ابوالمؤيد
15 - 2 - 2005, 04:45 PM
ذكريات من ربيع التربية والتعليم
محمد بن أحمد الرشيد *
كما أنّ الربيع أجمل ما في الفصول، والشباب أجمل ما في العمر، كذلك المدة التي قضيتها في وزارة التربية والتعليم كانت من أخصب وأمتع سنوات عمري، في آفاقها وأعماقها، وحلوها ومرها، وعسرها ويسرها؛ لأن العبرة الحقيقية في العاقبة، فالحكيم يرى من خلال مرارة الدواء العافية التي تُعقبه، وفي الشدة الأجر الذي يحتسبه عند الله في الرضا، فتهون المرارة، وتنقلب الشدة رخاء، والمعاناة أنساً ورضاً. كانت المدة التي تشرفت فيها بالعمل في وزارة التربية والتعليم أغنى فترات عمري؛ لأنني نعمت فيها بالتعامل مع قيادة عاضدتني وآزرتني، وأرشدتني ووجهتني، وسعدت فيها بالعمل مع أناس تدرجت صلتي بهم من الزمالة إلى الصداقة، ومن الصداقة إلى الأخوة، فأحسست، وأحسّوا معي، أننا أبناء أسرة واحدة. كنا نتفق كثيراً، ونختلف قليلاً، وكان من أهم ما اتفقنا عليه - بعد التفاني في خدمة الدين والوطن - أن اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضيّة. وكنا دائماً نردّد قول إمامنا الشافعي - رحمه الله: قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري (عندي) خطأ يحتمل الصواب. لقد نجحنا في إنجاز الكثير مما كنا نرجو إنجازه، وذلك بفضل الله، ثم بفضل التعاون والإخلاص، وأخطأنا, ولا بد للعاملين من الخطأ، إذ (كل بني آدم خطاء)، ولكنه خطأ القصور البشري والضعف الإنساني، وليس خطأ التعمد، أو الخيانة. إن شكري - بعد الله سبحانه - مزجى إلى قيادتنا الرشيدة التي مكنتني من أمور كثيرة، في مقدمتها: الإسهام بفكري وجهدي ومعرفتي المتواضعة في دفع عملية التعليم. وتعرفت على الكثيرين من كرام أبناء بلدي الذين ما كنت لأحظى بمعرفتهم لولا موقعي. وزرت معالم بلدي، وعرفت مدنه، وقراه، ووقفت على أحوال الناس فيها، ولمست الإمكانات الهائلة لهذا الوطن، وازددت اطمئناناً إلى أن مستقبله زاهر بإذن الله. إنّ شكري جزيل، وعرفاني جميل لكل إخواني وأخواتي من المعلمين والمعلمات، والمواطنين والمواطنات الذين أمدوني بالرأي، وقدموا إليّ النصيحة أو خصّوني بدعوة في ظهر الغيب، وعذراً مضاعفاً لكل من أخطأت في حقه أو أسأت إليه عن غير قصد. أما دفء العاطفة، وصدق المودة الذي غمرني به من لا أستطيع إحصاءهم من المحبين المخلصين من منسوبي وزارة التربية والتعليم وغيرهم بمناسبة انتهاء عملي، سواء الذين هاتفوا، أو زاروا، أو كتبوا، فأمر أعجز عن أداء حقهم فيه من الشكر، وأشعر أمامه بالخجل. وأؤكد أنه لا خير فينا جميعاً إذا لم نكن دائماً خداماً لديننا، وكياننا السعودي، منافحين عنه، معتزين به، باذلين - نحن معشر التربويين - كل ما نقدر عليه في سبيل رسالة التربية والتعليم. لقد أثلج صدري أن خلفني في حمل عبء التربية والتعليم معالي الأخ الدكتور عبد الله بن صالح العبيد، الذي عرفت فيه: الفضل، والاستقامة، والإخلاص، والدأب، وحصافة الرأي، والخلق الحميد. عرفت تخصصه العلمي التربوي في إحدى الجامعات المرموقة من جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، وعرفت المناصب التي تقلّدها، والوظائف التي تقلب فيها، فعرفت في ذلك جميعاً: التجربة الثرّة، والخبرة العميقة. لقد قلت لمعالي الأخ الكريم: إن وزارة التربية والتعليم زاخرة - بحمد الله - بعدد كبير من الإخوة والأخوات المخلصين، القادرين، المؤهلين، الذين كانوا أكبر عون لي في إنجاز ما وفقنا الله تعالى إلى إنجازه خلال المدة التي تشرفت فيها بالعمل في الوزارة، وأنا على ثقة واطمئنان أنهم لن يخيبوا أمل وزيرهم الجديد. ويعرف أخي معالي الوزير أن حصيلتي المتواضعة من العلم، والتجارب والخبرة هي دائماً في خدمة رسالة التربية والتعليم بغض النظر عن الموقع الذي أنا فيه، لأني أؤمن أن التربية هي مفتاح التنمية والتقدم، بل أسّ الحضارة الأول، وركنها الركين؛ لذلك رفعنا في الوزارة شعارنا الذي لم نكفّ عن ترديده في السنوات العشر الماضيات (وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة)، وهذه التربية أول من ينهض بها: معلمون قادرون مؤهلون يرون عملهم رسالة لا وظيفة، يبتغون أجْره، قبل الأُجرة عليه. أعان الله معالي الأخ الكريم على خدمة رسالة التربية والتعليم، ووفقنا جميعاً إلى كل ما فيه عزة ديننا ووطننا، إنه أكرم مسؤول.
