ابولمى
1 - 6 - 2004, 10:22 AM
ليتنا نفكر قبل أن نمنع...
*سعد عطية الغامدي
نشرت بعض الصحف تصريحات لمسؤولين عن إلغاء المراكز الصيفية بحجة استغلالها من فئة قليلة وذلك مصدر مرارة كبيرة وحسرة لما آل إليه حالنا من تلقي الاتهامات التي يرمينا بها الأشرار ثم إعادة صياغتها لتكون برامج نتبناها وخططًا ننفذها ومقولات نروجها، في الوقت الذي ينبغي علينا أن نرد على أصحاب التهم ونبين خطأ ما يذهبون إليه وما يرموننا به.
كـان المأمول أن ينشط القائمون على الجامعات والمعاهد وقطاعات التعليم في إعداد خطة متينة لمراكز صيفية تقدم للطلاب من البرامج وأوجه النشاط ما يعينهم على مواجهة تحديات كبرى في الفكر والسلوك والحاضر *****تقبل وأن يجعلوا منهم خطًا حصينًا يحول دون وقوع المجتمع ضحية أهوال جسام من بينها الإرهاب والمخدرات والميوعة والخلاعة التي أصبحت شأنًا يوميًا على مدار الساعة لكثير من القنوات فانساق إليها في غفلة قاتلة كثير من الفتيان والفتيات.
إن قرارًا بإلغاء نشاط أو إيقاف برنامج مثل برامج المراكز الصيفية يقتضي من ذوي الحكمة والعقل أن يدرسوا الظاهرة التي يدَّعون أنها أفرزت من الأمور السلبية ما دعاهم إلى اتخاذ قرارهم هذا، حتى يطمئنوا هم أنفسهم إلى أنهم يبنون هذا القرار على دراسة تثبت صحة ما سمعوه أو قرأوه أو نُقِل إليهم، أما أن يتخذوا قرارًا بالمنع بحجة أن قلة قليلة قد أساءت فذلك أبعد ما يكون عن الحكمة وأقرب ما يكون إلى التهور.
بل إن المنطق يحتم مضاعفة موازنة هذه البرامج الصيفية والتوسع فيها لتشمل أوجه نشاط لم تكن تمارس من قبل مثل التعليم المهني والحرفي وتعميق مفهومات المواطنة عبر برامج خدمة المجتمع والتأكيد على صيانة المرافق العامة والحفاظ على نظافة الشوارع والحدائق وصيانة الأعراض بالمحافظة على حد أدنى من الآداب العامة التي تعين الناس على أن يمارسوا حياة هادئة ناعمة بعيدة عن فضول النظرات والكلمات، وحسن استخدام منجزات التقنية الحديثة من جوال وكاميرات وحاسب آلي، وجعل التسوق متعة عائلية ومتعة فردية تعتمد الذوق الرفيع والخلق القويم.
ثـم هب أن قلة قليلة كما ادعى أصحاب قرار المنع كانوا ينخرطون في هذه المراكز الصيفية فيسيئون إليها، فهل قرار المنع سوف يمنعهم من ممارسة نشاطهم ونشر ما لديهم أم سيجعلهم أكثر إصرارًا على أن يبحثوا عن قنوات أخرى أكثر فاعلية وأشد أثرًا في تحقيق ما يصبون إليه، وكان حريًا بنا أن نفتح هذه المراكز ونملأها بذوي الفكر السوي والنشاط المستقيم الواضح حتى نفتح الأبواب للغالبية السوية ونشرع النوافذ للأفكار الصالحة لأن في ذلك مجالاً واسعًا لتراجع القلة إذا رأوا أنهم النشاز وأن فكرهم هو الغريب وأن تصرفاتهم وحدها هي غير المقبولة، وألا يدفعنا حذر غير مبرر وخوف غير حكيم لأن نلملم مشاعرنا وأفئدتنا وشبابنا ونهرب ونختفي ونغلق على أنفسنا الأبواب ونوصد النوافذ خوفًا من هذه الفئة القليلة.
