مشاهدة النسخة كاملة : كتاب: حكم الجمع بين الصلاتين للمطر
بـدر الظــلام
2 - 12 - 2008, 06:37 PM
[CENTER]
[font=Arial][size=4]
[ حكم الجمع بين الصلاتين للمطر ]
بقلم
" الشيخ خالد صالح جمال "
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد الأمين ، وعلى آله وصحابته الذين اتبعوه وانتهجوا نهجه المبين .
فإن من المفاهيم الخاطئة المنتشرة بين الناس ، الجمع بين الصلاتين لأعذار واهية لا تبيح الجمع ، وقد رأينا كثيراً من الذين يفعلون ذلك بلا سبب معتبر في مذاهب أهل السنة المعتمدة ، إما جهلا وإما تعالما ، وإما تقليدا لمن لم يبلغ مرتبة في الفقه .
وقد جاءت هذه الرسالة مختصرة كافية وافية بالمقصود ، فرأينا نشرها في صفحات الانترنت ليقرأها طلبة العلم وغيرهم ، وينتشر الحكم الصحيح المعتبر بين الناس في مسألة تتعلق بركن من أهم أركان الدين ، وأعظم عباداتهم .
جزى الله تعالى كاتبها فضيلة الشيخ خالد صالح الشافعي خير الجزاء ، ووفقه لما فيه صلاح الدنيا والآخرة .
بـدر الظــلام
4 - 12 - 2008, 07:04 AM
( تقريظ )
لفضيلة الشيخ عبدالرؤوف بن مبارك آل حبيب المالكي الأزهري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
وبعد ..
فقد اطلعت على هذه الرسالة المفردة في حكم الجمع بين الصلاتين في المطر ، فألفيتها نفيسة جداً ، إذ هي جامعة لمطالب هذه المسألة ، ومع جمعها هذا فهي مختصرة اختصاراً لطيفاً ، وكيف لا وقد دبجها يراع الشيخ الفاضل خالد بن صالح ، أستاذ علوم الشريعة الإسلامية في المعهد الديني الأزهري بمملكة البحرين ، حفظه الله وزاده من فضله العميم ..
وقد جاءت هذه الرسالة مبينة لحكم الجمع على المذاهب الأربعة المتبعة المقتدَى بها ، الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية ، والتي تشكل أهل السنة والجماعة ، وعامة الناس في البحرين ممن هم أهل البحرين من أهل السنة إما مالكيون ، وإما شافعيون ، وقليل من الأسر حنبلية ، وقد وردت على البحرين في العقود المتأخرة كثير من الجاليات الشرقية المتمذهبة بالمذهب الحنفي ، فلم يزل هؤلاء هم أهل السنة والجماعة في البحرين ، حتى نبتت في العقود الأخيرة رؤوس الجهل - التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ظهورها - فأمالوا كثيراً من الناس عن هذه المذاهب الأربعة السنية إلى جهالاتهم وبدعهم بفتاوى خالفوا بها المذاهب الأربعة جملة وتفصيلا ، فاستولوا على عقول كثير من الناشئة بدعوى الرجوع للكتاب والسنة ، وهي دعوى أن تزعمها القاصرون في العلم - كما هو الواقع - كان ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، وانتشر ذلك في غفلة من أهل العلم ومن الناس ، حتى سبق السيف العذل وصارت بعض هذه المحدثات كأنها سنن بين الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وهذه الرسالة المختصرة تأتي في سبيل إرشاد الناس إلى ما هو الحق في هذه المسألة ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة المنتشرة ، فمن أراد لنفسه السلامة فليلزم ما فيها ، وليأخذ المالكي منها مذهبه فليلزمه ، وكذا الشافعي والحنفي والحنبلي ، كل يأخذ مذهبه منها فيمشي عليه ، وليجتنب ما سوى ذلك مما يثرثر به أهل الجهل خيراً له في دينه إن كان يعقل ..
