ابولمى
3 - 5 - 2004, 04:30 AM
عدوهم الأول... التهميش والحصار والاستهزاء
المراهقون يصرخون في المجتمع: "إنك لا تجني من الشوك العنب"
الرياض: محمد العوفي
يعاني أكثر شبابنا المراهقين من سوء التعامل داخل أسرهم فقد كشفت دراسة خاصة بـ"الوطن" أن 96% من المراهقين الشباب لهم علاقة متوترة مع الأهل بسبب عدم فهم ذويهم وتقديرهم لمرحلة المراهقة.وعدم مناقشة كيفية التعامل مع المراهقين ومساعدتهم للانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد.
"الوطن" انطلقت من نتيجة الدراسة لتطرح هذه القضية على الخبراء والمختصين من أجل الإسهام في تنمية وعي أسري بمشكلات المراهقين وسبل التعامل التربوي معهم.
يقول الدكتور عبدالعزيز الغريب أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية "إن مرحلة المراهقة تعد أول أزمة يعانيها الإنسان بفعل تداخل عوامل كثيرة في تكوينها وتشكلها، إذ ينتقل الفرد من مرحلة الطفولة ومن خصائصها البريئة، التي تقبل التوجيه والتي يسهل انقيادها إلى المراهقة التي يراها الباحثون مفترق طرق في حياة الإنسان كلها، وهو يعيش سلوكيات تجره للمرحلة الأدنى وهو يرغب في سلوكيات تذهب به إلى الأعلى. من هنا تبرز مؤسسات التنشئة الاجتماعية ودورها في تشكيل هذا السلوك سواء الأسرة أو المدرسة أو الأصدقاء أو الحي أو المسجد فأيهما أقوى سيكون تأثير الفرد المراهق معه أكبر وإذا لم تسر مؤسسات التنشئة في منهجية واحدة سيؤثر هذا في ازدواج النصح والتوجيه للمراهق وبالتالي تعدد مشكلات المراهق اجتماعية وتربوية وبيئية".
ويضيف الغريب أنه في هذا العصر لم يعد التعامل مع المراهق كما كان التعامل معه في فترات سابقة، نتيجة عوامل التغير الاجتماعي والتحضر وزيادة الاتصال الثقافي وسهولة توفر التقنية والانفتاح على ثقافات متنوعة مختلفة، ودخول مؤسسات جديدة تسهم في بناء هذه الشخصية، ولذلك التعامل من قبل الأسرة والمدرسة خاصةً يجب أن يراعي التغير الاجتماعي وتأثيره على الأفراد، كما أن وسائل الاتصال الحديثة في استقبال المراهق للمعلومات يجب ألا يكون التعامل معها بالنهي فقط لأنه من المعروف أن مرحلة المراهقة تتسم بسمات عديدة خاصةً العصيان والمغامرة وحب التجريب ومتابعة الجديد.
وأوضح الدكتور الغريب أن الأسلوب الأمثل في التعامل مع المراهق حالياً هو توفير المراقبة الذاتية له من خلال ترك الحرية في البدء له أفضل من كبتها، فمثلاً عند غرس بعض القيم لا يعني إغلاقه عن القيم السلبية الأخرى، فالاطلاع على السلبيات قد يكون هو الأسلوب الأمثل في التعليم الذاتي لديه في معرفة الإيجابيات، بالإضافة إلى أن الممارسات داخل المنزل من قبل الوالدين يجب أن تتفق مع القيم التي نريد أن نزرعها في المراهق.
ويؤكد الدكتور الغريب على أهمية أن تتبنى مؤسسات التربية - المدرسة والأسرة - منهجية واضحة في التعامل مع المراهق فكلاهما لا يستغني عن الآخر وكلاهما عامل مؤثر في بناء شخصية المراهق وأهمية أن يكون هناك توافق كلي ما بين الأسرة والمدرسة ومن هنا فلابد من تفعيل المراكز التربوية في الأحياء ويلاحظ الدكتور الغريب أن الإقبال على الأخيرة ضعيف فالأسر لا تثق... والمدرسة ترى عدم التجاوب.
ويعتقد الدكتور الغريب أن برامج الشباب والمراكز العامة لم تستفد من توظيف المراهقين في الحياة الاجتماعية من خلال الخدمات التطوعية وزيارة المراكز الاجتماعية والمشاركة في الأيام العالمية كما أن بعض الشباب يخرج وهو لا يعرف الشارع فتكون شخصيته مهزوزة ضعيفة خجل مفتقد للمناعة الذاتية بسبب الكبت وقضاء معظم الوقت في المنزل على العكس من البعض الذي تجده كثير الخروج فتخرج شخصيته في ظل التوجيه والإرشاد الأسري متوازنة يستطيع التعامل مع الآخر.
وأوضح الدكتور الغريب أن مجتمعنا تنقصه وتغيب عنه عملية التنبؤ بمشكلات المستقبل ووضع الخطط المناسبة لمواجهة المتغيرات المؤثرة في البيئة الاجتماعية معرباً عن أسفه باهتمام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بفئة الضعفاء *****اكين والأيتام والأرامل فقط وتناسيها لدورها في عملية بناء المراهق مؤكداً أن منظورها تقليدي وخاطئ لأنها هي بناء المجتمع وقائياً وتربوياً وعلاجياً.فالتعامل مع المراهقين من مسؤوليات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية من خلال الاستشارات الاجتماعية والنفسية وفتح المجال للأسر للاستفادة من هذه الخدمة الاستشارية.
تغيرات شاملة
ويتحدث أستاذ علم النفس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور أحمد بن يحيى الجبيلي عن مرحلة المراهقة، فيراها مرحلة تغيرات جسدية وانفعالية كبيرة تختلف في كم المتغيرات عن المراحل السابقة، كما يتضح فيها النمو الانفعالي وتحديد الهوية والقيم وتطلعات المستقبل بالإضافة إلى النمو الجسمي الأكثر وضوحا، وكذلك النمو الأخلاقي وتبني المفاهيم السلبية أو الإيجابية، كما يبدأ الفرد بالتحول من التفكير بالمحسوس إلى التفكير الرمزي المجرد، ومن مرحلة الصديق الواحد إلى مرحلة الأصدقاء فيبدأ المراهق بتكوين مجموعات صغيرة من الأصدقاء.