ثـم إن هذه المراكز التي تضمها مئات المدن والقرى السعودية وينخرط فيها عشرات الآلاف من الشباب والفتيات، ألا يمكن لنا ببصيرتنا وقوة عزيمتنا ووضوح نهجنا أن نجعلها مراكز بناء وتوجيه وإعداد لجيل المستقبل الذي لا تقدم له المدارس ولا المعاهد ولا الجامعات إلا الكتاب والمحاضرة والاختبار، ولكنها تعجز عن تقديم ميدان يختبر فيه قدراته ويجرب فيه متانة شخصيته ويكتشف فيه مواهبه ويتعرف فيه إلى آخرين عبر تعايش يعتمد منهجًا فيه النوم والاستيقاظ والرحلة وإعداد الطعام ومهارات شتى ذهنية وبدنية واجتماعية وصحية.
ليـتنا قبل أن نمنع نشاطًا أو نوصِدَ بابًا من أبواب الخير نتأمل إيجابيات وسلبيات استمرار النشاط ومنعه، وننظر إلى الحكمة المستقاة من بناء القدرات أو إهمالها اتكاء على أن قلة قد تتسلق على أكتافهم وكأننا من العجز والغفلة وقلة الحيلة أمام هؤلاء وقد تبين لنا أنهم مصدر خطر، بل إن العقل يحتم علينا أن نواجههم في ميدان واضح فسيح مثل هذا الميدان، لا أن نغلق الميدان خوفًا وحذرًا وسدًا لذريعة واهية خاوية.
مـاذا يبقى لنا إن سعى أهل الباطل في محاربتنا في صدقاتنا وزكواتنا وفلذات أكبادنا وبنائنا لوطننا وشرائعنا وشعائرنا ومقدساتنا فاستمعنا إليهم وأصغينا لهم وقبلنا منهم، إنها الهزيمة التي لا تليق بأناس ينتمون إلى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ( وينهلون من (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ( ويرددون (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ من أَمْرِهِ يُسْرًا(، وكان علينا أن نكون أكثر هدوءًا وأشد اطمئنانًا إلى أن القلة سوف تنصاع بقدر التدافع ومراجعة الذات إلى سبيل الغالبية التي وعت أولوياتها واستوعبت شروط رقيها ونهضتها وعرفت أن الطريق القويم ربما كان أطول من طرق كثيرة أخرى ولكنه وحده الطريق الموصل إلى الغاية والمحقق للهدف لأنه طريق مستقيم لا يلتوي ولا ينحرف.
* كاتب وأكاديمي سعودي
http://www.alwatan.com.sa/daily/2**4-05-31/writers/writers07.htm
*سعد عطية الغامدي
نشرت بعض الصحف تصريحات لمسؤولين عن إلغاء المراكز الصيفية بحجة استغلالها من فئة قليلة وذلك مصدر مرارة كبيرة وحسرة لما آل إليه حالنا من تلقي الاتهامات التي يرمينا بها الأشرار ثم إعادة صياغتها لتكون برامج نتبناها وخططًا ننفذها ومقولات نروجها، في الوقت الذي ينبغي علينا أن نرد على أصحاب التهم ونبين خطأ ما يذهبون إليه وما يرموننا به.
كـان المأمول أن ينشط القائمون على الجامعات والمعاهد وقطاعات التعليم في إعداد خطة متينة لمراكز صيفية تقدم للطلاب من البرامج وأوجه النشاط ما يعينهم على مواجهة تحديات كبرى في الفكر والسلوك والحاضر *****تقبل وأن يجعلوا منهم خطًا حصينًا يحول دون وقوع المجتمع ضحية أهوال جسام من بينها الإرهاب والمخدرات والميوعة والخلاعة التي أصبحت شأنًا يوميًا على مدار الساعة لكثير من القنوات فانساق إليها في غفلة قاتلة كثير من الفتيان والفتيات.
إن قرارًا بإلغاء نشاط أو إيقاف برنامج مثل برامج المراكز الصيفية يقتضي من ذوي الحكمة والعقل أن يدرسوا الظاهرة التي يدَّعون أنها أفرزت من الأمور السلبية ما دعاهم إلى اتخاذ قرارهم هذا، حتى يطمئنوا هم أنفسهم إلى أنهم يبنون هذا القرار على دراسة تثبت صحة ما سمعوه أو قرأوه أو نُقِل إليهم، أما أن يتخذوا قرارًا بالمنع بحجة أن قلة قليلة قد أساءت فذلك أبعد ما يكون عن الحكمة وأقرب ما يكون إلى التهور.
