عائض الغامدي
3 - 5 - 2005, 10:04 AM
حمود أبو طالب
لم يجف حبر الأمس، ولا قبل الأمس، ولا الأمس الذي قبله، ليبدأ انسكاب حبر الأحزان مجدداً.
أقسم إنني كنت متأكداً حد اليقين بأن لا شيء سيتغير، لسبب منطقي جداً هو أنه لا بوادر ولا مؤشرات ولا نية تدل على ذلك، مهما تفاقمت الكوارث.
ما زال ذلك الصباح يداهم ذاكرتي بفجيعته الشرسة حين ابتلع الوادي حافلة صغيرة كانت مليئة بالبراءة والفرح لزهرات ذاهبات إلى المدرسة. كان ذلك قبل عشر سنوات تقريباً ولم يحدث شيء. لم يتحرك أحد، أو حتى يتعاطف على الأقل مع أحزان الناس في تلك القرى من منطقتي.
الأمر يتكرر بصورة سريعة لا تسمح بمسح الدموع السابقة.. الموت العبثي لا يريد التوقف في هذه المساحة المنكوبة من الأرض، وعلى أهلها أن يستسلموا لهذه الحقيقة.
من أقصى نقطة في الجنوب إلى مشارف مكة المكرمة، من منحدرات عسير إلى سهول تهامة التي يزيدها التعب سخونة. لا شيء يهم.
جسر صغير على واد إما غير موجود أو موجود بلا ضمير، ينهار مع أول دفقة للسيل، ولا يهم أن يجوع الأطفال، ويموت المرضى، وتنفجر أرحام الحوامل. بل لا يهم حين تجرف السيول الإنسان والحيوان ليتجاورا في أعماق الطين أو البحر.
وحين يهادن هذا الموت قليلاً، فهناك موت آخر لا يتوقف، إنه موت الطرق التي يجب أن يستحي من أسماها طرقاً. تلك الأشباح السوداء الضيقة المهلهلة التي لم تترك بيتاً دون أن تنفث فيه سم الأحزان الثقيلة. الضحايا يتساقطون كل يوم ولم يجرؤ مسؤول ليقول إن السبب هو الطريق، بل الإكليشة الدائمة التي اعتدنا عليها هي (المرحوم غلطان) متهورون أنتم يا أهل الجنوب، تعشقون الموت وتبحثون عنه.
ولهذا السبب أرجوكم يا إخوتي الذين تريدون مقاضاة وزارة النقل بسبب كارثة عقبة ضلع ألا تهدروا وقتكم وتتلفوا أعصابكم، لن يحدث شيء، إن لم تكن النتيجة اتهامكم بالإزعاج، وإذا لم تصدقوني اسمعوا هذه الحكاية:
قبل سنوات نشرت هذه الصحيفة تقريراً مفصلاً عن مخالفات وتجاوزات شنيعة لإدارات الطرق في تسع من مناطق المملكة، تلك التفاصيل القاتلة كانت كفيلة بتفسير أسباب الدماء التي تسيل كل يوم، وكانت كافية للتحرك الفوري لكل مستويات المسؤولية حينها كتبت معلقاً على ذلك التقرير، معلقاً فقط دون تحريف في محتواه. أتدرون ما ذا حدث؟ لقد ثارت وزارة المواصلات وقامت قيامتها ضدي وكأنني أنا الذي أعددت التقرير، اتهمتني الوزارة بتشويه صورتها وخدش منجزاتها وتثبيط همم العاملين المخلصين فيها و... و... إلى آخر المنظومة التي تعرفونها جيداً. ليس هذا فحسب، بل يجب أن أعتذر وإلا سوف تقوم الوزارة بكسر قلمي وقطع لساني، وطبعاً لم أعتذر وصمتت الوزارة، ليس هذا هو المهم، بل الأهم أن ذلك التقرير المرعب تلاشى بسرعة ولم نسمع شيئاً بشأنه... وبالتالي يا إخوتي المنكوبين في أهلهم إلى من ستشتكون الوزارة. من سوف يحاسبها؟ هل سمعتم عن مدير صغير حوكم وأدين وعوقب؟ طبعاً لا، فما بالكم بوزارات ووزراء؟. غاية الأمر إذا تضخمت الفضيحة أن يُقال المسؤول.
آلاف المليارات صرفت من الدولة، ولكن أين نتائجها؟ فتات من المشاريع المشوهة التي لا تساوي تكلفتها أدنى نسبة تتخيلونها مما رصد لها. لماذا؟ لأن المساءلة غائبة والضمير غائب والعقاب ليس في قاموسنا، وذلك ما سمح لكثير من المسؤولين أن يتشدقوا بإنجازاتهم العظمى، مع أن الناس ضحية تلك الإنجازات.
قبل كتابة هذا المقال ذهبنا لتعزية أسرة في جازان من ضحايا كارثة عقبة ضلع، أتدرون ما هي المفاجأة، باب المنزل موصد لأنه لا يوجد أحد فيه. أسرة بكاملها (9 أشخاص) لم يعد لها وجود في سجلات الأحوال المدنية لأنه لم يبق حي واحد فيها.
حين تتجه البوصلة جنوباً تصبح الحياة رخيصة... لا جديد في الأمر أيها الأحبة، وما زلت متأكداً أنني أو أحداً غيري سوف يكتب قريباً جداً عن نسخة جديدة من ذات المأساة لذلك اعقلوا واحتسبوا.