ويعود الجبيلي فيتناول طريقة التعامل مع المراهق على أنها معاملة خاصة تختلف عن المراحل السابقة وذلك بإعطاء الحرية ومساحة من الرأي والحوار والنقاش للمراهق ومشاركته بالقرار لأنه لم يعد يتلقى المعلومات وينفذها بل أصبح له نقاش في أموره واتخاذ القرارات التي تتم معالجتها بالإقناع. كما أن التعامل معه بغير هذه الأدوات قد يتسبب في ردة فعل عكسية.
ويوضح الدكتور الجبيلي أن الخطأ الذي تقع فيه الأسرة والمدرسة هو الاهتمام بالملبس وتهيئة الجو الدراسي وتأمين الاحتياجات وإغفال جانب المشاركة والحوار والنقاش عن الأحداث سواء المحلية أو ما يدور في العالم والقضايا اليومية التي تمر بالمراهق. ويربط الدكتور الجبيلي بين المؤثرات والمتغيرات المتجددة يومياً ومسألة الانحراف فكل ما زادت المؤثرات زادت الانحرافات والمشاكل لدى المراهقين وسابقاً لا يعاني من المشكلات النفسية سوى الكبار بسبب ضغوط الحياة أما الآن فمراكز العلاج والاستشارات النفسية تستقبل حالات نفسية لأطفال ومراهقين إذ تمثل نسبتهم ما يقارب النصف من مراجعي مراكز العلاج النفسية وهو دليل على صعوبة الحياة وتعقدها في زماننا الراهن.
مرحلة القلق
وتقول الاختصاصية النفسية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية موضي الزهراني أن مرحلة المراهقة التي تقع ما بين 12-21، هي المرحلة "القلقة" للأسرة، لأن هناك خيطا رفيعا جداً لا تلمسه كثير من الأسر ما بين مرحلة الطفولة التي يخضع فيها الطفل لكل طلبات أسرته وتوجيهاتها لحاجته لحمايتهم وكسب رضاهم، وبين مرحلة المراهقة التي تبدأ فيها الرغبة للاستقلالية عن حماية الأسرة ورقابتها في الظهور أكثر.
وتعتقد الزهراني أن أسباب الهوة الكبيرة ما بين المراهقين من "ذكور وإناث" وأسرهم كثيرة، ولكن من أهمها عدم إدراك من حوله أنه بحاجة لطريقة في المعاملة تختلف عن مرحلته السابقة وخاصة من حيث نمو انفعالاته السريعة التي يعتبرها أمراً عادياً لسرعتها وقوتها، لكن من حوله يعتبرونها تمردا وعصياناً لهم وتبدأ المساحة تتسع أكثر إذا كانت الأسرة تعاني من اضطرابات في قاعدة العلاقة العاطفية وال****ية بين الأب والأم، مما يعرض المراهق لمعاناة أكبر تنحصر في حرمانه من وجود الجو الأسري الآمن لإشباع رغباته ومسايرة احتياجاته التي تسيطر عليه وحينها لا يجد سوى البيئة الخارجية لتحقيق ما يريد من تقدير اجتماعي، وامتصاص لطاقاته الانفعالية، وتنفيس عن طاقته الجنسية قد يكون للأسف بطرق غير مشروعة تدفعه لطريق الانحراف وبالتالي يأتي دور المؤسسات الاجتماعية الأخرى مثل المدرسة قبل استفحال المشكلة، أو المؤسسات الإصلاحية للأحداث التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عندما تكون البيئة الأسرية دافعا للانحراف أو تشكل خطراً كبيراً على مستقبل هذا المراهق.
وترى الزهراني أن إيداع هؤلاء المراهقين المعرضين للانحراف في المؤسسات الإيوائية أفضل بكثير من تركهم عرضة لظروف قد تسلبهم ثقتهم بأنفسهم وبمن حولهم، ويكونون عرضة أيضاً للاستغلال لمجرمي الانحراف بحثاً عن المادة أو بحثاً عن الشعور بالقيمة الذاتية. كما تؤكد الزهراني أن وكالة الوزارة للشؤون الاجتماعية تهدف إلى إيواء ورعاية الفئات الخاصة من الأيتام والأحداث *****نين والمعاقين، لكنها أيضاً لم تهمل هذه الفئة المحتاجة للتنشئة الدينية وللرعاية الاجتماعية والنفسية والطبية عندما تتخلى الأسرة عن القيام بدورها كما يجب. ويتم استقبال هذه الفئة في دور الضيافة "وسميت بالضيافة" لأن فترة إيوائهم تكون مؤقتة لحين تغيّر وضعهم الأسري، وتعديل سلوكياتهم السلبية التي جاءوا للدور محملين بها من بيئتهم المفككة مشيرةً إلى أن ما يقوم به الطاقم الوظيفي المكلف بهذه الحالات من رعاية اجتماعية وطبية ومدرسية ونفسية قد يختلف من حالة لأخرى، وبعض الحالات قد تطول مدتها لسنوات لوجود أحد الوالدين في السجن أو عدم صلاحيته لتربيتهم التربية الصحيحة!
مع المراهقين
وتستعرض "الوطن" أهم مشاكل المراهقين داخل المنزل ومظاهر سوء العلاقة مع الأهل.. فعلي يدرس في الصف الثالث متوسط ويعاني من والده كثيراً بسبب تهميشه له, وعدم احترام رأيه في أي مسألة تطرح داخل العائلة يقول علي "كثيراً ما أود الهروب من المنزل بسبب والدي وتعامله معي لدرجة أن والدتي وبقية أفراد العائلة تتعامل معي بنفس الصورة.. أهلي لا يتفهمون المرحلة التي أعيشها هم يريدونني صغيراً وتحت سيطرتهم. أحاول دائما أن أقترب من والدي ووالدتي، لكنهما لا يتفهمان ما أريد وما احتياجاتي".
