ابولمى
27 - 6 - 2004, 04:48 AM
أهي استئصالية جديدة؟ دفاع من سلمان العودة عن المراكز الصيفية
أهي استئصالية جديدة؟
سلمان بن فهد العودة
أتابع بألم حملة إعلامية في بعض صحفنا، لإغلاق المراكز الصيفية، وعدد من المناشط الدعوية، بحجة مطاردة الإرهاب، ويذكِّرني هذا بالحملة المكارثية في الولايات المتحدة، التي قادها المحافظ الجمهوري (يوجين مكارثي) ضد المثقفين اليساريين، والتي كانت تأخذ البريء بذنب المجرم.
من الحقائق المؤكَّدة أن أعلى نسبة توالد في العالم هي في الرياض (3.6%)، وأن نسبة الشباب في المملكة نحو 65%.
والسؤال الذي حيَّرني حقاً:
إلى أين يذهب هؤلاء الشباب؟!
للسفر إلى الخارج؟ حيث تنتظرهم مواقع الرذيلة والمخدرات والاصطياد والتجنيد الأمني.
أنا هنا لا أعمم، ولكنني أعرض الاحتمالات!
للمقاهي والملاهي، حيث لا تستوعب أكثر من 5% من أعداد الشباب، ومع ذلك فهي تفتقد صور الضبط والتوعية، وغالب الشباب يتجمعون فيها على الفضائيات والتدخين، ولنقل أن جزءاً منها للتسلية وقضاء الفراغ واللهو المباح..
فكم تستوعب من شبابنا؟
للاستراحات؟ حيث لا حسيب ولا رقيب...
وهل يتدرب أصحاب العنف إلا في الاستراحات؟
وهل التقطت صورهم أو حوصرت أوكارهم إلا فيها؟
وهل تقتل الأوقات بالعكوف على البرامج الفضائية الرديئة، واختلاط الكبار بالصغار... والسهر الطويل.. والغيبة عن الأهل، وحتى حالات الشذوذ التي كتبت عنها بعض صحفنا، ووصلت إلى إجراء عقود النكاح المثلية... إلا في الاستراحات؟
ومع هذا تظل الاستراحات متنفساً للملايين، ومكاناً للمرح والفرح والرياضة واللهو البريء...
ولا يمكن لأحد أن يطالب بغلقها أو منعها...
لكن بتنظيمها والإشراف عليها.
أيذهب الشباب إلى التجمعات الخاصة في بيوتهم ومواعيدهم في ظل غيبة الرقابة الأسرية والحضور الأبوي... حيث يفتح الباب على مصراعيه للإقناع وتغيير الأفكار، وممارسة ألوان الانحراف الفكري والسلوكي...
وهذا مما لا يقدر أحد على منعه...
فمن هي الجهة التي ستمنع اثنين أو ثلاثة أو خمسة من اللقاء في بيت أحدهم، أو في بيت الجدة أو العمة المريضة أو الخالة المقعدة... أو... أو...؟
ويعود صدى السؤال:
إلى أين تذهب الملايين من شبابنا؟
أين الحقائق والوثائق التي تقول: إن محاضن التربية في مجتمعنا تحوَّلت إلى أوكار لتجنيد الشباب؟
إنها مواقع مرَّ عليها الكثير إن لم يكن الجميع.. فإن يشذ فردٌ هنا أو هناك، ويختار لنفسه طريق الانحراف فهذه ليست مسؤولية الجهة التي حاولت الحفاظ عليه، ولم تنجح معه، بينما نجحت مع الكثيرين غيره.
هل سنشهد حملة مشابهة لإغلاق المدارس والجامعات والمعاهد، لأن فلاناً درس فيها، أو حتى تخرَّج منها؟
هل سنشهد حملة لإغلاق المؤسسات والدور والجمعيات الخيرية؟
هل سنشهد حملة لإغلاق المساجد، لأن بعض هؤلاء صلوا فيها يوماً من الأيام؟
أهي استئصالية جديدة؟
إن هذه مؤسسات المجتمع، ويفترض في أي شاب أن يكون مرتبطاً بها، أو أن يكون مرَّ عليها في مرحلة ما من حياته.
إن الحالة الأمنية التي نواجهها ليست المشكلة الأولى في البلد، ولن تكون الأخيرة والله أعلم، والمخلصون لوطنهم عليهم أن يستميتوا لتلافي الأزمات قبل حصولها، وليس أن يحضِّروا لصناعة مشكلات قادمة بحجة معالجة ما هو قائم وواقع.