وشكر الله لمؤلف الرسالة جهده فيها وأثابه على ذلك أعظم الثواب ، والله الهادي إلى الرشد والصواب ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه/ عبد الرؤوف بن مبارك بن جمعة آل حبيب المالكي الأزهري
أستاذ العلوم الشرعية والمذهب المالكي بالمعهد الديني الأزهري بالبحرين
بـدر الظــلام
4 - 12 - 2008, 07:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ،،
فقد كثُر في زماننا السؤال عن حكم الجمع بين الصلاتين والأسباب المبيحة له ، وعما يحصل من الجمع في الحَضَر من غير وجود مطر حال الصلاة ، مما أدى إلى الخلاف بين المصلين في المسجد الواحد ـ والجماعةُ إنما شُرعت لتآلف القلوب ووحدة المسلمين ـ ، كما تجرأ بعض الناس ـ ممن لا صلة له بالعلم ـ بإفتاء الناس والتلبيس عليهم في دينهم ، وقد سألني بعض الإخوة والأصدقاء أن أبين حكم ذلك في رسالة مختصرة ، وأنقل فيها مذاهب العلماء وأقوالهم ، فأجبتُ سؤالهم ـ وإن كنتُ لستُ أهلاً لذلك - وكتبتُ في المسألة مختصراً ، ينتفع به عامة المسلمين ولا يستغني عنه طالب العلم ، فأقول وبالله تعالى التوفيق :
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وقد فرض الله تعالى على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة ، ووقَّت لكل صلاة وقتاً لا يصح تقديمها عليه ولا يجوز تأخيرها عنه إلا بعذر ، قال الله تعالى : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً " ( أي مكتوباً مفروضاً ، مقدراً وقتها ومحدداً بأوقات معلومة فلا تؤخر عنها ) . وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله أوقات الصلوات الخمس أوضح بيان ، وأجمع المسلمون على ذلك ، كما رغّب الشرع في أداء الصلاة جماعة في المساجد ، ورتَّب على الجماعة الأجر الجزيل .
وحيث إن ديننا الإسلامي دين يُسر ، فقد أباح تقديم الصلاة أو تأخيرها عن أوقاتها في بعض الأحوال عند وجود المشقة دفعاً للحرج ، وحرصاً على تحصيل فضيلة الجماعة ، وهو ما يسمى بالجمع بين الصلاتين .
بـدر الظــلام
4 - 12 - 2008, 07:06 AM
حكم الجمع بين الصلاتين وأسبابه
يجوز عند جمهور العلماء الجمع بين الصلاتين في الجملة ، ومنعه الحنفية ، وإليك تفصيل المذاهب في ذلك .
أولاً : مذهب السادة الحنفية :
لا يجوز عند الحنفية الجمع بين الصلاتين مطلقاً ، إلا للحاج بعرفة يجمع بين الظهر والعصر ، وبمزدلفة بين المغرب والعشاء . قال الإمام الحصكفي رحمه الله تعالى في الدر المختار شرح تنوير الأبصار : ( 2 / 45 ـ 46 ) " ( ولا جمع بين فرضين في وقت بعذر ) سفر ومطر خلافاً للشافعي ، وما رواه محمولٌ على الجمع فعلاً لا وقتاً ( فإن جمع فسد لو قدَّم ) الفرض على وقته . ( وحرُم لو عكس ) أي أخره عنه ( وإن صحَّ ) بطريق القضاء ( إلا لحاج بعرفة ومزدلفة ) " .
وأجاز الحنفية تقليد المذاهب الأخرى في الجمع عند الضرورة ، قال في المصدر السابق : " ولا بأس بالتقليد عند الضرورة ، لكن بشرط أن يلتزم جميع ما يوجبه ذلك الإمام ، لما قدَّمنا أن الحكم الملفَّق باطلٌ بالإجماع " .
ثانياً : مذهب السادة المالكية :
أجاز المالكية الجمع بين الصلاتين للأسباب الآتية :
1 ـ السفر 2ـ المطر 3ـ الوحَل ( الطين ) مع الظلمة 4 ـ المرض 5ـ عرفة ومزدلفة .
وحيث إن موضوع الرسالة ( الجمع للمطر ) فإنني سأفصل القول في السببين الثاني والثالث .
ذكر المالكية أنه يجوز الجمع بين العشاءين ( المغرب والعشاء ) فقط جمع تقديم ، لمطر كثير واقع أو متوقع ، ( ويُعلَم كثرة المطر المتوقع بالقرينة ) ، ومثلُ المطرِ البَرَدُ والثلجُ إن تعذَّر نفضه ، كما يجوز الجمع بين العشاءين فقط للطين الكثير مع الظلمة ، والمراد بالظلمة ظلمة آخر الشهر من غير قمر لا للغيم ، فلا يُجمَع للطين وحده ولا للظلمة وحدها ، وهذا الجمع خاصٌّ بالمسجد فلا يجمع في البيوت .
وتجب نية الجمع عند الصلاة الأولى ، فلو تركها صحت صلاته ولم تبطل ، ويجوز الجمع لمنفرد بالمغرب يجد الجماعة يصلون العشاء فيدخل معهم ، ويغتفر له نية الجمع عند صلاته لأنه تابعٌ لهم . ويجوز الجمع للمقيم بالمسجد لأجل اعتكاف أو مجاورة تبعاً للجماعة .