فيما تشتكي المراهقة عهود الطالبة بالصف الأول ثانوي، قائلة "عندما بدأت مظاهر البلوغ بالظهور علي كنت أشعر بخجل لأنني لم أتعود على ذلك فجسمي أصبح مختلفا تماماً، كنت عندما أخطئ في عمل أو تصرف مع أخواني وأخواتي، تصيح أمي في وجهي وتضربني، وتعايرني بمظاهر البلوغ لدي وإخوتي يقلدونها! والدي يتفهم وضعي قليلاً ولا يصيح كما تصيح والدتي".
أما المراهق أحمد الطالب بالصف ثاني ثانوي فيعاني من تسلط والديه ومراقبتهما الشديدة والشك في تصرفاته يقول أحمد "عندما أنام مثلاً بعد الصلاة يوم الجمعة أو بعد الغداء يرفض أهلي ذلك بحجة عدم حاجتي للنوم, حتى إنه لا يوجد لدي مفتاح لغرفتي لأن والدتي دائماً تذكر والدي أن المراهقة مرحلة خطيرة جداً.. لذا يجب أن يبقى بابي مفتوحاً وتحت مراقبة الأهل.
بينما تتعرض المراهقة سندس لمعاملة متشددة من إخوتها ووالدتها تتخلى عن مسؤولياتها بل و تقف في صفهم حتى لو أخطأوا... "فأغراضي الشخصية تفتش، وتمنع عني المجلات والصور رغم أن أخي الأكبر معلم، بل حتى الراديو يمنعونني أن أستمع إليه خاصة الأغاني والبرامج المتعددة. على الرغم من أنهم يفعلون ذلك.
رأي المختصين
ويبدي الدكتور صلاح الموسى رأيه في معاناة المراهقين السابقة.. فيقول "لابد من التركيز على أهمية أن نعي كيفية تطور المراهقين ومساعدتهم للانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة سن الرشد مع التركيز على استراتيجية وفن التعامل من قبل الآباء لإنجاز السلوك النموذجي للمراهقين... فهل أوصاف: متمرد، غامض، متقلب المزاج، أناني... فعلاً منصفة أو تنطبق على المراهق، وهل هم منبع المشاكل لعائلاتهم؟".
ويبين الدكتور الموسى "أن العديد من الدراسات التي أجريت على المراهقين وعائلاتهم على نطاق واسع، أظهرت أن كثيرا من العائلات لم تواجه أي صراع جدي مع الأبناء، وأن الكثير من العائلات تعيش بسلام وهدوء مع المراهقين من خلال التواصل الذهني بالأفكار والآراء، الأمر الذي يشجع الأبناء على نيل استقلاليتهم الفكرية *****لكية ضمن التوجيه والإرشاد الصحيح، وضمن قوانين اجتماعية معقولة. ولابد لنا أن نأخذ بالاعتبار أن لهم دوراً أساسياً يلعبونه للتغلب على مشاكلهم الحياتية ويساعدهم على الاندماج في نمط الحياة الاجتماعية".
ويضيف الدكتور الموسى "يمكن تعريف المراهقة بأنها نهاية مرحلة الطفولة وبداية سن البلوغ وحتى بداية سن الرشد، وتطلق على هذه الفترة مجموعة من الأوصاف مثل "امتداد أو تواصل الحياة، مرحلة نمو، مرحلة تكوين فكري" أو كل هذه الأوصاف معاً.. والتطور التكنولوجي في أوروبا وأمريكا الشمالية، وما تبعه من ثورة صناعية، جعل من الضروري لبنية المجتمع إيجاد نظام تربوي تعليمي يقضي بوجود الأبناء من هذه السن في المدارس فترة طويلة " وتعتبر فترة إعداد علمي واجتماعي" ضمن مفاهيم الدولة، تؤهل للاعتراف بهم كراشدين في سن 18 عاما، بالتالي فإن مصطلح مراهق، تم إيجاده لوصف هذه المرحلة البينية بحيث لا يمكن تسميتهم أطفالاً أو راشدين".
وعن التطور العاطفي في سن البلوغ يشير الدكتور الموسى إلى "أن التغيرات الجسدية في مرحلة البلوغ تترافق عادة بتأثيرات نفسية يعود سببها للنشاط الهرموني المتزايد، وفي كلا الجنسين فهذه الهرمونات تثير الاهتمام بالنشاط الجنسي. وفي كل الثقافات، للمراهقين احتياجات طبيعية لتأسيس هويتهم الخاصة، فمرحلة المراهقة تمتد من مرحلة الطفولة "الوصاية التامة" حتى مرحلة الرشد و استقلالية الشخصية، أي من كونه مرؤوساً إلى الاستقلال والإشراف الذاتي على السلوك، فبغض النظر عن رغبة الوالدين، فإن تكوين شخصية مستقلة يعتبر حاجة طبيعية وضرورية في عملية التطور، تترافق بمجموعة من الضغوط النفسية سواء على المراهق أو على الأهل حيث تظهر شروط جديدة لتكوين شخصية جديدة. كما يبدأ المراهق بطرح مجموعة من التساؤلات، من أكون؟ ماذا سأكون مستقبلاً؟ إلى متى سأبقى معكم؟.. إلخ. ويبحث عن أجوبة لهذه التساؤلات متحدياً في كثير من الأحيان سلطة البيت وقوانينه، وهنا نقول إنه يفترض أن يشجع الآباء أبناءهم بتولي المسؤولية وأخذ زمام الأمور لإنجاز اختياراتهم ضمن عملية التوجيه و الإرشاد، وليس النظر إليهم كأطفال الأمر الذي يسبب البكاء لديهم كردة فعل مباشرة".