وبكل صراحة أقول من منطلق غيرتي على هذا الوطن وعلى أبنائه وأجياله الواعدة... إنه يجب أن يفتح بدل المركز عشرة مراكز، وبدل الحلقة عشر حلقات، وبدل المخيم عشرة، وأن تتنوَّع فيها المناشط والبرامج والأعمال، وأن تستمر مدى العام، مراكز الأحياء للبنين، وأخرى للبنات، فيها ميدان للرياضة، وفرصة للتعارف، ومكتبة للقراءة، وصالة للتدريب، وأجهزة كمبيوتر، وتدريب على الحوار والتفاهم، وبناء الوعي، وتعميق الانتماء...إلخ.
وليكن لهذه المراكز مرجعية إدارية واضحة، وإشراف دقيق، ضعوا فيها ما شئتم، ومن شئتم من أجل أن تظل وفيةً لأهدافها... مستوعبةً لكل شرائح المجتمع وفئاته... بعيدةً عن التوظيف السلبي لصالح التطرف الديني، أو التطرف العلماني، المهم أن تقوم هذه المراكز وتدوم، وان يُعطى شبابنا الفرصة لكي يفرح ويلهو ويتمتع ويستفيد ضمن قنوات رسمية واضحة مدعومة...ولتكن تحت مظلة (المجلس الأعلى للأسرة والشباب) وإنني أحذِّر، وبكل وضوح، من أصوات تدعي أنها تعالج المشكلة القائمة اليوم... وهي تحضِّر المجتمع لمشكلة أخرى أشد تفاقماً بعد عشر سنوات، لا قدر الله، أو تحارب تفجيرات هنا وهناك، لتقوم بتفجير المجتمع كله! بحجة أنه مجتمع مؤدلج!
لن نستطيع سلخ جلد المجتمع، ولا تطويع الناس للرأي الخاص، ولا مصادرة كل من نحقد عليهم... وأخطر من هذا كله أن نحوِّل هذا الشعور الشخصي إلى قضية وطنية (!) وأن نتنكر للحرمين بينما يتشرَّف حكامها بخدمة الحرمين الشريفين.
إن القراءة السريعة تعطي نتائج قاصرة، والتعميم يعني توسيع دائرة الاتهام، وهي أعظم خدمة يمكن تقديمها لأعداء الوطن، حين الادعاء بأنهم يمثِّلون تغلغلاً وأتباعاً وقيادات ومؤسسات وحضوراً كثيفاً.
هل يحلم هؤلاء بأفضل من هذا؟.
الاحد 9/5/1425هـ
http://www.al-jazirah.com/
أهي استئصالية جديدة؟
سلمان بن فهد العودة
أتابع بألم حملة إعلامية في بعض صحفنا، لإغلاق المراكز الصيفية، وعدد من المناشط الدعوية، بحجة مطاردة الإرهاب، ويذكِّرني هذا بالحملة المكارثية في الولايات المتحدة، التي قادها المحافظ الجمهوري (يوجين مكارثي) ضد المثقفين اليساريين، والتي كانت تأخذ البريء بذنب المجرم.
من الحقائق المؤكَّدة أن أعلى نسبة توالد في العالم هي في الرياض (3.6%)، وأن نسبة الشباب في المملكة نحو 65%.
والسؤال الذي حيَّرني حقاً:
إلى أين يذهب هؤلاء الشباب؟!
للسفر إلى الخارج؟ حيث تنتظرهم مواقع الرذيلة والمخدرات والاصطياد والتجنيد الأمني.
أنا هنا لا أعمم، ولكنني أعرض الاحتمالات!
للمقاهي والملاهي، حيث لا تستوعب أكثر من 5% من أعداد الشباب، ومع ذلك فهي تفتقد صور الضبط والتوعية، وغالب الشباب يتجمعون فيها على الفضائيات والتدخين، ولنقل أن جزءاً منها للتسلية وقضاء الفراغ واللهو المباح..
فكم تستوعب من شبابنا؟
للاستراحات؟ حيث لا حسيب ولا رقيب...
وهل يتدرب أصحاب العنف إلا في الاستراحات؟
وهل التقطت صورهم أو حوصرت أوكارهم إلا فيها؟
وهل تقتل الأوقات بالعكوف على البرامج الفضائية الرديئة، واختلاط الكبار بالصغار... والسهر الطويل.. والغيبة عن الأهل، وحتى حالات الشذوذ التي كتبت عنها بعض صحفنا، ووصلت إلى إجراء عقود النكاح المثلية... إلا في الاستراحات؟
ومع هذا تظل الاستراحات متنفساً للملايين، ومكاناً للمرح والفرح والرياضة واللهو البريء...
ولا يمكن لأحد أن يطالب بغلقها أو منعها...
لكن بتنظيمها والإشراف عليها.
