عائض الغامدي
28 - 4 - 2005, 11:36 PM
الحياة الهَشة للنساء
إيمان القويفلي*
العَيشُ المُشترك لا يعني بديهياتٍ مُشتركة.
النساء يعشنَ مع الرجال منذ وقتٍ طويل، لكن ما هو بديهي وشامل بالنسبةِ إليهن، يبقى مفهوماً كمسألة طارئة أو مشكلة جزئية من قِبَل الرجال. بديهيات عالم الرجال ليست بهذا الغموض فهم قادرون على إعلانها إن لم يكن على ممارستها. أسوأ أنواع الأنظمة الأبوية والمتسلطة تُفسح مجالاً تعبيرياً للذكورة لا توفّره للأنوثة؛ وتنتصر لها - أعني للذكورة.
في بداية فيلم "الساعات"، توجد أجمل وأبسط إشارة إلى البديهيات النسائية المجهولة رأيتها قط في حياتي، عندما تستيقظ النسوة بطلات الفيلم في صباحاتٍ مختلفة يفصل بين واحدها والآخر عقدان أو أكثر من السنوات، وفي أماكن مختلفة متباعدة، وضمن ثقافاتٍ متباينة. لكن عندما تستوي كل واحدة منهن قاعدة على طرف سريرها، يقمنَ جميعا ً بتلك الحركة البسيطة التي تعرفها كل امرأة على وجه الأرض: تمد ذراعها لتجمع شعرها على مؤخرة رأسها، وتبحث عن أقرب مشبكٍ لتثبتهُ حيث هو، قبل أن تنهض للاغتسال. فعل بسيط لا يأتيه رجل. إحدى هؤلاءِ النسوة هي فرجينيا وولف - الروائية والناقدة الإنجليزية، وهذه الإيماءة الرفيعة لائقة بكاتبةٍ عبقرية كانت مدركة جداً لحقيقة اختلاف تجربة النساء الحياتية بشكلٍ جذري عن تجربة الرجال، وحذرة ً جداً في ذات الوقت من أن تبدو مهتاجة، غاضبة، حانقة، أو مغتربة بسبب ذلك. رغم أنها شعَرت هكذا.
... غاضبة لأنها تضطر إلى تثبيت شعرها بمشبكٍ كل صباح؟ بالطبع لا. ليست هذه هي بديهيات الاختلاف التي تثير الغضب. لا هذه ولا جملة الفروقات البيولوجية الاعتيادية. لكنها غاضبة لأنهُ وبناء على عددٍ من البديهيات المظهرية والفروقات التشريحية، تشكلت وبُنيَت جملة من البديهيات الحقوقية والسلوكية والاجتماعية. طبقة كثيفة من البديهيات الذكورية عما يجب على المرأة وما لا يحق لها مؤسس ومربوط بشكلٍ غير منطقي بشعرها الطويل وقدرتها على الحمل والإنجاب. والبديهيات الذكورية هذه تخلق نمطاً وشروطاً محددة ووجهاً آخر للحياة تعرفهُ وتعرفها النساء فقط كبديهيات عالمهنّ الخاص.
عندما كتبَ المحررون المتحمّسون من الرجال والنساء الأسبوعين الماضيين تعليقاً على مسألة العَضل، كتبوا بطريقة الحديث عن مشكلةٍ بحدّ ذاتها، أو حالةٍ طارئة وقتية. بحيث يظهر تفعيل قرار سماحة المُفتي كحل جذري وذي أهمية كبيرة في تحسين حياة النساء. هذا منظور ذكوري للأشياء، عاجز عن إدراك البديهية الكبرى التي تشمل وتغمر قرار المفتي وحالات العضل، البديهية التي تعرفها النساء جيدا ً...
القصة ليست حالات العَضل وتفاصيله وأسبابه، ولا الطلاق والنفقة، ولا المحرم، ولا الوكيل الشرعي. القصة قصة حياة مهددة طوال الوقت، وقائمة على انتهاز الفرَص أو الاستعطاف أو حتى الخداع، للحصول على أي شيء. إن صَدَقت امرأة مع نفسها، فلن تملك إلا الاعتراف بأن حياتها شديدة الهشاشة، وأن هذه هيَ البديهية الأولى والكبيرة التي تعيش في ظلها. إن حياتها سهلة الهَدم والتغيير ضد رغبتها وحاجتها في أيةِ لحظة. كل حيوات النساء كذلك. وأفضلنا عيشا ً وأكثرنا حيازة على الحريات والصلاحيات والاستقلال، هي مجرد امرأة تعيش ضمن جُملة ركيكة كل جيدٍ فيها، جيدٌ لأن رجلا ً ما سَمَح أو وَهَب أو سهّل أو تغاضى أو ساعد. جملة جيدة بشكل مؤقت مهما دامت، غير ثابتة وكل ما فيها عرضة دائمة ٌ للنزع والتقييد.
عندما وقفت (حياة سندي) التي تفتخرون بها بجليل قدرها لتحاضر قبل أسابيع في الغرفة التجارية بالدمام، أكدت أنها بقيَت عامين تنتظر أن يسمح لها والدها بالسفر إلى بريطانيا منفردة من أجل الدراسة، وقد كان بإمكانه - ببساطة شديدة - ألا يفعل. كانَ بإمكانه.