وينبه الدكتور الموسى إلى أن المراهقين حريصون دائماً على قبولهم من الآخرين "الأصدقاء، المحيط، والبنى الاجتماعية" لذلك كثيراً ما نراهم يتبنون آراء أصدقائهم، وهذا يسترعي من الآباء توجيههم لكيفية نسج العلاقات وتشجيعهم لممارسة النشاطات المختلفة التي تقود لاكتشاف مواهبهم الخاصة والتركيز عليها. وعادة ما نخشى من ضغط الأصدقاء وآرائهم، وفي الحقيقة فإن الكثير منها يكون إيجابيا، ويتعاونون فيما بينهم للحفاظ على الطرق الحياتية السليمة.
ويعتقد الدكتور الموسى أن تشجيع الأهل لأبنائهم باستضافة أصدقائهم في المنزل يساعد على زيادة وتيرة الاحترام المتبادل والتعاون الإيجابي.
وأما ما يخص الغريزة الجنسية لدى المراهقين، فإنهم بحاجة لمعرفة الكثير عنها، حتى يتجنبوا عواقبها السلبية وما ينجم عنها من أضرار أو شذوذ على المدى البعيد. ومن المؤسف أن الآباء لا يتقبلون في العادة مناقشة الموضوع مع أبنائهم أو على الأقل يشعرون بالحرج من ذلك، ولا ندري لماذا؟ وتفيد معظم الدراسات أن موقف الآباء هذا يشكل أهم العوائق لتوضيح السلوك الجنسي الصحيح. في أسوأ الأحوال نقول إن هناك أبحاثا ودراسات عديدة تتعلق بهذا الموضوع سواء في المكتبات أو الإنترنت يمكن تقديمها للأبناء لمعاونتهم في هذا الموضوع.
ويؤكد الدكتور الموسى أن الأهل الذين يتوقعون أن المراهقين يخلقون المشكلات، هم عادة يخلقون مشكله بسبب الريبة، إن زيادة المعرفة عن سن المراهقة وتحدياتها من الطبيعي أن تحد من الصراع وتساعد على الانتقال الطبيعي من الطفولة إلى سن الرشد.
أساليب للاحتواء
وحول حقيقة أن المراهق صاحب مزاج حاد, يقول الدكتور الموسى "لعل الأمور الأكثر غرابة تأتي من المراهقين، لكن هذا جزء من عملية تطورهم، بعض التصرفات أو السلوكيات التي يعتبرها الكبار سلبية، يعتبرها المراهقون طبيعية وتتماشى مع نظرتهم لتطور الأمور من حولهم، وقد تعكس سلوكياتهم مجموعة من الظواهر أهمها: العصيان، وهنا لابد للآباء من الاختبار، هل هذا السلوك هو نوع من التحدي لسلطتهم، أم هو عملية تكيف مع مفاهيم جديدة؟ مهم أن نعرف أنه بهذا النوع من العصيان يلبي المراهقون جزءاً من حاجاتهم الطبيعية. وهنا المزاج المتقلب: فالمراهقون يتغيرون من يوم لآخر، ومن لحظة لأخرى، من حالة الفرح إلى حالة الحزن لأبسط الأسباب. إن تغير المزاج له علاقة بالنشاط الهرموني، كما يتسم المراهقون بالذاتية "الأنانية": فهم غالباً ما يكونون مشغولين بأنفسهم، يشعرون بأنهم دائماً على خشبة المسرح، يستطيعون قضاء الساعات أمام المرآة "شعور العريس"، يفترضون أن كل من حولهم يلتفت إليهم "محط الأنظار" وهذا يفسر وقوعهم تحت ضغوط نفسية".
وكذلك يعانون من الاندفاعية ولفت الأنظار "باستباق الإساءة والكلام بصوت عال، وبالتدافع مع الآخرين، و قيادة السيارات بسرعة، وكثيرا ما يتصفون بالجدل والمناظرة، ليطوروا نوعاً من البراعة في اختبار قواهم الذهنية، وهذا يعني أن الآباء يجدون أنفسهم أمام حالات جدل مختلفة معهم، وعليهم أن ينظروا بجدية للمحاولات التعبيرية للمراهقين والتي بكل بساطة يمكن أن تكون حذرة في طريقة *** الانتباه، والاستماع لا يعني بالضرورة الموافقة، ولعل هذا الأسلوب يضع الحوار في نصابه الصحيح. و دور الأب ليس هو دور الخطيب الملقن أو الخصم، للمراهق الحق أن يتعلم كيف يفكر ويجادل.
ويشير الدكتور الموسى إلى أهمية مراعاة شفافية المراهقين فالثقة بالنفس مضعضعة عندهم وإن قلق الآباء على سلوك المراهقين يمكن أن يسبب الإزعاج والريبة. ولابد من تثمين السلوك الإيجابي ففي مرحلة المزاج المتقلب والهوية غير الثابتة لهم، فإن المراهقين يحتاجون من الآباء إشعارهم باستحقاقاتهم الذاتية وزرع الثقة بهم... والمراهقون عادة ما يشتكون من القوانين والقيود، فهم بحاجة للمعرفة الآمنة حول ما هو مقبول وما هو مرفوض، ويمكن تجنب العديد من الإشكاليات معهم إذا استطاع الأهل توضيح الثوابت المقبولة لديهم. ومن المهم إظهار المحبة للمراهقين لأنهم يتميزون في كثير من الأحيان بالقسوة على أنفسهم وعلى آبائهم،..فهم على سبيل المثال يستاؤون من احتضانهم وتقبيلهم أمام أصدقائهم، بينما يرغبون بذلك قبل مغادرة البيت أو قبل النوم، إنهم بحاجة لتأكيد دائم من الأهل أن المحبة قائمة على نفس الوتيرة كما لو كانوا صغارا.
http://www.alwatan.com.sa/daily/2**4-05-03/affair.htm
المراهقون يصرخون في المجتمع: "إنك لا تجني من الشوك العنب"
الرياض: محمد العوفي
يعاني أكثر شبابنا المراهقين من سوء التعامل داخل أسرهم فقد كشفت دراسة خاصة بـ"الوطن" أن 96% من المراهقين الشباب لهم علاقة متوترة مع الأهل بسبب عدم فهم ذويهم وتقديرهم لمرحلة المراهقة.وعدم مناقشة كيفية التعامل مع المراهقين ومساعدتهم للانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد.