أيذهب الشباب إلى التجمعات الخاصة في بيوتهم ومواعيدهم في ظل غيبة الرقابة الأسرية والحضور الأبوي... حيث يفتح الباب على مصراعيه للإقناع وتغيير الأفكار، وممارسة ألوان الانحراف الفكري والسلوكي...
وهذا مما لا يقدر أحد على منعه...
فمن هي الجهة التي ستمنع اثنين أو ثلاثة أو خمسة من اللقاء في بيت أحدهم، أو في بيت الجدة أو العمة المريضة أو الخالة المقعدة... أو... أو...؟
ويعود صدى السؤال:
إلى أين تذهب الملايين من شبابنا؟
أين الحقائق والوثائق التي تقول: إن محاضن التربية في مجتمعنا تحوَّلت إلى أوكار لتجنيد الشباب؟
إنها مواقع مرَّ عليها الكثير إن لم يكن الجميع.. فإن يشذ فردٌ هنا أو هناك، ويختار لنفسه طريق الانحراف فهذه ليست مسؤولية الجهة التي حاولت الحفاظ عليه، ولم تنجح معه، بينما نجحت مع الكثيرين غيره.
هل سنشهد حملة مشابهة لإغلاق المدارس والجامعات والمعاهد، لأن فلاناً درس فيها، أو حتى تخرَّج منها؟
هل سنشهد حملة لإغلاق المؤسسات والدور والجمعيات الخيرية؟
هل سنشهد حملة لإغلاق المساجد، لأن بعض هؤلاء صلوا فيها يوماً من الأيام؟
أهي استئصالية جديدة؟
إن هذه مؤسسات المجتمع، ويفترض في أي شاب أن يكون مرتبطاً بها، أو أن يكون مرَّ عليها في مرحلة ما من حياته.
إن الحالة الأمنية التي نواجهها ليست المشكلة الأولى في البلد، ولن تكون الأخيرة والله أعلم، والمخلصون لوطنهم عليهم أن يستميتوا لتلافي الأزمات قبل حصولها، وليس أن يحضِّروا لصناعة مشكلات قادمة بحجة معالجة ما هو قائم وواقع.
وبكل صراحة أقول من منطلق غيرتي على هذا الوطن وعلى أبنائه وأجياله الواعدة... إنه يجب أن يفتح بدل المركز عشرة مراكز، وبدل الحلقة عشر حلقات، وبدل المخيم عشرة، وأن تتنوَّع فيها المناشط والبرامج والأعمال، وأن تستمر مدى العام، مراكز الأحياء للبنين، وأخرى للبنات، فيها ميدان للرياضة، وفرصة للتعارف، ومكتبة للقراءة، وصالة للتدريب، وأجهزة كمبيوتر، وتدريب على الحوار والتفاهم، وبناء الوعي، وتعميق الانتماء...إلخ.
وليكن لهذه المراكز مرجعية إدارية واضحة، وإشراف دقيق، ضعوا فيها ما شئتم، ومن شئتم من أجل أن تظل وفيةً لأهدافها... مستوعبةً لكل شرائح المجتمع وفئاته... بعيدةً عن التوظيف السلبي لصالح التطرف الديني، أو التطرف العلماني، المهم أن تقوم هذه المراكز وتدوم، وان يُعطى شبابنا الفرصة لكي يفرح ويلهو ويتمتع ويستفيد ضمن قنوات رسمية واضحة مدعومة...ولتكن تحت مظلة (المجلس الأعلى للأسرة والشباب) وإنني أحذِّر، وبكل وضوح، من أصوات تدعي أنها تعالج المشكلة القائمة اليوم... وهي تحضِّر المجتمع لمشكلة أخرى أشد تفاقماً بعد عشر سنوات، لا قدر الله، أو تحارب تفجيرات هنا وهناك، لتقوم بتفجير المجتمع كله! بحجة أنه مجتمع مؤدلج!
لن نستطيع سلخ جلد المجتمع، ولا تطويع الناس للرأي الخاص، ولا مصادرة كل من نحقد عليهم... وأخطر من هذا كله أن نحوِّل هذا الشعور الشخصي إلى قضية وطنية (!) وأن نتنكر للحرمين بينما يتشرَّف حكامها بخدمة الحرمين الشريفين.
إن القراءة السريعة تعطي نتائج قاصرة، والتعميم يعني توسيع دائرة الاتهام، وهي أعظم خدمة يمكن تقديمها لأعداء الوطن، حين الادعاء بأنهم يمثِّلون تغلغلاً وأتباعاً وقيادات ومؤسسات وحضوراً كثيفاً.
هل يحلم هؤلاء بأفضل من هذا؟.
الاحد 9/5/1425هـ
http://www.al-jazirah.com/