عامر
16 - 11 - 2004, 03:16 PM
مواقف تربوية
هذه مواقف تربوية من كتاب ذكريات علي الطنطاوي رحمه الله... اخترت منه أربعة مواقف مهمة ومفيدة
1- طريقة تربوية لتعليم الحجاب :
ذكر ال*** رحمة الله عليه بعض الأمراض الخطرة المنتشرة في المجتمع منها ، نزع الحجاب واختلاط البنين والبنات ، وكان يخشى على بناته ، فهو لايريد إجبارهن عليه ، فيتخذنه كارهاتٍ له حتى إذا استطعن نبذه نبذنه ، يقول :
ففكرت وطلبت العون من الله ، لما جاوزت بنتي الأولى التاسعة ، قلت لأمها اذهبي فاشتري لها خماراً (إيشارب) غالياً نفيساً ، وكان الخمار العادي ، يباع بليرتين وإن ارتفع ثمنه بثلاث ،
قالت : إنها صغيرة تسخر منها رفيقاتها إن غطت شعرها ويهزأن منها .
قلت : لقد قدرت هذا وفكرت فيه ، فاشتري لها أغلى خماراً تجدينه في السوق مهما بلغ ثمنه .
فكلمتني بالهاتف من السوق وقالت : لقد وجدت خماراً نفيساً جداً من الحرير الخالص ، ولكن ثمنه أربعون ليرة ، وكان هذا المبلغ يعدل يوم إذ أكثر من ثلث راتبي في الشهر كله ، فقلت لها إشتريه.
فتعجبت وحاولت أن تثنيني عن شرائه ، فأصررت ، فلما جاءت به ، ولبسته البنت ، وذهبت به إلى المدرسة كان إعجاب التلميذات به أكثر من عجبهن منها بارتدائه ، وجعلن يثنين عليه ، وقد حسدها أكثرهن على امتلاكه ، فاقترن اتخاذها الحجاب وهي صغيرة بهذا الإعجاب وهذا الذي رأته من الرفيقات ، وذهب بعضهن في اليوم التالي فاشترين ما يقدرن عليه من أمثاله ، وإن لم تشتر واحدة منهن خماراً في مثل نفاسته ، وارتفاع سعره.
بدأت اتخاذ الحجاب فخورة به ، محبة له ، لم تكره عليه ، ولم تلبسه جبراً ، وإن كان العامة يقولون ( الشيء الغالي ثمنه فيه ) ، فإن هذا الخمار بقي على بهائه ، وعلى جدته حتى لبسه بعدها بعض أخواتها ، وهو لا يزال جديداً ، فنشأن جميعاً بحمد الله متمسكات بالحجاب تمسك اقتناع به ، وحرصاً عليه .
2- طريقة تعليمية
يقول ال*** علي الطنطاوي (رحمه الله) في ذكرياته:والصدق أقرب طريق ، لاسيما مع الأطفال ، إلى بلوغ المرام ، وكسب الاحترام.....، من ذلك أن صفوان ابن أخي ناجي ، وكان صغيراً ، أرادوا أن يسقوه دواءً كريهاً فأبى أن يشربه ، فأحاطوا به يقولون له إنه طيب ، وإنه لذيذ فذقه. ذق منه قليلاً ،وهو يأبى ويبكي . فقلت لهم : دعوني معه ، فأخذته جانباً فكلمته بحيث لا يسمعون .
- قلت : ياصفوان ، هذا الدواء كريه جداً ، وطعمه لا يحتمل ، ولا تستطيع أن تشربه ، لكنني إذا مرضت مثل مرضك شربته وأنا كاره له .
- فتعجب وقال : كيف تشربه إذا كان كريهاً؟-فضحكت وقلت لأنني كبير والكبير يقدر المنفعة ، فإذا كان الدواء على سوء طعمه ، نافعاً شربه ولو كان كارهاً ، أما أنت فلا تشربه لأنك صغير .
-قال بل أنا كبير .