لم يجف حبر الأمس، ولا قبل الأمس، ولا الأمس الذي قبله، ليبدأ انسكاب حبر الأحزان مجدداً.
أقسم إنني كنت متأكداً حد اليقين بأن لا شيء سيتغير، لسبب منطقي جداً هو أنه لا بوادر ولا مؤشرات ولا نية تدل على ذلك، مهما تفاقمت الكوارث.
ما زال ذلك الصباح يداهم ذاكرتي بفجيعته الشرسة حين ابتلع الوادي حافلة صغيرة كانت مليئة بالبراءة والفرح لزهرات ذاهبات إلى المدرسة. كان ذلك قبل عشر سنوات تقريباً ولم يحدث شيء. لم يتحرك أحد، أو حتى يتعاطف على الأقل مع أحزان الناس في تلك القرى من منطقتي.
الأمر يتكرر بصورة سريعة لا تسمح بمسح الدموع السابقة.. الموت العبثي لا يريد التوقف في هذه المساحة المنكوبة من الأرض، وعلى أهلها أن يستسلموا لهذه الحقيقة.
من أقصى نقطة في الجنوب إلى مشارف مكة المكرمة، من منحدرات عسير إلى سهول تهامة التي يزيدها التعب سخونة. لا شيء يهم.
جسر صغير على واد إما غير موجود أو موجود بلا ضمير، ينهار مع أول دفقة للسيل، ولا يهم أن يجوع الأطفال، ويموت المرضى، وتنفجر أرحام الحوامل. بل لا يهم حين تجرف السيول الإنسان والحيوان ليتجاورا في أعماق الطين أو البحر.
وحين يهادن هذا الموت قليلاً، فهناك موت آخر لا يتوقف، إنه موت الطرق التي يجب أن يستحي من أسماها طرقاً. تلك الأشباح السوداء الضيقة المهلهلة التي لم تترك بيتاً دون أن تنفث فيه سم الأحزان الثقيلة. الضحايا يتساقطون كل يوم ولم يجرؤ مسؤول ليقول إن السبب هو الطريق، بل الإكليشة الدائمة التي اعتدنا عليها هي (المرحوم غلطان) متهورون أنتم يا أهل الجنوب، تعشقون الموت وتبحثون عنه.
ولهذا السبب أرجوكم يا إخوتي الذين تريدون مقاضاة وزارة النقل بسبب كارثة عقبة ضلع ألا تهدروا وقتكم وتتلفوا أعصابكم، لن يحدث شيء، إن لم تكن النتيجة اتهامكم بالإزعاج، وإذا لم تصدقوني اسمعوا هذه الحكاية:
قبل سنوات نشرت هذه الصحيفة تقريراً مفصلاً عن مخالفات وتجاوزات شنيعة لإدارات الطرق في تسع من مناطق المملكة، تلك التفاصيل القاتلة كانت كفيلة بتفسير أسباب الدماء التي تسيل كل يوم، وكانت كافية للتحرك الفوري لكل مستويات المسؤولية حينها كتبت معلقاً على ذلك التقرير، معلقاً فقط دون تحريف في محتواه. أتدرون ما ذا حدث؟ لقد ثارت وزارة المواصلات وقامت قيامتها ضدي وكأنني أنا الذي أعددت التقرير، اتهمتني الوزارة بتشويه صورتها وخدش منجزاتها وتثبيط همم العاملين المخلصين فيها و... و... إلى آخر المنظومة التي تعرفونها جيداً. ليس هذا فحسب، بل يجب أن أعتذر وإلا سوف تقوم الوزارة بكسر قلمي وقطع لساني، وطبعاً لم أعتذر وصمتت الوزارة، ليس هذا هو المهم، بل الأهم أن ذلك التقرير المرعب تلاشى بسرعة ولم نسمع شيئاً بشأنه... وبالتالي يا إخوتي المنكوبين في أهلهم إلى من ستشتكون الوزارة. من سوف يحاسبها؟ هل سمعتم عن مدير صغير حوكم وأدين وعوقب؟ طبعاً لا، فما بالكم بوزارات ووزراء؟. غاية الأمر إذا تضخمت الفضيحة أن يُقال المسؤول.
آلاف المليارات صرفت من الدولة، ولكن أين نتائجها؟ فتات من المشاريع المشوهة التي لا تساوي تكلفتها أدنى نسبة تتخيلونها مما رصد لها. لماذا؟ لأن المساءلة غائبة والضمير غائب والعقاب ليس في قاموسنا، وذلك ما سمح لكثير من المسؤولين أن يتشدقوا بإنجازاتهم العظمى، مع أن الناس ضحية تلك الإنجازات.
قبل كتابة هذا المقال ذهبنا لتعزية أسرة في جازان من ضحايا كارثة عقبة ضلع، أتدرون ما هي المفاجأة، باب المنزل موصد لأنه لا يوجد أحد فيه. أسرة بكاملها (9 أشخاص) لم يعد لها وجود في سجلات الأحوال المدنية لأنه لم يبق حي واحد فيها.
حين تتجه البوصلة جنوباً تصبح الحياة رخيصة... لا جديد في الأمر أيها الأحبة، وما زلت متأكداً أنني أو أحداً غيري سوف يكتب قريباً جداً عن نسخة جديدة من ذات المأساة لذلك اعقلوا واحتسبوا.