"الوطن" انطلقت من نتيجة الدراسة لتطرح هذه القضية على الخبراء والمختصين من أجل الإسهام في تنمية وعي أسري بمشكلات المراهقين وسبل التعامل التربوي معهم.
يقول الدكتور عبدالعزيز الغريب أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية "إن مرحلة المراهقة تعد أول أزمة يعانيها الإنسان بفعل تداخل عوامل كثيرة في تكوينها وتشكلها، إذ ينتقل الفرد من مرحلة الطفولة ومن خصائصها البريئة، التي تقبل التوجيه والتي يسهل انقيادها إلى المراهقة التي يراها الباحثون مفترق طرق في حياة الإنسان كلها، وهو يعيش سلوكيات تجره للمرحلة الأدنى وهو يرغب في سلوكيات تذهب به إلى الأعلى. من هنا تبرز مؤسسات التنشئة الاجتماعية ودورها في تشكيل هذا السلوك سواء الأسرة أو المدرسة أو الأصدقاء أو الحي أو المسجد فأيهما أقوى سيكون تأثير الفرد المراهق معه أكبر وإذا لم تسر مؤسسات التنشئة في منهجية واحدة سيؤثر هذا في ازدواج النصح والتوجيه للمراهق وبالتالي تعدد مشكلات المراهق اجتماعية وتربوية وبيئية".
ويضيف الغريب أنه في هذا العصر لم يعد التعامل مع المراهق كما كان التعامل معه في فترات سابقة، نتيجة عوامل التغير الاجتماعي والتحضر وزيادة الاتصال الثقافي وسهولة توفر التقنية والانفتاح على ثقافات متنوعة مختلفة، ودخول مؤسسات جديدة تسهم في بناء هذه الشخصية، ولذلك التعامل من قبل الأسرة والمدرسة خاصةً يجب أن يراعي التغير الاجتماعي وتأثيره على الأفراد، كما أن وسائل الاتصال الحديثة في استقبال المراهق للمعلومات يجب ألا يكون التعامل معها بالنهي فقط لأنه من المعروف أن مرحلة المراهقة تتسم بسمات عديدة خاصةً العصيان والمغامرة وحب التجريب ومتابعة الجديد.
وأوضح الدكتور الغريب أن الأسلوب الأمثل في التعامل مع المراهق حالياً هو توفير المراقبة الذاتية له من خلال ترك الحرية في البدء له أفضل من كبتها، فمثلاً عند غرس بعض القيم لا يعني إغلاقه عن القيم السلبية الأخرى، فالاطلاع على السلبيات قد يكون هو الأسلوب الأمثل في التعليم الذاتي لديه في معرفة الإيجابيات، بالإضافة إلى أن الممارسات داخل المنزل من قبل الوالدين يجب أن تتفق مع القيم التي نريد أن نزرعها في المراهق.
ويؤكد الدكتور الغريب على أهمية أن تتبنى مؤسسات التربية - المدرسة والأسرة - منهجية واضحة في التعامل مع المراهق فكلاهما لا يستغني عن الآخر وكلاهما عامل مؤثر في بناء شخصية المراهق وأهمية أن يكون هناك توافق كلي ما بين الأسرة والمدرسة ومن هنا فلابد من تفعيل المراكز التربوية في الأحياء ويلاحظ الدكتور الغريب أن الإقبال على الأخيرة ضعيف فالأسر لا تثق... والمدرسة ترى عدم التجاوب.
ويعتقد الدكتور الغريب أن برامج الشباب والمراكز العامة لم تستفد من توظيف المراهقين في الحياة الاجتماعية من خلال الخدمات التطوعية وزيارة المراكز الاجتماعية والمشاركة في الأيام العالمية كما أن بعض الشباب يخرج وهو لا يعرف الشارع فتكون شخصيته مهزوزة ضعيفة خجل مفتقد للمناعة الذاتية بسبب الكبت وقضاء معظم الوقت في المنزل على العكس من البعض الذي تجده كثير الخروج فتخرج شخصيته في ظل التوجيه والإرشاد الأسري متوازنة يستطيع التعامل مع الآخر.
وأوضح الدكتور الغريب أن مجتمعنا تنقصه وتغيب عنه عملية التنبؤ بمشكلات المستقبل ووضع الخطط المناسبة لمواجهة المتغيرات المؤثرة في البيئة الاجتماعية معرباً عن أسفه باهتمام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بفئة الضعفاء *****اكين والأيتام والأرامل فقط وتناسيها لدورها في عملية بناء المراهق مؤكداً أن منظورها تقليدي وخاطئ لأنها هي بناء المجتمع وقائياً وتربوياً وعلاجياً.فالتعامل مع المراهقين من مسؤوليات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية من خلال الاستشارات الاجتماعية والنفسية وفتح المجال للأسر للاستفادة من هذه الخدمة الاستشارية.
تغيرات شاملة
ويتحدث أستاذ علم النفس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور أحمد بن يحيى الجبيلي عن مرحلة المراهقة، فيراها مرحلة تغيرات جسدية وانفعالية كبيرة تختلف في كم المتغيرات عن المراحل السابقة، كما يتضح فيها النمو الانفعالي وتحديد الهوية والقيم وتطلعات المستقبل بالإضافة إلى النمو الجسمي الأكثر وضوحا، وكذلك النمو الأخلاقي وتبني المفاهيم السلبية أو الإيجابية، كما يبدأ الفرد بالتحول من التفكير بالمحسوس إلى التفكير الرمزي المجرد، ومن مرحلة الصديق الواحد إلى مرحلة الأصدقاء فيبدأ المراهق بتكوين مجموعات صغيرة من الأصدقاء.