وقد نصّ المالكية على أنه إن جمع الناس لمطر متوقع ثم تخلَّف ولم يحصل ، فينبغي إعادة الصلاة الثانية في الوقت .
ويشترط وجود المطر عند افتتاح الصلاة الأولى ، فإذا انقطع المطر قبل الشروع في الأولى أو حدث بعد الشروع فيها فلا يجوز الجمع ، وإن انقطع بعد الشروع في الأولى فالجمع جائز .
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى في المدونة الكبرى في ( جمع الصلاتين ليلة المطر ) : ( 1 / 110 ) " يجمع بين المغرب والعشاء في الحَضَر وإن لم يكن مطرٌ إذا كان طينٌ وظلمةٌ ، ويجمع أيضاً بينهما إذا كان المطر " ، وفي المدونة أيضاً : " قال سحنون : قلتُ لابن القاسم : فهل يجمع في الطين والمطر في الحَضَر بين الظهر والعصر كما يجمع بين المغرب والعشاء في قول مالك، فقال ابن القاسم : قال مالكٌ لا يجمع بين الظهر والعصر في الحَضَر ولا نرى ذلك مثل المغرب والعشاء " .
وقال ال*** الدردير رحمه الله تعالى في الشرح الصغير على أقرب المسالك : ( 1 / 175 ) " ( و ) رُخِّص ( في جمع العشاءين فقط ) جمع تقديم ( بكل مسجد ) تقام به الصلاة ولو غير مسجد الجمعة ( لمطر ) واقع أو متوقع ( أو طين مع ظلمة ) لآخر الشهر لا لغيم ولا لأحدهما فقط " .
ثالثاً : مذهب السادة الشافعية :
يجوز عند الشافعية الجمع بين الصلاتين للسفر والمطر فقط ، ومثلُ المطرِ الثلجُ والبَرَدُ إن ذابا .
وذكروا أنه يجوز الجمع بين الظهر والعصر ( وكذا بين الجمعة والعصر) ، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم للمطر بالشروط الآتية :
1 ـ أن يَبُلَّ المطر أعلى الثوب أو أسفل النعل ولو كان المطر ضعيفاً .
2 ـ وجود المطر أول الصلاتين ( أي عند الإحرام بهما ) ، وعند سلام الأولى .
3 ـ أن تُؤدَّى الصلاة الثانية جماعةً في المسجد ، فلا يجوز الجمع لمن يصلي الثانية منفرداً ولو في المسجد ، ولا لمن يصليها جماعةً في غير المصلى كبيته .
4 ـ أن تكون الجماعة في مسجد بعيد يتأذى بالمطر في طريقه ، فلا يجوز الجمع لمن كان المسجد قريباً من محله ، أو وجد كِناً يسير إلى المسجد فيه ، إلا الإمام الراتب فله أن يجمع بالمأمومين وإن لم يتأذ بالمطر .
5 ـ أن ينوي الإمام الإمامة في الجماعة .
وهناك شروطٌ أخرى للجمع لا تختص بالجمع للمطر ، بل تشمل الجمع للسفر جمع تقديم أيضاً وهي :
1 ـ نية الجمع في الصلاة الأولى ، وتجوز في أثنائها ولو مع التسليمة الأولى .
2 ـ الموالاة بين الصلاتين ، بأن لا يطول الفصل بينهما عرفاً .
3 ـ الترتيب بين الصلاتين .
فإذا اختلَّ شرطٌ من تلك الشروط لم يجز الجمع .
ولا يصح الجمع للمرض والوحَل والريح والظلمة وغيرها .
