مصطفى الشاذلي
26 - 11 - 2014, 10:35 PM
لو كان البلاء يقصد به العقاب أو الجزاء حاشا لله لحفظ منه كمَّل عباده وهم الأنبياء والصالحون والصديقون وما شابههم وما ماثلهم لكن الله وهو الحق والكل عنده سواء ولا يكرم الخلق بقدر عطائهم من الدنيا لأنه هو الذي أعطاها لهم ، وهو الذي أعطى هذا وحرم هذا ، وهو الذي رفع هذا وخفض هذا ، وهو الذي أعز هذا وأذل هذا ، وهو الذي يعطي ويمنع ، وهو الذي يخفض ويرفع
ولأن هذه الأشياء تساوى فيها بل زاد فيها الكافرون على المؤمنين فلم يجعلها هي معدن الابتلاء وإنما الابتلاء على قدر الإيمان وجعل ابتلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في امتحان صلابة الإيمان في نفوسهم فتعرضوا للكافرين تارة بالاستهزاء وتارة بالتعذيب وتارة بالطرد وتارة بالضرب وتارة بأخذ أموالهم وتارة بأخذ أرواحهم وإزهاق نفوسهم
ينظر الله إلى قلوبهم عند تعرضهم لهذا البلاء فمنهم من هو أشد صلابة في دين الله من كل جبال الدنيا وصخورها ولا تأخذه في الله هوادة كأبي عبيدة بن الجراح الذي التقى في غزوة بدر مع أبيه وجهاً لوجه وكلما ابتعد من أمام وجه أبيه براً به وهو كافر أسرع أبوه ليلحق به ، فخاف أن يقتله مسلم فيكون في صدره شئ نحو هذا المسلم ، فأراد أن يثبت لله أنه لا يخشى إلا الله ولا تأخذه رأفة في دين الله فقتل أباه بسيفه
ومنهم مصعب بن عمير وكانت أمه من أثرياء مكة وعندما آمن بالإسلام حرمته من كل مالها ومقتنياتها وتركته يتكفف إخوانه المؤمنين لقلة ذات يده ، وأرسلت رسلها يطلبون منه أن يرجع إلى دينها وترد له الأموال التي عندها ، لكنه قال لهم قولوا لها: هيهات هيهات لقد عرف القلب حب الله واستنشق عبير كتاب الله فلم يعد يجد لذة إلا في مناجاة مولاه
ويجيب على أخيه أبى اليسر في موقعة بدر وهو أسير في يد رجل من المسلمين فيستنجد به أخوه ، فليتفت إليه ثم يقول لأخيه المسلم: أشدد يدا أسيرك فإن أمه غنية وستفديه بمال كثير ، فقال: أهذه وصايتك بأخيك؟ قال: لست أخي وإنما هذا هو أخي والإسلام فرق بيننا {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} المائدة54
فنجحوا في الامتحان جميعاً وقال لهم الله مع حبيبه في قرآنه {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} الفتح29
فهم معه في الدنيا ومعه في الاخرة ومعه عند لقاء الله وبشرهم بالجنة ووعدهم بمقعد صدق وهنأهم بما لهم عند الله من مقام كريم وأجر عظيم لأنهم نجحوا في هذا الابتلاء ، فنصرهم الله وأعزهم الله وفتح لهم البلدان وصاروا أمراء وقادة جيوش وفاتحين وجاءتهم خزائن الدنيا كلها تحت أرجلهم
فكان الإمتحان الأعظم فلم يلتفتوا عن الله طرفة عين ولم تشغلهم الدنيا عن الله ولاعن طاعته وعبادته ولم يتخلوا بسبب طغيان المادة عن الأخلاق الإسلامية من الصدق والأمانة والكرم والشجاعة وغيرها من أخلاق الإيمان
وقد ورد أنه لما فتحت خزائن كسرى أمر قائد الجيش جنده أن يحضروا ما وجدوه فأحضروا كل ما التقطوه من ألوان النعيم ومن أصناف الأموال حتى من كان يجد ولو إبرة يأتي بها إلى القائد ، وجاء رجل منهم ومعه صندوق كبير ملئ بالمجوهرات التي كان يتحلى بها نساء كسرى وهي مجوهرات لم يروا جميعاً مثلها في حياتهم فليس في بيتهم ولو قليل من مثلها
فقال له القائد ما اسمك؟ قال: ولم؟ قال: لنرسل لعمر بن الخطاب نخبره عن شأنك ، قال: عجباً لك لو كنت أتيت بهذا من أجلك أو من أجل ابن الخطاب ما أتيت به وكنت أخرته عندي وأخذته لي ولكن جئت به من أجل خشية الله