ويعود الجبيلي فيتناول طريقة التعامل مع المراهق على أنها معاملة خاصة تختلف عن المراحل السابقة وذلك بإعطاء الحرية ومساحة من الرأي والحوار والنقاش للمراهق ومشاركته بالقرار لأنه لم يعد يتلقى المعلومات وينفذها بل أصبح له نقاش في أموره واتخاذ القرارات التي تتم معالجتها بالإقناع. كما أن التعامل معه بغير هذه الأدوات قد يتسبب في ردة فعل عكسية.
ويوضح الدكتور الجبيلي أن الخطأ الذي تقع فيه الأسرة والمدرسة هو الاهتمام بالملبس وتهيئة الجو الدراسي وتأمين الاحتياجات وإغفال جانب المشاركة والحوار والنقاش عن الأحداث سواء المحلية أو ما يدور في العالم والقضايا اليومية التي تمر بالمراهق. ويربط الدكتور الجبيلي بين المؤثرات والمتغيرات المتجددة يومياً ومسألة الانحراف فكل ما زادت المؤثرات زادت الانحرافات والمشاكل لدى المراهقين وسابقاً لا يعاني من المشكلات النفسية سوى الكبار بسبب ضغوط الحياة أما الآن فمراكز العلاج والاستشارات النفسية تستقبل حالات نفسية لأطفال ومراهقين إذ تمثل نسبتهم ما يقارب النصف من مراجعي مراكز العلاج النفسية وهو دليل على صعوبة الحياة وتعقدها في زماننا الراهن.
مرحلة القلق
وتقول الاختصاصية النفسية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية موضي الزهراني أن مرحلة المراهقة التي تقع ما بين 12-21، هي المرحلة "القلقة" للأسرة، لأن هناك خيطا رفيعا جداً لا تلمسه كثير من الأسر ما بين مرحلة الطفولة التي يخضع فيها الطفل لكل طلبات أسرته وتوجيهاتها لحاجته لحمايتهم وكسب رضاهم، وبين مرحلة المراهقة التي تبدأ فيها الرغبة للاستقلالية عن حماية الأسرة ورقابتها في الظهور أكثر.
وتعتقد الزهراني أن أسباب الهوة الكبيرة ما بين المراهقين من "ذكور وإناث" وأسرهم كثيرة، ولكن من أهمها عدم إدراك من حوله أنه بحاجة لطريقة في المعاملة تختلف عن مرحلته السابقة وخاصة من حيث نمو انفعالاته السريعة التي يعتبرها أمراً عادياً لسرعتها وقوتها، لكن من حوله يعتبرونها تمردا وعصياناً لهم وتبدأ المساحة تتسع أكثر إذا كانت الأسرة تعاني من اضطرابات في قاعدة العلاقة العاطفية وال****ية بين الأب والأم، مما يعرض المراهق لمعاناة أكبر تنحصر في حرمانه من وجود الجو الأسري الآمن لإشباع رغباته ومسايرة احتياجاته التي تسيطر عليه وحينها لا يجد سوى البيئة الخارجية لتحقيق ما يريد من تقدير اجتماعي، وامتصاص لطاقاته الانفعالية، وتنفيس عن طاقته الجنسية قد يكون للأسف بطرق غير مشروعة تدفعه لطريق الانحراف وبالتالي يأتي دور المؤسسات الاجتماعية الأخرى مثل المدرسة قبل استفحال المشكلة، أو المؤسسات الإصلاحية للأحداث التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عندما تكون البيئة الأسرية دافعا للانحراف أو تشكل خطراً كبيراً على مستقبل هذا المراهق.
وترى الزهراني أن إيداع هؤلاء المراهقين المعرضين للانحراف في المؤسسات الإيوائية أفضل بكثير من تركهم عرضة لظروف قد تسلبهم ثقتهم بأنفسهم وبمن حولهم، ويكونون عرضة أيضاً للاستغلال لمجرمي الانحراف بحثاً عن المادة أو بحثاً عن الشعور بالقيمة الذاتية. كما تؤكد الزهراني أن وكالة الوزارة للشؤون الاجتماعية تهدف إلى إيواء ورعاية الفئات الخاصة من الأيتام والأحداث *****نين والمعاقين، لكنها أيضاً لم تهمل هذه الفئة المحتاجة للتنشئة الدينية وللرعاية الاجتماعية والنفسية والطبية عندما تتخلى الأسرة عن القيام بدورها كما يجب. ويتم استقبال هذه الفئة في دور الضيافة "وسميت بالضيافة" لأن فترة إيوائهم تكون مؤقتة لحين تغيّر وضعهم الأسري، وتعديل سلوكياتهم السلبية التي جاءوا للدور محملين بها من بيئتهم المفككة مشيرةً إلى أن ما يقوم به الطاقم الوظيفي المكلف بهذه الحالات من رعاية اجتماعية وطبية ومدرسية ونفسية قد يختلف من حالة لأخرى، وبعض الحالات قد تطول مدتها لسنوات لوجود أحد الوالدين في السجن أو عدم صلاحيته لتربيتهم التربية الصحيحة!
مع المراهقين
وتستعرض "الوطن" أهم مشاكل المراهقين داخل المنزل ومظاهر سوء العلاقة مع الأهل.. فعلي يدرس في الصف الثالث متوسط ويعاني من والده كثيراً بسبب تهميشه له, وعدم احترام رأيه في أي مسألة تطرح داخل العائلة يقول علي "كثيراً ما أود الهروب من المنزل بسبب والدي وتعامله معي لدرجة أن والدتي وبقية أفراد العائلة تتعامل معي بنفس الصورة.. أهلي لا يتفهمون المرحلة التي أعيشها هم يريدونني صغيراً وتحت سيطرتهم. أحاول دائما أن أقترب من والدي ووالدتي، لكنهما لا يتفهمان ما أريد وما احتياجاتي".