-قلت ياابني أنت صغير ، لا تستطيع أن تشربه ، وانا لما كنت صغيراً مثلك كنت أرفض الدواء مثل رفضك ، أو أصنع شيئاً لم تصنعه أنت لأنك أحسن مني .
-ففتح عينيه وقال : ماذا كنت تصنع؟
-قلت : كنت آخذ كأس الدواء وألقيه وراء المخدة .
وكنا نقعد على وسائد على الأرض ونستند إلى مخدات وراء ظهورنا.
-فضحك وقال : أنت تفعل هذا؟
-قلت : نعم ، وأما الآن فأنا أشربه لأنني كبير .
قال : وأنا كبير .
-قلت : لا ، لست كبيراً . وتركته وهممت بالإنصراف .
-قال : ياعمو أنا كبير ، أشربه .
-فالتفت إليه وقلت : إنك لا تستطيع أن تشربه ، الله يرضى عليك ، الصغار لا يشربون الدواء الكريه .
-قال : أنا لست صغيراً ، أشربه ، أنظر شوف كيف حاشربه .
والتفت ببعض جسدي فرأيته قد شرب الدواء .
فالصدق مع الصغار ، خير من أن نكذب عليهم وأن نوهمهم ما يكذبه الواقع.
3- موقف تربوي :
يقول أيضاً رحمه الله :
كنت أطالع يوماً في غرفتي ، فسمعت حواراً بين ابنتي الصغرى وكان عمرها أربع سنوات ، وبين أمها .
البنت : ماما في غرفة بابا ضبع .
الأم : ضبع!؟
البنت : أي والله تحت كومة المجلات .
الأم : حرام الكذب يا بنت .
البنت : والله ، والله ، في غرفة بابا ضبع .
الأم : بس يا بنت لا تكذبي .
فبكت البنت ، وهرعت إلي تستشهدني ، فضحكت وقلت لأمها ، اسأليها ماهو حجم الضبع الذي رأته وما هو لونه؟
قالت البنت : هو أسود بقدر الإصبع .
فغضبت الأم وقالت : كيف تقول إن الأطفال لا يكذبون ، وهذه البنت تكذب وتصر على الكذب؟
قلت إنها لم تكذب ، فتعالي حتى أريك هذا الضبع ، وذهبنا فإذا هو صرصور.
فقلت لها : الأولاد مفطورون على الصدق ، فإذا كذب الطفل فإنما يكذب لسوء التقدير كما قدرت أن الصرصور ضبع ، ذلك أنها تسمع أن الضبع مخيف ، قبيح ، ولا تعرف ماهو فلما رأت الصرصور فخافت منه واستقبحته ، ظنته هو الضبع .
أويكذب الأطفال وهذا هو الغالب ، خوفاً من عقوبة الآباء والأمهات ، فلينتبه المربون الذين يقسون على أولادهم ، فإنهم يدفعونهم إلى الكذب ...إلخ
4- علاج الخوف : ومن تجاربي مع بناتي : أن إحداهن كانت تخشى الخروج إلى الحديقة ليلاً ، وكنا نسكن في سفح قاسيون في دار لها حديقة ، فإذا جن الظلام وأظلمت خافت البنت أنت تخرج إليها ، فأعطيتها مرة كشافاً كهربائياً ، فخرجت بها إلى الحديقة وهي ممسكة بيدي ، وبيدها الأخرى الكشاف ، فلما توسطنا الحديقة قلت لها : أضيئي نور الكشاف فأضاءت ، وقلت لها : ألا ترين ، هذه هي الشجرة التي كنا نراها في النهار ، وهذه البركة الصغيرة ، ماتغير شيء ، كل شيء في مكانه فلماذا تخافين الخروج؟ ألا تخرجين في النهار ، قالت : نعم ، قلت : ما الذي تغير؟
والخوف إن كان له سبب معقول كان طبيعياً ، فمن كان له طفل يخاف من الظلام ، فدواؤه أن يهجم به على ما يخاف منه ، فإذا اطمأن إليه زال خوفه .
