفحة من رسالة المدرس المثالي أو هي شقة من رحيق رسالته السامية تفرعت من ثلاثة أغصان اقتطفناها من:
أولا: نظرة المدرس للمدرسة.
ثانيا: سلوكه وتعاونه القلبي مع إدارة المدرسة ومع المربي الجليل مدير المدرسة.
ثالثا: أدبه وخلقه مع إخوانه وزملائه أعضاء هيئة التدريس والسادة المربين.
ونتحدث الآن عن الناحية العلمية في شخصية المدرس المثالي، لقد شب وترعرع منذ نشأته محبا للعلم، والاستفادة، والتزود من ثمار إنتاج العلماء المفكرين، يحرص على الاطلاع، ويدأب على القراءة، ويواظب على ارتشاف رحيق العلم والمعرفة متحليا بالأخلاق العالية، الأخلاق الإسلامية التي تجعل من الإنسان إنسانا حقا بمعنى الكلمة، ترى فيه الصفاء والخير فنال الشهادات النهائية بتفوق وجدارة واستحقاق، وحينما نال شرف الانتماء إلى الأسرة العلمية أسرة التوجيه والإرشاد أسرة المدرسين والمربين ضاعف من جده واجتهاده في الارتشاف من رحيق العلم واقتطاف ثماره الطيبة المباركة إنه يحرص كل الحرص على أن يكون قويا في علومه ممتازا في مادته، موضع تقدير رؤسائه وثقة مفتشيه، وإجلالهم ومحبتهم، إنه يريد أن يعطي العلم حقه رغبة في رضاء الله وعشما في أن يؤدي رسالته على خير ما يحبه الله ويرضاه كي يفوز بالسعادة في دنياه وأخراه.
إن المدرس المثالي يحرص كل الحرص على أن تكون له مكتبة يعتز بها ويحرص على تنميتها، ويتفنن في تنسيقها وترتيبها وتبويبها وفهرستها على أحدث النظم وأجملها وأبدعها، تشتمل هذه المكتبة على العلوم عامة وعلى كتب المادة التي يسعد بتدريسها خاصة، وتضم هذه المكتبة في مقدمتها مصحفا كريما وبعض كتب التفسير وكتب السنة النبوية المطهرة والسيرة النبوية وتاريخ أصحاب رسل الله صلى الله عليه وسلم وتاريخ رجال الإسلام في عصوره المختلفة وكتب اللغة العربية بفنونها المتعددة ومن الكتب التي أنصح كل مسلم بقراءتها والحرص عليها:
أولا- كتاب تفسير ابن كثير وهو تفسير سلفي سهل جميل، وكتب السنة أيضا كلها مباركة وفي مقدمتها موطأ الإمام مالك رضي الله عنه وجزاه الله خير الجزاء وصحيح البخاري رضي الله عنه وشرح صحيح مسلم للإمام النووي رضي الله عنه وعن الجميع وهناك كتاب سهل جميل ومبارك أنصح كل مسلم بقراءته وهو كتاب رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو كتاب عظيم الفائدة جمعه ال*** النووي رضي الله عنه، هذا الإمام الذي ضرب مثلا عاليا في الورع والجد، والاجتهاد في العلم، ونصيحة الملوك، لا يخشى في الله لومة لائم وقد كان رحمه الله حجة في الحديث والفقه واللغة، وودع الدنيا عن خمس وأربعين سنة وترك مؤلفات ضخمة انتفع بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وفي ومقدمتها شرح صحيح مسلم وكتب الفقه في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، ومن الكتب العظيمة النفع أيضا كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد المصطفى صلى الله عليه وسلم وكتاب الشمائل للترمذي تحدث فيه عن شمائل النبي صلوات الله وسلامه عليه، وأما كتب اللغة العربية فلا بد للمدرس أن يطلع على الكتب القديمة والكتب الحديثة وبذلك يجمع بين قوة المادة الموجودة في الكتب المؤلفة قديما، وبين سهولة عرض المادة الموجودة في الكتب الحديثة، ولا تغني إحداهما عن الأخرى.
