محب الطاعة
1 - 6 - 2008, 11:20 PM
المربون الذين ثبتوا عند حافة السقوط
--------------------------------------------------------------------------------
مقالة اعجبتني واحببت نقلها لكم.
مضت ركائب الإسلام تنشر الدين وتقاتل من يعترضه في بلاد فارس ، ومن هناك جاء البشير إلى عمر بن الخطاب في المدينة المنورة فقال له : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح أعز الله به الإسلام وأهله ، وأذل به الكفر وأهله .
فحمد الله أمير المؤمنين وقال له : النعمان بعثك ؟
قال البشير : احتسب النعمان يا أمير المؤمنين .( يعني أنه قد قتل )
فبكى عمر واسترجع وقال : ومن ويحك ؟ ( يسأله عن الشهداء )
قال : فلان وفلان ... وعد له ناسا استشهدوا في تلك المعارك ، وسكت قليلا - وكأني به في تلك اللحظات وقد أطرق برأسه ثم رفعه - فقال : وآخرين لا تعرفهم يا أمير المؤمنين !
فبكى عمر رضي الله عنه وقال : \"وما يضيرهم ألا يعرفهم عمر ، ولكن الله يعرفهم \" (1).
وقفت أمام هذه الكلمات العمرية وقوف الخاشع المتبتل ، والحكيم المتأمل ، وقد حركت في فؤادي مشاعر لا أكاد أستبين فصل القول فيها .
ما أجملها من كلمات ! وما أروع ما تحمله من معاني سامية ! معاني لو أخذت بها الأمم لتقدمت وحققت أهدافها ، ولو تأصلت في القلوب لرأيت عظيم النفع الذي يتركه أصحابها، إنها معاني العمل من أجل الله ، ومن أجل أن يراني الله ، ومن أجل أن يعرفني الله ، ومن أجل أن يرضى عني الله ، ما أجملها عندما تكون هذه الكلمة ( ولكن الله يعرفهم ) مبدأ يحملها السائر المخلص في طريق الحياة ، ويستصحبها في الزمان الذي كادت الأمانة أن تقبض من قلوب الناس ، أو قد قبضت ، وبالذات في مجال بناء النفوس وتهذيبها ، في مجال التربية والتعليم ، في تلك المنشآت التي حري بها أن تصنع الأجيال وتبنيها ، ثم تخرجها ركب الحياة ليكون على سواعدها بناء البلاد ونماؤها .
على مدى السنوات الماضية وتعليمنا ماض على قدم وساق ، في تطوير المناهج إضافة وحذفا ، تلوينا وترتيبا ، وفي تطوير المعلمين تدريبا ومتابعة ، وفي تطوير الأنظمة واللوائح صياغة وتهذيبا . ولكن يظل كل ذلك التطوير لا معنى له في الواقع ، ولا فائدة تعود على الطلاب منه ، مادام أن المعلم المتمكن علميا ، والمخلص دينا ؛ غائبا عن ذلك المشهد ، أو نادرا كالمعدن النفيس .
ولقد أحسن د.عبد الكريم بكار عندما قال : \" إن صحة المناهج أمر ضروري وحيوي ، ولكن لا ينبغي أن يُظن أن تأثر الطلاب بها يفوق تأثرهم بسلوكيات مربيهم ، أو بوسائل الإعلام . وهذا يلقي على المربين مسؤولية كبرى ، ويدعوهم إلى التفكير في عواقب كل تصرف من تصرفاهم ، أو موقف من مواقفهم \" (2) .
فمن هنا يظل المعدن النفيس نفيسا ، وأعني بهم أولئك النوادر الذين جعلوا التربية هما ، وأخلصوا جهدهم لله ، وعملوا في ظل التجاهل عما يقومون به من جهود تحت مبدأ ( ولكن الله يعرفنا ) . فتراهم يثبتون على مبادئهم كالجبال التي لا تزعزعها الرياح ، ولا تُحبط آمالهم عندما تنصرف الجوائز المادية وشهادات التقدير في مناسبات التكريم العامة إلى غيرهم من أصحاب النشاطات الشكلية . بينما تزل أقدام آخرين فيتوقفون عن العطاء بدعوى أنهم لا يكرمون ، ولا يقدر لهم عمل ..