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب ( الأم ) : ( 1 / 95 ) " إذا كانت العلة من مطر في حَضَر جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ولا يجمع إلا والمطر مقيم في الوقت الذي تجمع فيه ، فإن صلى إحداهما ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الأخرى إليها ، وإذا صلى إحداهما والسماء تمطر ثم ابتدأ الأخرى والسماء تمطر ثم انقطع المطر مضى على صلاته لأنه إذا كان له الدخول فيها كان له إتمامها ، ويجمع من قليل المطر وكثيره ، ولا يجمع إلا من خرج من بيته إلى مسجد يجمع فيه ، قرُب المسجد أو كثر أهله أو قلوا أو بعدوا ، ولا يجمع أحدٌ في بيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المسجد ، والمصلي في بيته مخالف المصلي في المسجد ، وإن صلى رجلٌ الظهر في غير مطر ثم مطر الناس لم يكن له أن يصلي العصر ، لأنه صلى الظهر وليس له جمع العصر إليها ، وكذلك لو افتتح الظهر ولم يمطر ثم مطر بعد ذلك لم يكن له جمع العصر إليها ، ولا يكون له الجمع إلا بأن يدخل في الأولى ينوي الجمع وهو له ، فإذا دخل فيها وهو يمطر ودخل في الآخرة وهو يمطر فإن سكنت السماء فيما بين ذلك كان له الجمع لأن الوقت في كل واحدة منهما الدخول فيها ، والمغرب والعشاء في هذا وقتٌ كالظهر والعصر لا يختلفان ، وسواءٌ كل بلد في هذا ، لأن بلّ المطر في كل موضعٍ أذى ، وإذا جمع بين صلاتين في مطر جمعهما في وقت الأولى منهما لا يؤخر ذلك ، ولا يجمع في حَضَر في غير المطر من قِبَلِ أن الأصل أن يصلي الصلوات منفردات ، والجمع في المطر رخصةٌ لعذر ، وإن كان عذرٌ غيره لم يجمع فيه لأن العذر في غيره خاص ، وذلك المرض والخوف وما أشبهه ، وقد كانت أمراضٌ وخوفٌ فلم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع ، والعذر بالمطر عامٌّ ، ويجمع في السفر بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدلالة على المواقيت عامة لا رخصة في ترك شيء منها ، ولا الجمع إلا حيث رخّص النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، ولا رأينا من جمعه الذي رأيناه في المطر والله تعالى أعلم " .
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المنهاج : ( 1 / 261 ـ 262 ) " ويجوز الجمع بالمطر تقديماً ، والجديد منعه تأخيراً ، وشرط التقديم وجوده أولهما ، والأصح اشتراطه عند سلام الأولى ، والثلج والبَرَد كمطرٍ إن ذابا ، والأظهر تخصيص الرخصة بالمصلي جماعةً بمسجد بعيد يتأذى بالمطر في طريقه " .
بـدر الظــلام
4 - 12 - 2008, 07:08 AM
رابعاً : مذهب السادة الحنابلة :
يجوز عند الحنابلة الجمع بين الصلاتين للسفر والمرض والمطر والثلج والوحَل والريح الباردة الشديدة ، وقالوا : يجوز الجمع بين المغرب والعشاء فقط تقديماً وتأخيراً لأجل المطر **; والتقديم أولى **; الذي يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه ، ولا يجوز الجمع للطل والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب ، كما لايجوز الجمع بين الظهر والعصر لأجل المطر والثلج والوحَل والريح الباردة الشديدة ، ولا فرق في جواز الجمع بين أن يصلي منفرداً ببيته أو بالمسجد ، أو كان طريقه مسقوفاً يمنع وصول المطر إليه ، أو كان مُقامه بالمسجد .
ويشترط لجمع التقديم :
1 **; نية الجمع عند إحرام الأولى .
2 **; ألا يفرق بينهما بنحو نافلة ، بل بقدر إقامة ووضوء خفيف .
3 **; وجود العذر المبيح ( المطر أو الوحَل أو الريح الباردة ) عند افتتاحهما وعند سلام الأولى .
4 **; أن يستمر العذر إلى فراغ الثانية .
أما في جمع التأخير فيشترط لذلك :
1 **; نية الجمع في وقت الصلاة الأولى .
2 **; بقاء العذر المبيح إلى دخول وقت الثانية .
قال ابن قُدامة رحمه الله تعالى في المغني : ( 2 / 117 ) " قال الأثرم : قيل لأبي عبدالله ( يعني الإمام أحمد ) : الجمع بين الظهر والعصر في المطر ؟ قال : لا ، ما سمعتُ " . وقال ابن قُدامة أيضاً في المصدر السابق : " ( فصلٌ ) ويجوز الجمع لأجل المطر بين المغرب والعشاء .................. ( فصلٌ ) فأما الجمع بين الظهر والعصر فغير جائز " .
وقال الشيخ مرعي بن يوسف المقدسي رحمه الله تعالى في مختصره ( دليل الطالب لنيل المطالب ) : " ويختص بجواز جمع العشاءين **; ولو صلى ببيته **; ثلجٌ وجليدٌ ووحَل وريحٌ شديدة باردة ومطر يبل الثياب ويوجد معه مشقة " انظر منار السبيل في شرح الدليل : ( 1 / 137 ) .
بـدر الظــلام
4 - 12 - 2008, 07:08 AM
وبعد هذه النقول من كلام أئمة الإسلام من أصحاب المذاهب الأربعة وأتباعهم ، **; والتي أجمعت الأمة على قبولها والتعبُّد بأقوالها **; يمكن إجمال ما تقدم فيما يأتي :
1 **; الجمع لعذر المطر جائز عند جمهور العلماء ( مالك والشافعي وأحمد ) ، إلا أن الإمامين مالكاً وأحمد يخصان ذلك بالعشاءين ( المغرب والعشاء ) فقط ، وأجاز الإمام الشافعي الجمع بين الظهرين ( الظهر والعصر ) أيضاً .