إن الحديث عن الناحية العلمية في شخصية المدرس المثالي حديث مثمر جميل وحسبنا أننا اقتطفنا زهرة من تلك الروضة الباسمة اليانعة، وننتقل إلى الحديث عن طريقة التدريس وعرض آثاره العلمية للطلاب –هناك طرق كثيرة للتدريس وعرض المادة وقد تكلم العلماء قديما وحديثا في مجالات كثيرة في علوم التربية وطرق التدريس وعلم النفس ونحن الآن لا نتعرض لمسائل فنية تحتاج إلى كثير من الوقت ولكننا سننظر إلى الثمرة فحسب.
إن إخلاص المدرس وحرصه على تفهيم الطلاب وتثقيفهم يدفعه لاختيار أحب الطرق في إلقاء دروسه فمن ذلك ما نراه من حرص المدرس على أن يضع المادة دائما في صورة جميلة جذابة إنه تارة يسلك الطريقة الاستنباطية بأن يسير مع التلاميذ خطوة خطوة حتى يستنبط القواعد، وتارة أخرى يحاول أن يستنتج من نفس الأمثلة والشواهد، ولا بد للمدرس أن يستعمل السبورة في تفهيم التلاميذ وأن يضع المعلومات في جداول، وأن يكتب الأمثلة وأمامها القاعدة ويوجه أنظار التلاميذ للاستنباط والاستنتاج، والمدرس بحسب تجاربه وإخلاصه للعمل يعرف كيف يوصل المعلومات لأذهان التلاميذ ولنا كلمة مع أساتذة اللغة العربية ذلك أننا يجب أن نحرص على ضرب الأمثلة الحديثة وفي نفس الوقت تربي وتغرس الأخلاق الجميلة وفي مادتي الإملاء والإنشاء نستطيع أن نعطي الطلاب موضوعات مناسبة تساعدنا على أهدافنا في تربية الشباب وصقل نفوسهم وتهذيبهم، فمثلا يضع المدرس في مادة الإملاء موضوعات بالعناوين الآتية:
القرآن الكريم نور من الله- عطف الرسول صلى الله عليه وسلم وبره بالفقراء – عدالة عمر بن الخطاب – زهد عمر بن عبد العزيز – ورع الإمام أحمد بن حنبل.
ومن الموضوعات الخلقية أيضا الموضوعات الآتية:
مضار التدخين ويقول في هذا الموضوع مثلا: انتشرت في بعض الأوساط عادة مرذولة وبدعة قبيحة مذمومة هي عادة شرب الدخان، هي عادة نقلها بعض الناس عن الأجانب والكفار، وقد ثبت طبيا أن شرب الدخان يؤثر على الجسم عامة، ويسبب له الضعف وقد قامت المعامل الحديثة العلمية بإجراء تجارب هامة على شاربي الدخان فوجد أنه يسبب سرطان الرئة، وتصلب الشرايين وهبوط القلب.
فاحذر أيها الشاب الناشئ أن تقترب من هذه العادة القذرة التي ينبو عنها أولوا العقول السليمة والأفئدة المستنيرة وحافظ على صحتك ومستقبلك وابتعد عن هذا العمل الذي ي*** لك الضعف، والفقر، والذل، والهوان.
وفي مادة الإنشاء مثلا يلقي عليهم هذا الموضوع:
((طالب ناجح يتحدث عما قام به من أعمال ))
كنت أقوم من نومي مبكرا، وأحرص على صلاة الفجر أداء لفرض الله، وشكرا للمنعم جل وعلا ثم أستذكر الدروس بعض الوقت ثم أتناول طعام إفطاري ثم أذهب إلى المدرسة وأحرص كل الحرص على الإصغاء التام لشرح المدرس وأطيع أوامر أستاذي وأعامل زملائي في المدرسة معاملة كريمة إنني أحرص على مصادقة الزملاء الممتازين علما وخلقا وإذا عدت إلى المنزل أطيع أوامر والديّ وأحرص على استذكار الدروس.
وهكذا نرى المدرس المخلص يؤدي رسالته في إخلاص وجد وكفاح وإنتاج، والمدرسون عامة وأساتذة التربية الدينية خاصة لهم دور خطير في هذه الأيام بالنسبة لسريان موجات عنيفة من التحلل الخلقي والمبادئ الهدامة البعيدة عن الدين وعن مكارم الأخلاق _التي تنتشر عن طريق بعض أجهزة الإعلام عن طريق بعض الروايات التمثيلية الأجنبية الفاجرة والإذاعات المنحلة والصحف الخليعة والثقافات التافهة_ والمدرس المثالي والمربي الجليل يضرب لأبنائه مثلا أعلى في الأخلاق بسلوكه وحسن أدبه فهو قدوة حسنة أمام أبنائه، يجيب الطلاب في استذكار القرآن الكريم ويغرس فيهم العقيدة السليمة والمبادئ الحسنة والأخلاق الإسلامية يبصرهم بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ويشوقهم لدراسة حياة عظماء الإسلام.
إن المعلم الفاضل يلقن أبناءه هذه الحكمة الغالية الثمينة:
إذا أردت أن تكون عظيما فاقرأ سير عظماء الرجال وابدأ بسير عظماء الإسلام وسترى عظمة الأخلاق في نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغر الميامين، إن المثل العليا في حياة الشباب لها دور عظيم في تربية الشباب وتقويمهم وسلوكهم الطريق المستقيم، والنشاط الثقافي مجال عظيم للمدرسين أصحاب الهمم العالية والقيم الخلقية، فينبغي أن تنتفع بميول الطلاب ونشاطهم وتفسح لهم المجال في الانضمام إلى لجان النشاط كل بحسب رغبته وميوله فمثلا تكون هناك لجان كثيرة منها:
لجنة الخطابة والمحاضرات _ الصحافة _ التاريخ وأبطال الإسلام _ الرحلات _النشاط المكتبي – تأليف الرسائل عن أبطال الإسلام.
وأما النشاط الرياضي فنحرص كل الحرص على ما يوافق طبيعة البلاد وما هي في حاجة إليه فمثلا نظام الكشافة وركوب الدرجات والسيارات، وذلك بالنسبة للرحلات إلى الأماكن التاريخية وخدمة ضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام _ ثم المشروعات التي يقوم بها الطلاب كمشروع تشجير المدرسة وبعض الصناعات الزراعية مثل تقطير الزهور المأخوذة من المدرسة وبذلك يتكون الطالب العصامي الذي ينجح في الحياة ولا يكون عبئا ثقيلا على أسرته وعندما يرتفع صوت المؤذن، منادي السماء الله أكبر، الله أكبر… يسارع الجميع للصلاة يتقدمهم الأساتذة الفضلاء وبذلك تكون المدرسة مركز إشعاع للعلم والخير والبناء، وتسير كما تسير السفينة إلى شاطئ النجاة وفي مقدمتها القائد *****اعدون والجند ففي مقدمتها المدير والمدرسون والطلاب، بسم الله مجريها ومرساها إلى الروضة الوارفة الظلال، الطيبة الثمار، هذه الروضة التي نصل إليها الآن إنما هي إيجاد مجتمع سعيد بأفراده الذين تخرجوا على يد المدرس المثالي المدرس صاحب الرسالة السامية.
أما بعد: فمن هذا الإنسان الذي يسعى ليلا ونهارا ليغرس الفضائل في شباب الجيل، يسعى كما يسعى النحل إلى الزهور الجميلة، يقتطف منها ليحولها إلى الشهد المصفى، كي يكون شفاء للأجسام والأرواح والنفوس.
إنه عظيم في رسالته، نبيل في أدبه، عظيم في علمه وخلقه، إنه المدرس المثالي الذي ننشده ليعمل في بلاد مباركة لكي ينشر العلم والنور في بلاد شع منها العلم والنور في البلاد المقدسة المباركة منبع الهدى والفرقان ومطلع البدر المشرق والسراج المنير المصطفى صلى الله عليه وسلم…