فيما تشتكي المراهقة عهود الطالبة بالصف الأول ثانوي، قائلة "عندما بدأت مظاهر البلوغ بالظهور علي كنت أشعر بخجل لأنني لم أتعود على ذلك فجسمي أصبح مختلفا تماماً، كنت عندما أخطئ في عمل أو تصرف مع أخواني وأخواتي، تصيح أمي في وجهي وتضربني، وتعايرني بمظاهر البلوغ لدي وإخوتي يقلدونها! والدي يتفهم وضعي قليلاً ولا يصيح كما تصيح والدتي".
أما المراهق أحمد الطالب بالصف ثاني ثانوي فيعاني من تسلط والديه ومراقبتهما الشديدة والشك في تصرفاته يقول أحمد "عندما أنام مثلاً بعد الصلاة يوم الجمعة أو بعد الغداء يرفض أهلي ذلك بحجة عدم حاجتي للنوم, حتى إنه لا يوجد لدي مفتاح لغرفتي لأن والدتي دائماً تذكر والدي أن المراهقة مرحلة خطيرة جداً.. لذا يجب أن يبقى بابي مفتوحاً وتحت مراقبة الأهل.
بينما تتعرض المراهقة سندس لمعاملة متشددة من إخوتها ووالدتها تتخلى عن مسؤولياتها بل و تقف في صفهم حتى لو أخطأوا... "فأغراضي الشخصية تفتش، وتمنع عني المجلات والصور رغم أن أخي الأكبر معلم، بل حتى الراديو يمنعونني أن أستمع إليه خاصة الأغاني والبرامج المتعددة. على الرغم من أنهم يفعلون ذلك.
رأي المختصين
ويبدي الدكتور صلاح الموسى رأيه في معاناة المراهقين السابقة.. فيقول "لابد من التركيز على أهمية أن نعي كيفية تطور المراهقين ومساعدتهم للانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة سن الرشد مع التركيز على استراتيجية وفن التعامل من قبل الآباء لإنجاز السلوك النموذجي للمراهقين... فهل أوصاف: متمرد، غامض، متقلب المزاج، أناني... فعلاً منصفة أو تنطبق على المراهق، وهل هم منبع المشاكل لعائلاتهم؟".
ويبين الدكتور الموسى "أن العديد من الدراسات التي أجريت على المراهقين وعائلاتهم على نطاق واسع، أظهرت أن كثيرا من العائلات لم تواجه أي صراع جدي مع الأبناء، وأن الكثير من العائلات تعيش بسلام وهدوء مع المراهقين من خلال التواصل الذهني بالأفكار والآراء، الأمر الذي يشجع الأبناء على نيل استقلاليتهم الفكرية *****لكية ضمن التوجيه والإرشاد الصحيح، وضمن قوانين اجتماعية معقولة. ولابد لنا أن نأخذ بالاعتبار أن لهم دوراً أساسياً يلعبونه للتغلب على مشاكلهم الحياتية ويساعدهم على الاندماج في نمط الحياة الاجتماعية".
ويضيف الدكتور الموسى "يمكن تعريف المراهقة بأنها نهاية مرحلة الطفولة وبداية سن البلوغ وحتى بداية سن الرشد، وتطلق على هذه الفترة مجموعة من الأوصاف مثل "امتداد أو تواصل الحياة، مرحلة نمو، مرحلة تكوين فكري" أو كل هذه الأوصاف معاً.. والتطور التكنولوجي في أوروبا وأمريكا الشمالية، وما تبعه من ثورة صناعية، جعل من الضروري لبنية المجتمع إيجاد نظام تربوي تعليمي يقضي بوجود الأبناء من هذه السن في المدارس فترة طويلة " وتعتبر فترة إعداد علمي واجتماعي" ضمن مفاهيم الدولة، تؤهل للاعتراف بهم كراشدين في سن 18 عاما، بالتالي فإن مصطلح مراهق، تم إيجاده لوصف هذه المرحلة البينية بحيث لا يمكن تسميتهم أطفالاً أو راشدين".
وعن التطور العاطفي في سن البلوغ يشير الدكتور الموسى إلى "أن التغيرات الجسدية في مرحلة البلوغ تترافق عادة بتأثيرات نفسية يعود سببها للنشاط الهرموني المتزايد، وفي كلا الجنسين فهذه الهرمونات تثير الاهتمام بالنشاط الجنسي. وفي كل الثقافات، للمراهقين احتياجات طبيعية لتأسيس هويتهم الخاصة، فمرحلة المراهقة تمتد من مرحلة الطفولة "الوصاية التامة" حتى مرحلة الرشد و استقلالية الشخصية، أي من كونه مرؤوساً إلى الاستقلال والإشراف الذاتي على السلوك، فبغض النظر عن رغبة الوالدين، فإن تكوين شخصية مستقلة يعتبر حاجة طبيعية وضرورية في عملية التطور، تترافق بمجموعة من الضغوط النفسية سواء على المراهق أو على الأهل حيث تظهر شروط جديدة لتكوين شخصية جديدة. كما يبدأ المراهق بطرح مجموعة من التساؤلات، من أكون؟ ماذا سأكون مستقبلاً؟ إلى متى سأبقى معكم؟.. إلخ. ويبحث عن أجوبة لهذه التساؤلات متحدياً في كثير من الأحيان سلطة البيت وقوانينه، وهنا نقول إنه يفترض أن يشجع الآباء أبناءهم بتولي المسؤولية وأخذ زمام الأمور لإنجاز اختياراتهم ضمن عملية التوجيه و الإرشاد، وليس النظر إليهم كأطفال الأمر الذي يسبب البكاء لديهم كردة فعل مباشرة".