وحملت هذه الكنوز جمال كان أولها في المدينة المنورة وآخرها في بلاد فارس وكانت أكواماً كثيرة في مسجد الحَبيب صلى الله عليه وسلم وتجمع المسلمون في المدينة المنورة ومن حولها ليشاهدوا غنائم المؤمنين من كنوز كسرى وعجبوا وقال عمر رضي الله عنه قَالَ: {إِنَّ أَقْوَامَاً أَدُّوا هذَا لَذَوُو أَمَانَةٍ ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكَ عَفَفْتَ فَعَفَّت الرَّعِيَّةُ}{1}
هذا رجل منهم وهو سلمان الفارسي يأتيه صك بتعيينه أميناً على المدائن وبينما هو يمر ويتفقد أحوال رعيته إذا برجل مسافر لا يلحظ عليه إلامارة وأنه أمير المدينة ومعه أثقال يريد من يحملها فأشار إليه وقال تعال احمل متاعي فحمله على كتفه وبينما هو يمشي خلفه إذا رجل يقول له: السلام عليك أيها الأمير ، فتعجب الرجل وقال: أنت أمير المدائن؟ قال: نعم ، قال: وتحمل لي أثقالي ، قال: وماذا في ذلك؟ ذهبت وأنا سلمان ورجعت وأنا سلمان
فلم تفتنهم الدنيا وزينتها وزخرفها عن الرحمن طرفة عين ولا أقل فكانوا بذلك وعلى ذلك من الذين يعنيهم الله بقوله {فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} النساء69
ونحن كذلك أعلنا الإيمان فابتلانا الله ليختبرنا بصدق الإيمان ، ابتلانا الله بفتن الدنيا وزينتها وزخرفها وطغيان الأموال وابتلى بعضنا ببعض الأمراض وابتلى بعضنا ببعض المناصب وابتلى بعضنا ببعض زواره وابتلى بعضنا بأمور في بيته أو في عمله أو في نفسه أو في إخوانه لأن الله قال وهو أصدق القائلين { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} نمتحنكم جميعاً في أي أمر من هؤلاء {بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} البقرة155
{1} عن مخلد بن قيس الْعَجلي عن أَبيهِ، جامع المسانيد والمراسيل
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php…
منقول من كتاب {الخطب الإلهامية_ج1_الهجرة ويوم عاشوراء}
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً (http://www.fawzyabuzeid.com/downbook.php…)
https://www.youtube.com/watch?v=DAsrYF5WnNY
http://www.fawzyabuzeid.com/data/pic/hjra1.jpg
ولأن هذه الأشياء تساوى فيها بل زاد فيها الكافرون على المؤمنين فلم يجعلها هي معدن الابتلاء وإنما الابتلاء على قدر الإيمان وجعل ابتلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في امتحان صلابة الإيمان في نفوسهم فتعرضوا للكافرين تارة بالاستهزاء وتارة بالتعذيب وتارة بالطرد وتارة بالضرب وتارة بأخذ أموالهم وتارة بأخذ أرواحهم وإزهاق نفوسهم
ينظر الله إلى قلوبهم عند تعرضهم لهذا البلاء فمنهم من هو أشد صلابة في دين الله من كل جبال الدنيا وصخورها ولا تأخذه في الله هوادة كأبي عبيدة بن الجراح الذي التقى في غزوة بدر مع أبيه وجهاً لوجه وكلما ابتعد من أمام وجه أبيه براً به وهو كافر أسرع أبوه ليلحق به ، فخاف أن يقتله مسلم فيكون في صدره شئ نحو هذا المسلم ، فأراد أن يثبت لله أنه لا يخشى إلا الله ولا تأخذه رأفة في دين الله فقتل أباه بسيفه
ومنهم مصعب بن عمير وكانت أمه من أثرياء مكة وعندما آمن بالإسلام حرمته من كل مالها ومقتنياتها وتركته يتكفف إخوانه المؤمنين لقلة ذات يده ، وأرسلت رسلها يطلبون منه أن يرجع إلى دينها وترد له الأموال التي عندها ، لكنه قال لهم قولوا لها: هيهات هيهات لقد عرف القلب حب الله واستنشق عبير كتاب الله فلم يعد يجد لذة إلا في مناجاة مولاه
ويجيب على أخيه أبى اليسر في موقعة بدر وهو أسير في يد رجل من المسلمين فيستنجد به أخوه ، فليتفت إليه ثم يقول لأخيه المسلم: أشدد يدا أسيرك فإن أمه غنية وستفديه بمال كثير ، فقال: أهذه وصايتك بأخيك؟ قال: لست أخي وإنما هذا هو أخي والإسلام فرق بيننا {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} المائدة54