أيها المربون العظماء ، أيها المعلمون الأخفياء ، أيها الصالحون الأتقياء ، يكفيكم أن تعلموا بأن للعمل إذا أريد به وجه الله لذة ، لا تعدلها لذة ورقة كتبت عليها عبارات الثناء ، ولا درع نقش عليه بريق التميز . ولا تظنون بأنكم تفردتم يتكبد المتاعب ويتحمل المشاق ، فالجميع يتعب ويكابد { لقد خلقنا الإنسان في كبد } (3) ولكن شتان بين الجهدين ، جهد لله وما مكافآت الدنيا إلا تبع غير مقصود ، وجهد آخر للتقدير الدنيوي وليس للآخرة منه أي نصيب ، وقد قال ابن قيم الجوزية كلاما نفيسا يكتب بماء الذهب في استبيان هذا المعنى الكبير حيث قال : \" من رغب عن العمل لوجه الله تعالى ابتلاه الله بالعمل لوجوه الخلق ، فرغب عن العمل لمن ضره ونفعه وموته وسعادته بيده ، فابتلي بالعمل لمن لا يملك له شيئا من ذلك \" (4).
إن كثيرا من أولئك العاملين الذين تلوثت نياتهم - حتى أصبح همهم إبراز النشاط المادي من أجل طلب الثناء والتقدير - تراهم يتكاسلون عن العمل الخفي ، كحضور الحصص ، وإعداد الدروس ( ولا أعني به الإعداد الكتابي بل الإعداد العلمي الذهني ) و يستنكفون عن بذل النصيحة والإخلاص فيها ، و يفتقدون الصبر من أجل ترسيخ القيم الوجدانية في نفوس طلابهم ، لأن النية ليس فيها لله شيء ، ولذلك فهم لا يشعرون بقيمة أعمالهم ولا بأثرها ، وقد حدثني أحد الإخوة الذين عملوا من أجل إبراز النشاط الشكلي ومن الذين كرموا في إحدى المناسبات على مستوى إدارة التعليم قائلا : \" أنني أشعر بأنني لم أعمل شيئا ذا بال بالنسبة للطلاب ؛ إنما هي غرفة حثثت الطلاب على تزيينها باللوحات والكتيبات ذات المواضيع المتنوعة ، وكلفنا ذلك جهد عشرة أيام ، حتى جاء اليوم الموعود الذي يمر فيه مشرف النشاط الزائر من قبل الإدارة ويكتب تقييمه ، وعند ذلك انتهى كل شيء \" .
فهنيئا للمربين الصادقين الذين يتفاعلون مع طلابهم على مدار العام ، نصحا وإرشادا ، تربية وتعليما , يحثونهم على القراءة ، ويدلونهم على الكتب , ويكلفونهم بالبحوث النافعة , ويدربونهم على أنواع من المهارات النافعة ، وينفذون عددا من البرامج التي قد لا يهتم بها نشاط المدرسة الشكلي .
إن طريقهم هذا الذي سلكوه ، تعترضه المعوقات ، وتكتنفه الأشواك من كل جانب ، ومع ذلك فهم ثابتون على المبدأ ، رغم فتور البيئة التعليمية من حولهم ، وتهاوي مفاهيمها ، وضياع حقوق بعضهم المعنوية والمادية ، وهم ماضون لا تثنيهم تشويشات الفارغين ، و لا سقطات المثبطين ..... ولعلهم يحبطون في بعض الأحايين ، وقد ينقطعون قليلا ، ولكن ريثما يعودون إلى الساحة بعد أن تستنير قلوبهم بالإخلاص ، وبالمعاني السامية من قول عمر ( ولكن الله يعرفهم ) . أولئك هم المربون والمربيات الذين ثبتوا عند حافة السقوط ، بينما سقط الآخرون .