وينبه الدكتور الموسى إلى أن المراهقين حريصون دائماً على قبولهم من الآخرين "الأصدقاء، المحيط، والبنى الاجتماعية" لذلك كثيراً ما نراهم يتبنون آراء أصدقائهم، وهذا يسترعي من الآباء توجيههم لكيفية نسج العلاقات وتشجيعهم لممارسة النشاطات المختلفة التي تقود لاكتشاف مواهبهم الخاصة والتركيز عليها. وعادة ما نخشى من ضغط الأصدقاء وآرائهم، وفي الحقيقة فإن الكثير منها يكون إيجابيا، ويتعاونون فيما بينهم للحفاظ على الطرق الحياتية السليمة.
ويعتقد الدكتور الموسى أن تشجيع الأهل لأبنائهم باستضافة أصدقائهم في المنزل يساعد على زيادة وتيرة الاحترام المتبادل والتعاون الإيجابي.
وأما ما يخص الغريزة الجنسية لدى المراهقين، فإنهم بحاجة لمعرفة الكثير عنها، حتى يتجنبوا عواقبها السلبية وما ينجم عنها من أضرار أو شذوذ على المدى البعيد. ومن المؤسف أن الآباء لا يتقبلون في العادة مناقشة الموضوع مع أبنائهم أو على الأقل يشعرون بالحرج من ذلك، ولا ندري لماذا؟ وتفيد معظم الدراسات أن موقف الآباء هذا يشكل أهم العوائق لتوضيح السلوك الجنسي الصحيح. في أسوأ الأحوال نقول إن هناك أبحاثا ودراسات عديدة تتعلق بهذا الموضوع سواء في المكتبات أو الإنترنت يمكن تقديمها للأبناء لمعاونتهم في هذا الموضوع.
ويؤكد الدكتور الموسى أن الأهل الذين يتوقعون أن المراهقين يخلقون المشكلات، هم عادة يخلقون مشكله بسبب الريبة، إن زيادة المعرفة عن سن المراهقة وتحدياتها من الطبيعي أن تحد من الصراع وتساعد على الانتقال الطبيعي من الطفولة إلى سن الرشد.
أساليب للاحتواء
وحول حقيقة أن المراهق صاحب مزاج حاد, يقول الدكتور الموسى "لعل الأمور الأكثر غرابة تأتي من المراهقين، لكن هذا جزء من عملية تطورهم، بعض التصرفات أو السلوكيات التي يعتبرها الكبار سلبية، يعتبرها المراهقون طبيعية وتتماشى مع نظرتهم لتطور الأمور من حولهم، وقد تعكس سلوكياتهم مجموعة من الظواهر أهمها: العصيان، وهنا لابد للآباء من الاختبار، هل هذا السلوك هو نوع من التحدي لسلطتهم، أم هو عملية تكيف مع مفاهيم جديدة؟ مهم أن نعرف أنه بهذا النوع من العصيان يلبي المراهقون جزءاً من حاجاتهم الطبيعية. وهنا المزاج المتقلب: فالمراهقون يتغيرون من يوم لآخر، ومن لحظة لأخرى، من حالة الفرح إلى حالة الحزن لأبسط الأسباب. إن تغير المزاج له علاقة بالنشاط الهرموني، كما يتسم المراهقون بالذاتية "الأنانية": فهم غالباً ما يكونون مشغولين بأنفسهم، يشعرون بأنهم دائماً على خشبة المسرح، يستطيعون قضاء الساعات أمام المرآة "شعور العريس"، يفترضون أن كل من حولهم يلتفت إليهم "محط الأنظار" وهذا يفسر وقوعهم تحت ضغوط نفسية".
وكذلك يعانون من الاندفاعية ولفت الأنظار "باستباق الإساءة والكلام بصوت عال، وبالتدافع مع الآخرين، و قيادة السيارات بسرعة، وكثيرا ما يتصفون بالجدل والمناظرة، ليطوروا نوعاً من البراعة في اختبار قواهم الذهنية، وهذا يعني أن الآباء يجدون أنفسهم أمام حالات جدل مختلفة معهم، وعليهم أن ينظروا بجدية للمحاولات التعبيرية للمراهقين والتي بكل بساطة يمكن أن تكون حذرة في طريقة *** الانتباه، والاستماع لا يعني بالضرورة الموافقة، ولعل هذا الأسلوب يضع الحوار في نصابه الصحيح. و دور الأب ليس هو دور الخطيب الملقن أو الخصم، للمراهق الحق أن يتعلم كيف يفكر ويجادل.
ويشير الدكتور الموسى إلى أهمية مراعاة شفافية المراهقين فالثقة بالنفس مضعضعة عندهم وإن قلق الآباء على سلوك المراهقين يمكن أن يسبب الإزعاج والريبة. ولابد من تثمين السلوك الإيجابي ففي مرحلة المزاج المتقلب والهوية غير الثابتة لهم، فإن المراهقين يحتاجون من الآباء إشعارهم باستحقاقاتهم الذاتية وزرع الثقة بهم... والمراهقون عادة ما يشتكون من القوانين والقيود، فهم بحاجة للمعرفة الآمنة حول ما هو مقبول وما هو مرفوض، ويمكن تجنب العديد من الإشكاليات معهم إذا استطاع الأهل توضيح الثوابت المقبولة لديهم. ومن المهم إظهار المحبة للمراهقين لأنهم يتميزون في كثير من الأحيان بالقسوة على أنفسهم وعلى آبائهم،..فهم على سبيل المثال يستاؤون من احتضانهم وتقبيلهم أمام أصدقائهم، بينما يرغبون بذلك قبل مغادرة البيت أو قبل النوم، إنهم بحاجة لتأكيد دائم من الأهل أن المحبة قائمة على نفس الوتيرة كما لو كانوا صغارا.
http://www.alwatan.com.sa/daily/2**4-05-03/affair.htm