بل إن المنطق يحتم مضاعفة موازنة هذه البرامج الصيفية والتوسع فيها لتشمل أوجه نشاط لم تكن تمارس من قبل مثل التعليم المهني والحرفي وتعميق مفهومات المواطنة عبر برامج خدمة المجتمع والتأكيد على صيانة المرافق العامة والحفاظ على نظافة الشوارع والحدائق وصيانة الأعراض بالمحافظة على حد أدنى من الآداب العامة التي تعين الناس على أن يمارسوا حياة هادئة ناعمة بعيدة عن فضول النظرات والكلمات، وحسن استخدام منجزات التقنية الحديثة من جوال وكاميرات وحاسب آلي، وجعل التسوق متعة عائلية ومتعة فردية تعتمد الذوق الرفيع والخلق القويم.
ثـم هب أن قلة قليلة كما ادعى أصحاب قرار المنع كانوا ينخرطون في هذه المراكز الصيفية فيسيئون إليها، فهل قرار المنع سوف يمنعهم من ممارسة نشاطهم ونشر ما لديهم أم سيجعلهم أكثر إصرارًا على أن يبحثوا عن قنوات أخرى أكثر فاعلية وأشد أثرًا في تحقيق ما يصبون إليه، وكان حريًا بنا أن نفتح هذه المراكز ونملأها بذوي الفكر السوي والنشاط المستقيم الواضح حتى نفتح الأبواب للغالبية السوية ونشرع النوافذ للأفكار الصالحة لأن في ذلك مجالاً واسعًا لتراجع القلة إذا رأوا أنهم النشاز وأن فكرهم هو الغريب وأن تصرفاتهم وحدها هي غير المقبولة، وألا يدفعنا حذر غير مبرر وخوف غير حكيم لأن نلملم مشاعرنا وأفئدتنا وشبابنا ونهرب ونختفي ونغلق على أنفسنا الأبواب ونوصد النوافذ خوفًا من هذه الفئة القليلة.
ثـم إن هذه المراكز التي تضمها مئات المدن والقرى السعودية وينخرط فيها عشرات الآلاف من الشباب والفتيات، ألا يمكن لنا ببصيرتنا وقوة عزيمتنا ووضوح نهجنا أن نجعلها مراكز بناء وتوجيه وإعداد لجيل المستقبل الذي لا تقدم له المدارس ولا المعاهد ولا الجامعات إلا الكتاب والمحاضرة والاختبار، ولكنها تعجز عن تقديم ميدان يختبر فيه قدراته ويجرب فيه متانة شخصيته ويكتشف فيه مواهبه ويتعرف فيه إلى آخرين عبر تعايش يعتمد منهجًا فيه النوم والاستيقاظ والرحلة وإعداد الطعام ومهارات شتى ذهنية وبدنية واجتماعية وصحية.
ليـتنا قبل أن نمنع نشاطًا أو نوصِدَ بابًا من أبواب الخير نتأمل إيجابيات وسلبيات استمرار النشاط ومنعه، وننظر إلى الحكمة المستقاة من بناء القدرات أو إهمالها اتكاء على أن قلة قد تتسلق على أكتافهم وكأننا من العجز والغفلة وقلة الحيلة أمام هؤلاء وقد تبين لنا أنهم مصدر خطر، بل إن العقل يحتم علينا أن نواجههم في ميدان واضح فسيح مثل هذا الميدان، لا أن نغلق الميدان خوفًا وحذرًا وسدًا لذريعة واهية خاوية.
مـاذا يبقى لنا إن سعى أهل الباطل في محاربتنا في صدقاتنا وزكواتنا وفلذات أكبادنا وبنائنا لوطننا وشرائعنا وشعائرنا ومقدساتنا فاستمعنا إليهم وأصغينا لهم وقبلنا منهم، إنها الهزيمة التي لا تليق بأناس ينتمون إلى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ( وينهلون من (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ( ويرددون (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ من أَمْرِهِ يُسْرًا(، وكان علينا أن نكون أكثر هدوءًا وأشد اطمئنانًا إلى أن القلة سوف تنصاع بقدر التدافع ومراجعة الذات إلى سبيل الغالبية التي وعت أولوياتها واستوعبت شروط رقيها ونهضتها وعرفت أن الطريق القويم ربما كان أطول من طرق كثيرة أخرى ولكنه وحده الطريق الموصل إلى الغاية والمحقق للهدف لأنه طريق مستقيم لا يلتوي ولا ينحرف.
* كاتب وأكاديمي سعودي
http://www.alwatan.com.sa/daily/2**4-05-31/writers/writers07.htm