--------------------------------------------------------------------------------
مقالة اعجبتني واحببت نقلها لكم.
مضت ركائب الإسلام تنشر الدين وتقاتل من يعترضه في بلاد فارس ، ومن هناك جاء البشير إلى عمر بن الخطاب في المدينة المنورة فقال له : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح أعز الله به الإسلام وأهله ، وأذل به الكفر وأهله .
فحمد الله أمير المؤمنين وقال له : النعمان بعثك ؟
قال البشير : احتسب النعمان يا أمير المؤمنين .( يعني أنه قد قتل )
فبكى عمر واسترجع وقال : ومن ويحك ؟ ( يسأله عن الشهداء )
قال : فلان وفلان ... وعد له ناسا استشهدوا في تلك المعارك ، وسكت قليلا - وكأني به في تلك اللحظات وقد أطرق برأسه ثم رفعه - فقال : وآخرين لا تعرفهم يا أمير المؤمنين !
فبكى عمر رضي الله عنه وقال : \"وما يضيرهم ألا يعرفهم عمر ، ولكن الله يعرفهم \" (1).
وقفت أمام هذه الكلمات العمرية وقوف الخاشع المتبتل ، والحكيم المتأمل ، وقد حركت في فؤادي مشاعر لا أكاد أستبين فصل القول فيها .
ما أجملها من كلمات ! وما أروع ما تحمله من معاني سامية ! معاني لو أخذت بها الأمم لتقدمت وحققت أهدافها ، ولو تأصلت في القلوب لرأيت عظيم النفع الذي يتركه أصحابها، إنها معاني العمل من أجل الله ، ومن أجل أن يراني الله ، ومن أجل أن يعرفني الله ، ومن أجل أن يرضى عني الله ، ما أجملها عندما تكون هذه الكلمة ( ولكن الله يعرفهم ) مبدأ يحملها السائر المخلص في طريق الحياة ، ويستصحبها في الزمان الذي كادت الأمانة أن تقبض من قلوب الناس ، أو قد قبضت ، وبالذات في مجال بناء النفوس وتهذيبها ، في مجال التربية والتعليم ، في تلك المنشآت التي حري بها أن تصنع الأجيال وتبنيها ، ثم تخرجها ركب الحياة ليكون على سواعدها بناء البلاد ونماؤها .
على مدى السنوات الماضية وتعليمنا ماض على قدم وساق ، في تطوير المناهج إضافة وحذفا ، تلوينا وترتيبا ، وفي تطوير المعلمين تدريبا ومتابعة ، وفي تطوير الأنظمة واللوائح صياغة وتهذيبا . ولكن يظل كل ذلك التطوير لا معنى له في الواقع ، ولا فائدة تعود على الطلاب منه ، مادام أن المعلم المتمكن علميا ، والمخلص دينا ؛ غائبا عن ذلك المشهد ، أو نادرا كالمعدن النفيس .
ولقد أحسن د.عبد الكريم بكار عندما قال : \" إن صحة المناهج أمر ضروري وحيوي ، ولكن لا ينبغي أن يُظن أن تأثر الطلاب بها يفوق تأثرهم بسلوكيات مربيهم ، أو بوسائل الإعلام . وهذا يلقي على المربين مسؤولية كبرى ، ويدعوهم إلى التفكير في عواقب كل تصرف من تصرفاهم ، أو موقف من مواقفهم \" (2) .
فمن هنا يظل المعدن النفيس نفيسا ، وأعني بهم أولئك النوادر الذين جعلوا التربية هما ، وأخلصوا جهدهم لله ، وعملوا في ظل التجاهل عما يقومون به من جهود تحت مبدأ ( ولكن الله يعرفنا ) . فتراهم يثبتون على مبادئهم كالجبال التي لا تزعزعها الرياح ، ولا تُحبط آمالهم عندما تنصرف الجوائز المادية وشهادات التقدير في مناسبات التكريم العامة إلى غيرهم من أصحاب النشاطات الشكلية . بينما تزل أقدام آخرين فيتوقفون عن العطاء بدعوى أنهم لا يكرمون ، ولا يقدر لهم عمل ..