هذه مواقف تربوية من كتاب ذكريات علي الطنطاوي رحمه الله... اخترت منه أربعة مواقف مهمة ومفيدة
1- طريقة تربوية لتعليم الحجاب :
ذكر ال*** رحمة الله عليه بعض الأمراض الخطرة المنتشرة في المجتمع منها ، نزع الحجاب واختلاط البنين والبنات ، وكان يخشى على بناته ، فهو لايريد إجبارهن عليه ، فيتخذنه كارهاتٍ له حتى إذا استطعن نبذه نبذنه ، يقول :
ففكرت وطلبت العون من الله ، لما جاوزت بنتي الأولى التاسعة ، قلت لأمها اذهبي فاشتري لها خماراً (إيشارب) غالياً نفيساً ، وكان الخمار العادي ، يباع بليرتين وإن ارتفع ثمنه بثلاث ،
قالت : إنها صغيرة تسخر منها رفيقاتها إن غطت شعرها ويهزأن منها .
قلت : لقد قدرت هذا وفكرت فيه ، فاشتري لها أغلى خماراً تجدينه في السوق مهما بلغ ثمنه .
فكلمتني بالهاتف من السوق وقالت : لقد وجدت خماراً نفيساً جداً من الحرير الخالص ، ولكن ثمنه أربعون ليرة ، وكان هذا المبلغ يعدل يوم إذ أكثر من ثلث راتبي في الشهر كله ، فقلت لها إشتريه.
فتعجبت وحاولت أن تثنيني عن شرائه ، فأصررت ، فلما جاءت به ، ولبسته البنت ، وذهبت به إلى المدرسة كان إعجاب التلميذات به أكثر من عجبهن منها بارتدائه ، وجعلن يثنين عليه ، وقد حسدها أكثرهن على امتلاكه ، فاقترن اتخاذها الحجاب وهي صغيرة بهذا الإعجاب وهذا الذي رأته من الرفيقات ، وذهب بعضهن في اليوم التالي فاشترين ما يقدرن عليه من أمثاله ، وإن لم تشتر واحدة منهن خماراً في مثل نفاسته ، وارتفاع سعره.
بدأت اتخاذ الحجاب فخورة به ، محبة له ، لم تكره عليه ، ولم تلبسه جبراً ، وإن كان العامة يقولون ( الشيء الغالي ثمنه فيه ) ، فإن هذا الخمار بقي على بهائه ، وعلى جدته حتى لبسه بعدها بعض أخواتها ، وهو لا يزال جديداً ، فنشأن جميعاً بحمد الله متمسكات بالحجاب تمسك اقتناع به ، وحرصاً عليه .
2- طريقة تعليمية
يقول ال*** علي الطنطاوي (رحمه الله) في ذكرياته:والصدق أقرب طريق ، لاسيما مع الأطفال ، إلى بلوغ المرام ، وكسب الاحترام.....، من ذلك أن صفوان ابن أخي ناجي ، وكان صغيراً ، أرادوا أن يسقوه دواءً كريهاً فأبى أن يشربه ، فأحاطوا به يقولون له إنه طيب ، وإنه لذيذ فذقه. ذق منه قليلاً ،وهو يأبى ويبكي . فقلت لهم : دعوني معه ، فأخذته جانباً فكلمته بحيث لا يسمعون .
- قلت : ياصفوان ، هذا الدواء كريه جداً ، وطعمه لا يحتمل ، ولا تستطيع أن تشربه ، لكنني إذا مرضت مثل مرضك شربته وأنا كاره له .
- فتعجب وقال : كيف تشربه إذا كان كريهاً؟-فضحكت وقلت لأنني كبير والكبير يقدر المنفعة ، فإذا كان الدواء على سوء طعمه ، نافعاً شربه ولو كان كارهاً ، أما أنت فلا تشربه لأنك صغير .
-قال بل أنا كبير .