وزير التربية والتعليم سابقاً
المصدر : جريدة الجزيرة - الثلاثاء 15 فبراير 2**5م
محمد بن أحمد الرشيد *
كما أنّ الربيع أجمل ما في الفصول، والشباب أجمل ما في العمر، كذلك المدة التي قضيتها في وزارة التربية والتعليم كانت من أخصب وأمتع سنوات عمري، في آفاقها وأعماقها، وحلوها ومرها، وعسرها ويسرها؛ لأن العبرة الحقيقية في العاقبة، فالحكيم يرى من خلال مرارة الدواء العافية التي تُعقبه، وفي الشدة الأجر الذي يحتسبه عند الله في الرضا، فتهون المرارة، وتنقلب الشدة رخاء، والمعاناة أنساً ورضاً. كانت المدة التي تشرفت فيها بالعمل في وزارة التربية والتعليم أغنى فترات عمري؛ لأنني نعمت فيها بالتعامل مع قيادة عاضدتني وآزرتني، وأرشدتني ووجهتني، وسعدت فيها بالعمل مع أناس تدرجت صلتي بهم من الزمالة إلى الصداقة، ومن الصداقة إلى الأخوة، فأحسست، وأحسّوا معي، أننا أبناء أسرة واحدة. كنا نتفق كثيراً، ونختلف قليلاً، وكان من أهم ما اتفقنا عليه - بعد التفاني في خدمة الدين والوطن - أن اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضيّة. وكنا دائماً نردّد قول إمامنا الشافعي - رحمه الله: قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري (عندي) خطأ يحتمل الصواب. لقد نجحنا في إنجاز الكثير مما كنا نرجو إنجازه، وذلك بفضل الله، ثم بفضل التعاون والإخلاص، وأخطأنا, ولا بد للعاملين من الخطأ، إذ (كل بني آدم خطاء)، ولكنه خطأ القصور البشري والضعف الإنساني، وليس خطأ التعمد، أو الخيانة. إن شكري - بعد الله سبحانه - مزجى إلى قيادتنا الرشيدة التي مكنتني من أمور كثيرة، في مقدمتها: الإسهام بفكري وجهدي ومعرفتي المتواضعة في دفع عملية التعليم. وتعرفت على الكثيرين من كرام أبناء بلدي الذين ما كنت لأحظى بمعرفتهم لولا موقعي. وزرت معالم بلدي، وعرفت مدنه، وقراه، ووقفت على أحوال الناس فيها، ولمست الإمكانات الهائلة لهذا الوطن، وازددت اطمئناناً إلى أن مستقبله زاهر بإذن الله. إنّ شكري جزيل، وعرفاني جميل لكل إخواني وأخواتي من المعلمين والمعلمات، والمواطنين والمواطنات الذين أمدوني بالرأي، وقدموا إليّ النصيحة أو خصّوني بدعوة في ظهر الغيب، وعذراً مضاعفاً لكل من أخطأت في حقه أو أسأت إليه عن غير قصد. أما دفء العاطفة، وصدق المودة الذي غمرني به من لا أستطيع إحصاءهم من المحبين المخلصين من منسوبي وزارة التربية والتعليم وغيرهم بمناسبة انتهاء عملي، سواء الذين هاتفوا، أو زاروا، أو كتبوا، فأمر أعجز عن أداء حقهم فيه من الشكر، وأشعر أمامه بالخجل. وأؤكد أنه لا خير فينا جميعاً إذا لم نكن دائماً خداماً لديننا، وكياننا السعودي، منافحين عنه، معتزين به، باذلين - نحن معشر التربويين - كل ما نقدر عليه في سبيل رسالة التربية والتعليم. لقد أثلج صدري أن خلفني في حمل عبء التربية والتعليم معالي الأخ الدكتور عبد الله بن صالح العبيد، الذي عرفت فيه: الفضل، والاستقامة، والإخلاص، والدأب، وحصافة الرأي، والخلق الحميد. عرفت تخصصه العلمي التربوي في إحدى الجامعات المرموقة من جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، وعرفت المناصب التي تقلّدها، والوظائف التي تقلب فيها، فعرفت في ذلك جميعاً: التجربة الثرّة، والخبرة العميقة. لقد قلت لمعالي الأخ الكريم: إن وزارة التربية والتعليم زاخرة - بحمد الله - بعدد كبير من الإخوة والأخوات المخلصين، القادرين، المؤهلين، الذين كانوا أكبر عون لي في إنجاز ما وفقنا الله تعالى إلى إنجازه خلال المدة التي تشرفت فيها بالعمل في الوزارة، وأنا على ثقة واطمئنان أنهم لن يخيبوا أمل وزيرهم الجديد. ويعرف أخي معالي الوزير أن حصيلتي المتواضعة من العلم، والتجارب والخبرة هي دائماً في خدمة رسالة التربية والتعليم بغض النظر عن الموقع الذي أنا فيه، لأني أؤمن أن التربية هي مفتاح التنمية والتقدم، بل أسّ الحضارة الأول، وركنها الركين؛ لذلك رفعنا في الوزارة شعارنا الذي لم نكفّ عن ترديده في السنوات العشر الماضيات (وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة)، وهذه التربية أول من ينهض بها: معلمون قادرون مؤهلون يرون عملهم رسالة لا وظيفة، يبتغون أجْره، قبل الأُجرة عليه. أعان الله معالي الأخ الكريم على خدمة رسالة التربية والتعليم، ووفقنا جميعاً إلى كل ما فيه عزة ديننا ووطننا، إنه أكرم مسؤول.
وزير التربية والتعليم سابقاً
المصدر : جريدة الجزيرة - الثلاثاء 15 فبراير 2**5م