2 **; صفة المطر الذي يبيح الجمع هو الذي يبل أعلى الثوب أو أسفل النعل ، وهو الذي تحصل معه المشقة .
3 **; من شروط الجمع للمطر المتفق عليها وجودُ المطر عند افتتاح الصلاة الأولى (عند تكبيرة الإحرام ) .
4 **; وجوب نية الجمع في جمع التقديم عند جميع المذاهب ، مع تفصيل سبق ذكره .
5 **; القول بجواز الجمع لعذر الوحَل مع الظلمة قال به الإمام مالك ، ولعذر الوحَل وحده قال به الإمام أحمد ، وذلك في العشاءين فقط ولم يجيزاه في الظهرين ، ومنع الإمام الشافعي الجمع للوحَل مطلقاً .
[ وبناءً على ما سبق ، فإن مَن يجمع بين الظهر والعصر لعذر الوحَل أو المطر المتوقع فإن جمعه لا يصح عند المذاهب الأربعة كلها ، وتُعدُّ الصلاة المقدَّمة ( العصر ) باطلة لإيقاعها قبل وقتها دون عذر . كما أن مَن يجمع بين المغرب والعشاء لمطر متوقع والحال انقطاع المطر عند الشروع في الصلاة الأولى ( المغرب ) مع عدم وجود طين مع ظلمة ، فإنه ينبغي إعادة صلاة العشاء في وقتها عند تخلف المطر وعدم نزوله في وقت العشاء .
أما القول بجواز الجمع بين العشاءين فقط لعذر الريح الباردة الشديدة في الليلة المظلمة فهو من مفردات المذهب الحنبلي ، وخالفهم الجمهور فلم يبيحوا الجمع لذلك ].
قال الإمام محمد بن عبدالرحمن العثماني الشافعي في كتابه ( رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ) ص 68 **; 69 :
" ( فصلٌ ) ويجوز الجمع بعذر المطر بين الظهر والعصر تقديماً في وقت الأولى منهما عند الشافعي ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يجوز ذلك مطلقاً ، وقال مالك وأحمد : يجوز بين المغرب والعشاء لا بين الظهر والعصر ، سواءٌ قوي المطر أو ضعف إذا بلَّ الثوب ، وهذه الرخصة تختص بمن يصلي جماعة بمسجد يُقصَد من بُعد يتأذى بالمطر في طريقه ، فأما من هو بالمسجد أو يصلي في بيته أو يمشي إلى المسجد في كِنّ أو كان المسجد في باب داره ففيه خلافٌ عند الشافعي وأحمد ، والأصح في ذلك عدم الجواز ، وحكي أن الشافعي نصَّ في الإملاء على الجواز. وأما الوحَل من غير مطر فلا يجوز الجمع به عند الشافعي ، وقال مالك وأحمد : يجوز " .
بـدر الظــلام
4 - 12 - 2008, 07:13 AM
من أدلة الجمهور على جواز الجمع لعذر المطر
1 **; عن نافع : أن عبدالله بن عُمَر رضي الله تعالى عنهما كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم . رواه الإمام مالك ٌ في الموطأ ( 1 / 145 ).
2 **; عن أبي سلمة بن عبدالرحمن قال : إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يُجمع بين المغرب والعشاء .
3 **; قال هشام بن عروة : رأيتُ أبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة المغربِ والعشاءِ ، فيصليهما معه عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبدالرحمن وأبو بكر بن عبدالرحمن لا ينكرونه .
روى هذا الأثر والذي قبله الأثرم في سُننه ، انظر ( المغني : 2 / 117 ) .
تنبيه : ينقل كثيرٌ من عامة الناس ومن يُروِّج للتساهل في مسألة الجمع بين الصلاتين ، ينقلون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الغيم جمع بين الصلاتين ، ولم أجد لذلك ذكراً في كُتُب الفقه والحديث التي وقفتُ عليها ، ولو كان شيءٌ من ذلك مروياً لاستدلَّ به العلماء على مسألة الجمع ، بل إن الروايات الصحيحة الثابتة تدل على خلاف ذلك ، فقد نزلت أمطارٌ كثيرةٌ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُنقَل فيها الجمع بين الصلاتين ، ومن أشهر ما جاء في ذلك حديث الرجل الذي دخل المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر ، فطلب الرجل الاستسقاء والدعاء بنزول المطر ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم واستسقى ، يقول الراوي (( فوالله ما رأينا الشمس سبتاً )) .