-قلت ياابني أنت صغير ، لا تستطيع أن تشربه ، وانا لما كنت صغيراً مثلك كنت أرفض الدواء مثل رفضك ، أو أصنع شيئاً لم تصنعه أنت لأنك أحسن مني .
-ففتح عينيه وقال : ماذا كنت تصنع؟
-قلت : كنت آخذ كأس الدواء وألقيه وراء المخدة .
وكنا نقعد على وسائد على الأرض ونستند إلى مخدات وراء ظهورنا.
-فضحك وقال : أنت تفعل هذا؟
-قلت : نعم ، وأما الآن فأنا أشربه لأنني كبير .
قال : وأنا كبير .
-قلت : لا ، لست كبيراً . وتركته وهممت بالإنصراف .
-قال : ياعمو أنا كبير ، أشربه .
-فالتفت إليه وقلت : إنك لا تستطيع أن تشربه ، الله يرضى عليك ، الصغار لا يشربون الدواء الكريه .
-قال : أنا لست صغيراً ، أشربه ، أنظر شوف كيف حاشربه .
والتفت ببعض جسدي فرأيته قد شرب الدواء .
فالصدق مع الصغار ، خير من أن نكذب عليهم وأن نوهمهم ما يكذبه الواقع.
3- موقف تربوي :
يقول أيضاً رحمه الله :
كنت أطالع يوماً في غرفتي ، فسمعت حواراً بين ابنتي الصغرى وكان عمرها أربع سنوات ، وبين أمها .
البنت : ماما في غرفة بابا ضبع .
الأم : ضبع!؟
البنت : أي والله تحت كومة المجلات .
الأم : حرام الكذب يا بنت .
البنت : والله ، والله ، في غرفة بابا ضبع .
الأم : بس يا بنت لا تكذبي .
فبكت البنت ، وهرعت إلي تستشهدني ، فضحكت وقلت لأمها ، اسأليها ماهو حجم الضبع الذي رأته وما هو لونه؟
قالت البنت : هو أسود بقدر الإصبع .
فغضبت الأم وقالت : كيف تقول إن الأطفال لا يكذبون ، وهذه البنت تكذب وتصر على الكذب؟
قلت إنها لم تكذب ، فتعالي حتى أريك هذا الضبع ، وذهبنا فإذا هو صرصور.
فقلت لها : الأولاد مفطورون على الصدق ، فإذا كذب الطفل فإنما يكذب لسوء التقدير كما قدرت أن الصرصور ضبع ، ذلك أنها تسمع أن الضبع مخيف ، قبيح ، ولا تعرف ماهو فلما رأت الصرصور فخافت منه واستقبحته ، ظنته هو الضبع .
أويكذب الأطفال وهذا هو الغالب ، خوفاً من عقوبة الآباء والأمهات ، فلينتبه المربون الذين يقسون على أولادهم ، فإنهم يدفعونهم إلى الكذب ...إلخ
4- علاج الخوف : ومن تجاربي مع بناتي : أن إحداهن كانت تخشى الخروج إلى الحديقة ليلاً ، وكنا نسكن في سفح قاسيون في دار لها حديقة ، فإذا جن الظلام وأظلمت خافت البنت أنت تخرج إليها ، فأعطيتها مرة كشافاً كهربائياً ، فخرجت بها إلى الحديقة وهي ممسكة بيدي ، وبيدها الأخرى الكشاف ، فلما توسطنا الحديقة قلت لها : أضيئي نور الكشاف فأضاءت ، وقلت لها : ألا ترين ، هذه هي الشجرة التي كنا نراها في النهار ، وهذه البركة الصغيرة ، ماتغير شيء ، كل شيء في مكانه فلماذا تخافين الخروج؟ ألا تخرجين في النهار ، قالت : نعم ، قلت : ما الذي تغير؟
والخوف إن كان له سبب معقول كان طبيعياً ، فمن كان له طفل يخاف من الظلام ، فدواؤه أن يهجم به على ما يخاف منه ، فإذا اطمأن إليه زال خوفه .