إيمان القويفلي*
العَيشُ المُشترك لا يعني بديهياتٍ مُشتركة.
النساء يعشنَ مع الرجال منذ وقتٍ طويل، لكن ما هو بديهي وشامل بالنسبةِ إليهن، يبقى مفهوماً كمسألة طارئة أو مشكلة جزئية من قِبَل الرجال. بديهيات عالم الرجال ليست بهذا الغموض فهم قادرون على إعلانها إن لم يكن على ممارستها. أسوأ أنواع الأنظمة الأبوية والمتسلطة تُفسح مجالاً تعبيرياً للذكورة لا توفّره للأنوثة؛ وتنتصر لها - أعني للذكورة.
في بداية فيلم "الساعات"، توجد أجمل وأبسط إشارة إلى البديهيات النسائية المجهولة رأيتها قط في حياتي، عندما تستيقظ النسوة بطلات الفيلم في صباحاتٍ مختلفة يفصل بين واحدها والآخر عقدان أو أكثر من السنوات، وفي أماكن مختلفة متباعدة، وضمن ثقافاتٍ متباينة. لكن عندما تستوي كل واحدة منهن قاعدة على طرف سريرها، يقمنَ جميعا ً بتلك الحركة البسيطة التي تعرفها كل امرأة على وجه الأرض: تمد ذراعها لتجمع شعرها على مؤخرة رأسها، وتبحث عن أقرب مشبكٍ لتثبتهُ حيث هو، قبل أن تنهض للاغتسال. فعل بسيط لا يأتيه رجل. إحدى هؤلاءِ النسوة هي فرجينيا وولف - الروائية والناقدة الإنجليزية، وهذه الإيماءة الرفيعة لائقة بكاتبةٍ عبقرية كانت مدركة جداً لحقيقة اختلاف تجربة النساء الحياتية بشكلٍ جذري عن تجربة الرجال، وحذرة ً جداً في ذات الوقت من أن تبدو مهتاجة، غاضبة، حانقة، أو مغتربة بسبب ذلك. رغم أنها شعَرت هكذا.
... غاضبة لأنها تضطر إلى تثبيت شعرها بمشبكٍ كل صباح؟ بالطبع لا. ليست هذه هي بديهيات الاختلاف التي تثير الغضب. لا هذه ولا جملة الفروقات البيولوجية الاعتيادية. لكنها غاضبة لأنهُ وبناء على عددٍ من البديهيات المظهرية والفروقات التشريحية، تشكلت وبُنيَت جملة من البديهيات الحقوقية والسلوكية والاجتماعية. طبقة كثيفة من البديهيات الذكورية عما يجب على المرأة وما لا يحق لها مؤسس ومربوط بشكلٍ غير منطقي بشعرها الطويل وقدرتها على الحمل والإنجاب. والبديهيات الذكورية هذه تخلق نمطاً وشروطاً محددة ووجهاً آخر للحياة تعرفهُ وتعرفها النساء فقط كبديهيات عالمهنّ الخاص.
عندما كتبَ المحررون المتحمّسون من الرجال والنساء الأسبوعين الماضيين تعليقاً على مسألة العَضل، كتبوا بطريقة الحديث عن مشكلةٍ بحدّ ذاتها، أو حالةٍ طارئة وقتية. بحيث يظهر تفعيل قرار سماحة المُفتي كحل جذري وذي أهمية كبيرة في تحسين حياة النساء. هذا منظور ذكوري للأشياء، عاجز عن إدراك البديهية الكبرى التي تشمل وتغمر قرار المفتي وحالات العضل، البديهية التي تعرفها النساء جيدا ً...
القصة ليست حالات العَضل وتفاصيله وأسبابه، ولا الطلاق والنفقة، ولا المحرم، ولا الوكيل الشرعي. القصة قصة حياة مهددة طوال الوقت، وقائمة على انتهاز الفرَص أو الاستعطاف أو حتى الخداع، للحصول على أي شيء. إن صَدَقت امرأة مع نفسها، فلن تملك إلا الاعتراف بأن حياتها شديدة الهشاشة، وأن هذه هيَ البديهية الأولى والكبيرة التي تعيش في ظلها. إن حياتها سهلة الهَدم والتغيير ضد رغبتها وحاجتها في أيةِ لحظة. كل حيوات النساء كذلك. وأفضلنا عيشا ً وأكثرنا حيازة على الحريات والصلاحيات والاستقلال، هي مجرد امرأة تعيش ضمن جُملة ركيكة كل جيدٍ فيها، جيدٌ لأن رجلا ً ما سَمَح أو وَهَب أو سهّل أو تغاضى أو ساعد. جملة جيدة بشكل مؤقت مهما دامت، غير ثابتة وكل ما فيها عرضة دائمة ٌ للنزع والتقييد.
عندما وقفت (حياة سندي) التي تفتخرون بها بجليل قدرها لتحاضر قبل أسابيع في الغرفة التجارية بالدمام، أكدت أنها بقيَت عامين تنتظر أن يسمح لها والدها بالسفر إلى بريطانيا منفردة من أجل الدراسة، وقد كان بإمكانه - ببساطة شديدة - ألا يفعل. كانَ بإمكانه.