بـدر الظــلام
4 - 12 - 2008, 07:14 AM
إشكالٌ والجواب عنه :
فإن قيل : ما تقول فيما رواه سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : " جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر " ؟ فإن ظاهر الحديث يفيد جواز الجمع بين الصلاتين من غير عذر ، وهو يخالف ما ذكرتَه نقلاً عن الأئمة والعلماء من اشتراط وجود العذر ( المطر ) لصحة الجمع .
أقول : إن الحديث صحيحٌ أخرجه الأئمة في كتبهم بأسانيد عدة ، وبألفاظ مختلفة متقاربة ، وأسوق هنا بعضها :
1 **; أخرج الإمام البخاري الحديث في ثلاثة مواضع من صحيحه ، أحدها في كتاب مواقيت الصلاة ( باب تأخير الظهر إلى العصر، حديث رقم / 543 ) بسنده عن أبي الشعثاء ( جابر بن زيد ) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، فقال أيوب : لعله في ليلة مطيرة ؟ قال : عسى .
2 **; وأخرج الإمام البخاري في كتاب التهجد ( باب من لم يتطوع بعد المكتوبة ، حديث رقم 1174 ) بسنده عن أبي الشعثاء قال : سمعتُ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً ، قلتُ ، يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجَّل العصر ، وعجَّل العشاء وأخر المغرب ، قال : وأنا أظنه .
3 **; كما أخرج الحديث الإمام مسلمٌ في صحيحه ، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ( باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر ) بسنده عن مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر .
4 **; وأخرجه الإمام مسلمٌ بسنده عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر ، قال الراوي عن ابن عباس : قلتُ لابن عباس : لِمَ فعل ذلك ؟ قال : كي لا يُحرج أمته .
5 **; وأخرج الحديث الإمام مالك في الموطأ في كتاب قصر الصلاة في السفر ( باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر ) ، وهي الرواية التي سبق ذكرها عن الإمام مسلم .
بـدر الظــلام
4 - 12 - 2008, 07:15 AM
كما روى الحديث كثيرٌ من أئمة الحديث تركتُ ذكرهم للاختصار ، فالحديث صحيح ٌ ، ولكن العلماء تكلَّموا على متن الحديث ، واختلفوا في تأويله على أقوال ، أورد أشهرها بإيجاز فيما يأتي :
القول الأول : إن الجمع المذكور في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان لعذر المطر ، وهذا قولٌ مشهورٌ عن جماعة من الأئمة الكبار المتقدمين منهم الإمامان الجليلان مالكٌ والشافعي رحمهما الله تعالى ، فقد قال الإمام مالكٌ بعد رواية الحديث " أرى ذلك كان في مطر " ، وقاله الإمام الشافعي في ( الأم : 1 / 95 ) ، واستدلَّ به على جواز الجمع لأجل المطر، وهذا التأويل هو الاحتمال الذي ذكره راويا الحديث أيوب السختياني وأبو الشعثاء كما مر في رواية البخاري الأولى .
وقد ضعَّف بعض العلماء هذا التأويل ، منهم الإمام النووي في شرحه على مسلم ( 5 / 218 ) فقد قال عنه : " وهو ضعيفٌ بالرواية الأخرى (( من غير خوف ولا مطر )) " ، وقال في المجموع : ( 4 / 379 ) " ولكن هذا التأويل مردودٌ برواية في صحيح مسلم وسنن أبي داود عن ابن عباس : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ولا مطر ، وهذه الرواية من رواية حبيب بن أبي ثابت وهو إمامٌ متفقٌ على توثيقه وعدالته والاحتجاج به " ، وقال نحوه الإمام القرطبي في ( المفهم ) .