فنجحوا في الامتحان جميعاً وقال لهم الله مع حبيبه في قرآنه {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} الفتح29
فهم معه في الدنيا ومعه في الاخرة ومعه عند لقاء الله وبشرهم بالجنة ووعدهم بمقعد صدق وهنأهم بما لهم عند الله من مقام كريم وأجر عظيم لأنهم نجحوا في هذا الابتلاء ، فنصرهم الله وأعزهم الله وفتح لهم البلدان وصاروا أمراء وقادة جيوش وفاتحين وجاءتهم خزائن الدنيا كلها تحت أرجلهم
فكان الإمتحان الأعظم فلم يلتفتوا عن الله طرفة عين ولم تشغلهم الدنيا عن الله ولاعن طاعته وعبادته ولم يتخلوا بسبب طغيان المادة عن الأخلاق الإسلامية من الصدق والأمانة والكرم والشجاعة وغيرها من أخلاق الإيمان
وقد ورد أنه لما فتحت خزائن كسرى أمر قائد الجيش جنده أن يحضروا ما وجدوه فأحضروا كل ما التقطوه من ألوان النعيم ومن أصناف الأموال حتى من كان يجد ولو إبرة يأتي بها إلى القائد ، وجاء رجل منهم ومعه صندوق كبير ملئ بالمجوهرات التي كان يتحلى بها نساء كسرى وهي مجوهرات لم يروا جميعاً مثلها في حياتهم فليس في بيتهم ولو قليل من مثلها
فقال له القائد ما اسمك؟ قال: ولم؟ قال: لنرسل لعمر بن الخطاب نخبره عن شأنك ، قال: عجباً لك لو كنت أتيت بهذا من أجلك أو من أجل ابن الخطاب ما أتيت به وكنت أخرته عندي وأخذته لي ولكن جئت به من أجل خشية الله
وحملت هذه الكنوز جمال كان أولها في المدينة المنورة وآخرها في بلاد فارس وكانت أكواماً كثيرة في مسجد الحَبيب صلى الله عليه وسلم وتجمع المسلمون في المدينة المنورة ومن حولها ليشاهدوا غنائم المؤمنين من كنوز كسرى وعجبوا وقال عمر رضي الله عنه قَالَ: {إِنَّ أَقْوَامَاً أَدُّوا هذَا لَذَوُو أَمَانَةٍ ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكَ عَفَفْتَ فَعَفَّت الرَّعِيَّةُ}{1}
هذا رجل منهم وهو سلمان الفارسي يأتيه صك بتعيينه أميناً على المدائن وبينما هو يمر ويتفقد أحوال رعيته إذا برجل مسافر لا يلحظ عليه إلامارة وأنه أمير المدينة ومعه أثقال يريد من يحملها فأشار إليه وقال تعال احمل متاعي فحمله على كتفه وبينما هو يمشي خلفه إذا رجل يقول له: السلام عليك أيها الأمير ، فتعجب الرجل وقال: أنت أمير المدائن؟ قال: نعم ، قال: وتحمل لي أثقالي ، قال: وماذا في ذلك؟ ذهبت وأنا سلمان ورجعت وأنا سلمان
فلم تفتنهم الدنيا وزينتها وزخرفها عن الرحمن طرفة عين ولا أقل فكانوا بذلك وعلى ذلك من الذين يعنيهم الله بقوله {فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} النساء69
ونحن كذلك أعلنا الإيمان فابتلانا الله ليختبرنا بصدق الإيمان ، ابتلانا الله بفتن الدنيا وزينتها وزخرفها وطغيان الأموال وابتلى بعضنا ببعض الأمراض وابتلى بعضنا ببعض المناصب وابتلى بعضنا ببعض زواره وابتلى بعضنا بأمور في بيته أو في عمله أو في نفسه أو في إخوانه لأن الله قال وهو أصدق القائلين { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} نمتحنكم جميعاً في أي أمر من هؤلاء {بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} البقرة155
{1} عن مخلد بن قيس الْعَجلي عن أَبيهِ، جامع المسانيد والمراسيل
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php…
منقول من كتاب {الخطب الإلهامية_ج1_الهجرة ويوم عاشوراء}
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً (http://www.fawzyabuzeid.com/downbook.php…)
https://www.youtube.com/watch?v=DAsrYF5WnNY
http://www.fawzyabuzeid.com/data/pic/hjra1.jpg