أيها المربون العظماء ، أيها المعلمون الأخفياء ، أيها الصالحون الأتقياء ، يكفيكم أن تعلموا بأن للعمل إذا أريد به وجه الله لذة ، لا تعدلها لذة ورقة كتبت عليها عبارات الثناء ، ولا درع نقش عليه بريق التميز . ولا تظنون بأنكم تفردتم يتكبد المتاعب ويتحمل المشاق ، فالجميع يتعب ويكابد { لقد خلقنا الإنسان في كبد } (3) ولكن شتان بين الجهدين ، جهد لله وما مكافآت الدنيا إلا تبع غير مقصود ، وجهد آخر للتقدير الدنيوي وليس للآخرة منه أي نصيب ، وقد قال ابن قيم الجوزية كلاما نفيسا يكتب بماء الذهب في استبيان هذا المعنى الكبير حيث قال : \" من رغب عن العمل لوجه الله تعالى ابتلاه الله بالعمل لوجوه الخلق ، فرغب عن العمل لمن ضره ونفعه وموته وسعادته بيده ، فابتلي بالعمل لمن لا يملك له شيئا من ذلك \" (4).
إن كثيرا من أولئك العاملين الذين تلوثت نياتهم - حتى أصبح همهم إبراز النشاط المادي من أجل طلب الثناء والتقدير - تراهم يتكاسلون عن العمل الخفي ، كحضور الحصص ، وإعداد الدروس ( ولا أعني به الإعداد الكتابي بل الإعداد العلمي الذهني ) و يستنكفون عن بذل النصيحة والإخلاص فيها ، و يفتقدون الصبر من أجل ترسيخ القيم الوجدانية في نفوس طلابهم ، لأن النية ليس فيها لله شيء ، ولذلك فهم لا يشعرون بقيمة أعمالهم ولا بأثرها ، وقد حدثني أحد الإخوة الذين عملوا من أجل إبراز النشاط الشكلي ومن الذين كرموا في إحدى المناسبات على مستوى إدارة التعليم قائلا : \" أنني أشعر بأنني لم أعمل شيئا ذا بال بالنسبة للطلاب ؛ إنما هي غرفة حثثت الطلاب على تزيينها باللوحات والكتيبات ذات المواضيع المتنوعة ، وكلفنا ذلك جهد عشرة أيام ، حتى جاء اليوم الموعود الذي يمر فيه مشرف النشاط الزائر من قبل الإدارة ويكتب تقييمه ، وعند ذلك انتهى كل شيء \" .
فهنيئا للمربين الصادقين الذين يتفاعلون مع طلابهم على مدار العام ، نصحا وإرشادا ، تربية وتعليما , يحثونهم على القراءة ، ويدلونهم على الكتب , ويكلفونهم بالبحوث النافعة , ويدربونهم على أنواع من المهارات النافعة ، وينفذون عددا من البرامج التي قد لا يهتم بها نشاط المدرسة الشكلي .
إن طريقهم هذا الذي سلكوه ، تعترضه المعوقات ، وتكتنفه الأشواك من كل جانب ، ومع ذلك فهم ثابتون على المبدأ ، رغم فتور البيئة التعليمية من حولهم ، وتهاوي مفاهيمها ، وضياع حقوق بعضهم المعنوية والمادية ، وهم ماضون لا تثنيهم تشويشات الفارغين ، و لا سقطات المثبطين ..... ولعلهم يحبطون في بعض الأحايين ، وقد ينقطعون قليلا ، ولكن ريثما يعودون إلى الساحة بعد أن تستنير قلوبهم بالإخلاص ، وبالمعاني السامية من قول عمر ( ولكن الله يعرفهم ) . أولئك هم المربون والمربيات الذين ثبتوا عند حافة السقوط ، بينما سقط الآخرون .