وقد رجَّح بعض العلماء رواية (( من غير خوف ولا سفر )) على رواية (( من غير خوف ولا مطر )) ، وذكر بعضهم توجيهاً لرواية (( ولا مطر )) ، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع : ( 4 / 379 **; 380 ) " قال البيهقي : هذه الرواية لم يذكرها البخاري مع أن حبيب بن أبي ثابت من شرطه ، قال : ولعله تركه لمخالفتها رواية الجماعة ، قال البيهقي : ورواية الجماعة بأن تكون محفوظة أولى - يعني رواية الجمهور (( من غير خوف ولا سفر )) - ، قال : وقد روينا عن ابن عباس وابن عُمر الجمع في المطر وذلك تأويل من تأوله في المطر ، قال البيهقي في معرفة السنن والآثار : وقول ابن عباس (( أراد أن لا يُحرج أمته )) قد يُحمل على المطر ، أي لا يلحقهم مشقة بالمشي في الطين إلى المسجد ، وأجاب الشيخ أبو حامد في تعليقه عن رواية (( من غير خوف ولا مطر )) بجوابين ( أحدهما ) معناه ولا مطر كثير ( والثاني ) أنه يُجمع بين الروايتين ، فيكون المراد برواية (( من غير خوف ولا سفر )) الجمع بالمطر ، والمراد برواية (( ولا مطر )) الجمع المجازي وهو أن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها ويقدم الثانية إلى أول وقته ، هذا كلام أبي حامد ، ويؤيد هذا التأويل الثاني أن عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن أبي الشعثاء عن ابن عباس وثبت في الصحيحين عن عمرو بن دينار قال : قلتُ : يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء ، قال : وأنا أظن ذلك . وأجاب القاضي أبو الطيب في تعليقه والشيخ أبو نصر في تهذيبه وغيرهما بأن قوله (( ولا مطر )) أي ولا مطر مستدام ، فلعلّه انقطع في أثناء الثانية ، ونقل صاحب الشامل هذا الجواب عن أصحابنا ، وأجاب الماوردي بأنه كان مستظلاً بسقف ونحوه ، وهذه التأويلات كلها ليست ظاهرة ، والمختار ما أجاب به البيهقي " .
القول الثاني : إن الجمع المذكور كان لعذر المرض ، وهو قول الإمام أحمد واختاره الإمام النووي ، قال ابن قُدامة رحمه الله تعالى في المغني : ( 2 / 120 ) " وقد رُوي عن أبي عبدالله ( يعني الإمام أحمد ) أنه قال في حديث ابن عباس : هذا عندي رخصةٌ للمريض والمرضِع " ، وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم : ( 5 / 218 ) " ومنهم من قال هو محمولٌ على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما في معناه من الأعذار ، وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا ، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا ، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ، ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة ، ولأن المشقة فيه أشد من المطر " .
وقد اعتُرِض على هذا التأويل ، قال الحافظ ابن حجر في الفتح : ( 2 / 30 ) " وفيه نظر ، لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعارض المرض ، لما صلى معه إلا مَن به نحو ذلك العذر ، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه وقد صرَّح بذلك ابن عباس في روايته " .
القول الثالث : إن الجمع الوارد في الحديث جمعٌ صوريٌ ، بمعنى أنه أخر الظهر إلى آخر وقتها فصلاها فيه ، فلما فرغ منها دخل وقت الثانية فصلاها ، فصارت صلاته صورة جمع .
وقد استحسن جماعةٌ كبيرةٌ من الأئمة هذا التأويل ، منهم القرطبي وإمام الحرمين وابن الماجشون والطحاوي ، ومن المتأخرين الشوكاني والشنقيطي ( صاحب أضواء البيان ) ، وهو من التأويلات القوية ، انظر نيل الأوطار للشوكاني (3 / 216 **; 218) وأضواء البيان للشنقيطي ( 1 / 341 **; 347 ) ، كما أنه تأويل راوي الحديث ( أبي الشعثاء ) عن ابن عباس كما سبق في الرواية الثانية عند البخاري ، وراوي الحديث أدرى بالمراد من غيره مع أنه لم يجزم به .
بـدر الظــلام
4 - 12 - 2008, 07:17 AM
ومما تقدم ، نجد أن جمهور الأمة لم يأخذوا بظاهر الحديث ، ولم يجيزوا الجمع من غير عذر من الأعذار التي سبق تفصيلها في المذاهب . نعم ؛ ذهب جماعةٌ من الأئمة إلى جواز الجمع في الحَضَر للحاجة لمَن لا يتخذه عادةً أخذاً بظاهر الحديث إذ لم يُعلَّل بمرض ولا غيره ، منهم ابن سيرين من التابعين ، وربيعة شيخ مالك ، وأشهب من أصحاب مالك ، وابن شبرمة ، وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي وعن أبي إسحاق المروزي وعن جماعة من أصحاب الحديث ، واختاره ابن المنذر . لكن هذا القول يُعد قولاً شاذاً مخالفاً لقول الجماهير من العلماء ومنهم الأئمة الأربعة ، بل نقل الإمام الترمذي رحمه الله تعالى أن هذا الحديث لم يعمل بظاهره أحدٌ من أهل العلم ، فقال في أول كتابه العِلَل الملحق بالجامع الصحيح : ( 5 / 692 ) " جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمولٌ به ، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين : حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر ........... " .
ولو سلَّمنا الأخذ بظاهر الحديث وإباحة الجمع من غير عذر من الأعذار السابقة ، فإنه إنما يكون عند الحاجة ، رفعاً للحرج ودفعاً للمشقة ، ولكن الواقع الآن في كثير من المساجد وجود الجمع لغير حاجة أصلاً ، فأي مشقة وحرج يوجدان في حال وجود مطر قليل انقطع قبل الصلاة، أو في حال توقع المطر ؟
كما أن هذا الحديث دليلٌ يحتج به بعض طوائف المبتدعة ممن يبيحون الجمع من غير عذر ، ويحملون الأحاديث الواردة في إفراد كل صلاة في وقتها على الأفضلية ، جمعاً بين الأدلة .
بل إن كثيراً ما يَحتج بهذا الحديث مَن يعمل بالجمع دون التزام أقوال الفقهاء وشروطهم ، وظاهر الحديث يدل على جواز وصحة الجمع بين الصلاتين من غير عذر ولا حاجة ، فهل سنرى مَن يجمع كذلك دون أيّ عذر أو حاجة ؟ قد يحصل ذلك في يوم من الأيام بدعوى إحياء السنة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !!
بـدر الظــلام
4 - 12 - 2008, 07:17 AM
الخاتمة
وفي الختام يحسن التنبيه إلى بعض الأمور :
1 **; إن الأصل أداء كل صلاة في وقتها ، والجمع مع وجود العذر ليس بواجب ، إنما هو رخصةٌ ، وحكم الجمع دائرٌ بين الجواز وخلاف الأولى والندب ( الاستحباب ) .
2 **; إن الخروج من الخلاف أمرٌ مطلوبٌ ، وأداء صلاة متفق على صحتها خيرٌ من أدائها مع الخلاف في صحتها أو بطلانها ، لا سيما إن كان الخلاف قوياً كما هو في مسألتنا ، فإن من جمع بين الصلاتين دون عذر مما سبق أو مع اختلال شرط من شروط الجمع لم تصح صلاته .
3 **; في حال عدم وجود العذرالمبيح للجمع ( كالمطر والطين ) عند الصلاة ثم حدوثه في وقت الصلاة الثانية ، فإنه يُعدُّ عذراً من أعذار ترك الجماعة ، بل جاءت الأحاديث الصحيحة تدل على الصلاة في الرحال والبيوت في مثل هذه الحالة ، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤذن أن يقول في أذانه في ليلة ذات برد وريح ومطر (( صلوا في رحالكم )) ، وفي هذه الحالة يحصل للمسلم أجر الجماعة ، ولو صلى في بيته منفرداً للعذر .
4 **; لا يجوز التساهل في مسألة الجمع بين الصلاتين ، فإن المتأمل في الأحاديث الواردة في الجمع ، لا يجد إلا عذر السفر والمطر ، وما عدا ذلك فإنما أجازه بعض الفقهاء من باب الاجتهاد والقياس ، والعجيب أن أناساً يدعون إلى التمسك بالسنة وينهون عن التقليد والأخذ بأقوال العلماء المجردة عن الدليل ، نجدهم في هذه المسألة يحتجون بأقوال الفقهاء مع وجود النص فيها .
5 **; إن مجرد وجود نوع من المشقة لا يبيح الجمع ، ولو قيل بذلك لكنا في بلدان الخليج أولى الناس بالجمع في وقت شدة الحر في فصل الصيف ، الذي تصل فيه درجة الحرارة إلى ( 50 ) درجة مئوية ، بل إن مشقة الحرارة أشد من مشقة المطر والوحَل ، مع أن ظاهر حديث ابن عباس المتقدم قد يبيح ذلك لمَن يرى الأخذ بظاهره .
6 **; نَصّ العلماء على عدم جواز التلفيق بين الأقوال في العمل الواحد في حق المقلِّد ، كأن يأخذ من مذهب الإمام الشافعي الجمع بين الظهر والعصر ، ويأخذ من مذهبي الإمامين مالك وأحمد الجمع لعذر الوحَل ، فإنه لا قائل من الأئمة بالجمع بين الظهر والعصر لعذر الوحَل ، فليُتنبّه .
7 **; على أئمة المساجد وخطباء الجوامع بيانُ أحكام هذه المسألة لعموم المسلمين ، والالتزام بما عليه جمهور الأمة سلفاً وخلفاً ، وعدم العمل بالأقوال الشاذة أو الضعيفة ، فلا يكفي وجود قول في المسألة في أحد المذاهب أن يكون مسوغاً للعمل به ، كما لا ينبغي للعامة اقتراح الجمع على إمام المسجد أو طلب ذلك منه ، فإن إمام المسجد لم يُعين في وظيفة إمامة الصلوات إلا لأهليته لذلك ، وإنما يرشده العلماء دون حاجة إلى إرشاد من العامة ، والله الهادي والموفق إلى سواء السبيل .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir